أمل الكردفاني- قاعدة قطرة الدم الواحدة

قانون النقاء العرقي، الذي استن في الربع الاول من القرن العشرين بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي سارعت ولايات الجنوب بتفعيله، أوقع المشرعين الأمريكيين في مشكلة عويصة.
فهذا القانون اعتمد في تعديلاته الأخيرة على قاعدة قطرة الدم الواحدة.
أي أن قطرة دم واحدة سوداء، تلوث كل الدم القوقازي.
وهذا ما يقال عنه هنا في السودان (فيهو عِرِق) مستقى مما نسب إلى الرسول من أن (العرق دساس). رغم ان الرسول قصد بذلك سوء الخلق، فهو قد قال (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)، وقال تفسيراً لذلك (إياكم وخضراء الدِّمن) أي المرأة الحسناء في المنبت السوء.
لقد أدى ذلك القانون الأمريكي إلى جدل كبير، فخلال ثلاثة قرون من نشأة أمريكا، تداخل العرق الأبيض مع الأسود عبر ممارسة الجنس مع العبيد والإماء، فقد أدت ممارسة الجنس مع الإماء السود على وجه الخصوص إلى إنتاج خلاسيين Mulatto أو حتى بيض البشرة ولكن في جيناتهم البذرة الزنجية. لذلك خافت الكثير من العائلات البيضاء من ذلك القانون، ونوه العديد من البرلمانيين خاصة في فرجينيا، إلى أن قاعدة القطرة الواحدة ستفضي إلى تعريض أسر كبيرة إلى للتهميش وقد تقاوم تلك الأسر البيضاء ذات الجذر الزنجي الخفي، مقاومة شرسة لحماية مصالحها. مع ذلك كانت هناك قوانين أخرى قد سُنت، كقانون منع الزواج بين البيض والسود. وفي إحدى الولايات سن قانون يجرم إختلاء أبيض وأسود مختلفي الجنس في مكان واحد وإلا عد ذلك جريمة. وقبل عشر سنوات من الآن قرأت قضية غريبة في الستينات -على ما اذكر- هي التي أفضت إلى الإسراع بإلغاء ذلك القانون، فقد تزوج رجل أسود بامرأة بيضاء، فتم القبض عليهما، رغم أن قانون الولاية لم يمنع الزواج بين البيض والسود لكن الإدعاء العام اعتبر أن تفسير قانون حظر وتجريم الخلوة بين الأبيض والاسود يمتد إلى حظر التزاوج بينهما. وكان ذلك تفسيراً منطقياً جداً. غير أن المحكمة الفدرالية العليا، رفضت ذلك التفسير، واعتبرته مؤدياً إلى تفكيك النسيج الإجتماعي. بالتأكيد استندت المحكمة إلى مبدأ المشروعية وهو الذي يمنع التوسع في تفسير النص القانوني ضد مصلحة المتهم. ولكن بقى القانون حتى تم إلغاؤه فيما بعد.
لا تعد قاعدة قطرة الدم الواحدة مسألة اختص بها الأمريكان البيض، ففي كل شعوب العالم، سنجد تلك القاعدة، في الدول الآسيوية واللاتينية والافريقية نفسها، والعربية. وهي ليست كما يتصور البعض مسألة تتعارض مع القيم الأخلاقية، بل هي تطبيق لواقعنا الهوياتي البشري. فنحن كبشر نعتمد على إنجاز هوياتنا عبر الإختلاف وليس عبر التشابه. إن قطرة الدم الواحدة، يعاني منها الذي يولد من أم مصرية وأب سوداني في السودان او في مصر، فهنا نقول (ود المصرية)، او (ود الحبشية)، ... الخ، كدليل على عدم نقاء الهوية، وذلك النقاء يمتد إلى القبائل الافريقية نفسها، فهناك قبائل مهمشة، تعتبر من المنبوذين، حيث يؤدي التزاوج معهم إلى تلويث الدم النقي. في الهند هناك الفارنا (اي الطبقية) ويتذيلها السودرا بل أن الداليت هم ادنى الطبقات. لذلك تتشكل الهوية بقطرة الدم الواحدة ولكن بمفاهيم مختلفة، سواء تراتبية عرقية أو مالية أو دينية..الخ، وقد أفضى العصر الحديث إلى الانتقال من النظم الاجتماعية التقليدية المعقدة إلى النظم الأقل تعقيداً، فالمعيار الأول هو الملاءة المالية..تليه المعايير الأخرى. في السودان يتجه أولاد الأغنياء للزواج بالفتيات البيض، وفقاً لمبدأ تحسين النسل، وهو مبدأ تم تقعيده في إمريكا، ولكنه قديم قدم التاريخ، وله أصل علمي وهو نظرية الانتخاب الطبيعي، والذي تمارسه الحيوانات أيضاً ولكن على مستواه البيولوجي المحض. فذكور الحيوانات تتقاتل، فيما تقف الأنثى لتنتظر المنتصر، وهي لا تقبل بالمهزوم، وليس ذلك عن وعي ولكن عبر غريزة بثها فيها قانون الطبيعة أو الانتخاب الطبيعي، إذ أن المنتصر وهو الأقوى سيمنح أولاد الانثى جينات قوية، تستطيع أن تواجه عبرها صعوبات الطبيعة، خلافاً للجينات الضعيفة.
كورونا كفيروس يتخير أصحاب المناعة الضعيفة ويزهق أرواحهم، وهذا أيضا جزء من الانتخاب الطبيعي عبر تاريخ الأوبئة.
إذاً؛ فالهوية لا يحددها التشابه، بقدر ما يحددها الإختلاف. فلو كانت كل البشرية على شاكلة واحدة، لانتهت الهويات. ولكن الهويات تنشأ من اختلافها عن غيرها.
غير أن العالم يتجه إلى نبذ قاعدة قطرة الدم الواحدة، واستبدالها بقاعدة الحساب البنكي الذي يحدد قبول الآخر بك أو رفضه لك. لذلك سنجد أن إحصائيات الانتخابات الامريكية، قد عكست لنا تمسك العجائز البيض بالمعايير القديمة (قطرة الدم الواحدة)، فاغلبيتهم رشحوا ترامب. في حين صوت الشباب لبايدن. ومع ذلك كان بإمكان ترامب أن يستقطب الأجيال الجديدة، عبر معاييرها الجديدة، أو معيارها الجديد الوحيد....وهو الورق الأخضر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى