حسام الدين مسعد - ديالكتيك الخلود إلى النوم.. قراءة في النص المسرحي (العثور علي جلجامش) تأليف الكاتب العراقي عمار نعمه جابر

حين تحاول ان تخلد إلي النوم فتذهب إلي مخدعك وتتذكر احداثك اليوميه وما قد استنتجت منها فلا تجد سوي إنك استمتعت بطعامك جيدا في هذا اليوم حين ذهبت للتسوق في احد المولات الباذخة واكثرت من شرب الأركيلة في الكافيهات ومازلت تدمن مواقع التواصل الإجتماعي حتي وانت علي فراشك تحاول الخلود إلي النوم ولا تستطيع أن تطرح سؤال واحد علي نفسك سؤال طالما راودني وانا اتصفح مواقع التواصل الإجتماعي قبل أن اخلد إلي النوم .إلي متي سنظل في وطننا العربي خالدين في النوم ؟ الن نستيقظ ولو مرة واحده ؟ ام أننا وأهل الكهف في ثبات من نومنا ؟
إن هذه الأسئلة التي طرحتها علي نفسي كفيلة بأن يذهب النوم من جفوني ولا يعاود لها مرة أخري لذا حاولت ترك الأسئله بحثا عن ما يجهد عضلة عيناي فأخلد إلي النوم سريعا فوقعت عيناي علي نص مسرحي للكاتب العراقي عمار نعمه جابر كان قد تم نشره علي مواقع التواصل الإجتماعي عنوانه (العثور علي جلجامش)
والذي تبادر إلي ذهني من قراءة عنوان النص ملحمة جلجامش ملك الوركاء والتي أرادت الألهة ان تضع حدا لطغيانه علي شعب الوركاء فخلقت له رجل جامح (إنكيدو) بعد ان تأنسن عبر إقامة علاقة جنسيه مع مومس وانطلق إلي مملكة الوركاء يطلب تحدي جلجامش لإختبار مقدار قوته ويفوز جلجامش في التحدي ويصبح الرجلان صديقين وينطلقان معا في رحلة تدوم لستة أيام إلي غابة الأرز السحريه حيث يخططان لقتل الحارس الرهيب وقطع شجرة الأرز المقدسه .فترسل الألهة عشتار ثور الجنه لعقاب جلجامش فيقتل الرجلان ثور الجنه وعلي إثر ذلك تتخذ الألهة قرارا علي إنكيدو بالموت ويتم قتله
يدفع الأسي علي موت إنكيدو بجلجامش إلي القيام برحلة طويله محفوفة بالمخاطر لإكتشاف سر الحياة الأبديه ويتقابل أثناء الرحله مع (اوتونبيشتم ) الرجل الخالد الذي يخبر جلجامش عن الطوفان العظيم (سفينة نوح )
بعض الكتابات صورت جلجامش الناجي الوحيد من الطوفان العظيم رغم أنه لم يركب سفينة النجاه
لكن الكاتب العراقي عمار نعمه جابر في تناص إبداعي لملحمة جلجامش وطرح ما بعد حداثي يقودنا إلي التشكيك يقتص لحظة عبثيه ليخلق منها حوار ديالكتيكي سيميولوجي يسقط به علي واقع الإنسان العربي المعاصر .
فيستهل نصه بحوار بين (إنكيدو) الذي قتل قبل ان يشرع جلجامش لإكتشاف سر الحياة الأبديه .وبين (اوتونبشتم)ذلك الرجل الخالد الذي تنبأ بالطوفان العظيم وأخبر جلجامش به
إن عمار نعمه جابر يحاول كسر تابوه الاسطوره الأصليه ويمسرح لحظة عبثيه بين شخصيتين احداهما استدعاه بعد موته والآخر هو رجل خالد لم يتقابلا علي الإطلاق في أحداث الاسطوره و في ديالكتيك بين الحياة والموت وكأن «عمار » يقودنا للتشكيك منذ اللحظة الأولي لنتجادل ونطرح علي انفسنا السؤال ماذا يريد لنا الكاتب ان نستخلصه من نص يخالف حقيقة الاسطورة الراسخة في عقولنا؟
ليفاجئنا بالعقدة في نصه وهي إختفاء جلجامش مما دعا (إنكيدو) للذهاب إلي (اوتونبشتم) ليساعده علي العثور علي جلجامش في زمن موحش وشحيح فيه الوفاء
ليوجه بعد ذلك (اوتو نبشتم)سؤال إلي( إنكيدو)
[اوتونبشتم:متي آخر عهدك به، يعني متي رايته آخر مره؟
أنكيدو:قبل اربعين يوما]
وكأن« عمار» لا يتحدث عن جلجامش بل يقصد ان يربط بين أسطورة جلجامش وواقعة أخري تاريخيه وحقيقيه يحاول أن يطرح سؤال علي القارئ إن كان ( إنكيدو )لا يتحدث عن جلجامش فعلي من يتحدث ؟
[انكيدو:الغريب أن الجميع يقول أنه يعرفه ولكن في الحقيقة لا احد يعرف جلجامش
إنكيدو:قلبه وارف كشجرة السيسبان،مسالم تماما مثل قط وديع ،روحه تستطيع أن تقول عنها مثل فراشة ،تري جمال الوانها ولا تشعر بثقل وجودها حولك ...]
هذه الصفات التي اوردها «عمار»في وصف جلجامش علي لسان إنكيدو ليست الصفات التي جبلنا عليها ونحن نقرأ عن جلجامش ولكنها صفات شخص آخر فجلجامش كان طاغ مع شعبه لكن عمار يتحدث عن إنسان يحمل صفات ساميه لا ثلثي اله طاغ كما نعرف جلجامش. إن هذا الربط الذي يحمل تناقض بين ما يرويه (إنكيدو)عن جلجامش وما نعلمه نحن عن الاسطوره يقودنا للتشكك فيما يعرف بديالكتيك الخطأ والحقيقه او ان الكاتب استطاع أن يجرب سيميولوجيا بجلب صفات سيد الشهداء فيلسوف الاسلام الحسين بن علي رضي الله عنهما في صرخة ضد المؤسسات المالكه للقوة والخطاب والمعرفه وفي تشكيك لأن هذه المؤسسات لا تعرف الحسين كما يدعون وإنما تحاول تحقيق اغراضها الشخصيه في محاولة لبث الخرافة وتقويض العقل وتغييب الوعي الجمعي من خلال ممارسة طقوس أدت إلي فقدان قيم الحسين وفلسفته بعد اربعين يوم من إستشهاده
إن عمار نعمه جابر في هذا النص يدعوا القارئ العربي ان يطرح الأسئلة علي نفسه من أجل أن يتشكك في المعارف اليقينيه من أجل أن يكسر التابوهات المقدسه من أجل أن يبلغ معرفة جديده فليس في الوجود حقيقة ثابته او مطلقه فالحقيقة خطأ تم تصويبه أن يعثر علي المعرفة من خلال التشكك وبلوغ تصويب الخطأ.
[اوتونبشتم :لقد افسدت اسئلة جلجامش هذا العالم علينا مذ طرحه للسؤال الأول والأمور بدأت تسوء شيئا فشيئا ،فكرة بعد فكره، رحلة بعد رحله ]
الرجل الخالد يقر الحقيقة إن المؤسسات المالكه للخطاب والقوة والمعرفه لا تريد أن يفكر هذا الإنسان العربي بل تريد له ان يحيا في ظلام الأسطورة والمقدس ولا يطرح التسأولات كي يخلد إلي ثبات ويغط في نوم عميق
لقد اطار عمار نعمه جابر النوم من بين جفوني بنصه الفلسفي ال ما بعد حداثي وربطه بين الأسطورة والواقع ليطرح لنا اسئلة ينبثق منها تسأولات عديده هي في حقيقتها صرخة ضد كل المؤسسات المالكه للخطاب والقوة والمعرفه صرخة ضد تقويض العقل تشكيك في المعارف اليقينيه دعوة مشروعة لتقويض الثقافة الغربيه.
بقلم /حسام الدين مسعد

تعليقات

أعلى