أحمد دسوقى - ذبح الدجاج

كيفية ذبح الدجاج


* 1 *
تنهدت من اعماقها ، و تمتمت .
  • أحان الموعد يا أحسان ؟ ما علهش ....راحت علينا يا خسارة ...​
  • ثم مسحتها بنظرة جانبية شاملة ، و هى تتجه الى المطبخ فرأتها تتألق فى ردائها الازرق الجديد و يداها تمسحان على شعرها الاسود الطويل ، فهزت رأسها متحسرة ، و اخذت تترنم بصوت خافت : " اروح لمين ، و اقول يا مين ينصفنى منك " و رفعت غطاء الاناء ، و نظرت ما فيه فراته يهدر و يفور فضمت شفتيها و نفخت بكل قوتها لتزيح البخار المتصاعد عن وجهها ، ثم مدت يمناها ، و اطفأت الموقد ، فساد السكون فجأة ، فقالت متأففة :​
  • صوتك مزعج يا شيخ ....يا ستار عليك​
  • ثم تذكرت احسان فغسلت يديها ، و خلعت ميدعتها و علقتها على مشجب هناك ، و أسرعت الى غرفتها ، فهالتها أختها بروعتها و رشاقتها فراحت تترنم بأبتسام و أصابع يديها تطرقعان فى الهواء : " جميل جمال ....مالوش مثال "​
  • حذار و الا صدقتك ....​
  • و رمقتها من جانب عينيها الواسعتين​
  • لا تصدقيننى .....أليس كذلك ؟ على اية حال انظرى الى المراة و ستعرفين حقاً صدق ما أقول ....انظرى ....​
  • و امسكت براسها بين يديها فى رقة ، ووجهته الى المراة و قالت فى مداعبة مرحة :​
  • المراة تتحدث أحسن منى ، ماذا هى " يا ست مراية ؟" ..​
  • و ثنت رقبتها ، و ارهفت اذنيها ، و كانها تنصت حقا الى همس خفيض :​
  • هل سمعت ما تقوله المراة ؟​
  • تضاحكت احسان ، و قد انصرف خجلها الى يديها فى مداعبة لا تعنى شيئا مع المشط​
  • و ماذا قالت المراة ؟​
  • تقول انك اجمل من الجمال و احلى من السكر​
  • لا يا شيخة .....​
  • و حملقت فى المراة ضاحكة ، و كأنها تتحقق من حسنها و قد ألتمعت عيناها فى سرور يهيج و قلبها يخفق بين اضلعها خفق سعادة و ابتهاج​
  • فى نفس المكان يا احسان ؟​
  • قالتها فوزية و هى تبتعد عنها بظهرها و يداها الكبيرتان الجافتان تصلحان من ملاءة السرير​
  • طبعا ....مكان السعادة لا يمكن ابدا تغييره​
  • اه يا شقية​
  • ثم مستطردة :​
  • اذكرينا مع المحبوب​
و التفتت اليها :
  • هذا اذا لم تغب عنك الذاكرة طبعا.....​
  • اتعرفين يا فوزية ؟​
  • و نظرت اليها محدقة و قد فرغت من زينتها :​
  • ما هى اجمل و اروع المنح الالهية للانسان ؟​
  • الجمال طبعا ....​
  • فى رأيى أنا ....الحب​
  • الحب ؟؟!!​
  • نعم – اه يا رب – انه لذيذ و رائع تحسينه فى كل كيانك فتشعرين بكل طيور السعادة تغرد لك و ترفرف من حواليك...​
  • لا يا شيخة ....و الله عال ....كل هذه الاشياء فى الحب​
  • و اكثر ....و اكثر يا فوزية ....احساس لذيذ ....​
  • لا استطيع ان اصفه لك ابدا فلابد ان تحسيه حتى تعرفيه ....​
  • طيب يا ست احسان ....لقد تحولنا الى فلاسفة و شعراء على اخر الزمان .....​
  • سوف ادعو لك الان باحسن الدعوات​
  • ادعى يا شيخة " ورانا ايه "​
  • يا رب امنح اختى فوزية الحب و الراحة .​
  • من قلبك يا احسان صحيح ؟​
  • من قلبى و الله يا فوزية ....صدقينى ....​
  • و تمدد بينهما سكون صغير ، اجفله صوت الام هاتفا :​
  • يا احسان الفراخ ماتت من الجوع فوق ...اطلعى اكليهم​
  • دقت الارض بحذائها الصغير ....رفعت صوتها فى غضب تمثيلى :​
  • يا سلام يا ماما يا سلام .....يعنى اكل الفراخ ( حبك ) الساعة​
  • ثم بصوت مرتفع :​
  • فوزية طالعة تأكلهم يا ماما​
  • رن صوت أمها من جديد ....​
  • و أنت على دماغك الريشة الذهب ....أختك طول النهار تعبانة و تخدم فى البيت .....​
  • يا ماما ....انا خارجه اذاكر مع ليلى ....​
  • ردت فوزية فى استسلام حسما لجدال عقيم ....تعرف فيه ان الدائرة ستدور و تقف عندها حتما​
  • انا طالعة ( ااكلهم ) يا ماما​
  • اشكرك يا فوزية ....يا احسن اخت فى الدنيا كلها​
  • ثم استدارت نحو المراة . تلقى نظرة اخيرة على زينتها و يداها تتحسسان عجيزتها​
  • سأخرج يا فوزية ....​
  • مع السلامة يا حبيبتى ....​
  • و أمسكت برأسها فى رقة ناعمة حتى لا تفسد عليها زينتها و قبلتها فى شفتيها ....​
  • متشكرة يا أحسن اخت " باى ....باى " ...​



* 2 *

  • نظرت حولها متنهدة أحست بضياع مخيف يلفها كدخان كثيف فشعرت من ثم بقلبها يغوص فى أعماق الحزن ...​
  • يا رب ...راحة القلب لاشىء أطلب سواها ....يا رب....​
  • اتجهت الى النافذة . فتحتها . اطلت منها . كان الشارع طويلا كما لو كانت تراه لاول مرة ، يبدو غاصا بالناس و الحركة و السيارات تتزاحم فيه ، و تضج بأصواتها السخيفة ، و رأت اختها تكاد تتوه – هناك – وسط الزحام لكنها تابعتها بعينين فاحصتين و هى تتحرك بين الناس خفيفة كالقط تخطر فى مشيتها كما الغزال حتى انحنت الى شارع جانبى غيبها فى داخله فقالت فى نفسها و هى لم تزل ترتفق حافة النافذة :​
  • جميلة ....لكن ساقيها عجفاوتان​
  • و مطت شفتيها ، و هزت راسها ، و غادرت مكانها من النافذة ، و توجهت الى المراة و كانها تذكرت شيئا قد غاب عنها و رفعت ذيل جلبابها القذر الى ما فوق ركبتيها و راحت تنظر خلفها الى ساقيها الممتلئتين و تتحسسهما فى اعجاب مشدوه و تقارنهما بساقى اختها ثم تبتسمت ، و قالت بصوت هامس :​
  • جميلتان ....يا فوزية ....رائعتان ...لقد صدقت ايها الفتى يا من قابلتنى فى طريقى ، و مدحت سيقانى ...انى مازلت احفظ كلماتك و لن انساها ( و الله اجمل " رجلين " ) ... اجمل " رجلين " و اروع ساقين ...صدقت ...صدقت يا من لم ترك عيناى ، و لن تراك .... و انحنت الى المشط تلتقطه ، و راحت تصفف به شعرها المموج القصير و تغطى به اذنيها الكبيرتين ....ابتعدت عن المراة و اخذت تتحسس بيديها وجهها الشاحب الجاف الذى بدأ فى هذه اللحظة هادئاً مصفراً قالت تناجى نفسها :​
  • شعرى جميل ، و لو سمح ابى لذهبت الى ( الكوافير ) كما تفعل ابنة عمى ( مديحة ) و لرجعت عندئذ بأجمل تسريحة تذرى تماماً بشعر احسان .....ثم حدقت الى صورتها فى المراة ....و تابعت كلماتها :​
  • و مع ذلك فانا السبب ....فانا مهملة .....​
  • و سكتت قليلا ريثما تبتلع ريقها ....​
  • ابدا ....فلو كنت امتلك مزيدا من الوقت لاهتممت بشعرى ، و قمت بتمشيطه فى كل ساعة كما تفعل احسان ....​
  • و هزت راسها و استطردت فى هدوء ....​
  • ثم انى اتميز عنها فى ذات الوقت بميزة الطول و الحوض الواسع ، اللذين ينقصانها حقا ....​
  • و لم تتوان و امسكت بردائها و ضمته من ناحية الوسط فبرز فى التو نهداها الكبيران ، و بان حوضها الضخم تحت خصر نحيل ، و التفتت الى الخلف تنظر بعينها جميعا الى ردفيها الثقيلين ، و قد استكانا فى دائرة مشقوقة ، أشبه شىء بكرة هائلة تتعلق فو قمة ساقيها الممتلئتين ....​
  • يخرب عقلك يا فوزية ( ايه الحلاوة دى يا بت )​
  • و ضربت بكفها على ردفيها فى سرور :​
  • منك لله يا بعيدة ...واقفة هنا قدام المراة و الفراخ فوق السطح تصرخ من الجوع .... يعنى لابد من تذكيرك كل ساعة يا فوزية ....يا ستار عليك يا شيخة .....و كانت هى امها دخلت الغرفة عليها فجأة و لمحتها تمعن النظر فى المراة و تتحقق من فتنتها و زفرت زفرة طويلة كما تفعل كل أم فى هذه اللحظات​
  • ربنا يرزقك بأبن الحلال....​
  • ارتبكت ....اهتزت ....ظنت ان امها قد قبضت عليها و هى تفكر فى نفسها فخجلت و قالت بأستكانة :​
  • انا طالعة يا ماما ....طالعة​
  • وضعت قدميها فى داخل الشبشب . توجهت الى المطبخ ، ثم غابت قليلا فيه و عادت تفتح باب الشقة ، فى ضجر غاضب ، حاملة بين يديها طعام الدجاج ، وراحت تصعد السلم فى تأن و ضيق ، حتى اذا أتمت صعودها ، وقفت تلهث و تتحسس ظهرها بيسراها ، و قالت تتنهد :​
  • يا تعبى كل يوم ....يا تعبى ....​
  • و ما ان شاهدتها الدجاجات ، تحمل بين يديها طعامها حتى هرولت إليها صائحة تتقافز من حولها فقفزت " احسان " قفزة عالية ، تقصد الطبق الذى فى يدها بينما اسرعت " فوزية " فى اعقابها تجرى ، و تقفز نحوها هى الاخرى بينما ظل " فؤاد و حمدى " يتصايحان ، و يلفان حواليها فتضاحكت و راحت ترف الاناء و تخفضه فى مداعبة مرحة و الدجاجات تصيح و رؤوسها الصغيرة تلف و ارجلها القصيرة تحملها فى خفة وراء الاناء ، الذى يحاورها صاعداً ، هابطاً حتى تمكنت " فوزية " بقفزة رائعة منها ، أن توقعه على الارض فهبطت عليه كلها فى نهم جائع ، تزدرده فى سرعة ، و كأنها فى مسابقة حمى وطيسها . تجولت بعينيها فيما حولها ، فلمحت تحت قدميها عصا صغيرة ، انحنت اليها و التقطتها و راحت تعابث بها " فؤاد " الديك الاحمر الكبير ، و تضربه على عرفه الاحمر القانى ، فيجرى الديك منها صائحا لقد كان يحمل اسم اخيها الاكبر " فؤاد " و كانت الدجاجات كلها تحمل اسم كل فرد فى العائلة كما اسمتها امها و هى لم تزل كتاكيت بعد .​
  • آه يا مجرمة​
  • قالتها بصوت مرتفع و مدت رجلها اليمنى و ركلت بها " احسان " الدجاجة السمينة ذات الريش البنى الجميل فوقع الديك الابيض ذو العرف الاحمر الكبير من على ظهرها و هو يصيح مبتعداً و كأنه يتوعد بينما جرت الدجاجة امامه ، تنزوى فى ركن بعيد ، تصيح و تقاقى و كأنها تستنكر​
  • و اذ طال وقوفها . راحت تسلى نفسها بالنظر من فوق السطوح ، و تطل على الشارع الطويل المزدحم بالعربات و الناس بيد انها أحست بسأم هائل يسرى فى دمائها فينشر ألماً خفياً فى روحها ، حتى المناظر المألوفة التى اعتادتها و ألفتها كل يوم ، و التى كانت تحبها فيما مضى من الايام ، لم تعد كما هى الان و تمنت من صميمها لو تبدلت بغيرها و رفعت يدها بحركة لا تعنى شيئا سوى الضيق و السأم و شرد ذهنها بعيداً . " كانت تعود اليها بعد ما تقابله ، و تحكى لها الساعات الطويلة عما دار بينهما من حديث حتى اللمسات الصغيرة بينهما لم تكن لتنساها ابداً فتقصها عليها بكل وقائعها و دقائقها " .​
  • آه يا رب ....لماذا أفعمت قلبها بالفرح؟ ، و ملأت كأس حياتها بالحب حتى تشربها وحدها دهاقاً ....بينما أنا أظل أعيش بين أسرتى كخادم حبيس ، تعمل فى الصباح و المساء ، دونما شكوى أو ألم حتى الشهادة التى حصلت عليها بعد تعب جهيد ماذا أجدت على ؟ . نعم ما نفعك أنت يا شهادة الثانوية العامة يا من تقبعين فى صيوان ملابسى ، ورقة مسطورة بكلمات لاخير فيها .....أما انت يا احسان فمع انك لا تزالين تتمتعين بالكثير ، مما حرمت انا منه : تتمتعين بالنزق ، و الطيش مع اننى لا اكبرك – و الله – الا بثلاثة اعوام .....انت فى السابعة عشرة و انا فى العشرين و مع ذلك فأنا أختك الكبيرة – الكبيرة جداً – و تحمر عيناك لتحصلى على ما تريدين ....أما أنا فكيف ابكى و انا كبيرة عيب على البكاء .....لماذا ؟ لاننى كبيرة ....." عيب يا بنتى انت كبيرة " هذه كلماتك يا أمى ....انا كبيرة فعيب على البكاء ....أأنا كبيرة ؟ سامحتك رحمة الاله يا ست ماما ...ثم انك يا احسان قد اعفتك اسرتنا العادلة كثيراً من اعمال البيت التى سخرت انا لها تماماً ، اما عن خروجك فما اكثره .....لارقيب عليك ، و لا حسيب ...اما انا فلماذا اخرج؟ ، و ربما يأتى ابى و سيادته يحتاج الى ابداً ....لماذا ؟ لاعمل له قهوته . ثم انت يا احسان تحبين فتى جامعياً ، سيتخرج عن قريب : وسيم و غنى و من عائلة ....آه يا احسان حياتك حظ ، فحظ ، اما قلبى فيزيد ان يخفق و لكن الاحزان قد باتت جزءا من دمائه فهو ابدا ينوء بالهم حتى " شاكر " أخ صديقتى ( عفاف ) تودد الى فرددته عن نفسى بغبائى الاحمق فما عاد و ما رانى الا ويلقانى بخشية و احترام​
  • الناس تحترمنى لانى جادة و لكنى سئمت الاحترام اريد ان اكون مثلك يا احسان ....مثلك انت ايتها الطائشة يا من تحملين فى نفسك الفجور "​
  • فوزية ....يا فوزية ...​
  • وردها النداء الزاعق ، مسرعا الى نفسها ، فقالت بصوت خافت مكروب :​
  • ابى حضر و يريد قهوته ....انا اعلم ذلك علم اليقين فنداؤك لى يا ست ماما لا يعنى الا شقائى و تعبى كلكم – يا ايها الظالمون – تستريحون لاتعب انا​
  • و مسحت عبراتها بيديها​
  • و قالت امها ، و هى تهبط السلم :​
  • لماذا تغيبت فوق ؟​
  • كنت اتفرج من فوق السطوح .....​
  • طيب تعالى اعملى القهوة لــ ...​
  • قاطعتها بمرارة :​
  • بابا حضر​
  • نعم​
  • فجمجمت فى نفسها ساخطة ....​
  • ينقصنى بعد ذلك ان اعلق فى ساقية لاديرها و اروى بها ارض اسرتى الظالمة​
  • و جاء صوت والدها و هى فى المطبخ يناديها ...​
  • يا فوزية ....بنت يا فوزية ...​
  • الرحمة يا ناس ....انا انسانة مثلكم و الله ....​
  • ثم بصوت مرتفع ....​
  • نعم يا بابا ....​
  • و كانت تبكى ....و اقبلت اليه بخطوات مهرولة فراته جالسا على الاريكة بجلبابه الاخضر و منظاره فوق انفه بينما جلست امها عن يمينه فى استرخاء مريح و قد انسكب هدوء هائل على وجهها الابيض​
  • احضرى قلما و ورقة لاكتب خطابا لاخيك فؤاد​
  • و علقت امها قائلة :​
  • اه و النبى " دا غيابه " طال و اشتاقت نفسى لرؤياه ....​
  • حدقت فيها مليا ...." هذه انا : خادم .....خادم " ....​
  • و دخلت غرفتها و رجعت اليه بقلم و ورقة​
  • و قالت امها :​
  • لا تنسى ان تقلى البطاطس بعد القهوة​
  • قال ابوها و هو يحدجها ببصر حديد من خلف منظاره :​
  • انت غبية يا بنت ، كيف اكتب و ليس هناك " ما اسند " عليه​
  • و قالت امها :​
  • دعها تلاحظ القهوة لئلا تفور​
  • طيب ( غورى ) و انا اكتبه فى غرفتكم​
  • و ارتدت الى المطبخ ساخطة و اعماقها تمور بغضب حبيس امسكت بيد الكنكة الخشبية ، و نظراتها الحزينة تطفو على سطح القهوة الذى اخذ يتعالى الان وئيدا فى صمت .... حتى اذا كادت تفور ....رفعتها عن راس الموقد المستعر وصبتها فى كوب صغير و ذهبت بها الى ابيها ثم عادت مرة اخرى الى المطبخ تقشر حبات البطاطس​
  • يكتب الخطاب فى غرفتنا​
  • و قطب جبينها كانها تذكرت شيئا......​
  • يا خبر ربما يفتش بين الكتب فيكتشف الصورة اللعينة ، فتقع الطامة ....و لكن ....لا​
  • و اسرعت الى غرفتها و انتزعت الصورة من تحت الكتب المرصوصة و خبأتها تحت مرتبة السرير ، و عادت الى المطبخ مسرعة ....بيد ان فكرة عجيبة ومضت فى رأسها فجأة و جعلتها تسرع الى غرفتها مرة ثانية ، و قالت لنفسها فى صوت مبتهج مسموع :​
  • أعظم فكرة و الله .....يا سلام ....أما أنا بنت صحيح​
  • ثم ضربت بيدها على جبينها مشجعة و ابتسمت فى سرور ، و نظرت حواليها و اخرجت الصورة بخفة و امسكتها بين كفيها و راحت تلقى عليها نظرة أخيرة فاحصة متمعنة​
  • كانت الصورة ( كارت بوستال ) لأختها و حبيبها و قد وقفا متجاورين فى ابتسام و يداهما متلامستان فى حب و كان هو واقفا وسيما عليه سيماء الرجولة بينما وقفت اختها بجانبه و الفرحة تطل من وجهها المعبر الجميل ....​
  • يا سلام على الهيام ....يا سلام​
  • و قلبت الصورة على وجهها فظهر فى التو قلب كبير كتب فوق قمته ( معا الى الابد ) كان القلب مرسوما بعناية و فى دخيلته رسم ايضا قلبان صغيران قد وشيت حوافيهما بالاحمر .... كتب على احدهما ( احسان ) و على الاخر ( محمود ) و عرفت خط اختها فى كلمة محمود ، و خط حبيبها فى ( احسان ) لقد تبادلا كتابة اسميهما معا فيالهما من عاشقين و ابتسمت من اعماقها و قالت فى سخرية :​
  • معا الى الابد .....لا ايها المدنفان بحبهما لن تكونا معا الى الابد . وضحكت .​
  • لا ...يا ابا حنفى ....ابحث لك عن عروس اخرى تكون معك الى الابد....​
  • و امسكت بالكتب ، و رفعتها قليلا و اعادتها الى مكانها تحت اخر الكتب كما كانت ....بحيث ظهر طرف منها لا باس به يدل عليها و يظهرها بوضوح و دقت على المكتب براحة يمناها و قالت فى انتشاء :​
  • عاشت المساواة بعد اليوم​
*3 *



وكرت الى المطبخ عائدة ، و قلبها يخفق بين جوانحها جذلانا ، و لكنها أحست فجاة فى دخيلتها انها فعلت شيئا ادا و انها اجرمت فى حق اختها فتعالت دقات قلبها مسرعة و قد اجتاحها خوف لم تدر مأتاه ، و جمدت فى رأسها الافكار فلم تتبين من فرط عصبيتها الطارئة أخيراً فعلت أم شراً ، بل ظل ذهنها مشغولا فى اللحظة الحاضرة بما فعلته ، و اثاره التى ستحدث فى الساعات القليلة القادمة .

كان الموقد ما زال مشتعلا ، و صوته الرتيب يفيض فى اعماقها خدرا لطيفا ، بيد ان الخوف – مع ذلك – عصف بسكينتها – فنهضت واقفة ، و سارت فى الصالة الى غير ما هدف و قد وقر فى عقلها ان تخفى الصورة فى مكان أمين حتى تسكت تلك الريح العاصفة من الالم التى عصفت بأمنها و ارعشت اعماقها ، و اهتز قلبها هائجا .... لقد وقعت الواقعة و قضى الامر ...و لا فائدة ، و رأت اباها بعينيها الزائغتين يجلس على المكتب ، و لم تلحظ عيناها – بعد ذلك – اذا كانت يمناه تكتب ، او تمسك بالصورة ، و ارتدت الى المطبخ بجزع هائل ، و جلست بتراخ ويداها ترتعشان جميعا ، و صارت تحملق فى الزيت الساخن . و قطع البطاطس البيضاء التى تهبط فى أتونه و يفرقع منها الزيت ، و كادت تحرق اصابعها أكثر من مرة ....فهتفت من أعماقها متألمة :

  • آه يا رب ....لماذا فعلت ما فعلت ؟​
  • و طفقت تدعو ربها الا ينكشف أمرها ، و صارت تعد الكلمات فى نفسها لتقابل بها اختها بعد ذلك ، و اخذ خيالها المحموم بالفزع يتخيل مجىء أختها و ما سوف يحدث لها و هى من تعرف اباها عند الغضب​
  • اجل انا اعرفه فهو رجل عنيد ، عصبى المزاج ، لا يمكن التفاهم معه ابدا و اذا اصر على شىء فهو يصر عليه بعناد و اصرار ، اغلب الظن انه سيقسم الا تذهب ابدا الى المدرسة و ربما زوجها لاول قادم حتى و لو لم يكن ندا لها ...هذا اذا لم يحدث بالطبع شىء اخر​
  • و احست بالرهبة تسرى و تلدغها فى كيانها كالكهرباء و لم تدر ماذا تفعل بل كل ما هنالك انها راحت تدعو الله من كل اعماقها الا يعرف ابوها ، انها كانت تتستر على اختها ، و ترشدها بنصائح الحب و ارشاداته​
  • اما ( احسان ) فكانت تخشى امرها تماما وودت من صميمها لو مرت الحوادث هادئة دون ان تعلم شيئا عما فعلته و قالت فى دخيلتها مخادعة :​
  • طبعا لابد لابى ان يعرف ، فهو وحده الذى يستطيع شفاءها من حبها المريض اما انا فقد نصحتها فى اول الامر و لكنها لم ترعو ، و من يدرى ربما يتطور الامر فتخرج من تجربتها محطمة شر تحطيم ، و هى شقيقتى على كل حال ، و امرها يهمنى كأخت كبيرة لها ، و بذلك أكون مسئولة عما حدث لها ...ألست الطرف الثالث فى حكايتها ؟​
  • و صمتت برهة لكنها أحست مع ذلك ، انها لم تخمد صوت الشك فى قلبها تماما​
  • كان واجبى ان أخبر أبى أو أمى ....و لكن ليست هذه هى الطريقة الصحيحة كما اعتقد ، لقد أخبرت ابى بطريقة غير مباشرة ....و هذا عين الحكمة كما ارى . و ابتسمت ....فتحت فمها ثم اغلقته ، و كأنها تبتسم حقاً ، و عاودتها الرعشة من جديد فنهضت متثاقلة و الخوف يثقل ركبتيها جميعاً ....و بخطوات متلصصة خرجت ، و بحذر شديد نظرت ....فرأت اباها ما زال منحنيا بمرفقيه على المكتب ....فجرت الى مكانها مسرعة خشية ان يراها و قلبها يخفق بين اضلعها خفق طائر ذبيح راحت تسلى نفسها من جديد بالنظر الى الزيت الذى يغلى ، و قطع البطاطس و هى تتلون و تحترق فى اتونه و يبدو ان النظر الى هذه الاشياء جميعا قد ابعدها عن التركيز فى افكارها و لكنها لم تلبث الا قليلا ، حتى نهضت مرة اخرى ، و بخطوات نعمها الخوف و الترقب بصرت بحجرتها من الصالة فلم تر اباها ...كان المقعد شاغرا من ابيها ، فشملها فزع مفاجىء و اسرعت تجلس على المقعد من جديد و قد احست كأن اغماء سيشملها فى التو ، فخفضت من صوت الموقد حتى تهدىء من اعصابها الثائرة و عندما امتدت يمناها ، و اطفأته بعد قليل ، رأت نفسها تسبح فى ضياع عميق ، ماذا عليها ان تفعل بعد ذلك ؟ ....ووقفت برهة تغسل يديها ، و تفكر و لم يسعفها التفكير السديد ، فتشجعت و تماسكت قليلا و خطت الى الصالة و دخلت غرفتها و نظرت بقلب واجف الى موضع الصورة فلم ترها ايضا ، و فتشت بين الكتب ، و تحتها بيدين عصبيتين ، مرتعشتين فلم تجدها ايضا فاتجهت الى النافذة و اطلت منها ، و بأعصاب مرتخية واجفة ، هتفت من اعماقها :​
  • يا رب ...اجعل هذه الليلة تمر بخير و سلام ....يا رب​
  • و اغرورقت عيناها بدموع الخوف ، ثم انتابها رعب مفاجىء ، فماذا لو دخل عليها ابوها يستنفر امر الصورة و عندئذ راحت تدير فى راسها حوارا ، خياليا بينها و بين ابيها و اخذت تترقب دخوله بين لحظة و اخرى و بدأت تحادث نفسها :​
  • لو كان يريد استفسارا ، لنادى على و انا فى المطبخ و لكن .....و لم تدر كيف تفكر​
  • ربما يدفعها لامى لتتأمل صورة ابنتها .....​
  • وودت لو ترى أباها فى هذه اللحظة ، حتى تهدأ اعصابها فأرهفت اذنيها ناحية الباب ، تتصنت فلم تسمع شيئا فتشجعت قليلا و أطلت برأسها فى حذر حاذر فلم تر شيئا ايضا فتشجعت اكثر ووقفت فى الصالة ، فلمحت اباها يجلس فى الشرفة ساهما كعادته حين يهمه التفكير فى شىء ما ، بينما جلست امها على الاريكة ترفو شيئا فى يدها ، و اطمأنت قليلا ، و تراجعت ، ودخلت غرفتها هادئة الاعصاب ، تبتسم لنفسها :​
  • يا خبر لماذا انا خائفة ، و هل هى صورتى حتى تتحطم اعصابى على هذا النحو و هل انا التى أحببت ؟​
  • و تماسكت أكثر و قالت تحادث نفسها :​
  • لو فرض مثلا ، و جاءنى ابى و سألنى لقلت اننى لا ادرى عن الموضوع شيئاً و لانتهى الامر​
  • و مرت الدقائق عليها ثقيلة كما الصخور ، بطيئة كالدهور و تاقت نفسها الى الهروب : بالنوم او بالخروج و من ثم استلقت على سريرها و راحت تنظر السقف فى شرود هائم ، و لكنها مع ذلك أحست بأنياب السأم من جديد تقضم روحها فنهضت متثاقلة و راحت تعيد تنظيم بعض الاشياء فى غرفتها ، بيد انها لم تلق فى ذلك ايضا عزاء ، لاعصابها المشدودة فأخذت تتسلى بالنظر الى الشارع المزدحم ، و اخذت تنظر الى كل شىء فيه بعينين زائغتين لا تبصران شيئا ابدا و طالت وقفتها دقائق كثيرة و هى مستندة بمرفقيها على قاعدة النافذة . نظرت الى السماء . فرأت العتمة تنزلق واهنة ، صامتة على افق الشرق القريب ، و تبتلع كالمجهول بعض المدينة البعيدة ....هزت راسها لقد حل المساء و اوشكت " احسان ان تعود " ....و نفخت فى ضيق و اعتمدت راسها بكفها محزونة​
  • كان ضجيج العربات ، و صوت مذياع المقهى التى تقع امامهم مباشرة يملأ الجو بضوضاء سخيفة ...لم ترنح له نفسها كثيرا ....و تبعثرت الاحداث فى راسها ، فراحت تفكر فى اشياء كثيرة فى وقت واحد ، حتى تنبهت على صوت جرس الباب الذى تتابعت زناته فى جلجلة مثيرة فأجفلت و قالت فى نفسها ( انها هى ) ...ثم جرت الى الباب تفتحه هاتفة :​
  • طيب ....طيب​
  • *4*​
  • و فتحت الباب ، فاندفعت اليها احسان فى فرح غامر ظاهر و الابتسامة السعيدة ، تستقر على شفتيها فى سرور طاغ ، و مدت راحتيها فى سعادة تربت وجنتى اختها فى رقة حبيبة بينما وقفت هذه ساكنة ، شاردة تعالج على فيها ابتسامة شاحبة ، محزونة لم تلحظها احسان بين مرحها الهائل و عتمة الماء و برز ابوها فى غرفته و كأن الارض انشقت عنه فجأة و نادى بصوته الجهورى الاجش​
  • احسان .....تعالى هنا​
  • حاضر يا بابا​
  • و مدت يسراها فى مداعبة مرحة ، وقرصتها فى ردفها و انفلتت برشاقة تسرع نحو ابيها الذى وقف فى غرفته متحفزا ، و ارتبكت فوزية فى هلع خائف كنبت تتلاعب به الرياح ، و اسرعت تدخل المطبخ دون ما هدف واضح فى ذهنها، بينما ظلت خطوات اختها المنتظمة الرشيقة تتابع فى اذنيها عبر الصالة حتى تلاشت تماما ...و حدثت نفسها متنهدة :​
  • آه ...لقد انفجرت القنبلة ...النجدة يا رب ....النجدة ....​
  • و سمعت اباها يقول لها فى نبرات تتفجر بالوعيد :​
  • اقفلى باب الشرفة​
  • و سمعت فى نفس الوقت صرير باب الغرفة يغلق فى عصبية شديدة فأدركت فى التو ان اباها يحوطها بأبواب مغلقة حتى تنال جزاءها العادل . فخرجت الى الصالة متلصصة فرأت غرفة أبيها قد اغلقت فعلا كما حذرت فى نفسها ، و سمعت ....فتمتمت فى هدوء ساخر و البسمة السعيدة ترف على شفتيها​
  • تلقى الجزاء يا ست احسان .....و اذا اردت الحب ، فلتحبى بإذن الاسرة​
  • و استوقفتها كلمات مرعدة من ابيها :​
  • يا مجرمة ...يا قذرة ....​
  • و سمعت بعد ذلك صوت أمها الجازع الهالع :​
  • لماذا فعلت ذلك يا بنتى ؟​
  • ثم تعالت صيحات ابيها بكلمات سريعة غضبى ، لحقتها فى التو ، اصوات استغاثة صارخة ، و انين و نشيج حزين ، ثم سمعت كوبا يتحطم بقوة ، و فتح الباب فجأة فى ثورة هائلة أشبه شىء بالانفجار فتوارت فوزية خلف غرفتها و تعالت الضجة اكثر مما سمعت و جرت احسان فى الصالة مهوشة الشعر ، تبحث بعينيها عن ملجأ يحميها أو شىء تختبى فيه ، و دموعها تتساقط بغزارة فى نشيج عنيف و رداؤها الازرق الجميل قد قد من دبر ، فبان قميصها النايلون الابيض و أظهر ساقيها الرقيقتين ، و لحقها أبوها و عندئذ أمسكها يشدها من شعرها ، فأختل فى التو توازنها ، و انطرحت على وجهها بقوة جسدها فأنبثق الدم غزيرا من أنفها ، فغطى فمها و ذقنها و سال على نحرها خيوطا سائلة متتابعة فبلل قميصها ، و رداءها بينما كانت يداها تضربان فى الهواء كالغريق بين الامواج ....و تصرخ فى بكاء مكلوم :​
  • سامحنى يا بابا ....انا اسفة و النبى ....( أبوس رجليك ) يا بابا ....عمرى ( ما انا ) خارجة مرة ثانية .....انا غلطانة ....غلطانة و النبى ....اتركنى فى ( عرضك ) يا بابا ....​
  • كان المنظر مثيرا ، و حزينا ، بينما ظل ابوها يشد شعرها و يلطم رأسها بجمع يده و يركل ظهرها ، و ساقيها ركلات مجنونة على حين وقفت امها فى ذعر هالع ، تدق على صدرها فى جزع حزين ، و دموعها تنهمر من عينيها و لا تستطيع حراكا خوفا من بطش زوجها و عصبيته ....و كانت فوزية تقف فى مدخل غرفتها و لا تتكلم و تشاهد المعركة دون حراك​
  • صرخ الرجل فى غيظ متأجج و قد نال منه الجهد تماماً ، فحرر قبضته من شعرها بعد ما تعلقت فى يده خصلة كبيرة من شعرها الجميل كان قد انتزعها من رأسها :​
  • على الطلاق بالثلاثة من بيتى ....عمرك ( ما أنت ) داخلة المدرسة و لا اى مدرسة بعد اليوم ....الاعدادية حصلت عليها ....عظيم كل ( الحلل ) فى المطبخ تنادى عليك بالغسيل ....​
  • ثم دهمه سعال مفاجىء ، فراح يسعل بشدة​
  • الله ينكد عليك ، و يلعنك فى كل كتاب يا مجرمة​
  • و قاطعه السعال من جديد ، حتى اذا خفت حدته ، قال مهددا :​
  • المريلة ساقطعها ، و الكتب كذلك ....و كل ما يخصك للمدرسة ....و لا مدرسة بعد اليوم انت فاهمة يا فاجرة​
  • ثم اندفع كما الثور الهائج الى غرفتها ، فتنحت له فوزية عن طريقه ، و خرج بعد دقائق يحمل حقيبتها ، و كراساتها ، و كل كتبها التى كانت على المكتب و مريلتها ايضا ، و راح يعمل فيها التمزيق و التقطيع امام بصرهم جميعاً ، و كأنه غول خرافى قد مسه الجنون ، بينما كانت احسان ترنو اليه فى خوف ، و غضب و قد انكمشت على نفسها ، و دموعها تهطل من عينيها بغزارة .​
*5*

  • و كانت ليلة رهيبة ، لم تشهدها عيناها قط ....كانت فيها الدموع و الاحزان و الغضب و اليأس و الكراهية ، أصدقاء ليلتها التعيسة ، و عندما جمعهما المساء الحزين ، سألت اختها بين دموعها :​
  • من دله على مكان الصورة يا فوزية ؟​
  • أنت يا احسان​
  • انا ....مستحيل !!​
  • قالتها فى ذلة و استغراب :​
  • نعم ....هل كنت تعتقدين ان صورة خطرة مثل هذه مكانها الصحيح تحت الكتب و الكراسات ....دون ان تأخذى حذرك لاى موقف تتعرضين له​
  • لقد كنت اريها لك يا فوزية​
  • ليكن ....لقد كان الواجب ......يحتم عليك ان تخبئيها فى مكان أمين​
  • آه صحيح ....حظى يا فوزية ....نسيتها ....ماذا أفعل ؟ ...لا ينفع – كما يقال​
  • حذر من قدر​
  • ثم سكتت قليلا و مسحت دموعها ، و استطردت :​
  • و لكن كيف راها بابا يا فوزية ؟​
  • كنت يا ست اقلى البطاطس فى المطبخ ، حينما دخل يكتب خطابا لاخيك فؤاد ....و لكنى لاحظت و انا امضى فى الصالة انه يفتش بين الكتب ....فقاطعتها بحزن مرير :​
  • ألم تستطيعى ان تخبئيها فى مكان أمين يا فوزية ؟​
  • عجبا لك يا احسان ...اعرف انه سيدخل غرفتنا و لا اخبئها ....يا ليتنى كنت اعلم ، فما كان ذلك ليحدث ابدا ....و لكن .....​
  • و تنهدت من اعماقها كمن تأسى على شىء عظيم ، و استطردت تقول فى هدوء :​
  • و لكن – بينى و بينك – عندما شاهدته يدخل الغرفة ....انتابنى خوف حقيقى ، فقرأت الفاتحة و دعوت الله ان تمر الليلة بخير و سلام ..... و حين لاحظت انه يقلب بين الكتب ( ركبى سابت خالص ) و قلت فى نفسى : لقد ضعنا سويا ....​
  • فقالت احسان فى حزن قانط :​
  • انت ....لا ....انا التى ضعت وحدى ....انا وحدى فقط التى ضعت دون رحمة​
  • و بدأت دموعها تهطل من جديد​
  • ( ما علهش ) ....يا احسان ....بابا طيب و ابن حلال​
  • لا ....ابدا ....بعد تقطيع الكتب و المريلة تعتقدى اننى سأذهب الى المدرسة بعد ذلك .....مستحيل ....أنا عارفة بابا ( كويس )​
  • و اهتز جسدها فى نشيج حاد ، و احست بكل أحزان الدنيا تتجمع فى قلبها الصغير حتى ودت من صميمها أن تموت ....و فاض فى قلبها شعور جارف بالاسى و الكراهية لابيها و امها و اختها و كل اسرتها بل و كل العالم و من بين دموعها قالت فى صوت مسحوق :​
  • يعنى لن اخرج و اقابله بعد ذلك يا فوزية​
  • فقالت فوزية تنهرها فى ضيق :​
  • يا سلام يا احسان انت عجيبة جدا ( انت فى ايه و اللا فى ايه دلوقت ) ....​
  • صحيح ...انا ( فى ايه ، و اللا فى ايه دلوقت )​
  • و راحت تبكى من جديد​
  • *6*​
  • و مرت بعد ذلك ايام كثيرة ، مضت بطيئة اسية و هى تحفر فى قلبها ابارا من الحزن و الالم حتى كرهت كل حياتها و لم تحس لها معنى و عندما كانت تهب عليها ذكرى الحبيب تروح تختبىء فى مكان ما ، ثم تنشج نشيجا هائلا و كانت كلما تذكرت اخاها فؤاد و حدبه عليها تتملكها رعشة مفاجئة و تدمع عيناها و كانت تقول فى نفسها حينئذ :​
  • سيعرف حكايتى حتما و سوف يحتقرنى و يكرهنى .....آه .....يا رب​
  • و تعود تبكى ....حتى اذا كان الصباح جاءت امها تتضاحك و قالت توجه الخطاب لها و لاختها و كانتا فى المطبخ :​
  • ( بنات ) ......( اخوكم ) فؤاد سيحضر فى المساء​
  • و رفرف قلبها فى صدرها متألما كالذبيح و هتفت من أعماقها قانطة :​
  • يا رب​
  • و قالت فوزية فى مرح سعيد و كانت تحب أخاها :​
  • صحيح يا ماما​
  • لقد أخبر أباك فى المساء بقدومه بالتليفون و لكن أباك نسى ان يخبرنى فأخبرنى فى الصباح​
  • ثم سكتت هنيهة و استطردت مبتسمة :​
  • و هو يحب أكل ( الفراخ ) كما تعلمين​
  • فقالت فوزية فى سرور :​
  • اكله المفضل انا اعرف الناس به​
  • طيب ....و النبى يا فوزية .....اطلعى الان و اذبحى أكبر و احســــــــــــن ( فرخة ) فوق ....​
  • فقالت فوزية فى سرعة :​
  • ( احسان ) يا ماما ....احسن ( فرخة ) فوق ....سمينة و تكفى و زيادة ....​
  • اطلعى و اذبحيها و النبى يا فوزية​
  • أمسكت فوزية أختها . قالت لها فى تمثيل مرح و هى تنغم كلماتها :​
  • طبعا لا تعرفين كيف تذبحين الدجاج ....أما أنا أستاذة​
  • فهيا معى حتى أعلمك كيفية ذبح الدجاج​
* تمت *

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى