أحمد رجب شلتوت - فاتحة لصاحب المقام

– يا ليلة العيد آنستينا …
سمعتها فاطمة من الراديو فامتلأت بالأسى.
فتحت النافذة، رأت أطفال الحارة يحتفلون بالعيد القادم بعد سويعات.
الشارع علا مغطيا نافذتها، لم تعد ترى وجوه المارة، لايبدو لها منهم إلا النصف الأسفل.
” شباكك مثلك يافاطمة جار عليه الزمن”

لم تعد تفتح النافذة إلا لماما. حولتها من الداخل إلى دولاب صغير اتسع لكراكيبها.
” لكن الليلة يافاطمة ليلة عيد، يجب أن تفتحي نافذتك”.
تقولها لنفسها فتدمع عيناها وتلم كراكيبها. تملأ علبتين من الكرتون، تدسهما أسفل السرير، يخفى الداير أشياء كثيرة حتى عن عيني فاطمة التي تنسى ودائعها أسفل السرير المعدني ذو القوائم الصدئة.

***
_ وجددت الأمل فينا يا ليلة العيد
تنهض فاطمة . تملأ جرتها. تضعها على النافذة ليبرد الماء.
تتنهد وتدير مؤشر الراديو فلا تجد إلانفس الأغنية. يتجدد أساها فتغسله بالاستحمام.
ترش أرض الحارة بالماء، ترى الشارع وقد دفن نصف نافذتها،
النصف الآخر لا يمنح الناظر من الخارج إلا الداير العلوي للسرير.
تراه وقد تهرأت عصافيره الزرقاء، بعضها طار أو اقتنصته جوارح الزمن مخلفة ثقوبا تملأ الداير. تأسى لحاله.
تقرر أن تغيره.
تعود لحجرتها، تعتلى السرير، تنزع الداير فتثور أتربته، تسعل وترمى ما في يدها، يرتطم بالأرض فتزيد ثورة الأتربة.
تتذكر الآخر، البمبي، قماشه من الساتان وليس قطنيا كذلك الأبيض الرث.
تحتفظ بالداير البمبى في كيس خاص ، تضع معه زجاجة عطر، لاتخرجهما إلافي مثل تلك الليلة.
***
_ يا ليلة العيد
كان البمبى لونا لليلات أعياد فاطمة، فالزوج كان ينزع عن نفسه غلالات الإرهاق والكمد فتكتمل بهجة العيد. ترى ما في الكيس فيطفح أساها، زجاجة العطر فارغة والبلى أدرك الساتان، فكيف تستقبل العيد؟
مازال الراديو يغنى لليلة العيد ، ووجه رجلها يطالعها عبر الصورة ، يدعوها فتنهض.

تمسك بالصورة ، بجلبابها تمسح الأتربة عن الزجاج ،تجلو الإطار، تلوذ بالوجه المطل، تتحسس ملامحه، تسمعه يلومها فتعتذر، في الغد ستزوره ، تضع ريحانا على قبره وتقرأ الفاتحة وكل ما تحفظ من القرآن. يغمرها أساها، تقرر ألا تدع السرير عاريا. تسند الصورة إلى المخدة وتخرج مقررة شراء داير ساتان بمبى جديد.
لم تجد إلا ساتانا أخضر، البمبى وحده يليق بالعيد، لكن السرير عار، تعود بالأخضر وتنسى شراء العطر . تغلق الراديو فلا تسمع ياليلة العيد.
حتما ستمر الليلة مهما كانت ثقيلة وفى الغد ستهرع إلى رجلها، ستعرج أيضا على أمها وأبيها، تقرأ الفاتحة وتشكو ما بها. لم تعتد على الشكوى لرجلها، كان يعود مرهقا، تراه بحاجة لمن يخفف عنه ، فتلزم الصمت.
تتذكره في مرضه الأخير، اصفرار وجهه وروحه التي ذبلت تدريجيا،
تركها وحيدة واستراح.
***
فجأة انتبهت إلى أن ثمة من يتلصص عليها عبر النافذة المفتوحة .تخرج عازمة على الإمساك به متلبسا. ستفرغ فوق رأسه كل مرارتها. تري رجلا ريفيا يجلس القرفصاء بينما عيناه مثبتتان علي السرير
تسمعه يتمتم بكلام كثير لم تتبين منه إلا وعدا بدستة شموع.
تصبح التمتمة همسا وهو يرفع يديه لأعلى، تسمعه يقول : آمين
تراه يمسح جبهته بكفيه. تفاجئه ممسكة بثوبه من عند الكتف، تصرخ:
_ ماذا تفعل؟
يفاجأ الرجل, مذعورا يدفع يدها، يشير إلى الداير الأخضر:
_ أقرأ الفاتحة لسيدي وأرجوه.

_ سيدك من؟
_ صاحب المقام
شيء ما بداخلها يدفعها لتصديقه. تكتم رغبتها في الضحك وهى ترى الرجل لائذا بالفرار.
وفى حجرتها تظل تضحك حتى تمتلئ عيناها بالدموع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى