مقتطف إبراهيم قيس جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت] -23- (عَنْ العفّة)

[23]
(عَنْ العفّة)

هذا واحدٌ من الأقسام النفسية الأكثر وضوحاً في الكتاب حتى الآن. وغالباً ما يكون الحال أنّه عندما يقول نيتشه "واحد" أو "فرد" أو "شخص" فإنّه يقصد أيضاً "اثنين". (كما في الديباجة، القسم التاسع)، إذ من الواضح أنّ هناك دور هام للحبيب أو الشريك أو الصديق. وعند كتابة الجزأين الأول والثاني من كتاب زرادشت كان نيتشه مفتوناً بالفتاة لو سالومي، التي كان يأمَل أن يُنهي الجزأين الباقيين برفقتها. لكنها ليست مسألة ارقام (فالعلاقة مع لو سالومي كانت علاقة ثلاثية ولفترة وجيزة، والعلاقة الثلاثية صورة ثابتة ومتكرّرة إلى حدٍ معيّن في جميع أنحاء الكتاب)، بل بالأحرى هي مسألة صحّة أو قدرة على الإنجاب أو إنتاجية العلاقة واستقرارها بالنسبة لنظام الدوافع الذي هو الذات.

هذه هي النقطة الرئيسية لهذا القسم. إنّ التباين الذي يَمثُل امام زرادشت هو ما بين "الشهوة" أو"الشهوانية" من ناحية، و"براءة الشهوات" من ناحية أخرى. الأولى تختبئ حتى في العفّة، كالنظر من الأعماق الباردة للروح.

قد يُقصَد بالمصطلح الآخر في كلٍ من معناه السطحي للعقل أو الذهن (وفي هذه الحالة يعني زرادشت أنّ الشهوة تشغَل حتى الحياة الفكرية التي قد تبدو بشكلٍ آخر مفارقة للجسد)، وكذلك المعنى التقني المفضّل الذي تحدّثنا عنه في الجزء الأول من إرادة القوة بقدر ما تفرض نفسها على مستوى الوعي الصريح أو الهوية الذاتية أو مبدأ الفضيلة (في هذه الحالة يعني زرادشت أنّ العفّة قد تكون الكارثة التي تسكن وتنتظر عقلاً عظيماً).

قد تظهر الشهوة أيضاً متخفّية في صورة الشفقة، ممّا يشير إلى أنّ فضيلة الشفقة هي في الواقع وسيلة لامتلاك القوّة أو اكتسابها. إنّ فَرض الفضيلة، أو الشعور "بقذارة" الشهوانية، هو الذي يسلب الشهوة برائتها.

الوحوش والحيوانات لاتخجل من ممارسة الجنس، وقد يكون هناك بشر كذلك أيضاً، لايزال هناك آخرون "عفيفون" من رأسهم إلى أخمص قدميهم، لايملكون هذه الفضيلة بقدر مايسعون إلى تجنّب الرذيلة، وبذلاً من ذلك، فإنّ العفّة ((هي التي أتت إلينا ولسنا نحن الذين ذهبنا إليها)). قارن هذا السطر بالسطر الوارد في الكتاب الأول، القسم الخامس، "عن صبوات الأفراح والآلام، ((لكنّ هذا الطائر قد بنى عُشّه لديّ)). قد لا تكون "براءة الشهوات" مُعادِلَة لحالة الحب، لكنها حالة من حالات الحب بالتأكيد، وهي إحدى الطرق الرئيسية التي يصف بها زرادشت إمّا مُلائمة أو خصوبة رغبة شخص في التجاوز، وكذلك العلاقات مع الآخرين المنتجين والفعّالين فيما يتعلّق بعملية التجاوز (أنظر على سبيل المثال فصل "عن طريق المُبدِع" في الكتاب الأول: "خَلقاً يريد المُحِبُّ")). وهذا القسم هو الأول من سلسلة من الأقسام المتتالية حتى القسم 20، وكل واحدٍ منها يناقش شكلاً من أشكال الحب (رغم أنّه غالباً مايكون شكلاً مُمَوّهاً أو متنكّراً).

إبراهيم قيس جركس 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى