كاهنة عباس - العبثية العربية في مواجهة العبثية الغربية من خلال رواية كمال داود "مورسو التحقيق المضاد

هل يمكن لرواية ما، أن تبعث من رحم رواية أخرى سبقتها، لتكشف عن أسرار وحقائق لم تتعرض لها هذه الاخيرة ؟

إن كان الجواب إيجابا، كيف يمكن للرواية " المتفرعة " أن تقنع المتلقي بحقيقة عالمها: من أحداث وشخصيات وسرد ،وقد أسست على التناص ، أي على ما هو مبتكر ومتخيل ونابع من أثر أدبي سابق لها ؟

ما الذي يدفع روائيا ما، أن يتمم ما تكتم عن سرده روائي من قبله ؟

تلك هي الاسئلة التي قد تطرح على قارئ في رواية كمال داود، بعنوان "مورسو ، التحقيق المضاد "(1) Meursault contre enquête الصادرة باللغة الفرنسية عن دار البرزخ سنة 2013 والمتحصلة على جوائز أدبية عديدة من بينها جائزة Goncourt للاداب الفرنسية .

هي رواية ألفت إذا، للرد على رواية الاديب والفيلسوف "Albert Camus" المشهورة بعنوان " الغريب "(2) L’étranger الحائز على جائزة النوبل للاداب سنة 1957.

لا بد من التعرض الى " الرواية الام" ،حتى يتسنى لنا الكشف عن أبعاد وخصائص "الرواية المتفرعة عنها " .

صدرت رواية "الغريب" إذا ، للاديب الفرنسي "البار كامو" سنة 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية ، وهي تندرج ضمن سلسلة مؤلفاته الادبية والفلسفية التي تناولت مفهوم العبثية l’absurde،إذ عرفه في مقالته بعنوان " أسطورة سيسيف " (3)"Le mythe de sisyphe": الهوة السحيقة بين العالم والانسان ، لعدم خضوع الاول ( العالم )الى أي معنى ، وسعي الثاني ( الانسان )الى تحقيق الغاية من وجوده، حتى لا يجابه حتمية فنائه وزوال كل ما يحققه ، إذ تنشأ العبثية بالتقائهما وإدراك الانسان لانعدام أية غاية أو معنى لحياته ولكل ما يسعى إليه أو ينجزه."

أما إطارها المكاني فقد دارت جميع أحداثها بالجزائر حين كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي ،فكيف تبلورمفهوم العبثية في رواية الغريب ؟

(1)تجليات العبثية في رواية الغريب :

تبدأ الرواية بالجملة الشهيرة التي عبرعنها الراوي بينما كان يسرد الاحداث بضمير المتكلم:" توفيت أمي هذا اليوم وربما البارحة، لا أدري . تلقيت تلغرافا من دارالمسنين :" وفاة الوالدة ، غدا موعد الدفن، إليكم كل المشاعر المميزة." ذلك لايعني شيئا ،فربما حدث ذلك البارحة ."

ونستنتج مما سبق ذكره،ما تتسم به علاقة بطل الرواية ( مورسو) بأمه من غموض والتباس لتكتم الشخصية وعجزها عن التعبير عن أي إحساس بالحزن إثر تلك الواقعة .

إذا عرفنا ،من وجهة نظر علم النفس، أن علاقة الطفل بالام هي التي تحدد صلة الانسان سواء بالعالم المحيط به أو بالاخرين، سندرك إذا ، أسباب غربة "مورسو" وما يعيشه من قطيعة وجدانية مع العالم .

لذلك ، كان لا بد "لمورسو" من مجابهة العبثية إن آجلا أم عاجلا ، لا ،لأنه أدرك على المستوى الفكرى، أن العالم فاقد لاي معنى أو غاية فحسب ، بل لأنه لا يملك الرصيد العاطفي والوجداني الذي يقيه من التوصل الى ذلك الاستنتاج ،فالهوة التي تفصله عن العالم لا تقتصر على الناحية الفكرية بل هي وجدانية أيضا ،لاتصالها بجسده، لذلك كان "مورسو" عاجزا عن الشعور بأي انفعال ، ما عدا إدراكه الفطري بالعالم ، من خلال حواسه : مثل إحساسه بالحر والبرد واللذة، أومن خلال رغباته : مثل إحساسه بالاشمئزاز والشهوة والتعب والراحة ،وهو ما يفسر مركزية الأنا لديه وانطوائيته.

فجاء أسلوب الرواية مطابقا لتلك الغربة ، إذ اتخذ ما سماه "Roland Barthes" بالكتابة البيضاء أي المحايدة ،التي قطعت مع ما تقتضيه اللغة الأدبية من جماليات وتقنيات على مستوى الشكل، باقترابها من اللغة الصحافية، إذ كتب في مقالته بعنوان الدرجة الصفر للكتابة ما يلي : " لقد فتحت رواية "الغريب" لالبار كامو المجال لكتابة شفافة، فأنجزت أسلوب " الغياب "، الذي يكاد يكون غيابا للاسلوب على الوجه الامثل ." (4) .

أما الغاية من ذلك، فهي وصف عزلة الشخصية اجتماعيا ونفسانيا، في عالم انهارت قيمه الانسانية، فبات فاقدا لكل معنى.

في هذا الاطار الفلسفي والاجتماعي، تصبح الجريمة ممكنة بل مباحة (5) لذلك كان لا بد للبطل "مورسو" أن يلتقي "بالعربي"، الشخصية التي لا اسم لها لا وجه ولا عمر ولاماض ، التي لا نعرف عنها شيئا سوى أنها قد تكون شقيق امرأة عاشرت رجلا خارج إطار الزواج يدعى "ريمون"، أساء معاملتها بالاعتداء عليها بالعنف ، فانطلق العربي للبحث عنه كي يثأر لكرامة أخته المهدورة صحبة رفاقه .

تلك هي أسباب نشوب الخلاف بين "ريمون" و"العربي" الذي انتهى بإصابة "ريمون" بجروح على مستوى ذراعه بسكين كان يحمله العربي.

ثم يعود "ريمون" الى نفس المكان للانتقام ممن اعتدى عليه ، فيسحب منه "مورسو" مسدسه ويمنعه من ارتكاب جريمة قتل .

لكن سرعان ما يتبين القارئ عبثية الموقف، حين يلتقي "مورسو" بالعربي على حافة الشاطئ صدفة ،فيطلق عليه النار بمجرد رؤية بريق سكينه تحت أشعة الشمس، ويرديه قتيلا، فإذا به يرتكب تلك جريمة دون أن يكون له دافع أو سبب .

ثم تتخذ العبثية صبغة اجتماعية وثقافية أثناء محاكمة "مورسو"، فتتم مقاضاته لا على أساس ارتكابه لجريمة قتل العربي، بل لانه لم يشعر بأي انفعال أو حزن إثر وفاة والدته .

السؤال المطروح : لم اختار كمال داود أن يكتب روايته انطلاقا من رواية "الغريب" "لألبار كامو" ،هل لانه يتبنى العبثية كاتجاه فلسفي ؟ أم لأسباب أخرى سياسية وثقافية ؟ هل كانت روايته متفرعة فعلا عن رواية الغريب ؟ هل يمكن اعتبارها من باب التشبيه ،رجع صدى أم انعكاس لمرآة ؟

لقد كان العربي " نكرة" داخل البنية الروائية "للغريب" ، فاقدا لجميع ملامح وصفات الشخصية في معناها القصصي. فقد اكتفي "ألبار كامو" بأن جعله جسدا حاملا لهوية عربية، فأسند له تارة دور المعتدي وطورا دور الضحية.

فإذا بكمال داود يمنحه اسما ( موسى) وتاريخا وعائلة ( ولد العساس ) وأصولا (جزائرية ) أي ذاتا وروحا وكيانا ،بأن أصبح إنسانا بعد أن كان أداة ابتدعها "ألبار كامو" لبلوغ اللحظة القصوى التي تضع البطل في مواجهة عبثية العالم .

إذا ، فالرجوع إلى رواية "الغريب" لم تكن لأسباب فنية ولا فلسفية فحسب، بل سياسية تاريخية وأدبية أيضا خاصة وأن تسمية "العربي" أو "العرب" الواردة بها جاءت في سياق تاريخي معين ، وهو الاستعمار الفرنسي، أما الدوافع الأدبية، فلا شك أنها تعود إلى شهرة رواية "الغريب" وإشعاعها ومدى تأثيرها على الأدب الفرنسي والعالمي على إمتداد القرن العشرين ،وقد ألفها أديب جزائري المولد والمنشأ :ألا وهو "ألبار كامو".

(2)كتابة الذاكرة المجروحة في رواية كمال داود :

يمكن القول بأن رواية كمال داود أسست على " الحديث الباطني أي المونولوق monologue " للشخصية الاساسية " هارون " ،فمن يكون ؟ وماعلاقته برواية "الغريب" ببطلها ومؤلفها ؟وما الذي دفعه إلى أن يروي قصته في مكان ما وزمن ما ؟

الشخصيات :

شخصية هارون

"هارون" هو شقيق " العربي " الذي أطلق عليه "مورسو" النار فأرداه قتيلا ،يحل محل شقيقه لإنصافه ،فيعود بنا إلى تفاصيل الواقعة، ليخبرنا عن اسمه ويدعى" موسى" ،ويصف لنا ملامح وجهه وطباعه وعاداته ،ويفاجئنا بأن "موسى" لم يخرج للدفاع عن شقيقتهما كما ذكر "ألبار كامو" في رواية "الغريب" ،لأنها لم توجد قط، ويعلمنا أنه لم يعثر بتاتا على جثة شقيقه وأن والدتهما التي سماها " إما" لم ترض بفقدانه ولم تقبل بقتله.

إلا أن شخصية "هارون" لا تلوح للقارئ إلا من خلال صوتها المشحون غضبا وانفعالات ، بعد أن حرمت ظلما من الشعور بوجودها الحسي الجسدي ، بأن عوضت الأخ المفقود فاتخذت مكانه، وبذلك يكون "هارون" : الميت / الحي ، الموجود / المفقود ،الحزين /الثائر الذي سيواجه الرؤية العبثية لرواية "الغريب" بكل ما أوتي من قوة ومن جأش ،عسى أن يستعيد الماضي فيؤسس لما نسي وغبر .

شخصية الام

هي الشخصية التي اندفعت إلى الفضاء السردي للرواية من أول جملة، إذ يستهل "هارون" روايته قائلا :" اليوم ، مازالت أمي على قيد الحياة ."فقدت زوجها في ظروف غامضة ثم ابنها فلم تقدر على الشفاء من جراحها ،بقيت ثكلى ، فأجبرت "هارون" على أن يحمل ثقل حدادها، ليحل محل شقيقه المفقود "موسى". كانت ترافقه حيث ما حل فلا تفارقه أبدا ،لا نسمع صوتها ولا حديثها ولا ندرك مواقفها إلا من خلال رواية "هارون"، دفعته ،عن غير وعي ،الى ارتكاب جريمة قتل "جوزبف" انتقاما لأخيه ،ثم إلى الإفلات من العقاب ، فكان "هارون" يسرد حكايته ليكشف الحقيقة مقتل شقيقه ويثبت وجوده حتى يتجاوز جحيم موته المعنوي .

شخصية رفيق هارون المستمع الى حكايته :

هي الشخصية التي لا نتبين ملامحها ولا نعلم عنها أي شيء لا عمرها ولا اسمها ماعدا أمرا واحدا لقاءها "بهارون" في حانة والاستماع إلى روايته ، إنها "الاخر"، "المتلقى" لروايته ،لذلك لا يتردد "هارون" في أن يصب عليها جام غضبه لانحيازها من وجهة نظره إلى رواية "الغريب" .لذلك فهي الشخصية المقصودة بحديث "هارون" الباطني ( المونولوق)، والتي وجهت مساره في الزمان والمكان بصمتها وحضورها، ومعنى ذلك أن الرواية بأسرها أسست على خطابه المسترسل والمحاصر بصمت شخصيتين لاعبا دورا هاما في الرواية ،هما : الام والرفيق .

(3)غياب الانسان في رواية كمال داود والعبثية من وجهة نظر عربية .

لقد اختار كمال داود الاتجاه المعاكس في روايته بأن جعل وجود الام وحضورها المهيمن يناقض رواية الغريب ،فجاء أسلوبه محملا بالعواطف مناقضا للكتابة البيضاء المحايدة "لألبار كامو" بالرغم من أنه استنسخ أهم أحداث رواية "الغريب" من بينها : جريمة القتل والمحاكمة وقصة الحب لكنه منحها وصفا مغايرا ومعان جديدة .

يمكن القول أن رواية "مورسو التحقيق المضاد" لكمال داود ،نشأت من وجهة نظر اجتماعية وثقافية للتعبير عن تاريخ وثقافة مختلفين عما وصفه "ألبار كامو"، فكانت رجع الصدى لمرحلة معينة من تاريخ الجزائرفي فترة الاستعمار وما بعدها ، أما من وجهة نظر فلسفية ونفسية، يمكن القول أننا إزاء عبثية أخرى تمنع الانسان العربي من الالتقاء بالعالم ، لا ،لأنه أدرك الهوة التي تفصلهما ، كما هو الشأن في رواية "الغريب" ، بل لأنه لا يشعر بجسده ولابذاته ،أي أنه فاقد لهويته وكيانه ،وبالتالي فهو ليس غريبا عن العالم بل عن نفسه، فالانسان في رواية كمال داود سجين سلطة الام ، لا يستطيع أن يعصي لها أمرا ولا أن ينفصل عنها نظرا لمعاناتها وعجزها ووحدتها ، فيتبنى حزنها وإحساسها بالظلم دون القدرة على إنصافها بل إنه يرتكب جريمة قتل ليتحررلمدة قصيرة ،لكنه سرعان ما يدرك عبثية ما أقدم عليه من جرم .

هو إنسان عاجزعن التمتع بالحياة وبالحب لأنه لا يمتلك جسده ،خلافا لشخصية "مورسو" القائمة على مركزية الأنا وهيمنته وتشبثه حسيا وجسديا بكل ما يجلب له المتعة واللذة ،دون أن يغمره الحزن لفراق الأم .

لذلك يسرد "هارون" حكايته منذ بدايتها سنة 1942 الى ما بعد استقلال الجزائر أي إلى الزمن الراهن، فيختار الحانة مكانا للحكي ومحورا لجميع الازمنة والامكنة المتعلقة بقصته ، بينما كان يشرب الخمر، أي حين كان بين الوعي واللاوعي ، بين السكر واليقظة ، الحضور والغياب ،النشوة والالم ، ليخبر "الملتقي" أن وضعيته لم تتغير طيلة تلك المدة: أي ما يفوق السبعين سنة رغم ما عاناه من بأس وتهميش وفقر، فلم يلحظ إثر استقلال الجزائر ازدهارا ولا تقدما بل فوضى وجهل وانهيار للقيم ، لذلك يتبنى في نهاية المطاف أقوال "مورسو" للقس أثناء لقاءهما بالسجن ،فيستنسخها حرفيا كما وردت برواية "الغريب" (6)، ليهاجم "الشيخ" الذي سعى الى هدايته رافضا الحل الديني كمنفذ لمجابهة العبثية ،اقتداء "بمورسو" .

(4)البعد الفكري لرواية كمال داود وانعدام البديل وطرح مسألة الحرية الفردية كمعظلة أساسية :

بعد توغل "هارون" الشخصية الأساسية في أعماق ذاته لمعرفتها وتحريرها من قيودها ، انتهى به السفر إلى التشبه الى حد الانصهار في شخصية "مورسو" وتبني إلحادها ونظرتها العبثية للوجود، فهل تعتبر هذه الرؤية اعترافا ضمنيا بعجز الانسان العربي عن التأسيس لرؤية وفكر ومشروع نابعة عنه، تعبرعن ثقافته وتاريخه؟ ألذلك اتخذت رواية كمال داود شكل الحديث الباطني الخالي ( كما تقر بذلك الشخصية الاساسية: هارون) من كل انسجام مكاني أوزماني ؟ هل انطفأت حرقة "هارون" وغضبه ضد المستعمر بفشل الدولة الوطنية في تحقيق الازدهار المنشود ؟ ما الغاية من معرفة حقيقة ما وقع وتصحيح التاريخ، إذا ما بقي حديث "هارون" موجها لشخص أصم ،بينما كان جالسا في حانة يسرد حكايته وهو في حالة سكر؟

لئن كانت العبثية الغربية مدركة للاشكاليات التي تطرحها : إمكانية انحرافها نحوالانتحار أوالجريمة للخروج من مأزقها ، ساعية الى تجاوزهما من خلال حرية الانسان ومسؤوليته وقدرته على تحقيق السعادة ، فإن العبثية التي يتبناها "هارون" لا تؤسس الى أي شيء سوى الانصهار في الآخر المستعمر لانعدام الفكر البديل : على المستوى الثقافي والفلسفي.

فهل اقتصرت رواية كمال داود " مورسو التحقيق المضاد" على طرح إشكالية الحرية الفردية كموضوع ؟ لم اختار المؤلف من خلال الشخصية " هارون " الاساسية التوقف عند حد الكشف والتساؤل، للانصهار في نهاية التحقيق في المستعمر،وقد وصفه على امتداد سرد الاحداث بالقاتل والمستبد ؟ هل اكتفى بخلق عالم روائي يخالف الاجواء التي اتسمت بها رواية "الغريب" ، دون إعادة النظر في مجمل الرؤية العبثية وبعدها الفلسفية كما أسسها ألبار كامو في "الغريب" ثم أنجزها عبرسلسلة مؤلفاته الفلسفية والادبية الاخرى؟

ألف سؤال وسؤال ، يطرح على المستوى الفكري الفلسفي وحتى الادبي ، إذا ما اعتبرنا رواية " مورسو التحقيق المضاد" تتبنى فعلا الفلسفة العبثية من منظار الفيلسوف والاديب ألبار كامو؟

كاهنة عباس .

(1)Meursault Contre –Enquête , Kamel Daoud ,Editions barzakh, Alger, 2013

(2) L’étranger , Albert Camus ,Editions Gallimard 1942 .
(3)Le Mythe de Sisyphe , Essai sur l’absurde , Albert Camus Editions Gallimard 1942.

(4) Le Degré zéro de l’écriture , Roland Barthes , 1953 , Sribd éditions en ligne , page 30 , Roland Barthes écrivait : « Cette parole transparente, inaugurée par l'Étranger de Camus, accomplit un style de l'absence qui est presque une absence idéale du style. »

(5) L’homme révolté , Albert Camus , 1951
(6) Contre enquête , Meursault , Kamel Daoud , Editions barzakh
2013 , Alger , pages 188- 190

كاهنة عباس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى