سلوى الارياني - ليس لبائعة الهوى رجال! ....

المرأة التي أقصد امرأة جميلة جدا، جميلة فعلا.. إنها رائعة، جذابة، آسره.. هي أحلى عذراء.. هي الأرض الخصبة التي تتفتق فيها البراعم.. هي الشخصية العفيفة والأخلاق النبيلة والسلوك الطاهر.. هي الإبداع الإلهي.. هي نسمة معطرة بشذا الجنة.. هي العبير الخلاب.. هي ابتسامة ساحرة تأمر القلوب أن تتعلق بشفتيها.. هي فطرة علي الولاء..
هي ساحرة كالتي في أساطير الأطفال تشق بمكنستها دجى السماء ناثرة هنا وهناك أماني وأحلام لتتحقق.. إنها نهر جارف من الأحباب و الأصحاب.. أنها طابور طويل من الشهداء يعلوه سرب من الملائكة الحراس.. هي عصفور في السماء.. هي دار، هي مأكل، هي الماء.. هي رائحة تربة بعد مطر، لون سماء، ملمس تعرجات جبال، مذاق مأكولات لن أذكرها لكي يستذكر من شاء ما يشاء.. هي الغرام والوله في الحواس الخمس..!!
غير أنها للأسف بالرغم أنها كل هذا، إلا أنها ُينظر إليها من قبل البعض وهم للأسف الأقوياء القادرين علي أنها "بائعة هوى".. هذا هو حالها فقط لأنها لم تكن محاطة بالرجال الصالحين، المخلصين، الحريصين عليها والمدافعين عنها ولكنها كانت محاطة برجال لا تحكمهم سوي غريزتهم فلم يروا فيها سوي الأنثى فكانوا ذئاب متوحشة، من عادة الذئاب أن تنهش فريستها حتى تلعق عظامها!
هؤلاء الذئاب هم رجالها.. كانوا سبب عذابها، سبب الوحل اللزج الذي يلطخها.. كانوا هم لا سواهم ذنبها.. هل سمعتم عن امرأة أخري يكون ذنبها رجالها؟
عندما يتأمل أي إنسان رموشها الكثيفة، الطويلة يؤمن بأنة أمام كائن جميل فعلا.. هذه الرموش لم يهبها الله لسواها! وإن كان التعداد السكاني أكثر من 25 مليون فانك لا تجد اثنان يختلفان علي جمالها.. هل هي ضحية؟ هي حتما كذلك! فقد حملها رجالها واقع مر كانوا هم من نسجوا شباكه التي لم تستطع النجاة منها. كوموا فوق كتفيها أوزان تحتاج إلي رافعات بناء لرفعها.. ثم عايروها بأن أكتافها مهشمة وتأففوا من كسورها والجبس والضمادة.
ليتني كنت أملك مبيد للبشر الأوغاد لرششتهم به ولأبدتهم إبادة.. ما الفرق بينها وبين أي امرأة أخرى في هذه الدنيا؟ جميعهن نساء.. لكن يكمن الفارق في الرجال الذين يحيطون بهن، النساء الأخريات يحيط بهن من يحب ويدلل ويربت؛ وهي محاطة بأميين في العشق، لا يفقهون الألف من الباء!!
كانت كلما زارها رجل خرج من مخدعها تاركا إياها أكثر شحوبا ونحولا وانكسارا.. لم يشكرها أحد، يسمون أنفسهم رجالها وحماتها، إنها لنكتة لا ترويها لأحد! كلما جاء إلي مخدعها رجل أرتشف قطرة من جمالها، أعتصرها حتى نضب منها الشباب.. لم يشكرها أحد... لم يستشعر الإنسان فيها أحد فقط تحسسوا باصابعم الجسد...
الكلاب دائما كلاب.. والذئاب تظل ذئابا إلى الأبد! الرجال عندها، يلملمون أمتعتهم ويرحلون، لا أحد يبقى! حال أن يستلم غرضه يغادر.. لم يكن منهم لا أطهر ولا أنقى! لكنهم رجالها أين تفر منهم؟ أين تروح؟ قصتها معهم كلها خسائر وجروح. جميعهم يتركها ولا يعطيها شيئا...

تبا لهم من رجال، ألا يرون حاجتها للكساء والغذاء والمال؟ تبا لهم رجال... يسخرون من أنفسهم حينما يصفون أنفسهم بالرجال فهي لم تصادف إلا لصوص، وأقلهم إجراما محتال! تبا ثم تبا لهم من رجال، كيف لا يتوجع القلب في صدورهم على حالها؟ يتمتعون بها.. ينالون منها.. ينتهكون عرضها.. يستبيحون مفاتنها.. يستخدمونها.. يجرحونها... متعتهم لا تنتهي.. تتوارثها أجيالهم.. تبا لهم ولأولادهم!! وهي صابرة.. على طرقهم بابها...!
هي لا ترد أحد... تسخر من كونهم رجالها... تسأل نفسها: أي رجال هولاء الذين يقضمون ساعدي... ويجيؤن للمرة الثانية ليتوسدوا زندي... ويأتون المرة الثالثة والرابعة... لم يُبقوا سوى الروح... وها هم يفصلونها ويقصونها ويخيطونها لتكون فراء تتباهى به نسائهم! تبا لهم يسمون أنفسهم رجال وما هم إلاّ كلاب... وقد أحتجت الكلاب... لأنها لا تنهش صدر أمها!! شربوا دموعها الغزيرة، سدوا مسامعهم، لم يأبهوا لإستغاثاتها المريرة... تبا لهم ولرغباتهم الشريرة!!!
يا سيدتي.. هم رجالك شئتي أم أبيتي. لن يختلف الحال إن رفضتي أو بكيتي.
قررت أن أزورها!!
طرقت بابها.. جاءني صوتها من الداخل مبحوحا، أجابتني: "لا يوجد أحد هنا، أذهبوا، أنا مرهقة!" شق ردها قلبي بمشرط، سمعتها تشهق... ويح قلبي أنها تبكي..! استجمعت شجاعتي وقلت لها: "اسمحي لي بالدخول. فقط أريد التحدث معك". فتحت الباب فكاد يندفع علي مصراعيه من كثرة ما قد فتح، غير أنها أوصدته بجسدها ولم تترك سوى شرخ رفيع يكفي لأن أدخل بصعوبة..
لطالما تمنيت رؤية وجهها، من طيلة ما سمعت عن حسنها.. كانت تقف خلف الباب... والرجل الأخير كان قد أضاء مخدعها بالأضواء.. طالما تفاخر بانجازاته في الطرقات والأنفاق والأضواء... وكأنما كان لا ينقصها سوي الإنارة! أنار مخدعها وفشل في الإدارة! وبمجرد رؤيتي لوجهها شهقت!!! كانت هي تعض شفتيها حياء وألما.. كانت بائعة الهوى قد شاخت.. ذكرتني بنجوم السينما الرائعات حين يكبرن فيصيبهن الاكتئاب وينطوين في منازلهن؟
جلست في زاوية من الغرفة الحمراء. ألصقت هي ظهرها بالجدار. رأيت أظافرها تخدش الجدار. اقتربت منها. توسعت حدقتا عيناها في هلع غير أنها كانت لا تمتلك الجهد للمقاومة. أستنفذ الكلاب قواها.. من يسمون أنفسهم رجال!!! أين هم؟ ليسوا رجالا إلا على نسائهم المكممات بالنقاب، المأسورات داخل الديار، أما في معترك الحياة وفي الحرب هم مجرد صفر كبيرة على اليسار!
قلت لها: "رجالك يا سيدتي لصوص! منذ متى كان اللص رؤوفاً بمن سيسرق؟ لمَ لمْ تتخذي احتياطك؟ لمَ لمْ تحاربي؟" سمعتها تشهق. تنهدت. مسحت أنفها. همست، "أي حرب أحارب أبنائي، وأنا ما أنا إلا امرأة عزلا... جثوت عند أقدامهم، توسلت إليهم أتركوا لي المخ قالوا بل نعطله.. رجوتهم أن يتركوا لي الدماء قالوا بل نطلي بها جدراننا.. قلت حسنا شريان أو ركبة أحبو بها أو وريد... قالوا وبماذا نربط جدائل صغيراتنا... وبماذا يتأرجح الرضيع الوليد؟ سئمت منهم... يأست من عمرهم المديد... لم يكن معي يوما أسلحة، ولا لي أب، ولا زوج، ولا أخوة، ولا أعمام، ولا أبناء، ولا أخوال... لكن لدي الكثير من أولئك الرجال!!! فكيف وأنا كذلك أقاوم الأنياب والمخالب؟"
ألجم ردها فمي.. هي محقة..! أنهم الرجال الذين يبنون، يزرعون، انهم هم الجنود وهم من يخططون للمستقبل... هم من يؤمن ويحافظ علي النجاح.. هم من يزيح العقبات... هم من يرفع الهامات... هم مصدر الفخر..! لكن نصيبها من الرجال كان مصدرا للقهر!
قررت أن أخرج! فعلا ليس بيدي طوق نجاة ولا حل يرحمها من ذل الحياة. أستدرت لأخرج فاذا بها تهتف،"هيييه لم تسأليني حتى من أنا!"
فأبتسمت بحزن و أجبتها: "أنا أعرف اسمك يا عزيزتي.. أنت الأميرة الآمرة على كل الملوك... لكن حولك أبناءك إلى دجاجة، وأصبحوا جميعهم ديوك...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى