نسرين مسعي - الأسباب الواقعية لإنخفاض مؤشرات الوجود الفعال للمساهمين في شركة المساهمة

اولا : ظمور نية الاشتراك لدى صغار المساهمين لا يهتم عادة بصغار المساهمين إلاّ بما تحققه الشركة من ربح دون الاهتمام بالجانب التنظيمي لها، ولعل أبرز سبب يسوق إلى هذا التفكير هو ظمور نية الاشتراك لدى هذا النوع من المساهمين وسيطرة سيكولوجية المساهم المضارب وكذا بعض الحالات الناتجة عن الواقع كحال المساهم الذي تحتم دخوله للشركة إثر وفاة أحد أقاربه المساهمين. و تعرف نية نية الاشتراك بأنها " انصراف إدارة كل شريك إلى التعاون الإيجابي لتحقيق غرض الشركة من تكوين الشركة على قدم المساواة بينهم، فقصد الاشتراك على هذا النحو ليس إلاّ عنصرا معنويا يجب توافره عند كل شريك بهدف إنجاح المشروع وتحقيق غايته"( ).
وفي الحقيقة أنه بقدر أهمية وجود هذه النية لدى المساهم فإن تغيرها من مساهم لآخر ومن فئة لأخرى جعل منها فكرة زئبقية يصعب تحديد مفهوم واحد لها وأن أي محاولة لحصرها في مفهوم ارتجالي اعتباطي كفيل أن يقلل من قيمة تصورها كركن مهم في الشركة، وأن من بين أهم المحاولات الأكثر جرأة لأعضاء مفهوم لنية الاشتراك انتهت أن هذه النية ليست فكرة مجردة في تعريف جامد إذ تعد مفهوما نوهندسة متغير يتوزع بين التعاون الإرادي والمشاركة في التسير وتوازن المصالح وكذا غياب رابطة التبعية( ).
وتعد هذه النية الفيصل بين أصناف المساهمين داخل الشركة حيث تميز بين الشريك الحقيقي أو كما يسميه الفقه " الشريك السياسي " وبين الشريك الوهمي أو كما يسمه الفقه الشريك المستثمر «الطائفة الأولى الشركاء الذين يشاركون فعليا في العمل لأن الحق في التدخل في الحياة الاجتماعية يختلف بين الشركاء، بينما الطائفة الثانية هدفها الأساسي مالي فهي تبحث عن استثمار الأموال والمضاربة على ارتفاع أسعار الأسهم في السوق المالية»( ).
إن نية الاشتراك بالنسبة للطائفة الثانية تكاد تكون في حكم العدم، ولعل هذا الظمور لدى المساهمين ذوي النسب القليلة من الأسهم تترجم في هيمنة الأهداف الشخصية لهم على الأهداف الاجتماعية للشركة، ونأخذ بالحكم كذلك الشركاء الواقعيين، كما يسعنا القول أن المضاربين بالاسهم يعتبرون من الناحية القانونية مساهمون شركاء أما من الناحية التقنية التجارية فهم مستثمرون( ).
وعلى الرغم أن نية الاشتراك لا يقصد بها تسخير كل جهد ووقت المساهم لهذه الشركة وأن لها مظاهر متعددة وإنسيابية بين وفرتها وضآلتها إلاّ ان ظمورها الشديد لدى هذه الطائفة كان عقبة كؤود في سبيل تحقيق فعالية المساهم داخل شركة المساهمة.



ثانيا: خطر الشركات العائلية على حقوق المساهمين (من السيطرة إلى الاستحواذ)
تعرف الشركات العائلية بأنها الشركة التي ينحصر رأسمالها في عائلة واحدة وقد عرفها الفقيه لشوف (Hulshoff) في دراسته للشركات العائلية التي أجراها في 2001 بأنها « تعتبر الشركة عائلية إذا كانت:
• أكثر من 50 % من أسهم التصويت مملوكة لعائلة واحدة.
• أكثر من 50 % من الإدارة ينحدرون من العائلة التي تملك الشركة»( ).
وجدت هذه الشركات أرضية ملائمة للتوسع والانتشار في واقع الأعمال الجزائري فقد ظهرت بمظهر الخيار الذي لا بديل عنه لمواجهة تداعيات الاوضاع فتشكلت منها العديد من الشركات بوجه عام وشركات المساهمة على وجه خاص، بل غالبا ما ارتبطت بشركات المساهمة التي لا تطرح أسهمها للاكتتاب العام إذ أن جل أصحاب الشركات العائلية وخاصة منهم أولئك الذين أسسوا شركاتهم وسهروا على تنميتها لا ينظرون بعين الارتياح إلى احتمال فتح هذه الشركات على الجمهور، بل إن سهرهم الدؤوب كان على حصر رأسمالها بأن يبقى في العائلة الواحدة.
ويظهر خطر هذا النوع من الشركات على هضم حقوق المساهمين في أنه دائما ما يلجأ الشركاء بناء على أسس أدبية وليست موضوعية في اختيار الابن الأكبر والاخ الشريك المؤسس لتولي إدارة الشركةحتى ولو كان ذلك مخالفا للقواعد القانونية الشارعة للأسس الصحيحة وشروط تولى إدارة شركة المساهمة( )، فتنمو بذلك النزعة الأوتوقراطية في الإدارة لدى مؤسس الشركة العائلية أو القائم بها وهذا ما يعد من السلبيات الهامة التي تواجه حقوق باقي الشركاء، حيث يسيطر من تولى الأمر على غالبية مجريات الامور مما يرسخ مبدأ المركزية وسلوك الاعتمادية لدى شركاء العائلة، فيغضون الطرف على حقوقهم إن لم يكن قصدا فعفوا لتجنب الخلافات التي تؤثر على أداء الشركة فيصيرون على هذا الأساس صورة شكلية تكمل البناء القانوني لا أكثر، بل قد يتفاقم الأمر إلى أكثر مثل السلوكات التي تتبعها معظم الشركات العائلية الجزائرية حيث لا يجد إتباع القانون في هذه الشركات أي سبيل.
ومن أجل تحسين الأوضاع لهذه الفئة من المساهمين وجب ضرورة مراجعة آليات عمل هذه الشركات وتسليط نوع من الرقابة المكثفة الخاصة بها، وتعميق الشفافية والعلانية والإدارة على المكشوف بما يوافق الأساليب القانونية والحوكمة الرشيدة للشركات.
ثالثا: ركود البورصة الجزائرية وضعف أداءها الوظيفي في حماية المساهمين
تعرف البورصة أنها «المكان الذي تعقد فيه اجتماعات دورية في مواعيد معنية لأجل القيام بعمليات شراء وبيع الأوراق المالية»( ).
كما تعرف بأنها «سوق منظمة تنعقد في مكان معين، وفي أوقات دورية بين المتعاملين من أجل بيع وشراء مختلف الأوراق المالية»( ).
وقد نشأت للجزائر بورصة للقيم المنقولة على إثر صدور المرسوم التشريعي 93/10 المؤرخ في 23 ماي 1993 المتضمن إنشاء بورصة للقيم المنقولة المعدل والمتمم خاصة بالقانون 03/04 غير أنها لم تجسد إلى غاية 1996 حيث هيئت الأرضية القانونية والتقنية لانطلاق البورصة الجزائرية، وكان افتتاحها الفعلي في 1997 ابتداء من القرض السندي لشركة سوناطراك( ).
وقد عمد المشرع إلى إنشاء البورصة لما تلعبه من دور في حماية الاستثمار، وفي أعقاب ذلك حماية المساهمين عن طريق اكتتابه في رأس مال شركة مقيدة في البورصة من خلال هياكلها المكونة لها خاصة لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها حيث تعتمد هذه اللجنة بالخصوص إلى مراقبة (مبدأ الإفصاح والشفافية لدى الشركات المدرجة في البورصة، واشرافها على عملية إصدار وقيد تداول القيم المنقولة داخل سوق التداول)، وقد منح المشرع لهذه اللجنة كافة الصلاحيات لتكون جهة رقابية واشرافية داخل البورصة، وهذا ما يعزز من حماية المساهمين أو المقبلين على شراء الأسهم لشركات مقيدة في البورصة أو المساهم المحتمل في عملية الاكتتاب في السوق الأولية وحماية التداول بحيث يتحدد سعر الأسهم وفقا لقانون العرض والطلب( ).
وتماشيا مع إبداء الشركة لرغبتها في الإدراج في البورصة فإنها ملزمة بالمرور على مراحل رئيسية: مرحلة ما قبل الإدراج والذي يكون فيه قرار القيام بعملية اللجوء العلني الادخار للجمعية العامة الغير العادية ولا يمكن لهذه الجمعية أن تفوض لمجلس الإدارة إلاّ الصلاحيات اتي تمكن من تنفيذ هذا القرار وهو ما يعني عدم إمكانية هذا القرار دون ان يوافق عليه أصحاب الحقوق وهو أحد أهم المؤشرات الخاصة بمظهر ضمان حقوق المساهمين في المشاركة والتصويت على القرارات التي تتغير بأي تعديلات أساسية في الشركة والحرص على حصولهم على كافة المعلومات المتعلقة بالعملية( ).
ولا تدرج الشركة في البورصة إلاّ باستيفائها العديد من الشروط (التسعيرة واحترامها لمتطلبات الإفصاح والشفافية والدقة لكافة المعلومات الهامة المتعلقة بالشركة)( ).
كما يجب على الشركة في مرحلة ثانية القيام بتحرير ونشر مذكرة إعلامية تخضع لرقابة اللجنة ضمن الشروط المحددة في نظام 96/02 المتعلق بالإعلان الواجب نشره من الشركات التي تلجا إلى علانية الادخار عند إصدارها قيما منقولة ويتضمن هذا الإعلان كافة البيانات سواء المتعلقة بالقيم او بالشركة وكلها معلومات تساعد المستثمرين والمساهمين في اتخاذ قراراتهم بناءا على دراية شاملة وقد بين النظام 97/03 نموذج عن تلك المذكرة الإعلامية المتضمنة كافة المعلومات وقد عدل هذا النظام بموجب النظام 12/01 المؤرخ في 12 جانفي 2012.
ووفقا لدراسة الميدانية فقد تم التوصل إلى النتائج التالية( ):
• تلتزم الشركات المدرجة في البورصة بمبدأ الحفاظ على حقوق المساهمين والوظائف الرئيسية لأصحاب حقوق الملكية بـ (80,95) %.
• تلتزم الشركات المدرجة في البورصة بمبدأ المعاملة العادلة للمساهمين وبمستوى حسن ودرجة موافقة بلغت 70 %.
• تلتزم الشركات المدرجة في البورصة بمبدأ توفر طلبات الإفصاح والشفافية بالنسبة للبيانات المنشورة ومستوى التزامها بـ (69,01)%.
• تلتزم الشركات المدرجة في البورصة بوضع نظم اللوائح تحدد من خلالها بوضوح صلاحيات ومسؤوليات مجلس الإدارة، سجل هذا البعد مستوى موافقة قدره (67,68) %.
غير أن المتطلع على حقيقة بورصة الجزائر سيرتد إليه طرفه خائبا وهو حسير ذلك لضعف اداءها والركود الكبير في حجم التداول وهذا ما اكده التقرير الفصلي لصندوق النقد العربي حول اداء أسواق الأوراق المالية العربية لسنة 2016 حين اقرت ان بورصة الجزائر الأضعف عربيا فلا يتعدى فيها خمسة شركات مدرجة.
ولربما يرجع ذلك إلى العديد من الأسباب من أبرزها انعدام البيئة الملائمة للتفكير في تطوير البورصة بالموازات مع غياب الإطار التشريعي وغياب هيئات وصية ووجود شروط قاسية للانضمام للبورصة وتكريس أنماط البيروقراطية وتزعزع الثقة في المناخ الاستثماري الجزائري لكل هذا وذلك أدى إلى عزوف الشركات على الانضمام للبورصة ما عدا بعض الشركات الكبيرة( ).
الفقرة الرابعة: شركات غير ديمقراطية في مجتمع ديمقراطي
إذا نحن استحضرنا بعض مجريات الامور التي تتم داخل شركات المساهمة نتذكر هذه الحقيقة وهي أن كبار رجال المال والأعمال ورؤساء إدارات الشركات في الحقيقة لا يأبهون بحقوق أقلية وصغار المساهمين ولا يرونهم بعين الاعتبار فيمارسون داخل نطاق شركاتهم سلطات لا يسألون عن نتائجها أو عواقبها، ففي مثل هذه الشركات لا يمارس حملة الأسهم سلطات رقابية جوهرية كما منحهم إياها القانون على أي نحو أو بأي صورة كانت.
وقد يتساءل المرئ في عجب: أين دور القانون من كل هذا؟
إن مثل ملاك الشركات وخاصة الكبيرة من رجال المال والأعمال يمارسون على مستوى الساحة السياسية نفوذا كبيرا أن مجال سلطتهم وممارستهم لم تحده السيطرة على حقوق الأقليات داخل الشركة وحسب، بل يؤثرون في توجهات السياسة التشريعية لتفصيل القانون على مقاسهم ومقاس تصرفاتهم فيعملون متحالفين متآزرين معا من أجل الحصول على أدوار رئيسية في ذلك العالم السياسي المائج بتياراته وأحزابه فتظهر لنا قوانين من العدم لا تتناسب أبدا مع ما تقتضيه التجارة والاستثمار من استقرار ونزاهة ومن هذا المنفذ تنتهك لا بل وتسحق فئات الأقلية فيصبح لا ملجأ ولا منجى لهم سوى تقديم التنازلات عن حقوق يزعم انها كفلها لهم القانون ؟ !!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى