جاسم الحمود - انتظار ..

لماذا تأخرت، انتظرك منذ الصباح استيقظت مع شروق الشمس، جهزت كل شيء، نظفت غرفتك، رتبتها كما تحب، مسحت زجاج المكتبة، سحبت طاولة المكتب إلى الزاوية التي تحب قرب النافذة وضعت فوقها أوراقا بيضاء وقلما أخضر أعرف أنك تحب الكتابة بالقلم الأخضر تكره الأسود لأنه لون الليل والدسائس، وتكره الأحمر لأنه لون الشطب و الدم وضعت وسادة المخمل الصغيرة على كرسي المكتب لتجلس كعادتك وراء مكتبك قرب النافذة التي تقابل نافذة أمل ابنة الجيران تنظر إلى أمل و تنظر إليك تتبادلان أحاديث العشق والغرام، تهيمان في عالم آخر وفجأة تنسحب أمل ملبية نداءات أمها و تعود أنت إلى الأوراق البيضاء لتخط بالقلم الأخضر عوالم من الأمل والفرح .
لماذا تأخرت يا وحيدي... حضرت لك وجبة الغداء التي تفضلها و سكبت الطعام في الصحون، أعرف أنك مهموم أمل ابنة الجيران هي السبب أعني أمها التي شكت بما يدور خلف النوافذ فصارت تراقب ابنتها أمل لتفاجئها متلبسة بالعشق...
أعرف أن مشاكل العمل تقلق راحتك، يريدون أن تقبل الهدايا الهدايا التي ستجعلك من رجال البنوك والأرصدة والشيكات لايعرفون أنك لن تستجيب لهم يعتقدون أنهم سيتمكنون من إقناعك. أنا متأكدة أنهم سيفشلون
أعرف أنك حزين وعاتب على أبيك لأنه لم يسأل عنك منذ ولدت نسي أن له ولدا هنا ذكرتني بالماضي كنت أجمل بنات البلدة و أبوك كان أجمل شباب البلدة وأكثرهم فتوة ومرحا وكان لا بد أن نلتقي و التقينا التقت العيون ثم القلوب و اشتهر حبنا وصار حديث الناس. عندما طلب أبوك من أهله أن يذهبوا معه ليخطبني رفض أهله و تعالت أصواتهم: كنا نظنه يتسلى معها كيف لابن العائلة المجيدة كريمة الحسب والنسب أن يتزوج فتاة عادية من أسرة فقيرة؟ كيف يترك بنات العائلات الأصيلة عائلات الأمراء والشيوخ ويلحق فتاة تسكن مع أهلها في غرفة من الطين؟
لماذا تأخرت الشمس، قاربت على المغيب وأنت لم تأت كل شيء جاهز وضعت طاولة الخشب و الكراسي تحت الدالية جهزت إبريق الشاي أعرف أنك لن تأتي وحدك، سيأتي معك أصحابك، كالعادة ستجتمعون حول إبريق الشاي تقرأون القصائد وتغنون المواويل تتحدثون عن أحوال البلد وتتجادلون في السياسة و النساء تتألق بينهم وأنت تتحدث بحماس و ثقة فأراك أميرًا ملكا وسط حاشيته.
أعرف أنك عاتب على أبيك لأنه هجرني أنت تعرف أهله رفضوا زواجه مني بشدة تحداهم وتزوجني رغمًا عنهم، وضعهم أمام واقع لا مفر منه اجتمع مجلس العائلة الكريمة واتفق الجميع على قرار واحد وضعوا أباك أمام خيارين: إما أن يطرد من البلدة و يحرم من الميراث ويسلخ عن العائلة أو يقبل بقرارهم ضغطوا عليه قبل قرارهم ونفذه وعندما علمت بالأمر طلبت منه أن يطلقني.
لماذا تأخرت؟ أسمع أصوات الزغاريد في بيت أمل الخبر صحيح جاءها عريس لكن تأكد أنها لن توافق هي وعدتني أن تنتظرك أبوك لم ينتظر تزوج بعد أن طلقني من ابنة عمه وصار عنده حشد من الأولاد.
لماذا تأخرت؟ سينتصف الليل وأنت لم تأت بعد تعال لن تكون مهموما أو حزينا تعال في الصباح الباكر سأذهب إلى أهل أمل وأخطبها لك لن يسع العالم فرحتها تعال، أبوك سيتذكر أن له ولدا وسيأتي ليبارك زواجك سيأتي أصحابك ويرقصون ابتهاجا بعودتك.
لماذا تأخرت وتركتني وحيدة؟ تعلم أن الذكريات الحزينة تحاصرني عندما أبقى وحيدة انتصف الليل، لا تتركني عرضة للوساوس والهموم هاهي دقات الساعة تعلن الواحدة ليلا أخشى أن يطلع الفجر وأبدأ رحلة انتظار جديدة أخشى أن تواجهني أشعة الشمس لأجد نفسي وحيدة أمام الحقيقة المرة: أن الجيران ليس لديهم ابنة اسمها أمل وأن أباك قبل قرار العائلة العائلة التي قبلت الزواج بشرط ألا تعكر دماء العائلة النقية وألا يصبح لابنها ذرية من امرأة فلاحة.
أخشى أن أواجه الحقيقة المرة التي هربت منها ثلاثين عاما الحقيقة التي اكتشفتها بعد أن استعدت وعيي في المشفى: أن عملية أجريت لي وأن الطبيب استأصل الرحم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الفائزة بمسابقة قصص على الهواء - شهر أيار 2008 التي تقيمها مجلة العربي بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية.
جاسم الحمود - سوريا -الرقة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى