محمد علي عزب - عن دستور الشعر والاشكال الشعرية

الشكل الشعرى شكل مرن وليس قالبا جامدا .. عندما حصر الخليل بن احمد الفراهيدى اوزان الشعر العربى وجدها خمسة عشر بحرا واكتشف الاخفش بحرا اخر فاصبحوا ستة عشر بحرا . ولم يقف الامر على ذلك فلم يكن الشكل العمودى شكلا جامدا لا مرونة فيه . بل اكتشف الخليل ان هناك بعض الزيادة او االنقصان فى حروف الوحدة الموسيقية التى سميت "تفعيلة" واطلق على تلك الزيادات او النقصان مسمى علة عروضية وايضا وجد الخليل ان البحر الواحد قد ياتى مجزوءا او تاما وقد تجد بحرا مثل الرجز "مستفعلن" ياتى بعدة صور تاما ومجزوءا ومشطورا ومنهوكا .. ووجد ان بحر الكامل متفاعلن يمكن ان يتم تسكين الحرف الثانى فيه فيصبح مستفعلن ولو جاءت القصيدة كلها مستقعلن وفيها تفعيلة واحدة متفاعلن يصبح الوزن محسوبا على بحر الكامل ونفس الشيء مع بحر الوافر مفاعلتن يمكن ان يتحول الى مفاعيلن وزن بحر الهزج . فلو القصيدة كلها مفاعيلن وجاءت فيها تفعيلة واحدة على وزن مفاعلتن تحسب القصيدة على الوافر . وهناك اوزان مهملة اشار اليها الخليل ولم يذكرها فى كتايه وربما فعل ذلك ليفتح الباب للكشف عن اوزان جديدة . . كان الخليل بن احمد ناقدا ومكتشفا يعبر عن عصره وماقبله ... وخرج ابو العتاهية وابو نواس فى بعض اشعارهم على العروض وجاءوا باوزان لم يذكرها الخليل بن احمد . ثم ظهرت الموشحات التى خرجت على عمود الشعر فتعددت اوزانها وقوافيها داخل الموشحة الواحدة واستخدم الوشاحون اوزانا جديدة غير اوزان العروض . ولكن للاسف ظلت القصيدة االعمودية هى الاكثر حضورا حتى انقرضت الموشحات . اما فنون الشعر العامى الزجل والمواليا والمربع والمقاطيع العامية فقد اختطت لنفسها طريقا مختلفا منذ البداية فهى خارجة بالاساس على العروض وواوزانها متعددة تخضع للوزن السماعى الحر ..
وظل عمود الشعر شاخصا قرونا وقرونا حتى جاءت محاولات التجديد فى بداية القرن العشرين وبدا محاولات وتجارب عديدة للخروج عليه .. اهمها من وجهة نظرى ديوان "هتاف الاودية" سنة 1910م للشاعر امين الريحانى وكان اول ديوان عربى يوجد به شكل الشعر الحر / السطر الشعرى وكان فيه نوعان من الشعر . شعر حر به موسيقى لا تخضع لاوزان العروض وتقعيلاته وهذا هو الشعر الحر كما قدمه مؤسسوه وعلى راسهم "والت وايتمان" وهو يختلف عن شعر التفعيلة الذى تحرر من الشكل العمودى وكان اكثر مرونة لكته التزم بوحدة التفعيلة فى القصيدة الواحدة ... اما الشكل الثانى فى ديوان "هتاف الاودية" فهو الشعر المنثور البعيد عن الموسيقى الصوتية المسموعة ويمكن اعتبار هذا الشكل فى هتاف الاودية جذرا من جذور قصيدة النثر العربية على مستوى الشكل الشعرى ...
قصيدة الشعر الحر ظلمت فى شعر الفصحى عندما سمت نازك الملاءكة قصيدة التفعيلة باسم قصيدة شعر حر . وقصيدة العامية انتصرت للشعر الحر حين اتخذته شكلا لها . وتركت صراعات الاشكال لشعر الفصحى .. وظهرت قصيدة النثر العامية ولم يكن بينها وبين قصيدة العامية صراعا .. بل حققت نفسها بشروطها وخياراتها الجمالية ....
قصيدة الشعر الحر كانت ضرورتها وشرطها الجمالى البحث عن موسيقى شعرية بعيدة عن اوزان العروض وقوانينه هى ابنة الموسيقى الحرة وليست ابنة موسيقى النظم العروضى
وقصيدة التفعيلة هى تطوير للقصيدة العمودية . فهى اذا نظم حر اكثر مرونة من النظم العمودى ..
اما قصيدة النثر فقد جاءت من منبع اخر يخصها ويخص شروطها الجمالية فهى بالاساس لم تضع فى حسابها الوزن العروضى او الموسيقى الصوتية بل بحثت عن شعريتها فى النثر .. هى قصيدة نثر ولا يوجد تناقض فى المصطلح كما يقال كيف تكون قصيدة ونثر فى نفس الوقت ... هى قصيدة لان القصيدة بناء فنى خاص بالشعر والشعر رؤيا وتشكيل جمالى بلغة موحية رامزة مشخصة وبحث شعراء قصيدة النثر عن الرؤيا وتحقيق التشكيل الجمالى فى النثر الخالى من العروض والخالى من الموسيقى السمعية المنتظمة او المنسجمة او المتغيرة تغيرا محسوبا بشكل مقنن كما فى التفعيلة او غير مقنن كما فى الشعر الحر . .. فتحققت شعرية قصيدة النثر . وعلى كل حال هى ليست تطورا لقصيدة التفعيلة فهذه من منبع وتلك من منبع مختلف ...
الى جانب تعمد التفضيل بين التفعيلة وقصيدة النثر بعيدا عن الرؤيا والتشكيل الجمالى . هناك مغالطة غريبة وهى الظن بان قصيدة النثر ليس لها قوانين ... ولا ادرى عن اى قوانين يتحدثون .. ربما يقصدون انها لا تاخذ شكلا يخص الوزن مثل العمودى والتفعيلة .. والحقيقة ان قانون قصيدة النثر وكل الاشكال الشعرية هو الرؤيا والتشكيل الجمالى كما اشرت سابقا وهذا هو دستور الشعر ... ولنكن نحن الشعراء ياختلاف خياراتنا الجمالية قصيدة عامية .. قصيدة تقعيلة .. قصيدة نثر .. مقرون دوما بصلاحية وفعالية دستورنا المعظم


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى