علجية عيش - يوميات مواطن جزائري في مكاتب البريد في ظل كوونا

هناك بعض الحقائق الأساسية في حياة الإنسان وجب التطرق إليها لمعرفة ما له و ما ينبغي عليه أن يقوم به تجاه الآخر، هو الواجب يدعونا لتحقيق التعايش في مجتمع لا يهتم إلا بالمظاهر الإجتماعية الخادعة فتجمدت العقول و ماتت الضمائر و وقع الإنسان في اللاهدفية و اللامبالاة
هي صورة حية للوضع الذي يعيشه المجتمع العربي، و المشاكل اليومية التي يتخبط فيها المواطن العربي، و لا يمكن لأيّ مجتمع أن ينكر و يقول لا توجد عندنا مثل هذه الظاهرة، فمشاكل البريد لا تنقطع، خاصة في ظل جائحة كورونا المستجد، تجبرك على النهوض باكرا حتى يمكنك الخروج من أجل اللحاق بالطابور، قبل شروق الشمس لتحجز لك مكانا أمام مقر مكتب البريد إلى حين يفتح أبوابه في الساعة الثامنة، تصوّر أنه أحيانا تتعب و أنت واقف في الطابور تحت أشعة الشمس، ولا يصل دوركَ، يقال لك عُدْ في المساء، و تتكرر العملية، و تصل الساعة الخامسة و لا يصل دورك، انتهى العمل، عودوا غدا، نفس الكلام يتردد، هي معاناة يعيشها المواطن الجزائري يوميا، دون أن يحصل على الفتات الذي يتلقاه كل شهر، و في كل مرة يقف على سيناريو جديد، أحيانا بانقطاع ( الرّيزو)، و أحيانا أخرى غياب السيولة المالية..، تحدث الفوضى، و يختلط الكل مع الكل ( معزة و عتروس) ترتفع أصوات هنا و هناك، و لا تفهم شيئا مما يقال، لأن الكل يتكلم و الكل يصرخ، في مكاتب البريد و في مثل هذه الحالات كل التعليمات الوقائية لتجنب الوباء تضرب عرض الحائط ، أما عن طريقة وضع الكمامات حدث و لا حرج، خاصة بالنسبة للنساء، واحدة تقول نسيتها في البيت و تعمد إلى تغطية أنفها بمنديل أو بالخمار.​
رأيت أمهات يرافقهن أطفال صغار ، يقفون في الطابور بالساعات الطويلة ، و أخرى تحمل رضيعا، ألا تعي الأمهات أن أطفالهن معرضون للخطر، ليس من الوباء فحسب بل لوقوع حادث ما - لا قدّر الله؟ - ، أمّا بعض الرجال فهم يتفنَّنُون في وضع الكمّامة، واحد يضعها في مرفقه و كأنها شارة عسكرية، وآخر يحملها في يده و كأنه يحمل قفة يدخل بها السوق، و الثالث يضعها أسفل لحيته، و البعض الآخر ينظر إلى الوباء نظرة دينية، و يقول: الأجل راه بيد ربيّ" ، فيما يعمد البعض الوقوف ضد السلطة التي تفرض أوامرها على المواطن بوضع كذا و كذا ، في الوقت الذي لم تعمل على تلبية حاجاته الضرورية، مازلنا طبعا نفتقر إلى ثقافة "الوقاية خير من العلاج"، مازلنا مقصرين في أداء واجبنا، مازلنا لا نمتلك الروح الإنسانية، الكل يقول أنا هو الدولة، ما يحز في النفس هو رؤية كبار السن و هم يقفون في الطابور لأخذ منحة معاشهم الشهرية ، وجوها شاحبة من شدة الفقر و المرض، الشيب و التجاعيد غيرت ملامح وجوههم، الأزمة طبعا قديمة، حتى لا نلقي اللوم على كورونا ، هي سلوكات لا ترتقى إلى مستوى المجتمع المتحضر، ثم نجد الذين يحدثون الفوضى يتكلمون عن النظام، ما لم ينتبه له الفوضويون أن هذه السلوكات يقف عليها الصغار، والصغير يقلد الكبير في كل سلوكاته.​
هذه يوميات مواطن جزائري مع مكاتب البريد في ظل كورونا، من يتحمل المسؤولية هل المواطن الذي اعتاد على حياة الفوضى، أم الإدارة التي لم توفر عددا كافيا من العنصر البشري، بعض مكاتب البريد لا تتوفر على يد عاملة كافية لتقديم خدماتها للمواطن، فمثلا نجد عون شباك يقوم بمفرده بكل الخدمات، و عونين أو ثلاثة يعملون بأريحية، يتعمدون تعطيل المواطن و بخاصة النساء، فهاته تدردش مع صديقتها بالموبايل و تسألها ماذا حضّرت لغذاء اليوم، و تلك تحدثها عن الثياب الذي اشترته من المحل الفلاني و ترشدها بالذهاب إليه، و أخرى تقوم من مكانها لتدردش مع زميلتها، دون الحديث عن المحسوبية في التعامل مع الزبائن، بعض الناس بالهاتف فقط يحصلون على نقودهم دون أن يقفوا في الطابور (ألو..من معي؟ آه فلان..تعالى إليّ من الجهة الأخرى..يسلم له الشيك و بطاقة الهوية و يأخذ نقوده دون عناء) و هكذا يمرّ الوقت، و الواقفين في الطابور على أعصابهم ينتظرون، لا يمكنهم فعل شيئ سوى الصراخ و التنديد.​
في مثل هذه المشاهد و في غياب الرقابة تنتابك هواجس كثيرة و تكاد تكفر بالقيم الإجتماعية، و أنّا تلتفت فلا ترى إلا الذين يعانون من مرض اجتماعي فتاك هو الفهم العامي لمفهوم الواجب و المسؤولية، فعندما يعلم كل فرد أن الواجب قبل كل شيئ، يقف أمام المسؤولية وجها لوجه و يقف أمام ضميره، إن شخصا لا يتفهم واجبه في الحياة شخص انهزامي، الإنسان وحده الذي يبدع الصفات و المفاهيم، مفاهيم تتفق مع أهوائه و يجعلها كلها خيرا حتى و لو كانت شرا، فبها يخدم مصلحته و مصلحة معارفه و أصدقائه، فعندما تتحول القيم النبيلة إلى قيم مصطنعة و تفقد الأشياء ميزاتها و مفاهيمها الأولى، لا يبقى منها إلا الشكل و القشور، هكذا ينقلب الإنسان على النظام و ينتهج الفوضى فلسفة في حياته اليومية، الإنسان الذي آثر الفوضى و حمل بذور شقائه، انحرف، و الإنحراف تَحَوُّلٌ غير طبيعيٍّ عن المجرى الحقيقي.​
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى