د. محمد سعيد شحاتة - حركة المعنى وإنتاج الدلالة.. قراءة في قصيدة (أن تكون في العاصمة) للدكتور عيد صالح (الجزء الثاني)

التشكيل اللغوي وإنتاج الدلالة
لشبكة العلاقات اللغوية أثر كبير في إنتاج الدلالة؛ إذ تمتد هنا وهناك ناسجة خيوط النص طولا وعرضا، ومشكِّلة بذلك تفاعلا ديناميكيا بين النص والقارئ، ومخفية وراء ألفاظها المختارة بإتقان الرؤية الفكرية التي تشكَّلت في الذهن الإبداعي، واحتفظت بملامح تلك الرؤية حيَّة متفاعلة من خلال ألفاظ دالة، بينها علاقاتٌ دلالية متشابكة.
وتتشكل شبكة العلاقات اللغوية في النص من ثلاثة محاور، تتصل مع بعضها بوشائج لغوية ومضمونية، وتنفصل في دلالة كل محور على جانب محدد من المشهد الذي أراد النص التعبير عنه، وقد جاء كل محور مشتملا على مجموعة من الألفاظ المختارة بعناية شديدة ، والدالة على ملامحه:
المحور الأول تمثله بداية النص وخاتمته، ففي البداية يقول الشاعر/النص (لا أحد يسأل من أين هبطت/فقط/أنت هنا والآن) وفي الخاتمة يقول (فقط/تذكر/أنك في العاصمة) ومن الملاحظ أن المعنى في بداية النص يدور حول عدم رغبة من يستقبلون القادم إلى العاصمة في معرفة المكان الآتي منه، ولا يعنيهم ذلك في شيء، ويشكِّل لفظ (أحد) المنفي بـ(لا) النافية للجنس محور الدلالة اللغوية؛ فهو الذي يحتل بؤرة هذه الدلالة، وتتشعب منه مجموعة من الخيوط اللغوية تنسج شبكة الدلالة، وهو لفظ نكرة، ويتناسب مع الدلالة المضمونية التي أرادها الشاعر/النص؛ فالدلالة المضمونية المرادة هي أنه لا يوجد من أبناء المشهد الثقافي في العاصمة من يشذُّ عن رؤية العاصمة، بمعنى أن المنضوين تحت لواء المشهد الثقافي يؤمنون جميعا –من وجهة نظر النص –برؤية العاصمة التي تفكك العقل الفكري لمن أتى إليها، وتذيب مكوناته، ومنظومته المتشكلة في المكان الآتي منه لحساب العقل الفكري للعاصمة المتشكل من أنسجة مختلفة، ومن ثم تكون له ملامح مختلفة، وهذا يتناسب مع اللفظ (أحد) فهومن ناحية نكرة دالة على العموم والشمول، ومن ناحية أخرى منفي بـ(لا) النافية للجنس المقصود بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله، فمن حيث كون اللفظ نكرة فإنه يدل على شمول كل المنضوين تحت لواء المشهد الثقافي في العاصمة، ومن حيث كونه منفيًّا بـ(لا) النافية للجنس فإنه يشمل جنس كافة المنضوين تحت المشهد الثقافي، فلا يشذُّ منهم أحد، ثم يأتي اللفظ (أين) وهو اسم استفهام دال على المكان في إشارة إلى المكان الذي جاء منه الهابط إلى العاصمة، ثم يأتي لفظ (هبط) المتصل بتاء الفاعل، واستخدام هذا اللفظ تحديدا له دلالته الخاصة، وإذا أخذنا بالمعنى المباشر للفظ، وهو الهبوط من أعلى إلى أسفل فإن الدلالة تأخذنا إلى تأويل أن الآتي إلى العاصمة آتٍ من مكان عالٍ في التكوين الفكري والثقافي والتشكيل الوجداني والقيمي، ومنظومة القيم لديه واضحة المعالم ومتزنة، وهو ما عبرت عنه القصيدة بــ(قروي ساذج وجنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) وسوف نتحدث عن ذلك لاحقا، وإذا أخذنا بالمعنى المجازي، وهو الانتقال من مكان إلى آخر، فإن التأويل لن يختلف كثيرا؛ فهو يدل أيضا على أن المكان الذي انتقل منه الشخص هو مكان يمتاز بالاعتزاز باللغة والإبداع (يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) كما يمتاز بصفاء النفس ونقاء السريرة، والتوافق مع الفطرة السليمة، والتصالح مع النفس ومع الآخرين من خلال ما يحمله لفظ (قروي) في الذاكرة الجمعية من دلالة، وفي كلا الأمرين فإن لفظ (هبط) يحمل دلالة إيجابية عن المكان الذي جاء منه الهابط إلى العاصمة، وإذا استدعينا في هذا المقام التأويلي الآية القرآنية (اهبطوا منها جميعا) فإن الدلالة تصبح أكثر وضوحا؛ لأن الآية تشير إلى أن المكان المهبوط منه هو الجنة، وفيها النعيم المقيم، والمكان المهبوط إليه فيه الشقاء والتعب والمعاناة، كما أن الهبوط سيصير عقابا لمن هبط، وهنا تصبح دلالة الكلمة في النص الشعري ذات أهمية بالغة؛ إذ تشير إلى أن الهابط إلى العاصمة قد جاء من مكان أكثر أمانا وأغنى فكرا وأصدق مشاعر وأحاسيس، وأن المكان الذي هبط إليه لن يوفر له النقاء النفسي، ولكنه سيتصارع كثيرا وتتغير ملامحه النفسية والفكرية والوجدانية، كما أنه سيعاني كثيرا ويتعب، وليس كما يعتقد أنه سيجني المكاسب التي يحلم بها، لقد استطاع لفظ (هبط) أن يحيلنا إلى الدلالة المضمونية التي كانت متموجة في الذهن الإبداعي لحظة تشكُّل النص، ثم جاء اللفظان (هنا –الآن) ليؤكدا دلالة (لا أحد يسأل) فإذا لم يكن هناك من يهتم بالسؤال عن المكان فإن الاهتمام منصبٌّ على اللحظة الآنية، فاللحظة الزمنية التي ينبغي أن تسود هي اللحظة الآنية، وهو ما يتناسب مع حالة التشيؤ التي تمتاز بها حياة العاصمة، فالتشيؤ ينصب اهتمامه على اللحظة الآنية التي لا علاقة لها بما مضى ولا ما سيأتي، ولذلك عبَّر النص بقوله (هنا والآن) أي المكان/العاصمة هو الذي ينبغي أن يحظى بالاهتمام، فلا اهتمام بأي مكان آخر، وكل مكان آخر لا وجود له في ظل حضور الـ(هنا)، وكذلك اللحظة الآنية فقط هي التي ينبغي أن تسود الفكر وتسيطر على الوجدان، وتحكم التصرفات، وتشكل بؤرة الاهتمام.
أما خاتمة النص فقد جاءت متمحورة حول اللفظ (تذكر) وهي دعوة إلى عدم النسيان، وهو فعل أمر الغرض منه التنبيه، وقد جاء هذا اللفظ مرتبطا بما قبله ارتباطا وثيقا؛ إذ يقول النص (عندما تصحو علي رصيف الوقت الذي وكزك كي تغادره بعيدا عن الركب الرسمي حيث كل الصور باهتة والمجاز أجهز عليه القوادون ولصوص الفيس والنصوص الخرساء وحيث تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر) فالتذكر هنا مرتبط بحدوث هذه الأشياء، أي أن دعوة النص إلى التذكر جاءت عندما أشرفت رحلة الهابط إلى العاصمة على نهايتها؛ لتستبدله العاصمة بشخص آخر؛ لأنه أدى دوره، فيدعوه النص إلى تذكر أن هذه سمات العاصمة، وبالتالي فإن ندمه على هبوطه العاصمة لن ينفعه؛ لأنه جاء بعد فوات الأوان، وهو إذ يقدم على أسفه وندمه يبدأ في ملاحظة تشابكات العاصمة التي كان جزءا منها ولكنه لم يكن يتأمل فيها؛ لأنه كان مشغولا بالاندماج ضمن رؤية العاصمة، والتشيؤ الذي حكم مكوناتها، ولما انكشفت الرؤية أمامه واضحة حين حانت مغادرته بعيدا عن الركب الرسمي تأتي صدمة النص له بأن عليه أن يتذكر أنه في العاصمة، وقد اشتملت هذه الدعوة على مجموعة من المؤكدات، منها لفظ (دائما) الدال على أن يكون التذكر بؤرة التركيز لديه، فلا ينس أبدا أفاعيل العاصمة التي فعلتها به وبغيره، وأنه كان جزءا من تشابكات هذه الأفاعيل، ومشاركا فيها، وكذلك لفظ (أنك) الدال على التوكيد، وازداد التوكيد أكثر بإيراد الكاف الضمير الدال على الهابط إلى العاصمة، ثم الظرف (في) وهو يدل على أنه جزء من هذه الرؤية رؤية العاصمة، وأنه داخلها متأثر بها ومندمج فيها، ونسيج ضمن أنسجتها منذ أن أعادت العاصمة تشكيل ملامحه الفكرية والنفسية والإبداعية، وفي ذلك إشارة إلى أن الهابط إلى العاصمة يبدأ في الشعور بما ارتكبه في حق نفسه، وفي حق إبداعه، وما فرَّط بعد أن يفوت الأوان، وتحين مغادرته بعيدا عن الركب الرسمي، وبذلك تكون بداية النص وخاتمته مختزلتين للتجربة كاملة، كأنهما قوسان يحاصران التجربة في العاصمة.
أما المحور الثاني من شبكة العلاقات اللغوية فقد عبَّر عنه النص بقوله (دع أسمالك وطوِّح بكل ما جئت به كقروي ساذج وجنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) وهو يدور حول المرحلة السابقة للهبوط إلى العاصمة، وتتمحور الدلالة فيه حول لفظين هما (أسمالك – كل) أما لفظ الأسمال فهي إشارة إلى الناحية المادية لهذا الهابط إلى العاصمة، وأما لفظ (كل) فهو إشارة إلى الناحية المعنوية، فهذا المحور يتناول الجانبين المادي والمعنوي لمرحلة ما قبل الهبوط إلى العاصمة، وقد جاء لفظ أسمال متصلا بالكاف الضمير الدال على الهابط إلى العاصمة، وهو لفظ جمع، ورغم أن معناه الثياب البالية فإنه يشير إلى كل ما هو مادي، أي أن الحياة قبل الهبوط إلى العاصمة كانت بالية، فلا أموال كافية يستطيع أن يعيش من خلالها المبدع حياة كريمة، ولا ملابس لافتة تستطيع أن تدل على حياة الرفاهية، وبمعنى آخر فإن حياة المبدعين حياة قاسية من الناحية المادية/الأموال ومن الناحية الشكلية/الملابس، ومن ثم تصبح العاصمة في هذه الحالة حلما يراود هؤلاء المبدعين؛ ليعيشوا حياة منعمة في العاصمة، فهي تراود بخيالاتها المتوهمة كل المبدعين والمثقفين ظنًّا منهم أنها ستمنحهم الأمان المادي من خلال تدفق الأموال عليهم نتيجة إبداعاتهم، والأمان المعنوي نتيجة الشهرة التي ستحققها لهم، أما اللفظ (كل) فهو يشير إلى الجانب المعنوي من خلال المضاف الذي أضيف إليه (ما) من الملاحظ أن لفظ (كل) دال على العموم رغم إضافته إلى (ما) الموصولة، ولكنه يشمل كافة ما حمله الهابط إلى العاصمة معه من أفكار ونظريات وقيم وأخلاقيات وأحاسيس وملامح إبداعية وقناعات فكرية وانحيازات جمالية، وقد عبَّر النص عن ذلك كله بقوله (قروي ساذج وجنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) وإذا كان لفظ (كل) دالا على الشمول فإن لفظ (ما) يؤكد هذا المعنى، ثم جاءت جملة الموصول (جئت به) لتعمق معنى الشمول؛ فهي لم تحدد ما جاء به الهابط إلى العاصمة أيضا، وتركت ذلك عاما يتخيله المتلقي من خلال حركة المعنى في النص، ولكن جاء التشبيه (كقروي ساذج وجنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) ليوجِّه ذهن المتلقي ويقود فكره إلى المراد، فلظ (قروي) له دلالة خاصة في الذهن المجتمعي، فهو يدل على الصفاء النفسي والتصالح مع الوجود وعناصره كافة، ويتعامل مع الطبيعة، وهو ابن الأرض يحرثها لتخرج زرعا مثمرا، ومن ثم فإن الهابط إلى العاصمة يحمل كل هذه الصفات، وكذلك هو (جنوبي يشمخ بلهجته ويستدفئ بموهبته) وهنا الإشارة إلى الإبداع، فقيمه الإبداعية عميقة، ولها مكانتها في نفسه، ويعتز بلغته فلا يقبل تشويهها، ويعتز بموهبته ويراها سر عظمته فيستدفئ بها، ولفظ (يستدفئ) يعمق دلالة الحميمية بينه وبين إبداعه، فقيمه الإبداعية راسخة في ذهنه يدافع عنها ويتمسك بها، ومن ثم فإن هذا المحور الثاني يحمل الجانبين: السلبي/المادي، والإيجابي/المعنوي في حياة المبدع قبل أن يهبط إلى العاصمة، وفي ذلك انحياز واضح من النص للمبدعين في الهوامش، ودعوة إلى عدم هبوطهم إلى العاصمة؛ لأن ملامحهم الإبداعية سوف تذوب، وسوف يتخلون عن كل ما يؤمنون به من قيم فكرية وانحيازات جمالية، وليس بالضرورة أن تكون الهوامش هي الأرياف؛ لأن العاصمة همَّشت بسلطتها المادية/التحكم في القرار الثقافي، والمعنوية/القدرة على نشر قيمها الفكرية والثقافية كثيرا من المدن التي كان لها عمقها الفكري والثقافي، وتاريخها الفاعل والمؤثر في حركة الثقافة عبر سنوات طويلة ماضية.
أما المحور الثالث من محاور شبكة العلاقات اللغوية فإنه محور العاصمة، وقد نسج الشاعر العناصر اللغوية لهذا المحور بإتقان شديد؛ لأنه المحور الأساس من حيث الدلالة المضمونية التي أرادها أن تصل إلى المتلقي واضحة، وكذلك هو المحور الأطول من حيث المساحة اللغوية، وهو محور متشابك لغويا مع المحورين الآخرين بوشائج قوية، ويمكن تمييز أربع لوحات في هذا المحور، وتنسج كل لوحة شبكة من العلاقات اللغوية تتصل مع غيرها من خلال مجموعة من الخيوط اللغوية، وتنفصل عنها في الوقت نفسه في الدلالة المضمونية، أما اللوحة الأولى فيمثلها قول الشاعر/النص (سيصطادونك منبهرين/ويصنعونك علي أيديهم/لتكون ابن العاصمة الذي لا يشق له غبار حكاية/أو تتصدع له جدران قصيدة) ويشكل الفعل المضارع (يصنعونك) نقطة الارتكاز في هذه اللوحة، ولكنه يرتبط مع ما قبله (سيصطادونك) ومع ما بعده (لتكون ابن العاصمة) بروابط كثيرة؛ ليشكل في النهاية ملامح هذه اللوحة، فمن الملاحظ أن هذه اللوحة تتشكل من ثلاثة عناصر، الأول هو الاصطياد، والثاني هو الصناعة على العين، أي التشكيل والتغيير، والثالث هو النتيجة وهي أن يكون ابن العاصمة، ولكي يصنعوه لابد من إغرائه حتى يسلم طائعا مختارا، وهو ما عبَّر عنه اللفظ (يصطادونك) الذي يحيلنا إلى فكرة الصيد وما يصاحبها من نصب شباك، وتقديم إغراءات للفريسة في لحظة سهو منها؛ حتى تقع في شبكة الصياد، وهي عملية مصحوبة بخداع كبير، وبقدر مهارة الصياد في الخداع يكون وقوع الفريسة وتحقيق الهدف، والإغراء الذي يشير إليه النص هنا هو لفظ (منبهرين) وهو يحيلنا مباشرة إلى الحالة التي جاء عليها الهابط إلى العاصمة، والتي تحدث عنها المحور الأول من خلال لفظ (أسمال) فالانبهار الذي يراه الهابط إلى العاصمة في عيون مستقبليه من أبناء العاصمة يعمي بصره عن الحقيقة المختبئة وراءه، ومن ثم يندفع بعامل الانبهار إلى تسليم نفسه طائعا مختارا؛ لتجري عليه عمليات التغيير والتبديل دون وعي منه؛ لأنه واقع تحت سيطرة حالة الانبهار؛ ليصل في النهاية إلى النتيجة المرجوة وهي التحوُّل والدخول ضمن إطار العاصمة (لتكون ابن العاصمة الذي لا يشق له غبار حكاية/أو تتصدع له جدران قصيدة) ولكن كونه لا يشق له غبار حكاية أو تتصدع له جدران قصيدة ليس ناتجا من أن عملية التغيير والتحويل التي حدثت هي عملية ارتقاء فكري وإبداعي، ولكن ذلك ناتج عن أن أبناء العاصمة سيكونون حوله دائما، وهم الذين سوف يصورون له ذلك الإحساس المزعوم، وبذلك تصبح العملية بأكملها نوعا من صناعة الوهم، وقد صدقها الهابط إلى العاصمة؛ لأنه يحتاج إلى تصديقها، حتى إذا ما وصل إلى نهاية الرحلة تنكشف عن عينيه الغشاوة، ولكن بعد فوات الأوان.
ثم تأتي اللوحة الثانية في هذا المحور، ويمثلها قول الشاعر/النص (فقط بضع عناوين لأسماء كبيرة وهرطقات من دارت برأسه الخمرة الرخيصة خذ سيجارة واستمع لخوار العجل الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة أو كمودي الذي فعل المستحيل كي " يخرج من جلباب أبيه" بالكاد ستكون مسخا أو ولدا متوحدا بعد أن جرت عليك كل أفاعيل العاصمة) وفي هذه اللوحة يشير النص إلى كيفية صناعة الشهرة في العاصمة لمن يهبطون إليها، وتمثل مجموعة من الألفاظ اللغوية ركائز أساسية في هذه اللوحة (بضع عناوين – أسماء كبيرة – هرطقات – سيجارة – خوار العجل – الكأس – ممثل – ميلودراما فجة – يخرج من جلباب أبيه – مسخا – ولدا متوحدا – أفاعيل) وتتشابك هذه الألفاظ مع بعضها لتشكل ملامح اللوحة، فعلى المبدع الساعي إلى الشهرة في العاصمة أن يذكر عند المناقشات بعضَ العناوين الكبيرة ذات الشهرة العالمية أو المحلية، بمعنى التباهي بإظهار المتابعة للمستجدات الثقافية والإبداعات العالمية، وفهم النظريات الفكرية والفلسفات العالمية، ثم التحدث بكلام غامض وغير مترابط أحيانا؛ لإيهام المتلقي بالعجز عن الفهم، وأنه يحتاج إلى وعي أكبر لفهم هذا الكلام الغامض، ومن ثم الإقرار بالعجز والانسياق في تسليم مطلق بعدم القدرة على فهم هذا الفكر العميق، وهذا – من وجهة نظر النص – إيهام للمتلقين من أجل تحقيق مكاسب مادية ومعنوية، ثم تأتي بعد ذلك عملية الترويج للإبداع في العاصمة القائم على الصداقات والمعارف رغم كونه إبداعا ضعيفا ومهترئا كما يرى النص، وذلك من خلال قوله (خذ سيجارة واستمع لخوار العجل الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة) فقوله (خذ سيجارة) في إشارة إلى الصداقات وتبادل المنافع، ثم يأتي قوله (واستمع لخوار العجل) ليعمق المعنى؛ فهذا التبجيل والاحترام لهذا الإبداع قائم على المنفعة، وليس قائما على قيم إبداعية وفنية راقية تستحق التقدير، فهو (خوار) وهو صوت البقر والغنم، وفي ذلك استهزاء بهذا الإبداع، ولكن المتحكمين في المشهد الثقافي في العاصمة يصرُّون – من وجهة نظر النص – على تصديره للمتلقين على أنه النموذج الأرقى في الإبداع برغم فشله في إيجاد أرضية ثابتة له (كممثل فاشل في مليودراما فجة) والمشهد بأكمله أشبه بميلودراما فجة، أي منفصلة تماما عن الواقع والحقيقة، ولا تتوقف شبكة الألفاظ اللغوية عند ذلك الحد للكشف عن ملامح المشهد الثقافي في العاصمة، وكيفية صناعة الشهرة، فيأتي نسيج لغوي آخر أشد وقعا ودلالة، وهو التخلي عن الثوابت الفكرية والاجتماعية والثقافية المتوارثة التي شكَّلت الشخصية عبر سنوات طويلة، وهو ما عبَّر عنه النص في قوله (كمودي الذي فعل المستحيل كي " يخرج من جلباب أبيه") وهنا تحيلنا الجملة إلى رواية (لن أعيش في جلباب أبي) لإحسان عبد القدوس، بكل ما تحمله هذه الإحالة من دلالة مصحوبة بلفظيْ (فعل المستحيل) وفي هذا السياق نقرأ لفظ (هرطقات) وقد جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة (هَرْطَقَ (فعل: رباعي لازم ومتعد، يقال: هَرْطَقْتُ، أُهَرْطِقُ، والمصدر هَرْطَقَةٌ. 1. :-هَرْطَقَ الرَّجُلُ :- : صَارَ هَرْطُوقِيّاً، أَيْ مُحْدِثاً لِلْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ. 2.هَرْطَقَ الرَّجلَ :- : جَعَلَهُ هَرْطُوقِيّاً( ولفظ (هرطقات) ذو حمولات تاريخية طويلة ارتبطت باتهامات شنيعة وعقوبات شديدة وقاسية، ونبذ مجتمعي قاسٍ؛ فهو ذو دلالة سلبية في الديانتين المسيحية والإسلامية، وهو مرتبط بالخرافة والخروج عن الدين، وتبني أفعال وأقوال منافية للمألوف والمتوارث، والمتعارف عليه والثابت، وقد جاء في المعجم أن الهرطقة (الإِتْيَانُ بِالْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لأُصُولِ الدِّينِ) ومن ثم فإن التهجم على الأديان وإظهار التخلي عن الثوابت المتوارثة هي من الأشياء الأساسية – كما يرى النص – في تشكيل الرؤية للمشهد الثقافي في العاصمة، والساعين إلى الشهرة، ثم يأتي اللفظان (مسخا – متوحدا) ليشكلا النتيجة الطبيعة لكل ما سبق، فقد تحول المبدع الذي كان يعتز بلهجته ويستدفئ بموهبته إلى مسخ، ولم يعد له شكل إبداعي محدد الملامح، حدث كل ذلك بعد أن جرت عليه أفاعيل العاصمة، ويأتي لفظ (أفاعيل) وهو جمع تكسير دال على الكثرة، والكثرة قد تكون في تعدد أفراد الجمع، أو قد تكون بما يصدر من أفراد هذا الجمع من أفعال، وهي هنا دالة على ما يصدر من أفراد الجمع من أفعال، وعلى تعدد أفراد الجمع كذلك، فمن حيث دلالتها على كثرة ما يصدر من أفعال نفهمه من خلال إضافتها إلى لفظ العاصمة في قوله (أفاعيل العاصمة) فأفاعيل العاصمة –كما مرَّ – كثيرة من خلال الهرطقات، واتخاذ الصداقات مقياسا للإبداع، ورفع الإبداع المتدني، والتخلي عن الثوابت، والتحول إلى مسخ، أما من حيث الدلالة على كثرة ما يصدر من أفراد المجتمع فقد ظهر ذلك في المحور الأول من خلال استخدام لفظ (أحد) الذي وقفنا أمام دلالته في حديثنا عن المحور الأول.
وفي اللوحة الثالثة من المشهد الذي يصوره المحور الثالث تأخذ اللغة منحى آخر وإن كان متوافقا مع اللوحتين السابقتين، فيقول الشاعر/النص (طوتك كمنديل بلَّله العرق وبصقتك تترنح آخر الليل كقصيدة مرتبكة كنغم شاذ كإردواز مكسور في كُتَّاب القرية كصوت أمك المتحشرج وهي تسأل عنك في النزع الأخير وأنت تهش الضباب برأسك وتستنكر خبر وفاتها لأنها قدَّت من صخر الصبر وقوة اليقين اليقين الذي بدده رفاق التشيؤ وخيالك العاجز عن الوثوب) وفي هذه اللوحة تتبدى أفاعيل العاصمة واضحة، وقد شكلت مجموعة من الألفاظ ركائز الدلالة في اللوحة من خلال ترابطها مع بعض البعض لتتجلى في النهاية ملامح المشهد (طوتك – بصقتك – تترنح – قصيدة مرتبكة – نغم شاذ – إردواز مكسور – صوت متحشرج – النزع الأخير – التشيؤ – خيالك العاجز) ومن الملاحظ أنها كلها ألفاظ ذات دلالات سلبية، ومن ثم فإن المشهد في هذه اللوحة هو مشهد سلبي بامتياز، فالعاصمة طوت هذا المبدع كالمنديل الذي تبلل بالعرق، وهي إشارة سلبية، ثم بصقته، وهو لفظ دال على التحقير، وهي أيضا إشارة سلبية، والنغم الذي يفترض فيه إمتاع المتلقين صار نغما شاذا، وصوت الأم، وهي رمز العطاء، صار متحشرجا، أي يصارع الموت، بل هي في النزع الأخير، وسيطر التشؤ على كل العناصر، فكل شيء صار محكوما بالمنفعة المادية، وعجز الخيال عن الإبداع، وكلها مظاهر للنهاية، وهنا نتوقف أمام لفظين نراهما في غاية الأهمية في هذا المشهد (الأم – الخيال) أما اللفظ الأول (الأم) فقد جاء ضمن دائرة لغوية محددة (صوت أمك المتحشرج وهي تسأل عنك في النزع الأخير وأنت تهش الضباب برأسك وتستنكر خبر وفاتها لأنها قدَّت من صخر الصبر وقوة اليقين اليقين الذي بدده رفاق التشيؤ) وإذا كانت الأم مصدر الحياة، فهي التي حملت ابنها ووهبته الحياة من خلال رعاية مستمرة له، ودأب في تلقينه منظومة القيم التي ينبغي أن يتحلى بها والتي تضمن له استمرارية وجوده ممثلا خيطا متصلا بأبيه وأجداده فإن هذه الأم هي مصدر اليقين الكامل، ولكن صوتها هنا متحشرج، وهي في النزع الأخير، وقد يتساءل البعض: هل هي أم بالمعنى الحقيقي أم بالمعنى المجازي؟ والحقيقة أن الدلالة تشير إلى أنها أم بالمعنى المجازي، فالأم هنا الوطن – سواء المكان الذي هبط منه أو الوطن بالمفهوم العام – الذي يعاني ويلفظ أنفاسه ويفقد مخزونه الثقافي والحضاري الذي شكله عبر سنوات طويلة والذي بدَّده رفاق التشيؤ، ولكن هذا المبدع لا يزال يهش الضباب برأسه، أي الغيوم التي سيطرت على تفكيره، وغطت الرؤية، ويدخل في حالة من الاستنكار الشديد (تستنكر خبر وفاتها) لقد جاءت رمزية الأم هنا في غاية الأهمية؛ إذ يدق النص ناقوس الخطر بأن المخزون الحضاري والفكري والثقافي الذي يمثل شخصية هذا الوطن أصبح في خظر، وأصبح في النزع الأخير عندما حوَّله البعض إلى مكاسب شخصية،إذا فهمنا الأم بمعنى المكان الذي هبط منه فإن الدلالة تتوجه إلى أن هذا المكان يفقد قيمه الإبداعية، وبدأ بالتراجع، بل التلاشي نتيجة تخلي أبنائه عن التباهي، بلهجتهم والاستدفاء بمواهبهم، ومن الملاحظ في هذا المشهد اللغوي وجود ثلاثة أفعال متوزعة بإتقان شديد (تسأل – تهش – تستنكر) وهي أفعال مضارعة تدل على التجدد والاستمرار، وقد جاء الفعل الأول مرتبطا بالأم، وهي تسأل بصوت متحشرج في نزعها الأخير، والسؤال يظل متجددا ومستمرا عما يحدث لمبدعيها ومنهم، ولكنه يظل – الهابط إلى العاصمة – يهش الضباب برأسه، ويستنكر خبر وفاة أمه، وقد استخدم النص هنا لفظ (يستنكر) ولم يستخدم لفظ (ينكر) لأن ملامح المشهد تدل على الوفاة، ولكنه هو الذي لا يعترف بهذه الوفاة في إشارة من النص إلى غياب الرؤية الواضحة للمشهد برمته، وقد عبَّر النص عن هذا الغياب بقوله (تهش الضباب برأسك) ولفظ الضباب فيه إشارة إلى غياب الرؤية، أما اللفظ الثاني (الخيال) وقد وصفه النص بالعجز عن الوثوب في إشارة إلى تراجع الإبداع وتدنيه، ودورانه في دائرة المصالح الشخصية والمنافع الوقتية، وتلك نتيجة طبيعية لما سجَّله المشهد من أفاعيل للعاصمة من خلال تفكيك الفكر وتذويب الملامح المميزة للشخصية الإبداعية.
ثم تأتي اللوحة الرابعة والأخيرة في هذا المحور الثالث، ويعبر عنها النص بقوله (عندما تصحو علي رصيف الوقت الذي وكزك كي تغادره بعيدا عن الركب الرسمي حيث كل الصور باهتة والمجاز أجهز عليه القوادون ولصوص الفيس والنصوص الخرساء وحيث تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر) وتتواصل في هذه اللوحة الألفاظ ذات الدلالة السلبية، ولكنها هنا تأخذ منحى أكثر حدة وانفعالا، فيسم النصُّ هنا المشهدَ الثقافيَّ بكل عناصره بالسلبية، فلا يرى فيه أية صورة إيجابية، وتبدأ هذه اللوحة اللغوية بجملة تعد مفتاحا لغويا مهما في هذه اللوحة وفي القصيدة بأكملها، وهي (عندما تصحو علي رصيف الوقت الذي وكزك كي تغادره بعيدا عن الركب الرسمي) وهي جملة دالة؛ إذ تقدم مفتاح الوعي بمشكلة المشهد الثقافي وما يعانيه، فهذ الوعي يبدأ في الانكشاف والتعبير عن نفسه عندما يصحو المبدع على رصيف الوقت، أي عندما تبدأ حالة الإيهام التي تعرض لها، والانبهار بحياة العاصمة في الزوال بمرور الوقت، والتحول من مرحلة الشباب والحيوية إلى مرحلة كبر السن وبداية الغياب عن المشهد لحساب عناصر أخرى بدأت تكون فاعلة ومؤثرة، واستخدام لفظ (تصحو) ذو دلالة كبيرة على المستويين الحقيقي والمجازي، ثم يأتي استخدام لفظيْ (رصيف الوقت) لكشف دلالة لفظ (تصحو) ثم تزداد الدلالة في الانكشاف عندما ترد جملة (تغادره بعيدا عن الركب الرسمي) فحالة الإفاقة نتجت عن متغيرات جذرية في حياة المبدع الذي جاء هابطا إلى العاصمة، وهذه المتغيرات تمثلت في كبر السن، ودخول عناصر أخرى لتحل محل العناصر القديمة، ثم مغادرة الركب الرسمي في إشارة إلى المناصب الرسمية أو شبه الرسمية التي قد تتحكم في المشهد الثقافي، ومن ثم فإن هذه الجملة تعدُّ مفتاحا لغويا وتأويليا مهما لفهم ملامح هذه اللوحة الرابعة من المحور الثالث، وتتوالى الألفاظ الركائز التي تشكل شبكة لغوية مترابطة ومتقنة، وهي ألفاظ ذات دلالات سلبية للغاية تصف العناصر الفاعلة والمؤثرة بقوة في المشهد الثقافي في العاصمة (القوَّادون – لصوص الفيس – النصوص الخرساء) وهذه الألفاظ مرتبطة بالإبداع نفسه (كل الصور باهتة والمجاز أجهز عليه القوادون ولصوص الفيس والنصوص الخرساء) فالإبداع هنا – كما يرى النص –متدنٍّ؛ لأنه تعرض لحالات من التدمير قامت بها ثلاثة عناصر محددة من وجهة نظر النص (القوَّادون – لصوص الفيس - النصوص الخرساء) أما اللفظ الأول فقد جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة أن معنى لفظ القوَّاد (سمسار الفاحشة أو البغاء عرفوه قوادا فتحاشوا عشرته) وهو لفظ ذو دلالة قاسية في وصف قوَّادي الإبداع، أي سماسرته الذين يبحثون عن المنافع المادية دون الاهتمام بقيمة الإبداع، ولا يتورَّعون عن تقديم الإبداع الزائف، وتأخير الإبداع الجيد وإهالة التراب عليه، وتهميش أصحابه مهما بلغوا من الإجادة، ثم يأتي اللفظ الثاني (لصوص الفيس) في إشارة إلى دور التكنولوجيا والسطو على أعمال المبدعين المجيدين، أما (النصوص الخرساء) فهي دالة على الرداءة التي تتصف بها بعض النصوص، لقد كان هذا الجانب من اللوحة دالا وقاسيا في لغته ودلالته المضمونية على تدني الإبداع، أما الألفاظ الدالة على المشهد النقدي فقد اشتملت عليها الجملة التالية (تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد، وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر) وفي هذه الجملة إدانة واضحة للنقد، ولكن ليس لكل النقاد؛ فالنص يقول (تزدحم الأسواق) فلفظ (تزدحم) إشارة إلى سيطرة النقد المتدني الباحث عن المنفعة الشخصية، ويأتي مرتبطا بهذه السيطرة استخدام لفظ (الأسواق) في إشارة واضحة إلى الدلالة العميقة لهذا اللفظ من حيث كونه مكانا للبيع والشراء والمتاجرة والمكاسب المتوخاة، وأحيانا الكذب والتدليس والإيهام من أجل تحقيق تلك المكاسب، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد نقاد حقيقيون يؤمنون بقيمة النقد الجاد، ودوره في الارتقاء بالإبداع، ويقدمون نقدا لنصوص إبداعية جادة، وإن كانوا قليلين، ثم يضيف الشاعر إدانة أخرى لعنصر آخر مهم من عناصر المشهد الثقافي، وهم القائمون على متابعة المشهد سواء الإبداعي أو النقدي، وقد عبَّر النص عنهم بقوله (حاملي الدكتوراة مجهولة المصدر) وهو إدانة شديدة وقاسية، ولكنها ليست لكل حاملي الدكتوراه؛ لأن التعبير هنا يندرج ضمن الدائرة اللغوية للفعل (تزدحم) ومن ثم فإن الإشارة هنا منصبَّة على من يساعدون في تشويه المشهد الثقافي في العاصمة فقط.
لقد جاء المحور الثالث دالا بعمق على الرؤية الفكرية التي أرادها النص؛ فقدم كل عناصر المشهد الثقافي في العاصمة من إبداع ونقد وفكر ومتلقين، وأسواق ثقافية، فكان كاشفا بعمق عن مأساة الثقافة في العاصمة كما أراد أن يصورها النص. لقد أصبحت شبكة العلاقات اللغوية فاعلة ومؤثرة إلى أبعد الحدود في إنتاج الدلالة، وكشفت بوضوح عن الرؤية الفكرية المتخفية وراء هذه الشبكة من العلاقات اللغوية، والتي كانت مسيطرة على الذهن الإبداعي لحظة تشكُّل النص، وضاغطة بقوة على ذهن المبدع
أن تكون في العاصمة
لا أحد يسأل من أين هبطت
فقط
أنت هنا والآن
دع أسمالك
وطوِّح بكل ما جئت به
كقروي ساذج
وجنوبي يشمخ بلهجته
ويستدفئ بموهبته
سيصطادونك منبهرين
ويصنعونك علي أيديهم
لتكون ابن العاصمة
الذي لا يشق له غبار حكاية
أو تتصدع له جدران قصيدة
فقط
بضع عناوين لأسماء كبيرة
وهرطقات من دارت برأسه الخمرة الرخيصة
خذ سيجارة
واستمع لخوار العجل
الذي طوَّح بالكأس كممثل فاشل في مليودراما فجة
أو كمودي الذي فعل المستحيل كي " يخرج من جلباب أبيه"
بالكاد ستكون مسخا
أو ولدا متوحدا
بعد أن جرت عليك كل أفاعيل العاصمة
التي طوتك كمنديل بلَّله العرق
وبصقتك تترنح آخر الليل كقصيدة مرتبكة
كنغم شاذ
كإردواز مكسور في كُتَّاب القرية
كصوت أمك المتحشرج وهي تسأل عنك في النزع الأخير
وأنت تهش الضباب برأسك
وتستنكر خبر وفاتها
لأنها قدَّت من صخر الصبر
وقوة اليقين
اليقين الذي بدده رفاق التشيؤ
وخيالك العاجز عن الوثوب
فقط
عندما تصحو
علي رصيف الوقت الذي وكزك
كي تغادره بعيدا عن الركب الرسمي
حيث كل الصور باهتة
والمجاز أجهز عليه القوادون
ولصوص الفيس
والنصوص الخرساء
وحيث تزدحم الأسواق بالنقاد الأوغاد
وحاملي الدكتوراة مجهولة المصدر
فقط
تذكر دائما :
أنك في العاصمة

١٧ أكتوبر ٢٠١٤

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى