فداء البعيني - إيمان الانتظار ..

أنا كلُّ المؤمنين الوَرِعينَ الذين ينتظرون في ساحةِ الفاتيكان ، الذين لا يكفُّونَ عن التسبيحِ باسم الرب ، والذين تسمّرتْ عيونُهم الى نقطةٍ معينةٍ حيث تقبل شفاه المدخنة خد السماء ... الذين يرَوْنَ ربَّهم في ميراث من هو الأرض ،البابا المنتظر و النصير..
أنا كلهم و غيرُهم وآخرونَ اجتذبتهم قدسيةُ الحدثِ وهولُ تأثيرِه على الواجمينَ أمامَ جدرانِ الكنيسةِ ووراءَ شاشاتهم ، وكل الذين حرمتْهُمُ المسافةُ من هذا الحجِّ الذي تهفو له قلوبُهم ولِطُمَأنينةِ اعتلاءِ البابا على كرسيه..
أنا كلُّ الصحفيينَ ، وكلُّ العرباتِ التي تسلَّقَ مراسلوها أسطحتَها ، ونَصَبَتْ صحونَها لترسلَ فرحةَ القرارِ ، تبثُّها للكونِ كلِّه , أنا كلُّ هؤلاءِ الناظرينَ المنتَظِرينَ انبثاقَ الحياةِ مِنْ إنبعاثِ الدُّخانِ الأبيض من مدخنةِ كنيسةِ ( سيستينا)..

و أنتَ كلُّ الكرادلةِ المجتمعينَ في عُزلةٍ لاختيارِ إسمِ البابا الجديدِ .. يتشاورونَ .. يهمسونَ ..يقلقونَ ... يختلفونَ ...يتفقونَ .. يتردّدونَ ... لكِنْ ، بخلافك ، لا يغضبونَ ولا يدخنون ، مثلك يفكرونَ .. يَزِينون ..يقيّمون مثلك .. بقلوبهم يشخَصُونَ الى حبيبٍ مُنتَخَبٍ .. يتمهلونَ في قرارِهمْ يطيلونَ العزلةَ لتمتدَّ لساعاتٍ ...ليومٍ .. ليومين ...لثلاثةِ أيّامٍ و أكثر..

أنا الجموعُ خارجَ جدرانِ الكنيسةِ لا يغادرونَ مكانَهم ، ولا يهدأُ لهم بالٌ ، يتكبّدُها التعبُ والقلقُ لمصيرِ قلوبِهُمُ المرتهنةُ على لونِ دخانٍ تكرر لونه الأسود ... يُصَلُّونَ .. يسجدونَ بوَرَعٍ وحبٍّ خالصٍ للربِّ : أنْ يا ربَّاهُ .. يا مَنْ تغفِرُ ما عجِزَ عنه بشرٌ .. يا مَنْ ترى ما في داخلِ القلوبِ ، أُنْفُثْ من بياضِكَ ، واجعلْهُ يخرجُ من تلك المدخنةِ..
أنا كلُّ تلكَ الجموعِ ..كُلَّما أمسكْتُ بهاتفي أفتحَهُ أرى دخاناً أسودَ فأسقُطُ درجةً في الخوفِ... أنزلقُ في القنوطِ ، وأُفكِّرُ بأيامي القادمةِ : هل سيطولُ سكَني في ساحةِ الكنيسةِ ؟ أيكونُ عيشي بلا رمزٍ يلتفتُ إليهِ إيماني بلا أمان ؟ بمكانٍ بدأ يتسللُ إليه الخواءُ فيفرغُهُ بعد ان يصيبُ خلاياه بالعطَبِ؟

أنتَ كل الكرادلةِ الذين اجتمعوا لا لانتقاء بابا جديدٍ ... البابويةُ هي نفسُها كانت محلَّ تشكيكٍ في قلوبهم المجروحةِ وعقولهم التي لم تتقبلْ خطأَ البابا حين غفِلَ عن أداءِ طقسٍ فهزَّ بذلكَ أركانَ البابويةِ ، وسقطَتْ في عيونِ الكرادلةِ ورقةُ ذهَبٍ من أوراقٍ كثيرة .. من ألوف من على أيقونةِ الجوهر ، وبدأ التشكيكُ القاتلُ .. التشكيكُ الصادمُ الذي يقلبُ الموازين...
أنتَ كل هؤلاءِ الكرادلةِ غيرِ الآبهينَ إلا بإيمانهم هُمْ وحدهم وبما يعتقدون ...الذين سَهُلَ عليهِمْ إضافةُ غضبهم الى الطبقِ الذي يجمعُ أوراقَ الإقتراعِ قبلَ إشعالِهِ ليسافرَ الدخانُ الأسودُ في ممراتِ صدري ويخرجَ من المدخنةِ أسودَ حزيناً ... أبتلعُهُ بغصّةٍ ويخنقني ، ويعودُ ليقذفَني ... أنتظرُ خليفتَهُ أنتظر اللون الأبيض ومصيري الروحي الجديد ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى