صلاح عبد العزيز - إضاءة على نص عامر الطيب..

ترى بيدك ما لا تراه بعينك فاليد العاشقة والمتلهفة هى عين تغوص فى الجسد لا تتحسسه فقط بل تولج وتتوغل وتكون بديلة عن كل الحواس وربما بصفة عامة فى نصوص عامر الطيب تلك الإيروتيكية الطاغية بحيويتها ورمزيتها والتى لا تشبع فى الصحو أو فى النوم ورغم أن العالم المادى لا يدرك إلا بالحواس الخمس فلقد استغنى عنها بحاسة واحدة هى اليد صانعة اللذة فى الخروج على التقاليد والعودة إلى الفطرة والطبيعة والاستغناء حتى عما وراء الحواس المتمثلة فى العين الثالثة نحن أمام ايروتيكية موغلة فى الرمزية
فالأميال المفترسة والحشود الغائمة والأشباح والظنون والعلل والأسفار والمحيطات و الديدان والغرباء إنما هى رموز فى دلالتها وحسيتها أيضا فى واقع غير آمن ومتوحش لا تنفع فيه المراجعة أو الإصابة أو الخطأ أو حتى العين الثالثة أو إصلاح ما لا يمكن إصلاحه حيث لم يعد فى مقدورهما التضحية والمقاطع الأحد عشر يتناوب فيهما صوتان مميزان له ثمانى مقاطع ولها ثلاث مقاطع وإن كان من داخله إما استرجاعا للذاكرة أو ما فى الداخل من قلق إنسانى يعبر عنه الشاعر بالصوت الآخر بما يخدم درامية النص وإتاحة المكنون الداخلى للظهور أكثر فأكثر فى محاولة التحقق الإيروتيكى والمقاطع 5،6،7 رغم أنهم خارج الإيروتيكية إلا أنهم صور جانبية وهامشية زائدة عن الحاجة ربما تخص نصا آخر أو تخص فى المجمل العام زاوية أخرى من الزوايا المتعددة للرؤية الكونية للشاعر ،
يتبدل الصوت فى المقاطع 8،10،11 لتحل هى بكل تجلياتها الإيروتيكية صوت يبدو للوهلة الأولى وكأنه منفصل بذاته والأمر ليس كذلك لأنه نفس الاتجاه فى محاولة التحقق الإيروتيكى وإنما هو إكمال للصورة والتدفق الحسى الكونى فى الجسد الشاهق والبهجة الخاسرة والاحتياج لذلك التلامس الذى هو على شكل الصليب فى تمدده فى الجهات الأربع بما يعنى للتسامح والسلام فى نهاية العام ،
ولعل مسألة الخلق مثل القنافذ أو الفراشات له علاقة بالالتصاق الحميم سواء فى الظلام أو فى النور الظلام الذى يخصه والنور الذى يخصها الظلام بأشواكه والنور بما يحتويه من رؤية واضحة على أن العلاقة فى النور تنسجم مع الفراشات والظلام بما يتلائم مع القنافذ ومعيشتها ومع ذلك النوع من العلاقات البدائية تتضح الإيروتيكية فى أبسط صورها ومعانيها وأيضا بكل آلامها والنور والظلام إنما يدلان على علاقة يشوبها التوتر الناتج عن الواقع المعاش وهو مجرد إيجاز فى وصف العلاقة بينها وبينه .
ولعل فى النهاية يمكن تقسيم تلك المقاطع إلى ثلاثة أقسام هى :
ما يخص قسمان فى التحقق الإيروتيكى فى المقاطع
1،2،3،4،9
8،10،11
وما يخص أسطورة ما أو ساحرا ما أو حياة أسرية ربما يفصح عنها الشاعر ويحاول ترتيبها فى نصوص أخرى
5،6،7
مع اضطرارنا إلى وضع ترقيم على المقاطع ليسهل قراءة كل مقطع على حدة.


صلاح عبد العزيز - مصر


------------

نص عامر الطيب

1
أفكر بأن أوقظكِ الآن لأحبكِ
بين الأميال المفترسة و الحشود الغائمة
و الأشباح،
لأحافظ على نعاسك و حذرك،
لأخبرك أن بيتنا سيكون ضعيفاً عندما تهاجرين،
مدينتنا و بلادنا أيضاً
في الواقع لا توجد
في العالم بلاد آمنة و متوحشة
مثل عتبة الباب !
2

لقد شفيتُ تماماً و لستُ مرغما على أن أراجع نفسي
وأقول :
أوف لقد أصبتُ هنا و أخطأتُ هنا
لقد كانتْ محقةً عندما كتبتْ لي
كذا وكذا
وكنتُ منفعلاً
عندما أضعتها .
لقد أغمضتُ عينيّ عن حياتك كلها
و لا أعرف أية سعادة أشعر بها
إذ حدث ذلك للتو
فيا أيها العشاق اليافعون
ساعدوني على أن أغمض عيني الثالثة أيضاً !
3

أنظر إلى يدي و أرى أنها مسكينة
و بحاجة لأن يُؤلَف كتاب عنها
وقد ألف العباقرة
كتباً عن الأشباح و المحيطات و الديدان.
أنظر إلى يدي
كم ستكون مريرة
عندما لا يتم تخليدها؟
كم ستكون خائبة
عندما أعلم أنها تبكي ولا أعتبرها عيناً !
4

كل الفتيات اللواتي يهبن الشوكولا
ثقة عالية لا يمكن محاباتهن على ذلك
أننا رجال فطريون
ومع ذلك لدينا القدر الكامل
من الظنون و العلل و الأسفار.
لم نعد قادرين على التضحية
إلا بالوقت الذي لا نملكه،
لم نعد قادرين على البكاء
إلا بالدموع التي نستعيرها،
لم نعد محاربين أو مهادنين
في حياة مثل هذه
لن نسعد إلا بمرور الأشياء
إن الطير أخف من حياته في الأقفاص
و المياه السريعة أقوى من الثلج!
5

قلتُ للساحر العجيب
لقد تعبتُ من كوني ناراً
هل يمكنني أن أستريح قليلاً؟
فأخبرني أن تلك الراحة
قد تجعلني رماداً.
قلت هل يمكنك أن تنصفني إذن
أشتعل دون أن أضيء
أو أضيء دون أن أشتعل
إنه أمر مؤذ
أن أخدم الغرباء جميعاً؟
فأجابني
الحزن كله موسم دموي
لكنه مصير سيء أن تصبح كحلاً !
6

أعرف أنك في نهاية المطاف
ستغتالين رجلاً
تضغين له السم في جرة الماء
أو توهمينه أن يجلس جوارك و تدفعينه من التل،
أو تحبينه كما لو أن الأمر لعبة
تتهربين منه في الجراح الصغيرة
و تكتبين له عندما تهدأ الرياح
و السقائف و الأشجار،
أعرف أن كل حب
سيرث لعنة مزمنة
لكن حبي لكِ يتعافى وحده
و أتعافى وحدي
برعاية والدي
و إلهي الطيب
و آخر أسراري !
7

تقولين أود أن تكتب لي قصيدة عن النوم
و تقصدين أنك تختارين
بلاداً بعيدة
حين تنامين
تتخرب أحلامك قبل تمامها
لكنك تودين مواصلة الحلم
حتى إن كان حزيناً أو مؤسفاً.
إن الحياة مليئة بالحيل
ابتكر أحد الرجال
مصباحاً في نهار يوم بارد
و فضل أن يبقيه متدفئاً إلى الليل!
8

لا أعرف كم سيكون جسدي شاهقاً
و هيناً عندما تلمسني.
تأخذ يداي شكل الصليب الجاهز،
عيناي شكل البهجة الخاسرة ،
لا أعرف كم سأكون وحيدة
عندما تكون حبيبي
و أبي و مولاي
نديمي و شاعري و عدوي
حاجتي التي أريدها الآن
لكنها لا تنضج إلا بعد نهاية هذا العام !
9

سيظل جسدي هو الأثر الوحيد على حياتي،
هنا قعدتُ
وهنا ضغطتُ على شقوق الأرض
هنا قبلتك على حافة السرير
و دافعتُ عنك بإستمرار .
هنا رغبتُ بك حيث كنا وحيدين
و شعرنا بعظمة الحب
إذ لا يمكن تمزيق القبل مع الأوراق.
سيظل جسدي هو الذي يدلني
على المرايا و الروائح و الأخطار
على أي فعل تقومين به
حتى عندما تغرسين نبتة صغيرة
أما عندما تهجرينها
فسيتحسس جسدي جوانبه
و تذبل روحي!
10

ضاجعتني و أنا نائمة
فأحببتك لكني لا أعرفك جيداً
ثم ضللت أبحث
مثل كتيبة مهزومة
لقد لمسني رجل
و حولني إلى أذن لا تسمع الكلام.
هل كان بوذا أو نرسيس
هل كان وجهاً فاحطاً و غريباً و حزيناً
ترك سائله المنوي على ألارض
و دموعه الوطيدة على ثوبي!
11

لمتُ الآلهة لأنها لم تخلقنا
مثل القنافذ، تسعدنا أشواكنا
لكنني فطنتُ الآن لخطورة ذلك
عندما تعانقني وأنت بمزاج سيء
ثم تدير ظهرك
لي .
لمت الآلهة لأنها لم تخلقنا
مثل الفراشات مثلاً
ثم عدلتُ عن الأمر.
أية حياة هذه
عندما تطلب مني
أن تحبني في الظلام كله
و أحبك لحظة واحدة في النور!

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى