أحمد رجب شلتوت - مفترق طرق.. قصة قصيرة

الزحام في الشارع شديد، يبدو وكأنه تدريب عملي على يوم الحشر. أمواج البشر تضرب فى كل اتجاه، والملصقات على الحوائط الكالحة تبدو كرقع في ثوب رث. اقرأ الملصقات أثناء اندفاعي مع سريان تيار المارة، كلها إما دعوات للتبرع أو للحجاب والصلاة، وإما إعلانات عن نجوم الغناء أو أباطرة الدروس الخصوصية. أتحرك بصعوبة مستندا على ذراع صديقى. توقفنا الإشارة الخضراء السامحة بانطلاق رتل السيارات. يشير صديقي إلى صورة مطربة شبه معروفه وشبه عارية، يقول ضاحكا:
- أنظر كم هى ضعيفة تهتف برجلها "قوينى بيك"
أنظر إلى حيث يشير، أسمعه يواصل:
- كم هى خبيثه قصدها أن تهد حيله لا أن يقويها.
***
صوت الميكروفون يغطى على ضحكات صديقي. يقبض عليه رجل ذو لحية أجش الصوت، يدعو المؤمنين للتبرع لأعمال الخير، نتجاوزه لكن صوته مازال يحتل آذاننا، الزحام الشديد يوقفنا، ألمح فرشة كتب، أمر على العناوين، نصفها عن الترهيب من الآخرة، أو الترغيب فيها، يعد بالجنة والبنات الحور، بينما النصف الآخر يدعو للدنيا من خلال كتب أخرى تحمل وصايا لليال سعيدة، يشاركنى صديقي الاعجاب بذلك التوازن بين الدنيا والآخرة، فإلى جوار مجلد عن عذاب القبر يستقر كتاب رجوع الشيخ إلى صباه. يذكرني صديقي بإعلانات الصحف عن المنشطات الجنسية وعن أماكن علاج الضعف الجنسى ثم يسألني:
- ماذا أصاب الرجال؟
***
تحمر الإشارة فتقف السيارات. ننتهز الفرصة ونسرع ونهرع عابرين الشارع. يواصل تيار المارة سريانه، يدفعنا إلى فرشة كتب أخرى فى الناصية المقابلة. أيضا إلى جوارها رجل يمسك بميكروفون، ألمح على يده وشم الصليب، أسمعه يدعو المؤمنين للتبرع. الكتب على فرشته تدعو لعالم مختلف وتبشر بجنة أخرى. أقف قارئا للعناوين. يزاحمني رجل، يفصل بينى وبين الفرشة، يقلب فى الكتب سريعا ثم يدعها إلى الشرائط، يختار أحدها، يجربه له القابض على الميكروفون، ينبعث صوت الترانيم، يقرب الرجل ميكروفونه من الكاسيت فيسمع الجميع:
- كل العالم فاني.. كله قبض الريح
صخب المارة يغطي على الصوت الرخيم، وتيار السابلة الساري يأخذني وصديقي بعيدا عن الدير والترانيم. نعبر الطريق بالقرب من مستشفى الولادة، نرى أمام مدخلها سيارة اسعاف يطل من بابها المفتوح رجل يمسك بالميكروفون ويدعو للتبرع بالدم، آخر يتناول الميكروفون يذكر أطفالا مبتسرون وأطفالا مرضى قبل أن يطلب التبرع بالمال.
***
نهم بالابتعاد، تقترب منا شابة نحيفة ترتدى ثيابا بالية سوداء، توقفنا مادة يدها، قائلة بصوت واهن:
- لله .. شيىء لله
تقرب رضعيها البائس منى لتستعطفني لكن صديقي يبعدها فتبتعد حزينة، أراها تجلس مستظلة بلوحة كبيرة تملأها صورة الرئيس مادا يده بابتسامة، تتثائب وتمد يدها، تماما تحت يد الرئيس. أهم بنصحها بالابتعاد، وتغيير المكان فاليد الممدودة في الصورة لن تعط شيئا، لكن صديقي يشدني لنواصل عبور الطريق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى