أنيس منصور - عباس محمود العقاد

لأول مرة: العقاد!

أعرفه من مقالاته في مجلة «الرسالة» وأعرف أنني أظل منتظرا هذا المقال لكي أقرأ المقال على مهل. أحيانا لا أفهم ما يقول. ولا بد أنه كلام فلسفي صعب. ولكن لا بد أنه مقال رائع للذين يفهمون. ولكن المقالات التي أفهمها تعجبني. كيف يرتب أفكاره، ثم كيف يهتدي إلى نتيجة لا أعرف كيف اهتدى إليها. إنه ساحر يضع البيضة في جيبه وتخرج كتكوتا. كيف؟ وإنه وحده الذي يفعل ذلك. ومن الغريب أنني لا أقرأ إلا هذا المقال. ولم أحاول أن أقرأ لأحد غيره. ولم أحاول. ولا أعرف كيف نسمي هذا الذي يكتبه العقاد. ليس الذي يكتبه ولكن الذي يرتبه ثم ينتهي إلى نتيجة. وغلبني حب الاستطلاع فقرأت مقالا لغيره. إنه مختلف تماما. ولكن ما هذا الاختلاف وما اسمه. لا أظن أنني في هذه السن الصغيرة أستطيع أن أجد له اسما.

وكنت أقرأ مقالات العقاد سرا. بمعنى أنني لا أقول لأحد ذلك. إنما حرصت على أن أنفرد وحدي بما يكتبه العقاد. إما خوفا من أن يقال لي إن هناك من هو أحسن. ولم أسأل أحدا إن كان قد قرأ العقاد. وعندي إحساس أنه اكتشاف. كنز اكتشفته. ولا أريد أن يعرفه أحد غيري ولاحظت أن أحدا من زملائي لا يقرأ مجلة «الرسالة». إنهم يقرأون الكتب. وأغلبهم يقرأون بلغاتهم المختلفة. وأنا صاحب فكرة أن كل واحد منا يلخص الكتاب الذي قرأه هذا الأسبوع. وكان الخواجات يقرأون أحسن وأسرع. وفي موضوعات مختلفة. زميلنا الألماني كان فارقا في الأدب الألماني والموسيقى. وعندما يلخص الكتب فإنها موضوعات أدبية. لم أجد فيها متعة. ولا أذكر اسما واحدا للمؤلفين. ولكن لابد أن لهم قيمة لا أعرفها. وربما كان التلخيص ليس كافيا.

فقط زميلنا اليوناني هو الذي يستعين بأبيه. وكان كثير الحديث عن سقراط وأفلاطون.. وما قاله أحسن كثيرا من الذي تعلمناه بعد ذلك في المدرسة. لقد عرفت اسم سقراط وأفلاطون وأرسطو قبل أن أدرس الفلسفة. وقرأتها في مقالات العقاد. أحيانا يذكرها ويستخدمها حجة مقنعة.

وفي جلسة في بيت أحد أصدقاء والدي جاء اسم أفلاطون وكان المتحدث يطرب كثيرا ويقول إن الأستاذ العقاد متأثر بسقراط وأفلاطون. ولم أعرف كيف. خفت أن أسأل. وكان أبي كثير الحديث عن المذاهب الصوفية. ولأول مرة أسمع اسم محيي الدين بن عربي والغزالي والشاذلي. والعقاد. وأمير الشعراء شوقي. كل هذه الأسماء في ليلة واحدة. ولم أنم حتى الصباح. إن هناك علوما كثيرة لا أعرفها. ولا أعرف ما الذي يقرأونه لكي يحصلوا على هذه المعلومات. هناك كثيرا جدا لا أعرفه. وليس في (المكتبة الفاروقية) كتب بهذه الأسماء. أنا قرأت كل ما في المكتبة إلا هذه الموضوعات.. وإلا كتابا واحدا للعقاد..



انيس.jpeg

تعليقات

لثاني مرة.. العقاد



لا أذكر الآن من الذي قال لي أن نزور معا العقاد. كانت الدعوة مفاجأة. العقاد وفى بيته. العقاد نراه ونحدثه ونسمعه. ووصف لي مجالس العقاد التي حضرها. أي واحد يستطيع أن يذهب للأستاذ العقاد. ويسعده ذلك. وقال لا تكاد تدخل حتى يجيء عصير الليمون وبعده القهوة. لأي واحد. والعقاد يتكلم ويضحك بصوت عال ويحتفي بضيوفه ويحدثهم ويسألهم ويسألونه أيضا ويجيب. ياه أرى الأستاذ العقاد العظيم. أراه وهو يفكر أراه وهو يرتب أفكاره. هو شخصيا..

وارتديت ملابس جديدة. وذهبت مبكرا. قال لي أنا ذاهب إليه في الساعة العاشرة. فذهبت في الثامنة صباحا. ورأيت البيت. البيت رقم 13 والشقة رقم 13 كما كتب العقاد. وأنه لا ينزعج من هذا الرقم. وأنه يضع على مكتبه تمثالا للبومة التي يتشاءم منها الناس. إنها البومة رقم 13..

وصف السلالم التي يصعدها العقاد كل يوم والتي كتب عنها يقول: صعدتها ثلاثا ثلاثا وصعدتها اثنين اثنين. واليوم أصعدها واحدة. كنت أصعدها وبياض شعري يتوارى في سواده واليوم أصعدها وسواد شعري يتواري في بياضه.

وأنظر إلى سلالم البيت كأنها مشتركة في عظمة العقاد. ولكنها سلالم غير نظيفة وكئيبة، ولكن لأنها تؤدي إلى شقة الأستاذ لها دلالة ومعنى آخر. ووجدت باب الشقة مغلقا. هل أضرب الجرس وأوقظ الأستاذ. هل أظل واقفا أمام الشقة حتى أسمع صوتا داخلها فأدق الباب. هل أنتظر حتى يجيء أول زائر. هل أنزل وأقف في الشارع. لقد ذهبت مبكرا. ولكن لا تطاوعني نفسي أن أقف تحت أو فوق. ماذا لو انفتح الباب.. هل يغضب الأستاذ. أريد أن أراه غاضبا ماذا يفعل بواحد من معجبيه، واحد يضع العقاد فوق رأسه.. بل في رأسه في قلبه في حياته. العقاد إنه أعظم ما قرأت. العقاد شخصيا. كيف يكون هذا الرجل. قلبي يدق. أسندت ظهري للحائط حتى لا أقع. نزل رجل من الدور الأعلى قال: صباح الخير رددت عليه قال: دق الباب إنهم أيقاظ. دق الباب..

ودققت الباب. وانفتح وكان السفرجي وأشار أن أدخل. ودخلت وجلست في صالون العقاد. ودارت بي الأرض. لم أر أي شيء لا في الصالون ولا في البيت..
 
لثالث مرة: العقاد!
أنيس منصور



الآن مر ربع ساعة من الانتظار.. أستطيع أن أرى الأستاذ بوضوح. يوجد تمثال للأستاذ وتوجد لوحة غريبة. المقاعد دون المتوسط. الغرفة صغيرة جدا..
وفجأة جاء الأستاذ مادا يده أهلا وسهلا. يا خبر الأستاذ العقاد شخصيا مادا يده مرحّبا. ويسألني من أين وماذا أفعل وماذا أدرس قلت: في قسم الفلسفة يا أستاذ. قال أعرف كل أساتذتك بعضهم يجيء هنا. الدكتور الأهواني والدكتور زكي نجيب محمود. أحسنهما زكي نجيب محمود.. وإن كان الأفضل أن أقول أحسنهم جميعا..

وعرفت بعدُ أن العقاد كان على حق. وتمنيت أن يجيء أحد لينقذني من مواجهة العقاد وحدي. ولم تطل أمنيتي. جاء أحد تلامذة العقاد. نهض الأستاذ واقفا: أهلا يا مولانا.. أين أنت كيف حالك الآن! وبدأ الزميل يحكي. ورحت أنظر إلى العقاد. رأسه بديع وملامحه كأنه أحد آلهة الإغريق. والعقاد يُسمع باهتمام شديد. إذا تحدث.. الآن أراه بوضوح فهو يتكلم ويتراجع وصوته خفيض. صوت هادئ كأنه إذا تكلم تحس أن أفكاره هي التي لها صوت. وهو يحرك يديه. ويهز كتفيه. وإذا فرغ من الكلام أطبق شفتيه تماما كما يفعل المطربون الأوربيون. ويضحك الأستاذ. فإذا ضحك فتح فمه وتراجع في مقعده. وهو يضحك لما يقوله هو من نكت أو المفارقات اللغوية..

الآن أراه أكثر. إنه يرتدي بيجاما قديمة وهناك بقعة على البنطلون. وإيه يعني. إنه بنطلون العقاد.. ثم إن الشمس نفسها فيها بقع.. وليس متزوجا فلا أحد يعتني به.. وهذا السفرجي النوبي أو الصعيدي العجوز لا يستطيع وحده أن يكنس ويمسح ويغسل ويكوي.. وللعقاد طاقية من نفس قماش البيجاما. تماما كما يظهرون في الأفلام الكوميدية.. ولاحظت أن العقاد يضع يده دائما على الجانب الأيسر من البطن.. إنه المصران الغليظ كما كتب في الرسالة. مسكين يا أستاذ..
 
أنيس منصور
لرابع مرة: العقاد!


تخففت من الانبهار. ولكن بقي الإعجاب الشديد بالأستاذ. ولحسن حظي جاء الدكتور عبد العزيز الأهواني. وهو خبير في الأدب والفلسفة الإسبانية. ووقف العقاد كما هي العادة. وقال له: أهلا يا مولانا.. أين أنت الآن..

وجاء ثالث ورابع والأستاذ يقف تحية لضيوفه وامتلأ الصالون. وغيرت رأيي. لقد كان الصالون كبيرا واسعا شاسعا. ونحن نملأ المكان والأستاذ يجلس على مقعد كبير. وكان لا بد أن يتحدث الأستاذ في الفلسفة. وتحدث وناقش الأهواني وأبدى العقاد اعتراضه على الذين قالوا إن الأدب الأوروبي لم يستفد من الفكر الأندلسي. وذكر العقاد أمثلة لهذا الأثر في الفلسفة وفي الأدب. ولم يعترف الدكتور الأهواني وإنما كان يقول: عظيم والله يا أستاذ.. الله يا أستاذ.

أنظر إلى ملابس الأستاذ إنها نظيفة تماما.. وقد غير الأستاذ ملابسه.. والطاقية وضعها على رأسه. وأحيانا يخلعها. ويمضي الأستاذ كأنه يقرأ في كتاب. وليس حديثا بين الأستاذ وتلامذته. يقول كما يكتب كما يذيع في الراديو.

ومن غير مناسبة ومن غير أية علاقة بما يقول الأستاذ تشجعت ولا أعرف إذا كنت الذي سألت أو هو انتظاري الطويل أو هو حرصي على أن يحدثني عن الذي أعرفه أكثر من كل الموجودين في الصالون. قلت: يا أستاذنا أنت ليه ضد الفلسفة الوجودية؟

قال العقاد: يا مولانا هذه فلسفة منحلة.. هذه فلسفة القبور.. فلسفة عدمية. فالفلسفة التي تقول إنه لا يوجد غير الفرد وأن المجتمع لا قيمة له.. هذه الفلسفة لا قيمة لها لأن الأساس هو احترام الفرد. وهي تتحدى الحرية.. حرية الفرد. وكيف تكون حرية بلا مجتمع يا مولانا؟.. التحرر من من يا مولانا؟.. التحرر من ربقة المجتمع.. من أجل ماذا؟ من أجل لا شيء!

وتضاءلت في مقعدي.. ولو هزني أحد لسقطت فورا.. إن فلسفتي ولا حاجة. الأستاذ يقول!
 
أنيس منصور
لخامس مرة: العقاد!




أحزنني العقاد. هزمني بلا رحمة. كان قاسيا. هدم فوق دماغي كل ما بناه الوجوديون. ولكن لا أعتقد أن العقاد قد قرأ كل كتب الوجودية. لا يمكن أن يكون قد قرأ الفيلسوف الألماني هيدجر الذي ولد معه في سنة واحدة، ولا قرأ سارتر ولا كيركجور. إنه لم يذق طعم الوجودية التي لم تقل إن الفرد يفعل أي شيء بحريته. إن الحرية عبء. لأن الحرية مسؤولية. والمسؤول هو الإنسان الحر. ومن هموم الوجودية هموم الإنسان الحر.. كل شيء أمامه اختيارات وممكنات.. أمام سوبر ماركت له أن يختار منه ما يعجبه. فإذا اختار أصبح مسؤولا.. وأنت لا تختار إلا نفسك، أي الذي يريح نفسك، أو الذي يؤكد وجودك في مواجهة الآخرين..

وكان اللقاء بعد ذلك عاصفا. أحسست تماما كأنني أقذف العقاد بالحجارة. هل هذا معقول؟ معقول.. لأنني أدافع عن رأيي في نظرية اعتنقتها وارتحت إليها.. رغم أن الوجودية كلها ليست مريحة، لأنها تجعل الإنسان مليونيرا فلسفيا يختار ما يعجبه ويلتزم به.. ولك أن تختار..

وفي هذا اليوم تضايقت جدا. ولكن أردت أن أنتقم. لا.. «أنتقم» هذه كلمة فظيعة.. كيف قفزت إلى لساني؟ بلاش أنتقم.. ضايقني وأريد أن أضايقه لأنه نسف ما نعتقده. لا بد أن أضايقه..

لا بد أن أسمع منه ما لا يعرف عن الوجودية. ويبدو أن الأستاذ قرأ الكثير فيها وعنها، وإلا كيف وصل إلى هذه النهاية الشنيعة. إن العقاد ينتسب إلى مدرسة فلسفية أخرى وهي مدرسة الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل. وهي مدرسة التحليل المنطقي. كل شيء بالعقل.. بالمنطق الذي يظهر في مقالاته..

قلت له: أستاذ.. أنا متابع كل ما صدر عن الوجودية. فقد ظهر منذ أيام كتاب مترجم للفيلسوف الدنماركي كيركجور. وهو واحد من آباء هذه الفلسفة.

وكأنني طعنت الأستاذ في كرامته.. في كبريائه. تغيرت ملامحه. هل غضب؟ نعم. والتفت إلى الباب ونادى الخادم. وجاء الخادم، قال له: هات الكتب التي على السرير. وكانت مفاجأة موجعة.. إنها كتب كيركجور التي ظهرت كلها.. وليس كتابا واحدا كالذي عندي.. ولم أكن قد رأيت كل هذه الكتب. وفي أعماقي قلت: «جول» يا أستاذ!
 
أنيس منصور
لسادس مرة: العقاد!


لم أسترح ولا أعرف كيف أواجه الأستاذ في الفلسفة التي تخصصت فيها. ومن المؤكد أنه يعرف أكثر..

وكنت أول المتكلمين: يا أستاذ أنت قرأت الفلسفة الوجودية الدنمركية والفرنسية، أما الفلسفة الألمانية للفيلسوف هيدجر، وهو أبو الفلسفة الوجودية، فيقول الفيلسوف سارتر إنه قام بتبسيط الفلسفة الوجودية الألمانية، فالذي يريد أن يفهم هيدجر عليه أن يقرأ سارتر. وفي كتب أستاذنا د. عبد الرحمن بدوي إشارات كثيرة إلى ذلك. وعبد الرحمن بدوي تلميذ لهيدجر، وقد ظهر ذلك في رسالة الماجستير التي عن «الموت والعبقرية» ورسالة الدكتوراه التي كان موضوعها «الزمان الوجودي». إنني أذكر كل ذلك أمام الأستاذ، مؤكدا أنني أعرف ما لا يعرف. فهو لا يعرف اللغة الألمانية ولا يدري شيئا بالمفردات الفلسفية ذات الأصول اليونانية.

قلت ذلك بهدوء. أريد أن أستعرض ما أعرف. ولكن لا أشير إلى أن الأستاذ ربما لا يعرف. وسكت.

وانطلقت مدفعية الأستاذ التي أوجعتني وأصابتني في عزيز لدي، قال: يا مولانا عبد الرحمن بدوي بتاعكم ده رجل جاهل..

وبعد هذه العبارة لا أظن أنني سمعت أي شيء مما قاله الأستاذ، لدرجة أنني سألت الحاضرين ماذا قال. لقد هاجم الفلسفة الوجودية وهاجم أستاذنا الذي نراه نموذجا رفيعا للأستاذ وللفلسفة، فهو صاحب الفضل علينا في ترجمة المفردات الفلسفية عند هيدجر، ووجد لها أصولا عربية عند ابن سينا. مع أن المفردات الألمانية صعبة وتراكيبها أصعب. ولكن عبد الرحمن بدوي ببراعة ترجمها وقدمها ويسرها. هذا فضل عظيم نذكره لعبد الرحمن بدوي. وأن يقول عنه العقاد إنه جاهل فماذا يقول عنا؟ إنه لا يحترمنا ولا يحترم أساتذتنا. إنه شمشون الجبار الذي هدم المعبد فوق أدمغتنا، فوق دماغي أنا. فأنا الوحيد الذي يدرس الفلسفة من رواد صالون العقاد، وأختار الفلسفة الوجودية مذهبا فكريا.

عبد الرحمن بدوي جاهل؟! من المؤكد أن العقاد لم يقرأ له كتابا واحدا، ولكن لماذا هذا الحكم القاسي على أستاذ عظيم.. الحكم القاسي علينا أيضا بلا شفقة ولا رحمة..

ولما رآني الأستاذ غاضبا وقد امتقع وجهي. قال: يا مولانا أنا سأريحك.. إن أستاذك عبد الرحمن بدوي هذا حمار.. هاها.. هاها..

ومن يضحك بعد ذلك؟!
 
أنيس منصور
لسابع مرة: العقاد!



ساءلت نفسي هل أتوقف عن التردد على صالون العقاد لأنه شتم كل أساتذتنا ونسف كل ما نعتقده.. ثم أستاذنا الجليل الشاب الرائع عبد الرحمن بدوي يقول عليه: حمار!

وهل هذا حكم؟ الرجل الذي وسع علمه الفلسفة الإغريقية والعصور الوسطى والحديثة والمنطق القديم والمنطق الرياضي والمنطق الوصفي والفلسفة الوضعية التي بشر بها د. زكي نجيب محمود..

في يوم قال لي د. زكي نجيب محمود إن اثنين من أخلص تلامذة العقاد لم يكتب مقدمة لأي كتاب من كتبهم: أنا وأنت!

فعلا الذي كتب مقدمة كتابي «حول العالم في 200 يوم» طه حسين وليس العقاد..

وعبد الرحمن بدوي حمار، هذا العالم الجليل الذي يغار ويحقد عليه كل الأساتذة. ويوم ناقش طه حسين رسالة الدكتوراه لعبد الرحمن بدوي حمله الحاضرون على الأعناق. وهو ما لم يحدث من قبل. ثم إن مناقشة عبد الرحمن بدوي كانت من طه حسين والشيخ مصطفى عبد الرازق ود. علي عبد الواحد وافي والمستشرق الألماني باول كراوس. والموضوع ليس مفهوما إلا لبعض المتخصصين. وقد ضايقه في المناقشة د. علي عبد الواحد الذي لا يطيقه أصلا. وكاد الطلبة يفسدون كل شيء.. بأن يتحرشوا بالدكتور وافي.

يا ترى هل سقراط حمار؟ وهل الفلاسفة، هيجل وكانت وماركس، وهم أعظم العقول التي خلقها الله، يا ترى حمير أيضا؟ والموسيقار عبد الوهاب حمار؟ وضرب لنا مثلا بأغنية «يا عزيز عيني وأنا بدي أروّح بلدي».. ببطء فهي أغنية حزينة وغناها الأستاذ، وبسرعة تم غناها فهي أغنية وطنية.. وقال هذا هو محمد عبد الوهاب.. يا خبر أسود حتى عبد الوهاب – يا أستاذ!

وكان ولا يزال أملي أن تكون عبارتي سهلة سلسة مثل ألحان عبد الوهاب وهو ينتقل من طبقة إلى طبقة في براعة لا نظير لها. يوم توهمت أنني مطرب لم يكن إعجابي بالصوت فقط، ولكن بالأسلوب. وإعجابي ليس بأسلوب العقاد وإنما بفكره. فأسلوبه خشن وأسلوب طه حسين سهل. وإذا كان أسلوب العقاد من حديد فأسلوب طه حسين من حرير..
 
أعلى