جميل أبو صبيح - وقفة مع الجماعات الأدبية وروابطها

ظهرت في تاريخنا الثقافي الإبداعي مسميات مجموعات إبداعية في الشعر والقصة والنقد والفن التشكيلي والمسرحي، منها ما هو أشبه باتفاقات شرفية شفوية لم تؤسس منهاجا أو أسلوبا إبداعيا يرتقي إلى مستوى مدرسة أو تيار يحفر له مجرى في جغرافيا الإبداع المعاصر.
ففي النصف الأول من القرن الماضي ظهرت مسميات أثرت الثقافة العربية وأسست لها نهجا تكون من خلاله مدارس إبداعية أثارت حوارات وخصومات ثقافية وتضاد بين مواضيعها ومضامينها لم نزل نعيش تأثيراتها في مواصفات وأشكال أعمالنا الإبداعية.
ففي النصف الأول من القرن الماضي ظهرت مدرستان شعريتان «الإحيائية والديوان»، اهتمت الأولى بالمحافظة على شكل ومضامين القصيدة المتوارثة والكتابة على أسلوبها.
أما الثانية: وهي الديوان فقد اهتمت بالحداثة الشعرية شكلا ومضمونا، وتبنت المدرسة الشعرية الأوروبية السائدة في ذلك الوقت وهي الرومانسية.
غير أن تلكما المدرستين اختفتا لتظهر مكانهما مدرسة واحدة هي مدرسة أبوللو التي انتشرت انتشارا واسعا في الشعرية العربية، وامتد تأثيرها على مساحة الوطن العربي، فكان من شعرائها بالمغرب أبو القاسم الشابي بتونس، وبالمشرق فهد العسكر بالكويت، وكانوا على مراسلات مع مؤسسيها وفي مقدمتهم أحمد زكي أبو شادي الذي أصدر مجلة «أبوللو» عام 1932 فأدت مهمتها، وأسست للحداثة الشعرية العربية برغم من ظهور مدارس أخرى في المهجر منها الرابطة القلمية في أمريكا الشمالية بنيويورك، والعصبة الأندلسية بأمريكا الجنوبية بالبرازيل، اللتان بنتا جسورا بين الثقافة الغربية والثقافة العربية.
هكذا استمر التأثر الحداثي وتشعب، بحيث دخل في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي إلى الأقطار العربية، وازداد تأثيرها إلى مستوى أن بعض المبدعين من الشعراء من اعتقد -ولم يزل يعتقد- أنه نفسه مدرسة شعرية.
وقد أخذت الروابط في الخمسينيات والستينيات مسمياتها من خلال المجلات الأدبية، وصار لكل مجلة جماعة تسمى باسمها، باستثناء السودان التي ظهرت بها مدرسة «الغابة والصحراء»، ويقصد بالغابة أفريقيا وبالصحراء العرب، وهي مزاوجة ابتكرها الكاتب النور عثمان مكي وكان من أعضائها المؤسسين محمد عبد الحي والدكتور يوسف عايدابي.
لقد كان لتعدد العواصم العربية إلى جانب القاهرة العاصمة المركزية التي استمرت طوال النصف الأول من القرن الماضي تأثير حداثي واسع، فظهرت بيروت عاصمة مؤثرة من خلال مجلتي «الآداب» التي رأس تحريرها يوسف إدريس، و»شعر» التي رأس تحريرها يوسف الخال ولكل مجلة نهجها وسياستها الإبداعية الخاصة في انتقاء النصوص ونشرها. كما ظهر أيضا الى جانبيهما مجلات الطريق، والفكر، والأديب، وسواهن.. لكنها بالأغلب تتبع أحزابا بعينها وتمثل أفكار تلك الأحزاب.
أما في الأردن فكانت مجلة «الأفق الجديد» التي صدرت عن جريدة المنار في القدس عام 1961 واستمرت حتى عام 1965، وكان يحررها في بداياتها جمعة حماد ثم عهد بها إلى أمين شنار، وظهرت قبلها مجلة «القلم الجديد» التي أنشأها عيسى الناعوري عام 1952 وعاشت عاما واحدا فقط.
ومن مجلة الأفق الجديد ظهرت «جماعة الأفق الجديد» في النصف الأول من الستينيات، حيث توقفت المجلة عن الصدور عام 1965.. ثم أنشأت وزارة الثقافة الأردنية دائرة الثقافة والفنون التي أصدرت مجلة «أفكار» وعهد بتحريرها إلى الشاعر عبد الرحيم عمر الذي استمر بها شهرين ونصف الشهر. وللحديث صلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى