سعيد فرحاوي - فن العيطة والمقاومة.

1

هي مغامرة ان تسبح في متاهة فن ثراثي اصيل، والاعمق من ذلك ان تقرر خلاصات في تجربة خاصة لها من المتاهات مايكفي ان نقول ان هذا الفن هو اصيل في هويتنا المغربية ، هو ابداع جميل عندما تضع وشما وعلامات راقصة على كل صيحة في عيطاتنا المغربية التي باحت جهرا بحناجر رائعة لتمس الذات ، وتغير فهمنا البسيط من ادراك ان الجسد هو لغة جمالية ، يعلو بذوقنا في فهم مغاير عن مراقبة سلوكاتنا الحيوانية التي تجعلنا لا نخرج من اشكالية الطقوس اليومية التي اهلتنا ان نبقى اسرى ماسماه هايدغر الكائن البهائمي كالاكل والشرب. ان فن العيطة كشف وعرى عن الخفي في لاوعينا ، هو ابداع ابان عن سيكولوجية الذكر المغربي ، كما وضح العمق السيكوباتولوجي عند الرجل المغربي المتناقض، هو قرب زوجته كائن منضبط وفي وسط الشيخات طائر متحرر لاحدود لفوضاه. فن العيطة صوت غنائي يلتحم بصيرورات متفاوتة التطورات ، يستمد مواضيعه من الواقع المرافق له، لذلك جاء قويا في ارسال متاهات ساخنة بجمالية عالية.ادت وضيفتها في التعبير كل ماتلتقطه قريبا من وجدانها في الحياة اليومية.

سنلامس في هذه المقاربة واقع فن العيطة ومهمتها التاريخية في مجال المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي مع تعرية تعفنات الخونة في مرحلة عسيرة من تاريخ مغربنا في بداية القرن الحالي.

2.
فن العيطة والمقاومة.

يمكن اعتبار عيطة خربوشة ممثلة للعيطة الحصباوية في درجة عالية من الابداع الذي ربط الفن الغنائي الشعبي بالمقاومة كنضال لاخراج المستعمر منكسرا رغم كل ادعاءاته الاستغلالية والتعسفية.خربوشة مست رمزا قويا من رموز الاستعمار وممثلا للقهر والظلام والتجبر في منطقة مناضلة من مناطق المغرب/عبدة. الشيخة بعد نعتها القايد عيسى بن عمر باوقح الصفات، قالت فيه وعنه بانه(وكال الجيفة)، ثم اضافت (قتال خوتو)، مهما وصلت قوة تجبره وطغيانه فان نهايته قادمة بدون جدال(ظنيتي لقيادة لدوام)، مما جعله(يحرث الغلة)، في مقابل ذلك (ديتي لكسيبة)، وهي كلها اشارات تاريخية قوية تفيد ان تجبر صاحبنا جعله يقلب المعادلات، بمنطق انه عطل الجيد ودفع ب(الرعواني القدام )، وهي كلها احالات دلالية عميقة عرت عن شخصية استعمارية، ظهرت في العيطة باهداف ايديولوجية محضة تفيد ثلاث وضعيات متداخلة، كل واحد ينتج عنه الاخر :
الاول : القايد_____ هو : عويسى (رغم القيادة )، فهو حقير. لانه طغا+تجبر+يتم الصبيان+حرث الغلة + احتكر لكسيبة + جشع (الرعواني)+ عطل الجيد.
الثاني : ظن لقيادة لدوام،
النتيجة: دار سي عيسى خلات. وهي احالة طبيعية على نهاية الخونة والطغاة.
ثالثا: نتيجة طبيعية عن واقع متعفن يتطلب شخصيات وطنية مثل خربوشة التي قالت:
واخا قتلني واخا خلاني
راني ماندوز بلادي
راني زايدية.

3.
الشيخة في التصور الذكوري المنحط ودورها في حياة المقاومة.

نظرا لقوة الصوت الغنائي في العيطة، والاستجابة القوية للانسان المغربي لهذا الشكل الثراثي الحاضر في الوجدان الانساني ، ظلت الشيخة كنموذج ضروري في هذا الابداع المميز، كانت قادرة على ارسال الخطاب بلغة مشفرة لايفهمها الا اهل القبيلة، يتحول المضمون مرمزا بتواصل نضالي خاص، هو عامل رئيسي حاول الاستعمار مستعينا بخونة مرافقين له على رأسهم الباشا والقايد على طمس هوية هذا الشكل التعبيري وتهميشه في الثقافة المغربية، استغل انتماء الشيخة الى وسط مهمش ، على اساس انها كانت متمردة على النمط الاسروي، اضافة ان جل الشيخات في هذه المرحلة كن اما ارامل او مطلقات او نساء تجاوزهن سن الزواج، في الغالب كن لاتتقنن الكتابة والقراءة ، الى جانب ان الشيخ كان سابقا راعي الغنم. كلها عوامل سهلت من مهمة الاستعمار في ابتذال مفهوم الشيخة وتحقيرها والحط من العيطة وجعلها حكرا على اوكار الدعارة،الى جانب ان الباشوات والقواد كانوا يتباهون بامتلاكهم الشيخات،رغم كل ذلك ظلت حناجر جميلة تتغنى بالمقاومة وتحميس الفدائيين على القيام بدورهم النضالي لاسترجاع الاستقلال للوطن، لعل عيطة خربوشة والشجعان خير نموذج لتقريب الرؤية. لكن جل الباحثين لم يولوا اهمية للموضوع، اللهم بعض التجارب المحتشمة ، الى حدود اواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات اصبح الاهتمام بالعيطة بشكل اعمق مع حسن بحراوي وبوحميد وحسن نجمي.

4.

الشيخة كرؤية غنائية من منظور ذكوري محتكر .

نقول الشيخة في زمن محدد/زمن المقاومة ، وفي مجتمع محافظ ينظر الى المرأة من زاوية انها وشم للعار ، امرأة خارجة عن مشروعية الهرم الاسروي،متخلفة لاتعرف القراءة ولا الكتابة، اجتماعيا ، اما مطلقة او ارملة او تجاوزها سن الزواج،و راع بعد حصوله على بركة الشيخ، بعد مرض هذا الاخير او وفاته يتحول ليحل محله، وبعد تحويل اوكار الدعارة الى مسارح للعيطة، هي كلها عوامل ساهمت بأشكال متعددة في جعل هذا الارث الجميل من ثراثنا الاصيل في درجة دنيا من الاهتمام ؛ مما جعل الفدائيين في المرحل الاولى من الاستقلال يغيبون العيطة كشكل تعبيري نضالي، نفس الشيء يمكن ان يقال عن الباحث في هذه المرحلة ، في مقابل ذلك نجد تجارب في الشرق تولي اهمية للجسد في بعده الجمالي كتجربة ادوار سعيد الباحث الفلسطيني الذي حول الصورة ، وجعل من الرقص قيمة تكسر التصور النمطي للجسد ، رغم ان المجتمع المصري اجتماعيا ودينيا يشبه التركيبة الاجتماعية المغربية الذكورية والبنية الدينية المحافظة المعقدة.لكن التصور الذي ساد في هذه المرحلة لم يوقف الدور الريادي للشيخة التي كسرت النمط السائد واستطاعت ان تهيج الارادة النضالية التي تتمركز على ان الوطن يشكل القضية الاولى التي تسري روحا في عروق المواطن المغربي. كما لانغيب حضور الشيخة ككائن قوي في عروق شخصيات راقية وازنة في هذه المرحلة.

ج5.
فن العيطة ودورها في المقاومة.

تنتهي عيطة خربوشة بمقطع قوي ايحائي بشفرات متعددة ، كلها تحيل على المواطنة الحقيقية والدور الريادي الذي يمثل الموقف الدال على صلة الشيخة خربوشة بوطنها الغالي ، تقول :

واخا قتلني واخا خلاني
راني ماندوز بلادي راني زايدية..

في حوار جميل مع شيخ بصوت ذكوري مميز ، يشاطرها المركب بايقاع شعري ودلالي جميل. يقول :
ياخربوشة يازاروالا ياشريفية .

كما نلاحظ ، هي تصر بموقف نبيل اساسه ان الوطن يعني اما الموت او الحياة، باصرار ان الارادة حاضرة والفعل شرط لازم ، والقضية هي معطى مقدس ، يزيد كلام الشيخ ان الواقعة مسألة تحيل عليها صفة الشرف والانتماء القبلي ، هي قوة اخرى مساعدة على فعل التحدي ، فتصبح خربوشة حاضرة في الخطاب ببرنامج سردي تتوفر فيه كل الشروط لانجاحه، هي ترى ان موضوعها الذي يميزها هو اصرارها على تحرير البلاد من قبضة العدو، بالتالي ان الرغبة حاضرة لانها زروالة،،/ ،كما ان الواجب شرط مهم ، ومعرفتها اشكالات الوطن مسالة مهمةلانجاح البرنامج السردي في تصور العيطة ، كلها عناصر جيهية حاضرة في خطاب خربوشة ، مايثبث نجاح البرنامج السردي في هذه العيطة. خربوشة كانسانة مواطنة لها غاية في عيطة ثراثية جميلة تفضح فيها الخونة رموز الطغيان والتجبر على رأسهم القايد عيسى بن عمر الذي ظهر بصفات خائبة حددت رذاءته، كلها مواصفات جعلتها تنعثه بوكال الجيفة ، قتال خوتو، ظن لقيادة لدوام، في حين النهاية حتمية بصيغة الخراب ، مايؤكده كلامها :
/دار سي عيسى خلات.




سعيد فرحاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى