نادية عيلبوني - لماذا يكرهوننا؟

لم يعد خافيا على أحد أن مظاهر العداء للعرب والمسلمين حول العالم تزداد باضطراد بحيث صار من الصعب الحديث عن مظاهر متفرقة أو معزولة هنا وهناك .وربما يكون من الوهم اختزال كل تلك المظاهر ببضعة رسوم كاريكاتيرية قام بها رسام دانمركي بهدف إظهار الإسلام بمظهر إرهابي ، أو توجه راعي كنيسة صغيرة في فلوريدا لإحراق نسخ من القرآن الكريم في الحادي عشر من سبتمبر، بل لنا أن نلاحظ أن المسألة باتت أبعد من تلك التصورات الساذجة ،لأن مظاهر العداء تمتد يوما بعد يوم، لتشمل شخصيات سياسية وحزبية أوربية، كانت حتى الأمس القريب تتمتع بالعلمانية والسماحة، لتنضم هي الأخرى إلى معسكر المعادين للإسلام والمسلمين . ألمانية على سبيل المثال لا الحصر، تشهد حاليا جدلا واسعا بسبب كتاب أصدره مدير البنك المركزي الألماني" زاراتسين"،بعنوان " ألمانية تمحو نفسها". يحذر فيه من خطر وجود المسلمين على ألمانيا. والمؤلف ليس شخصية نكرة ، بل هو شخصية حزبية معروفة في حزب ميركل الحاكم الذي يعتبر حزبا معتدلا ومعاديا للعنصرية . وميركل بدورها لم تتردد مؤخرا في الاحتفاء بصاحب الرسوم الدانمركي وإلقاء كلمة ترحيبية بهذه المناسبة تحدثت فيها عن انتصار قيم حرية التعبير في أوربا.
ربما كان من الصعب بالمقدار ذاته، التغاضي عن تنامي قوة وشعبية الأحزاب الأوربية التي تجهر بالعداء للجاليات المسلمة، وحصول هذه الأحزاب ‘على أصوات متزايدة تجعل منها قوة سياسية مؤثرة في صناعة القرار السياسي في هذه البلدان. كل هذا يعطينا مؤشرات خطيرة تستوجب منا التحلي بالعقلانية والدرس والبحث في أسباب استشراء هذا العداء المتنامي والخطير، ليس فقط على مستقبل الجاليات العربية والإسلامية التي تعد بالملايين في تلك البلدان، بل بصورة أكثر خصوصية على مستقبل بلداننا العربية والإسلامية المهددة بالعزلة والمقاطعة وربما،الحروب جراء تنامي هذا العداء.
لماذا يكرهوننا؟
نحن مجبرون على طرح هذا السؤال،بعيدا عن هياج العامة من الذين يتعاملون بغرائزهم فقط ،ليزيدوا من الطين بلة، وهذا لا يعني في مطلق الأحوال الامتناع عن إدانة مظاهر العداء للإسلام والمسلمين ،سواء منها المعلنة أو الغير معلنة. بل أن الواجب يحتم علينا إدانتها بأقسى عبارات الإدانة لما تحمله من عنصرية ووحشية تمتد بمخالبها لأصحاب ديانة بعينها لتصفهم بالشر والعنف والإرهاب. ولكن الإدانة وحدها لا تكفي ، كما أنها لا تحمل معها حلولا قابلة للتطبيق، وهي لا يمكنها أن تجيب عن كل التساؤلات التي نخفيها خجلا أو ترفعا، إذا كنا جادين بالتصدي لمثل هذا الخطر الداهم الذي يتهددنا.
ربما يكون من السهل علينا الإلقاء بالمسؤولية كاملة على تلك البلدان واتهامها بشتى الاتهامات التي تريحنا من عناء البحث عن مسؤولية العرب والمسلمين في ازدياد هذا العداء. ولكننا لن نتتبع الطريق السهل ، لأننا والحال هذه، سنكون نحن والحقيقة ضحايا لهذا التجاهل المتعمد في المستقبل.
ومن هنا علينا الاعتراف بالحقيقة الأولى التي تقول : أن بعض الأنظمة العربية والإسلامية قد ساهمت مساهمة مباشرة في رعاية الإسلام المتطرف الكاره للغير والداعي إلى قتل المختلف وتكفيره واستباحة دمه وعرضه وماله. وربما نظلم بن لادن إذا ما اعتبرناه الوحيد الذي بث بيننا نظرية الفسطاطين التي قسمت العالم إلى معسكرين :"دار الإيمان" و"دار الكفر" ،لأن هذه النظرية عملت عليها قبل ذلك الوقت بكثير، أنظمة إسلامية قادتها بشكل رئيس كل من السعودية وإيران اللتان صرفتا مليارات الدولارات وصدرت آلاف الدعاة المتعصبين الذين كانوا ينفخون بكور العداء والكراهية للآخر المختلف ، في أوساط الجاليات المسلمة في الداخل والخارج . الأمر الذي ساهم مساهمة فعالة في انكماش المسلمين في تلك البلدان الغربية ،وانغلاقهم على أنفسهم وبناء مجتمعات معزولة وموازية ترفض الاندماج في تلك المجتمعات وتجهر بالعداء للدول المضيفة ولدينها وقيمها.
وربما كان من الوهم الاعتقاد أن تلك الشعوب التي يعيش المسلمون بين ظهرانيها هي كتل صماء ، بل هم بشر مثلنا، يجرحهم ما يجرحنا ، ويسيئهم ما يسيئنا. وهم يصابون أيضا بردود الفعل مثلنا، وهم قادرون أيضا ، ومن موقع القوة ،على التعبير عن استيائهم بطريقة جارحة وقاسية ومؤذية ، ولنا أن نتوقع من تلك المجتمعات الكثير من ردود الفعل التي قد تتجاوز كثيرا مسألة الرسوم أو حرق نسخ من القرآن الكريم ، إذا ما قام أحد بتوجيه الإساءة والاحتقار لديانتهم وقيمهم.
ليس هذا فقط ، بل لنا أن نؤكد على حقيقة ، أن العالم قد أصبح منذ مدة ليست بالقصيرة، صغيرا إلى الحد الذي يمكن الأمريكي والأوربي ، من رؤية ما يحدث عندنا عبر الأفلام التي تبث من كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، و التي يقوم بنشرها أولئك الإرهابيون الذين يدعون العمل بسنة الله ورسوله، والتي تصور الضحايا من مختلف الديانات ، بما فيهم المسلمون،وهي تقطع رؤوسهم ، أو عندما يتم حرقهم وهم أحياء، أو وهم يفجرون أنفسهم في الأسواق وبين التجمعات السكنية وبين الناس الآمنين، ووسط صرخات التهليل والتكبير.
لا أدري ما الذي يمكن أن نتوقعه من غير المسلمين حول العالم من الذين يرون ويسمعون كيف ذبح ويذبح المسلمون بعضهم لبعض في السودان والعراق الجزائر والصومال واليمن؟ وكيف بإمكاننا أن نقنع كل هؤلاء برحمة و سماحة الإسلام وهم يعاينون بين وقت وآخر مشهد القتلى في التفجيرات التي يقوم بها مسلمون سنة متعصبون لعشرات المساجد الشيعة في باكستان؟ أو مسلمون شيعة لمساجد سنية في بعض البلدان الإسلامية ؟كيف لنا أن نفسر لكل هؤلاء أن الإسلام براء من كل تلك الاعتداءات على حقوق البشر وكرامتهم وعقيدتهم؟
ولكن،هل هذا فقط ،ما يجعل العالم يكرهنا ويسيء لديانتنا؟ في اعتقادي أن القائمة تطول ،وهي أكثر من أن تعد أو تحصى ، وبما تضمه من المشاهد التي تدعو العالم إلى هذه الكراهية وهذا الخوف والنفور من الإسلام والمسلمين، ليس أقلها المشاهد الوحشية التي تستعرض صور جلد النساء أو الرجال أو رجمهم حتى الموت في إيران أو الصومال وأفغانستان ، وأعتقد أنه سيستحيل علينا الوقوف بحزم وبقوة الإقناع ، أمام تلك المجتمعات التي أقرت كافة الحريات المدنية والاجتماعية والفردية لشعوبها في دساتيرها، منذ زمن بعيد ، تفسير حقنا الذي ينسبه بعضنا للإسلام، في جلد نسائنا إذا ما ارتدين حمالة صدر أو بنطال؟ والأصعب ربما ، من كل هذا وذاك ،هو أن نفسر لهذا العالم أسباب صمت رجال الدين عندنا على كل تلك الجرائم والاكتفاء بالتفرج والصمت أو التأييد أو الإدانة الخجولة؟ هل تجرأ رجل دين من الذين يسمون أنفسهم بالمعتدلين أو الوسطين ،حتى الآن، على القول أن هؤلاء الذين يمارسون تلك الجرائم ليسوا بمسلمين؟ هل أعلن أحد من هؤلاء براءة الإسلام من تنظيم القاعدة، أو بكل من يقول بتكفير الآخر ويدعو إلى الاعتداء على حياته؟ كيف والحال هذه أن نطالب الغرب بأن لا يضعنا جميعا مع هؤلاء في سلة واحدة ولا يسيء لنا ولديانتنا؟
أسئلة أطرحها على كل المعنيين بالبحث عن أسباب تلك الحال المزرية والخطيرة التي وصلنا إليها ، وأطرحها على كل الحريصين على مستقبل جالياتنا في الغرب وعلى مستقبل شعوبنا في أوطانها.
ومرة أخرى أؤكد أن براكين الغضب، وردود الفعل المنفلتة من عقالها التي يدعونا إليها البعض ، للتعبير عن سخطنا وإدانتنا لحرق "القرآن الكريم" في الحادي عشر من سبتمبر ، ستظهرنا بالصورة التي يريد هذا القس المعتوه أن يثبتها في أذهان العالم عن الإسلام والمسلمين. ألا وهي، صورة الوحشية والهمجية والإرهاب. وإذا كان لا بد من التعبير عن الاستياء فلنبدأ منذ الآن بمراجعة أنفسنا والبحث الجدي عن الطرق السليمة ليس فقط في إقامة حوار حقيقي بين الحضارات والديانات، بل بالبحث عن رؤى تعني وتهتم بتطوير بلداننا بعد أن أصبحت شعوبنا في ذيل أمم العالم في كافة المجالات . رؤى جديدة تتجاوز الغضب ،ولا تخفي مواضع الخلل ، ولا تستحي من الاعتراف ببؤس واقعنا ، وتكون مصممة على بدء مسيرة التغيير.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى