اسلام سمحان - وكالة من غير بواب

ليس غريبا ما تواجهه قصيدة النثر من هجمات هذه الايام خصوصا من فيالقة الشعر الكلاسيكي والعامودي فالتصور العام عندهم ان هذا الجنس الادبي الجديد هو حالة طارئة على الأدب والشعر العربي باعتباره شكل من اشكال الهجمة والغزو الفكري الغربي.
ولو عدنا الى الوراء قليلا في ذروة ظهور قصيدة التفعيلة لوجدنا ان الزمن يكرر نفسه فلم تسلم نازك الملائكة ولا السياب من تراشق الاتهامات من الوسط الادبي والنقدي آنذاك .
وتعتبر قصيدة التفعيلة الآن القصيدة المطلوبة والمرغوبة بل العديد ممن حاربوها سابقا صاروا من روادها وكتبتها.
ان قصيدة النثر تمتاز بمزايا عدة وعديدة ولربما اهم ما يميزها هو الاقتضاب والتعبير عن حالة التردي والانكسار التي تعيشها امتنا العربية ، كذلك تعطي لكاتبها افقا اوسع وفضاء ارحب لتفريغ الحالة الشعورية لديه حيث ان القصيدة العامودية او قصيدة التفعيلة تفرض شروطا وقوانين على الشاعر ربما تجبره على تغيير فكرة على حرف او تفعيلة مكسورة .
وهنا اريد ان الفت النظر الى انني لست بالمعسكر المقابل اي في خندق الذين يحاربون القصيدة العامودية او التفعيلة بل اعتز بموروثنا العربي وبتراثنا الشعري واعتبر ان الشعر شعر بالرغم من اختلاف شكلة او طريقة كتابته لأنه وفي النهاية ما يهمني كقارىء او متلقي تلك المشاعر التي ايقظها النص بداخلي وما يهمني ايضا نسج الجملة الشعرية والصور والأخيلة في النص الشعري.
فالشعر العربي ومذ نشأته حتى يومنا مر بتجارب أثرت عليه تأثيرا ربما كان جذريا يتعلق بكينونة القصيدة العربية فمثلا شعر الرثاء كان يعتبر تجديدا في الشعر العربي والموشحات كذلك اعتبرت تجديدا في الشعر حتى قصيدة التفعيلة .
وهذا ان دل على شيء انما يدل على حيوية قصيدتنا العربية ومدى قدرتها على التعايش مع العصر بل ويجب ان يفخر الجميع بأن الشعر العربي ان لم يكن اول جنس ادبي يهتم بالقضايا الانسانية فلنعتبره من اقدم تلك الجنوس والتي اثبتت استطاعتها على الاستمرارية وديمومة حيويتها .
ان الشعر العربي بحق كائن حي يتأثر بالبيئة المحيطة به مما يدفعه بالدفاع عن نفسه وذلك بالتأقلم مع المستجدات والطوارىء .
انني اوجه دعوة سلام الى جميع المتمسكين برأيهم ضد قصيدة النثر كما اوجه دعوة مفتوحة لقراءة النثر.
وهنا اريد ان اقول ان قصيدة النثر ليست قصيدة منبرية بل قصيدة تمعنية تدعو القارىء الى التفكير والتحليل والتحليق عكس تلك القصائد التي تختفي باختفاء شاعرها او المناسبة التي كتبت لأجلها.
ومن الجدير ذكره هنا ان بعض المستشعرين يعتبرون دخلاء على الادب العربي بشكل عام واجزم ان هؤلاء هم الذين شوهوا صورة قصيدة النثر باعتبارها ” وكالة من غير بواب ” ويريدون ان يصبحوا شعراء ان شاء من شاء وان ابى من ابى .


اسلام سمحان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى