على حزين - رسالة إلي قلمي العزيز.. قصة قصيرة

لما ارتعش القلم في يدي .. فرحت جداً , وزغردت .. وقلت : مدد يا رب ..
أصل من زمان , وأنا كنت مستني يفوق , ويصحصح لي , يكلمني , وأكلمه ويحكي لي , وأحكي له , ويشكي لي , وأشكي له , على الـ بيَّ , لأنه صديق عمري , ومالي الدنيا عليَّ .. وما لي حد غيره , يخْلِص لي في الدنيا ديَّ ..
من يوم ما كنت طفل صغير , وأنا في الكُتَّاب عند الشيخ " الطليحي " تعلمت , وعلمني , كيف أتهجى اسمي بالحروف , واسم أبويا , وأمي , واخواتي , والشارع الطويل الـ ساكن فيه , وعلمني كمان أرسم صورة بيدي...
" شجرة نائمة على ضفاف النيل , والقمر جوا قلب البحر بيستحمى , لكن حزين ومركبة راسية على مينا , وولد قاعد يصيد ساعة أصيل , والنهار عدى وفات , بيميل يقبَّل جبين الليل , ويرمي كلمة في ودن الكون , والطيور ملء الفضا الواسع , أسراب بترسم قلوب وهي مروَّحة , عماله تغرد , ولا الكروان , والليل مليان معاني وأسرار .. ولا شجر اللبلاب , والنخيل يرقص مع الريح...
ومن يومها عشَّقني في كلامه المعسول .. ويسحرني بخفة دمه , وخياله الواسع , بوسع الكون , ومن ساعتها , وهبت له روحي , عمري , لو فرغ حبره أمده من دمي لأنه أصيل .. صار همه من همي .. وبقينا أصحاب على الحلوة والمرة .. إن مال الزمان زى النخل نميل معه , ولو انعدل ننعدل وياه...
يا قلمي الحبيب .. والله ليك وحشة كبيرة .. تعرف أنا كنت نادر لما ترجع لي بالسلامة .. أعمل إيه , أعمل لك حفلة كبيرة , وزفه وزيطه , وهليلية , وفرح من ألف ليلة وليلة , وأعزم فيها الليل , والقمر , والنجوم , والشمس , والميَّه والنور , والهوى , حتى الطير في السماء .. وكل شيء في الكون ..
لأنك واحشني , وغالي عليَّ , زى ضي عينيَّ , ومهم جداً عندي , فوق ما يتصور خيالك , يا قلمي العزيز...
فاكر لما كنا صغيرين .. كنا بنسهر سوى .. تحت القمر .. أو تحت الشجرة الـ على أول الطريق , أو حتى في الشارع الضيق الطويل , كنا نقعد نفكر , أنا وأنت سوى نكتب إيه , ونقول إيه , للبنت الحلوة الصغيرة , البنت المغرورة بنت الجيران .. حيلة أمها , ودلوعة أبوها , فاكر لما رسمت لها صورة , ووردة حمرة , ووردة صفرة , وكتبت لها يومها جواب , وقلت لها فيه : .. " بحبك قوي يا عينيِّ , وبغير عليكِ من النسيم , وبخاف عليكِ من الهوى الطاير لما يلمس هدب ثوبك الحرير " .. وكلام كتير , وفي أخر الجواب , رسمت سهم بين قلبين , وحرفين باللغة الثانية لغة الخواجات , وهي قرأت الجواب , وما ردت عليه إلا بضحكة حلوة من عينيها السود الحلوة ... ياآه كانت أيام حلوة...
ولا يوم ما كنا نذاكر سوى فوق السطح , ومعانا الكتاب , كنت دايماً بتتعفرت على الورق , وبين السطور تستخبى , وتميل علي توشوشني , وأنا أسمعك .. تمسك إيدي توريني , وأنا أطاوعك , وتملى الدنيا خطوط , أيشي أزرق , واشي أحمر , واشي أخضر , وتملى الورق شخابيط , ....
ولَّا في الامتحان .. كنت تضايقني , وتزعلني منك قوى , لما كنت أشوفك متردد وتخاف من الورق الأبيض قدامك , مع انك جريء , وفي بعض الأحيان متسرع , ومتهور , ومجنون , كنت تخاف مع انك بحر كلام , بحر كلام ملوش شطوط , لكن كنت تخاف تقول يطلع كلامك غلط , وأنت لا تحب الغلط , ولا الحال المايل , وتتنفض في إيدي , وتترعش, وتتربك , وتصعب عليَّ , ولما أهزك تعرق , وإحنا في عز طوبى , وأمشير , ولما أتحنن فيك , أصعب عليك , تراضيني بكلمتين , وهما الكلمتين , ونطلع أنا وأنت نجري , نجري في الدنيا الواسعة , مبسوطين نلاقي أسامينا , متعلقة بين الناجحين , ونغني لشاديه , وعبد الحليم...
" وحياة قلبي وأفراحه ".. ونسهر لحد الصبح صاحيين , نتكلم سوى أنا وأنت , عن المستقبل , وعن الناس الغلابة , الطيبين , المطحونين .....
فاكر أول مرة عرفتك فيها .. وأول كلمة , وأول يوم .. لو كنت ناسي أفكرك ... يومها كان قلبي مظلوم .. وجوايا أسى كتير , وهموم , وأحزان بالكوم , وجرح جوين , وكنت يومها حزين .. ولا لاقي حد أكلمه , أحكي له , واشكي له , أفضفض له بكل حاجة جوايا , ودورت كتير , وتعبت كتير, ولفيت ما لقيت , إلا أنت بتنادي عليَّ .. ساعتها فرحت زى الطفل الصغير, يومها فتحت لك قلبي .. وقلت لك حاجات كتير , وحكيت لك كل حاجه , وحكيت لك حكايتي من الألف للياء...
فاكر انك بكيت ساعتها عليَّ .. ولما خلص الكلام .. لقيت نفسي ارتحت.. وهديت ولقيت عندك الحل .. وراحة البال .. والراحة .. من حينها .. لما أكون زعلان .. أو مضايق .. أو مخنوق .. أو حتى فرحان .. أجيلك , أجري لك .. تفتح لي صدرك وتضمني جواه بحنان .. وتسمع لي , من غير ما تقاطعني زى زمان...
وبقيت أنت صديق عمري .. وحبيتك حب جنوني .. حب فوق الوصف ... حب من نوع تاني.. ولقيتني ما أقدر أستغني عنك .. في الشغل أخدك معايا .. وفي السفر.. والشارع أمشى وأنت معايا .. وفي كل مكان ... إيدك على إيدي...
يا قلمي العزيز .. اصحى بقى وصحصح لي وفوق , عشان تحكي لي , وأحكي لك وتشكيلي , واشكي لك على الـ جرى لي .. لأنك صديق عمري .. ولأني الليلة جوايا كلام كتير ....

على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
من مجموعتي الثانية " حفيف السنابل "

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى