أمل الكردفاني- فلسفة النحو

البارحة، وكعادة ما قبل النوم، ترفل الأفكار تحت عباءة الظلام، هذه هي اللحظة التي يشتغل فيها العقل بكثافة ليمنعك من النوم. وبعض النأس تأتيهم تلك الافكار في أماكن شاذة كما حدث لأرخميدس، فخرج من الحمام عارياً وهو يصيح وجدتها وجدتها.
وقد فكرت في مشكلة تعلم اللغة الإنجليزية عند اغلب الطلاب. ووجدت أن هناك نقص كبير في أدوات شرح هذه اللغة، وخاصة فيما يتعلق بالنحو أو ال Grammar. واقول شرح، لأن تدريس اللغات جميعها بما فيها اللغة العربية، هو تدريس شكلي. مثلا، نحن ندرس اللغة العربية لمعرفة النصب والفتح والجر، والفاعل والمفعول به والامر والماضي والمضارع. لكن في الواقع أغلبنا يكتب اللغة دون حاجة لمعرفة النحو، ولكن تأتي جملة صغيرة توقفه عند حده. جملة واحدة فقط، سيحتاج إلى العودة وقراءة كتب النحو. واللغة الإنجليزية ندرسها في ذات سياقها الشكلي، إذ يتم بناء الجملة syntax وفق هيكل شكلي معين. وهكذا يجدر بمتعلم اللغة أن يحفظ هذا الهيكل الشكلي فقط. وهكذا يعتمد الأمر كثيراً على الذاكرة والممارسة مثل إجراءات الدعاوى أمام المحاكم. لكننا لو اعتبرنا -وفق ذاك- أن هذه هي اللغة، لجاز لنا أن نستبدل العديد من الجوانب الشكلية برسومات أو علامات. ويمكننا أن نختصر العديد من التعقيدات، فإذا كانت on ،in ،at، يختلف استخدامها من شهر ويوم وساعة، فما المانع أن يتم الغاء إثنين منها وتوحيد استخدام حرف واحد فقط. بل ويمكننا أن نستخدم رموز رياضية فنقول التقيت به > يوم الإثنين. او التقيت به* الساعة الثانية..الخ. وكما فعل راسل فخلق المنطق الرمزي كبديل للمنطق الصوري، فلتكن اللغة نفسها على ذات الشاكلة.
طبعا كل ما سبق أفكار سحابية غير مؤسسة، وليست قوية، وبالتأكيد فكرت في أنه يجب إنشاء فلسفة للنحو.. phylosopghy of grammar. او فلسفة لبناء الجملة. واستيقظت الصباح وبدأت في البحث، وكما توقعت تماماً وجدت أبناء العم سام قد فعلوا ذلك منذ وقت طويل. فكتب فلسفة النحو وفلسفة بناء الجملة، ليست كثيرة ولكنها شاملة. ودخلت على المنجز العربي فوجدت فيه ملامح لفلسغة النحو، منها الطارف ومنها التليد. بل وهناك من رفضها ومنهم من قبلها. وأعتقد أننا إن كنا نريد ان يتعلم التلاميذ لغة ما، وجب أن نعلمهم ملخصاً لفلسفة النحو لتلك اللغة. حتى يخرج التعليم من التحفيظ للإفهام. ومن الشكلية للموضوعية، وفي ذلك تعليم أقوى مما تقوم عليه المناهج اليوم في المدارس، والتي لم تتغير منذ سبعين عاماً تغيراً يذكر. وأما مناهج تدريس اللغة الانجليزية عند غير الناطقين بها، كالمجلس البريطاني أو الجامعة الأمريكية، فهي بدورها تنتهج منهج الممارسة أكثر من منهج التلقين. ولكن سواء منهج مدارسنا أو مناهج الأمريكان والبريطانيين، قاصرة جداً، عن تحقيق الغاية التي يبحث عنها المتطلع لدحر عقدة انعدام الثقة. ولا يحدث ذلك الدحر إلا بتدريس فلسفة النحو، لأن في ذلك الأصول، فهو لا يختلف عن تدريس القانون. فالقانون لو درسناه بالمدرسة اللاتينية التي تعتمد على التأصيل، لوجدناه اقوى من المدرسة البريطانية التي تعتمد على الفاعلية أو الممارسة العملية. وهو فارق سنجده قد أثر في القانون الدولي، فيكاد نظام روما الأساسي قد انتهج المدرسة اللاتينية بالكامل. بل واغلب المعاهدات الدولية ونماذج غرف التحكيم الدولية..واليوم حتى النظام الأمريكي أخذ يعتمد على وضع سيكولائي ديالكتيكي.
المسألة ببساطة هي أن يتم تلخيص فلسفة النحو، وتبسيطها، ووضعها في جرعات تتوزع لسنوات الدراسة الثمانية الأخيرة من بعد السنوات الأربع الاولى. إلى جانب المنهج الشكلي. فيتم تدريس المنهج الشكلي ثم فلسفة النحو بحسب محتوى الدراسة النحوية التقليدية وذلك على جرعات صغيرة.
وهذا الأمر لو تم على مستوى اللغة العربية أو أي لغة. فسيخرج من المدارس عشرات مثل المتنبي وشكسبير ورونسار...وغيرهم. وعلى الاقل ستكون الأغلبية الاخرى متمكنة في لغتها سواء الأم أو الأجنبية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى