علي أسعد وطفة - في مفهوم النُّخبة.. مقاربة بنائية

مقدمة :
يشكل مفهوم النُّخبة منطلقا منهجيا في كل فهم حصيف لحركة التاريخ الإنساني وما يعتمل فيه من صيرورات وأحداث، ويعوّل عليه كثير من المفكرين في مقاربة التكوينات السوسيولوجية للمجتمع، والخوض في عمق الظواهر الأيديولوجية للحياة السياسية الطبقية في سياق تفاعلها وتكاملها. فالتاريخ الإنساني بما ينطوي عليه من تعقيدات، وما يكتنفه من صيرورات لا يمكنه أن يُرصد ويحلل ويفهم دون الخوض المعمق في دور النخب التي تحرك المجتمع الإنساني وتتحرك فيه في الآن الواحد لتشكل بفعاليتها ملمحا جوهريا من ملامح الحركة التاريخية في المجتمعات الإنسانية. وضمن هذا التصور فإن اي محاولة لفهم ديناميات الواقع الاجتماعي، وصيرورة الحركة التاريخية، لن تفلح ما لم تنطلق من فهم عميق للدور التاريخي الهائل الذي تمارسه النُّخب في توجيه الحياة الاجتماعية في مختلف تعيناتها وفي شتى تجلياتها. فالنُّخب - كما يراهن كثير من المفكرين والمنظرين - تصنع التاريخ الإنساني، تحركه وتحدد صيرورته، وترسم ملامح التغير الاجتماعي، وتمارس دورها الفعال في توجيه الحياة الاجتماعية في مختلف تجلياتها.

فعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققته الإنسانية في مجال الديمقراطية، وعلى الرغم من توسع المشاركة السياسية للجماهير وحضورها في مختلف ميادين العمل والحياة، بقيت النُّخب قوة فاعلة حاضرة ويقظة في ممارسة دورها الريادي في توجيه المجتمع وتحديد مساراته وتعيين حركته في مختلف المجالات والاتجاهات. وعلى الرغم من ظهور الماركسية كنظرية للطبقة العاملة والبروليتاريا، وتأكيدها المستمر على أهمية الجماهير والطبقة العاملة في قيادة الحركة التاريخية للمجتمعات الشيوعية، فإن هذه النظرية لم تؤت أُكلها في انتزاع الدور التاريخي للنّخب وتفريغ دورها الفاعل في قيادة المجتمع وتوجيه فعالياته التاريخية، حيث ظهرت هذه النُّخب من جديد كقوة هائلة ضمن النظام الماركسي نفسه، وضمن طبقة البروليتاريا عينها التي أفرزت نخبها بما لا يختلف كثيرا عن النُّخب التاريخية التقليدية، كحال النُّخب من ذوي الطلائع الحزبية الماركسية وأحزابها التي لعبت دورا مميزا في توجيه حركة الجماهير الشيوعية، وقد ظهرت تسميات كثيرة للدلالة على هذه النخب، مثل: طلائع البروليتاريا، وقيادات الطبقة العاملة، واللجان الحزبية القائدة في الأحزاب الشيوعية، وهذا كله يؤكد أهمية النُّخب الفكرية والثقافية التي لعبت دورا تاريخيا في تحديد المسارات الكبرى للحركات الشيوعية في مختلف البلدان الرأسمالية والاشتراكية على حدّ سواء. وقد بينت الدراسات والأبحاث أنه يصعب على المجتمعات الإنسانية أن تتحرك وتنمو دون فعالية النُّخب التي تمتلك القدرة على توجيه مجتمعاتها وتحديد منطلقات تحركها في الحاضر والمستقبل.


لقد بدا واضحا - عبر النظريات السوسيولوجية البنيوية - وغيرها أن النُّخب ليست وضعية عارضة في طبيعة المجتمعات الإنسانية، بل حالة جوهرية أساسية راسخة في صلب التكوين الفطري للمجتمعات الإنسانية منذ بدء الحياة الإنسانية حتى اللحظة الراهنة، إذ لا يمكن للحياة الاجتماعية في اي مجتمع كان، أن تتم من غير نخب اجتماعية سياسية وثقافية قادرة على توجيه مساراتها وتحريك دفتها في الاتجاهات المرغوبة والمطلوبة.

وقد شكلت النُّخب في ذاتها ظاهرة سياسية اجتماعية هامة في التاريخ، فاستقطبت جهود الباحثين والدارسين من مختلف الاختصاصات والميادين، لأن فهم المجتمعات الإنسانية، وإدراك قانونية وجودها، لا يمكن أن يتم بعيدا عن الإضاءات الوامضة للنخب الفاعلة في التاريخ. ومن هنا تحولت ظاهرة النُّخب إلى موضوع للدراسة وأداة للتحليل في آن واحد. وضمن هذه الثنائية، ثناية الذات والموضوع، في النُّخب ظهرت أجيال من الباحثين المتخصصين في دراسة هذه الظاهرة في مجال علم الاجتماع بعامة، وعلم الاجتماع السياسي على وجه الخصوص. وفي الوقت الذي اتخذ فيه بعض علماء الاجتماع النُّخب موضوعا للدراسة اعتمده كثير من الباحثين أداة لتحليل التفاعل الاجتماعية وتحديد الصيرورات والديناميات الأساسية الفاعللة في المجتمعات الإنسانية.

وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول: بأن مفهوم النُّخب Les Elites يشكل أحد المفاهيم الاستراتيجية الموظفة منهجيا في تحليل الظواهر الاجتماعية والإنسانية، ولاسيما القضايا الاجتماعية التي تتصل بالسلطة والطبقة وتوزيع الثورة والتطور الاجتماعي والتنمية. وضمن هذا التصور فإن مفهوم النُّخب ليس مجرد مفهوما وصفيا للدلالة على وضعية اجتماعية محددة في داخل المجتمع، بل هو أداة هامة جدا في مستويات تحليل الظواهر الاجتماعية وتفسيرها. ويضاف إلى ذلك كله أن مفهوم النُّخب قد شكل تاريخيا حقلا مميزا للتنظير الأيديولوجي ما بين الماركسية الكلاسيكية والاتجاهات الماركسية الجديدة وبين الاتجاهات السوسيولوجية النقدية في مختلف مراحل تطور الفكر الإنساني في النصف الثاني من القرن العشرين.

وليس خفيا على الباحثين أن النُّخب تشكل ظاهرة اجتماعية سياسية ثقافية معقدة البنيان مكثفة التكوين، وهذه الظاهرة تحتاح إلى جهود كبيرة في مجال الفصل والدرس والرصد والتحليل. وهي نوعا ما تشكل واحدة من الظواهر الاجتماعية الفكرية العصية إلى حد كبير على مختلف عمليات الضبط والرصد والتحليل، وذلك لأن هذا المفهوم يشكل أحد المفاهيم الاجتماعية التي يصعب ضبطها ورصدها وتحديد سماتها ومتغيراتها، وذلك لأن المضامين الاجتماعية التي تشكل محتوى هذا المفهوم شديدة التغير وتتميز بطابعها الدينامي في إطار الزمان والمكان.

وهنا تكمن مهمة هذه المقالة في رصد هذه المفهوم في دائرة تحولاته السوسيولوجية التي تتصف بطابع الديمومة والاستمرارية. وتهدف إلى مقاربة عصرية لمفهوم النُّخبة و النُّخب في مختلف التوجهات والتقاطعات الفكرية التي ترسمها حركة هذا المفهوم وتقاطعاته وقدرته على استجواب مختلف مناحي الحركة السياسية والاجتماعية للمجتمعات الإنسانية. كما تهدف إلى الكشف عن مختلف المحاولات الفكرية والنظريات التي عالجته في اتجاه البحث عن رؤية متكاملة تصقل هذا المفهوم وتضعه في مشهد الوضوح السوسيولوجي .

2- إشكالية الدراسة:

يشكل مفهوم النُّخب واحدا من المفاهيم السياسية العنيدة المتمردة التي تفرض نفسها على نحو إشكالي وتطرح نفسها في ميدان المقاربات السوسيولوجية على نحو يتميز بطابع الديمومة والاستمرار. لقد وظف مفهوم "النخبة" تاريخيا كأداة منهجية لتحليل الأوضاع الاجتماعية في أكثر تجلياتها أهمية وخطورة ولا سيما فيما يتعلق بحركة التاريخ والتكوينات البنائية للمجتعات الإنسانية حيث وظف هذا المفهوم على نحو واسع في تحليل العمق الاجتماعي بما ينطوي عليه من إشكاليات وما يشتمل عليه من تقاطعات. وفي الوقت ذاته كان هذا المفهوم وما زال يشكل موضوعا للبحث والتحليل والتنظير منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم حيث تقاطرت حوله النظريات وتمحورت حوله الدراسات الاجتماعية والسياسية دون انقطاع. وقد لعبت هذه الثنائية دورا كبيرا في إضفاء طابع التعقيد على هذا المفهوم بوصفه أداة للتحليل وموضوعا له في الآن الواحد. وقد زاد الأمر تعقيدا التطورات الهائلة والتغيرات السريعة المتسارعة التي شهدتها المجتمعات الإنسانية المعاصرة منذ النصف الثاني من القرن العشرين حتى اليوم، وذلك في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية. وضمن هذه المعطيات المتجددة يأخذ مفهوم النّخب مكانه في مركزية المفاهيم الغامضة المعقدة التي تواجه البحث السوسيولوجي المعاصر.

وفي مسار الأحداث الدامية التي تشهدها المنطقة العربية اليوم أصبح مفهوم النّخب من أكثر المفاهيم الاجتماعية والسياسية حضورا وتداولا في الفكر السياسي والاجتماعي والإعلامي العربي المعاصر. ومن يطالع المساجلات والمقالات التي تدور في مواقع التواصل الاجتماعي سيجد بأن مفهوم النخب ( جمعا أو تفريدا) يحتل مكان الصدارة بين المفاهيم الموظفة في تحليل الأحداث السياسية والاجتماعية الدامية في المنطقة. وأصبح كثير من الشباب اليوم والمفكرين يطرحون تساؤلات عميقة حول دور النخب في خضم الأحداث السياسية المأساوية التي تجري في المنطقة. ومن يتأمل في هذا التداول الفكري والأيديولوجي حول النّخب سيجد بأن هذا المفهوم يعاني كثيرا من الضبابية والغموض والتشويه، ويترافق هذا الأمر مع غياب واضح للدراسات السوسيولوجية حول هذا المفهوم.

وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن كثيرا من المقاربات التي قدمت حول النّخب تعاني من غياب النظرة الشمولية أو التكاملية، وغالبا ما يؤدي هذا التجزؤ والانقطاع عن الشمولية إلى غموض كبير يحيط بالمفهوم تنعدم فيه القدرة على امتلاك تصور واضح لأبعاده بما يفيض به من دلالات سوسيولوجية وأيديولوجية شديدة التنوع والاختلاف .

وانطلاقا من إشكالية الغموض الذي يلف هذا المفهوم الملتبس، ومن غياب الرؤى التكاملية لمعطياته، ولدت فكرة هذه الدراسة التي تتمثل في عملية البحث الجاد عن تصور بنيوي تكاملي لمفهوم النخب في عملية نمائه وتشكله عبر التاريخ والحضارة ، ومن هذا المنطلق تهدف هذه الدراسة إلى تقديم تصور بنيوي أو بنائي لهذا المفهوم منذ بدايات تشكله الأولى حتى المرحلة الحاضرة، ونقصد بالتكوين البنيوي تحري مختلف جوانب هذا المفهوم وتقصي مختلف تعيناته وتشكلاته من مختلف الأنحاء السيكولوجية والسوسيولوجية والتاريخية والوظيفية، وذلك في محاولة منا للكشف عن الملابسات الفكرية التي تحيط به وبودلالاته البنيوية وتشكلاته السوسيولوجية.

ومن اجل استجلاء أهم المكونات الفكرية لهذا المفهوم، في ظل رؤية شمولية تأخذ بابعاده السياسية والأيديولوجية والسيكولوجيةـ تم العمل على تشكيل نسق من الأسئلة الممنهجة التي تنتظم فيها إشكالية هذه الدراسة عبر سؤال مركزي قوامه : ما الأسس البنيوية لمفهوم النخب تاريخيا؟ ومن هذا السؤال المركزي تتفرع اسئلة عديدة قوامها: ما أهم النظريات التي رصدت مفهوم النخب وما أبعادها ؟ ما الأسس التاريخية الفاعلة في عملية نشوء النخب؟ وما عوامل تشكلها ؟ وما طبيعتها؟ وما أبرز عوامل الاختلاف في وجهات نظر المنظرين وكبار الباحثين في هذا الميدان؟ وما طبيعة النماذج الأكثر حضورا في مفهوم النخب؟ تلك هي الأسئلة التي تشكل الإطار العام لإشكالية هذه الدراسة، وتلك هي التساؤلات التي سنحاول أن نقدم تصورا واضحا لها في مسار بناء رؤية بنائية تكاملية لمفهوم النخب تاريخيا وايديولوجيا وسوسيولوجيا.

3- النخبة لغة :

يومض مفهوم النُّخبة في اللغة بدلالة الانتخاب والاختيار والاصطفاء والانتقاء، وتكون "النخبة" بصيغة الجمع "نخبا" ترمز في أخص معانيها على السمو والارتفاع، لتدل على معنى الندرة والقلة متضمنةً في ذاتها دلالات التميز ومعاني الصفاء والنقاء، والانتخاب كما يعلمنا دارون هو حالة اصطفاء يرتقي فيها الأقوى والأفضل إلى المراتب العليا في سلم الوجود البيولوجي في دائرة الصراع المستديم من أجل الصيرورة والاستمرار والبقاء.

وتدل كلمة النُّخبة في اللغة العربية على المختار من كل شيء وعلى الاصطفاء في كل أمر، ولا تحمل في دلالاتها العربية هذه طابعا سوسيولوجيا إبيستيمولوجيا أو أيديولوجيا فاقتصرت دلالتها على الخبرة اللسانية الصرفة التي وردت في قواميس اللغة العربية وفي مختلف الاستخدامات للإشارة إلى نخبة القوم وصفوتهم وعزوتهم. وتشتق كلمة النُّخبة في اللغة العربية من الفعل انتخب أي اختـار، والانتخاب هو الاختيار والانتقاء. فنخبة القوم تعني خيارهم وصفوتهم[1]. وقد جاء في القاموس المحيط: نخب ينخب نخبا: أخذ نخبة الشيء، أي: المختار منه - الصيد: نزع قلبه، ويقال: جاء في نخبة أصحابه: أي في خيارهم. وجاء ايضا: انتخب الشيء: اختاره. والنخبة: ما اختاره منه. ونخبة القوم ونخبتهم: خيارهم. قال الأصمعي: يقال هم نخبة القوم، بضم النون وفتح الخاء. قال أبو منصور وغيره: يقال نخبة، إسكان الخاء، واللغة الجيدة ما اختاره الأصمعي. ويقال: جاء في نخب أصحابه، أي في خيارهم.

وجاء في لسان العرب لابن منظور، أن كلمة نخبة مصدرها الفعل انتخب وانتخب الشيء، أي اختاره، والنخبة ما اختاره منه، ونخبـة القـوم، ونخبتهم خيارهم، ويقال: نخبة القوم ( بضم النون وفتح ال خاء) وإذا قيل جـاء فـي نخـب أصحابه، أي خيارهم[2].

وقد أشار معجم المصطلحات السياسية والدولية، إلى أن (Elite) يقابلهـا بالعربيـة الصفوة، أي: عُِلية القوم، وهم أقلية ذات نفوذ تحكم الأغلبيةً، وتلعب هذه الصفوة دورا قياديا، وسياسيا لإدارة جماعاتهم من خلال الاعتـراف التلقـائي بهـم بصفتهم[3].

وقد عرف العرب تراثيا مفهوم النُّخبة ووظفوه في أشعارهم وأناشيدهم وقصائدهم بكلمات مختلفة منها: عليّة القوم، سادة القوم، والخاصة والأعيان، وكبار القوم، وسراة القوم، وشيوخ القبيلة؛ وقد أطلقت هذه الكلمة هذه الفئات النخبوية التي توجّه الحياة الاجتماعية في القبيلة أو في المدينة والدولة؛ ويبرز مفهوم النُّخبة في استخدام هذه الكلمات التي أطلقت على بعض الفئات الاجتماعيّة المتميّزة، وهم الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على التـأثير الفكري والاجتماعي والسياسي في المجتمعات العربية القديمة، وغالبا ما كان هؤلاء الأشخاص يتصفون بالثراء والمعرفة والقوة والشجاعة والبيان الشعري، حيث كان الشعراء والفرسان والحكماء يحتلون المكانة العالية في مجتمع القبيلة العربية في الجاهلية وفي الإسلام أيضا.

ويفضل بعض الباحثين العرب تأصيل مفهوم النُّخبة واستخدام مفهوم "السراة" بديلاً لمفهوم "النخبة" لأن الثاني محمل بقيم وسياقات غربية ومن أبرز الدعاة إلى هذا التعريب المفكر اللبناني إيليا حريق الذي يرى أنه حين تمت ترجمة كلمة Elite إلى اللغة العربية بـ"نخبة" انحرف الدال عن مدلوله، ولبس لبوس الثقافة العربية التي تضع هالة من الخصال الحميدة والتصورات والأفعال الحميدة حول كلمة "نخبة" التي تحال إلى الاصطفاء والانتقاء والامتياز والخيرية وحسن الخلق. ومن المفيد في هذا السياق أن نذكر مقطعا من قصيدة الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي[4] للاستدلال على استخدام كلمة "السراة" بمعنى النُّخبة أذ يقول:

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم
......
وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
تُلفى الأمورُ بأَهلِ الرُّشدِ ما صَلَحَت

......
فَإِن تَوَلَّوا فَبالأَشرارِ تَنقــــادُ
إِذا تَوَلّى سَراةُ القومِ أَمــــــــــرَهُمُ
......
نَما عَلى ذاك أَمرُ القومِ فازدادوا

والشاعر هنا كما يبدو واضحا وجليا يستخدم كلمة "السُراة " بمعنى النُّخبة التي نستخدمها اليوم ويبين في شعريته هذه أن السراة هم نخبة المجتمع الأقدر على إصلاحه وتوجيهه إلى مساراته السليمة.

وفي اللغة الإنكليزية أشتق مفهوم النُّخبة (Elite) اشتق من الفعل اللاتيني (Eligere) وتعنـي (يختـار)؛ أي العنصر المختار. وجاء في قاموس أوكسفورد أن النُّخبة Elite: "أقوى مجموعة من الناس في المجتمع ولها مكانتها المتميزة وذات الإعتبار"[5]. ويتضح عبر هذه الرؤية اللسانية أن النُّخبة تشير إلى الفئة الاجتماعية التي يعتقد أنها الأفضل والأهم بين غيرها بفضل امتلاكها السلطة أو الثروة أو مهارات عقلية مثل: النُّخبة الحاكمة، والنخبة المثقفة[6].

وجاء في القواميس الفرنسية، أن النُّخبة أقلية متميزة عن الجماعات التي تنتمي إليها بامتلاكها لخاصية التفوق والقدرة بما تمتلكه من قدرات وخصائص وسمات ومميزات، ويعرف قاموس روبرت الفرنسي Le Robert النُّخبة بأنها "مجموعة من الأشخاص المتفوقين في الممارسة الاجتماعية في حقل اجتماعي معين، وهم يمتلكون القدرة على التأثير في المجال السياسي والاجتماعي"[7].

وتأسيسا على هذه التصورات القاموسية يمكن القول بأن النُّخبة جماعة من الأفراديمتلكون خصائص مميزة تجعلهم أكثر قدرة على التميز في أداء أدوار شديدة الأهمية في حياة مجتمعاتهم ولاسيما مجال توجيه المجتمع واتخاذ القراراتالسيادية المهمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.

ويرى كثير من الباحثين أن استخدام كلمة النُّخبة Elite حديث نسبيا في اللغتين الفرنسية والإنكليزية،حيث استخدمت هذه الكلمة لأول مرة في القرن السابع عشر- كما يورد بوتمور في كتابه الصفوة والمجتمع[8]. ومن ثم استخدم هذا المفهوم في عام 1823 لوصف النُّخب الاجتماعية وأوضاع الحياة الطبقية في أوروبا بصورة عامة، ومن ثم شاع استخدام هذه الكلمة بين صفوف المفكرين والباحثين في نهاية القرن التاسع عشر ليعبر عن الفئات الاجتماعية الأكثر تميزا في المجتمع تلك التي تحتل مكانا مميزا في الهرم الاجتماعي ولاسيما في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية[9].

وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول: إن النُّخبة Elite"" تعبِّر عن طبقة معينة أو شريحة منتقاة من أي نوع عام. وهي تعني أيضا الأقلية المنتخبة أو المنتقاة من مجموعة اجتماعية، تمارس نفوذا غالبا في تلك المجموعة، بفضل مواهبها الفعلية، أو الخاصة المفترضة"[10].

4- النخبة لمحة تاريخية:

مفهوم النُّخب موغل في القدم وإن كان قد ظهر بمسيات مختلفة عبر التاريخ القديم والحديث، ومن الواضح تماما في كل مراحل التاريخ أن المجتمعات الإنسانية كان تتميز بالتقسيم الطبقي الذي تأخذ فيه أقلية مكان الهيمنة والسيطرة والاستحواذ في المجتمع وبين أكثرية من الفقراء والمسحوقين من عامة الشعب. وفي هذا المستوى نرى أن الماركسيين لا ينظرون إلا التاريخ إلا من خلال مفهوم الصراع الطبقي، بين طبقة جماهيرية واسعة مظلومة ومستلبة، وبين طبقة نخبوية أقلية تستحوذ عل الثراء والقوة والسلطة والمال. ويعلمنا التاريخ أن المجتمعات الإنسانية كانت منذ القدم تتميز بالانشطار الطبقي حيث تكون هناك دائما أقلية حاكمة تتفرد بالسطة والحكم وتحتكر أغلب المناصب السياسية والاجتماعية، وبيدها مقاليد الأمور، وأغلبية محكومة مهزومة منقادة وليس لها أي صلة بصنع القرار السياسي أو المشاركة فيه.

وضمن هذا التصور الانشطاري للمجتمع، غالبا ما اتخذت النُّخب - التي تهيمن وتسود- لنفسها تسميات رصينة، مثل "الطبقة السائدة"، "الكهنة"، "العرّافون"، "الفرسان"، "النبلاء"،"الإقطاعيون، "الأوليجاركية، "البرجوازية"، "الأنتلجنسيا"، "النخبة الحاكمة"، "النخبة السياسية"، " الطغمة الحاكمة"، "الطبقة السياسية"، "أهل الحل والعقد"، "الأعيان"، الأثرياء وكبار التجار"، "علية القوم"، "أهل البلاط "، " طبقة الخاصة "، وهذه التمسيات هي تعبير عن مفهوم واحد للنخب في جوهر الأمر عبر مراحل متعددة في التاريخ الإنساني. ولا وقد يتضح مفهوم النُّخبة بالمقارنة مع نقيضه فالمفاهيم المبجلة الدالة على النُّخب تقابلها دائما مفاهيم مبتذلة تدل على غيرهم من الجماعات الدنيا حيث أبدعت النُّخبة تسميات ابتذالية تبخيسية لوصف غيرهم من ابناء المجتمع، مثل: "الجماهير"، " البروليتاريا "، "النبط"، و"العوام"، "العبيد"، "السواد الأعظم"، "الدهماء"، " الهمّج"، و"المِعْدان"، "الفلاحون"، " العمال" " السوقة"، " الغوغاء"، "الحشود"، " البدو"، الأعراب"، "القرويون"، "الريفيون "، "المنبوذون"، "الجموع"، وغير ذلك من التسميات التي تدل على تدني مستويات هذه النُّخب في سلم الحياة الاجتماعية[11]. والابتذال في التسمية ناجم في حقيقة الأمر عن نظرة استعلاء واستكبار وازدراء من قبل النُّخب التي تحتل مكانة عالية في المجتمع، وهذه التسميات الابتذالية هي من صنع وإبداع النُّخب العليا في المجتمع.

ومن البداهة بمكان أن مفهوم النُّخبة مفهوم طبقي في جوهره فقد استخدم تاريحيا للتعبير عن الطبقة العليا في المجتمع التي تسود وتهيمن وتسيطر. وقد ميّز المؤرخون في تاريخ الشعوب أنماطا مختلفة من التراتبية الطبقية والاجتماعية في كل مجتمع، وضمن هذه التراتبية عرفت الإنسانية أنماطا نخبوية مختلفة وإن كانت في جوهرها واحدة من حيث الوظيفة والأهمية. وعلى مسار التاريخ القديم نجد بأن الحكام والمقربين منهم من كهنة ورجال دين وعلم يشكلون نخبة المجتمع وصفوته، وقد ارتبطت النُّخب العليا بالمقدس الديني ومنحت هذه النُّخب ولاسيما الدينية منها طابع القداسة ورسخت في الوعي الاجتماعيأنها تحكم وفق نظرية التفويض الإلهي وأن الآلهة اصطفتهم للحكم نبيابة عنها، ومن مطلق هذا التفويض المقدس قامت هذه النُّخب تاريخيا بالهيمنة السياسية والسيطرة على مقاليد الحكم وإدارة شؤون البلاد والعباد، وغالبا ما تتميز هذه الطبقة بنفوذها الكبير من حيث امتلاكها لكل أدوات السيطرة والهيمنة على الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع.وتبين الحقائق والمدونات التاريخية أن النُّخب ولدت في أتون المقدس حيث يتم اصطفاؤها بناء تفويض إلهي يؤهلها للحكم نيابة عن السماء، فالمقدس كان هو الأصل في ظهور لمفهوم النُّخبة الذي ارتباطا مزعوما بين الحاكم والمقدس أو بين الله وصفوة البشر، وغالبا كا كانت هذه الصفوة الكهنة ورجال الدين والحكام الملوك والأمراء، فمثلا في الصين القديمة كان ينظر إلى الأمبراطور بوصفه ابن السماء، وقد أسبغ المصريون القدماء طابع القداسة الإلهية على فراعنتهم، وكان حكام أوروبا في العصر الوسيط يستمدون سلطتهم من المقدس الديني البابوي، وما زال كثير من الحكام حتى اليوم يزعمون أنهم يحكمون باسم المقدس ولأجله.

ويقدم لنا التاريخ الإنساني أنماطا مختلفة من النُّخب الاجتماعية في الحضارات القديمة. ظل الحكم في الحضارات القديمة نتاج نظرية التفويض الألهي، حيث تكون الألهة في السماء وتحكم الأرض من خلال التفويض الى بعض المصطفين من البشر ليحكموا نيابة عن الالهة. وبنظرة فاحصة الى مدونات ووثائق تلك الحضارات نجد تعدد من أنطيت به مهمة الحكم نيابة عن السماء مما يؤسس لفكرة نفهمها اليوم على انها فكرة النخبة.لقد بينت أقدم الوثائق التاريخية أن المجتمع السومري القديم كانت تحكمه نخبة من الكهنة وقد تضمنت إحدى أهم الوثائق التاريخية قائمة بأسماء الملوك الذين حكموا منذ باكورة العهود الملكية (عصر فجر السلالات) ولغاية القرن (الثامن ق.م)، وتسمى هذه القائمة (قائمة الملوك السومريين) الشهيرة، أو ما يطلق عليها (إثبات الملوك) وهي مكونة من (15) نص طيني... وجاء في هذه الوثيقة أن الملكية هبطت من (السماء) لأول مرة على مدينة أريدو وإنها وصلت إليها بزورق شراعي قبل الطوفان.. وورد في الأساطير السومرية أن البشر عند الآلهة.. ليس أكثر من قطيع يحتاج الى (رعاة) حكام وملوك تختارهم وتنصبهم الآلهة لتنفيذ القانون السماوي.. فمنذ وقت بعيد وبعد خلق البشرية مباشرةً تقريباً، أنزل من السماء (التاج المجيد) أو (العرش المقدس) للملوكية.. ومنذ ذلك الحين فصاعداً قاد الملوك الواحد تلو الآخر دويلات ومدن بلاد وادي الرافدين بالنيابة عن الآلهة في السماء. وهكذا برزت الى الوجود نظرية (الملكية ذات التفويض الآلهي) ذات النهج الديمقراطي وأصبحت شائعة في وادي الرافدين منذ الألف (الثالث ق.م)، خلاف نظرية (الحكم الآلهي المطلق) والشائعة في مصر الفرعونية.. ذات النهج الاستبدادي (الدكتاتوري) [12].

وجاء في قصة الخليقة البابلية أن مصدر السلطة للآلهة (مردوخ) - إله بابل العظيم-، وهي متأتية من انتخابه من قبل مجلس أو مجمع (الآلهة السومري المقدس) أو (البانثيون السومري). حيث اجتمعت الآلهة في وليمة لتقرير المصير، ووهبوا مردوخ القوى الملكية وشارة السلطة للانتصار على آلهة الشر (تيامة). وكمكافئة له على انتصاره، شيدت له الآلهة معبد سمي (مردوخ الكبير) في بابل. وهذا بالتأكيد هو انعكاس بما يجري على الأرض في ظروف مشابهة (مصيرية)، حيث كانت الآلهة في هذا المجلس تدير الامور بشكل (ديمقراطي)، وكانت تؤخذ أصوات الحاضرين للموافقة على الاقتراحات المعروضة على هذا المجلس بأغلبية الاصوات [13].

وفي الصين القديمة كانت طبقة الكهان تحكم في ظل الأمبراطور الذييسمى ابن السماء،وهو الحاكم باسم الله وإرادته، فهو ظل الله في الأرض، وصفيّه في السماء، وعلى الشعب كله أن يدين بالولاء المطلق للأمبرطور وحاشيته وكهنته. وكان الإمبراطوريحتكر جميع السلطات بالمطلق ويمارس الحكم عن طريق جهاز إداري متطور من حكام المقاطعات الاقطاعية.وقامت الدولة المركزية، وعلى رأسها الإمبراطور، منذ أمد بعيد كأداة لسلطة كبار ملاك الأرض على نطاق البلاد بأسرها، وكانت السلطة الملكية قائمة أو مستندة في تطورها على تحالف بين الملك وكبار الملاك وكبار التجار( يسمي هؤلاء بالكوهونج). ويأخذ التقسيم الطبقي الصورة التالية: طبقة الملك والسلالة الملكية وكبار الوزراء، طبقة كبار الملاك (النبلاء)، ثم طبقة الكهنوت رجال الدين، وفي الأدنى طبقة الفلاحين الذين يعملون بالزراعة في مزارع النبلاء والاقطاعيين وكان عددها يصل إلى 85% من السكان.

كانت سلطة الملوك في أوروبا في العصور الوسيطة سلطة مطلقة، حيث كان يُعلن الملك بصفته ممثلاً لله، وكان يتم تنصيبه، من قبل رئيس الأساقفة، وسط مجموعة من الطقوس الدينية، وكانت سلطة الملوك واحدة، لا تتجزأ، ولا تمنح لشخص، أو مؤسسة أخرى غيره، وكل المؤسسات الأخرى، مثل المجالس الإستشارية، والهيئات العليا، والمجالس الإقليمية، ليست سوى مؤسسات إستشارية، كما كان الملك مصدرًاللعدل، فهو الذي يصدر القوانين وليس ملزمًا بالقوانين التي أصدرها أسلافه من الملوك وهو، أخيرًا، مصدر الحرب والسلام،لقدخطب "لويس الخامس عشر"، تحت قبة البرلمان في عام 1766، قائلاً " في شخصي وحده تستقر السلطة العليا، وإليّ وحدي تعود السلطة التشريعية، دون ارتباط ولا مشاركة، وعنّي يصدر النظام العام كله، وحقوق الأمة ومصالحها،هي بالضرورة متحدة مع حقوقى ومصالحى ولا تستريح إلا بين يدى "[14].

وفي الهند القديمة نجد تقسيما طبقيا نخبويا يرتقي فيه الكهنة ورجال الدين " البرهمانيون " إلى مستوى الصفوة العليا في المجتمع، ويأخذ التقسيم الطبقي في الهند القديمة صورة مميزة لخمس طبقات محددة وأساسية: طبقة الكهان والبرهمانيين Brahmansوهي طبقة المعلمين والمفكرين، طبقة الكشاترياKashatrias أو طبقة المحاربين، طبقة الفايزا Vaisyas أو طبقة الصناع، طبقة السودرا Sudras أو طبقة العبيد، طبقة البارايا أو المنبوذين وهي أدنى الطبقات الاجتماعية وأكثرها اضهادا. ويعتقد أن الطبقة الأخيرة أي طبقة المنبوذين قد تشكلت من القبائل الوطنية التي لم ترتد عن دينها ومن أسرى الحرب ومن رجال تحولوا إلى عبيد عن طريق العقاب. وضمن هذه الهرمية يبدو واضحا أن طبقة الكهان والبرهامنيين والحكام تشكل طبقة لنخبة التي تسود وتهيمن في المجتمع.

ونجد ما يمثل هذه الوضعية الطبقية في مصر الفرعونية القديمة حيث عرف المجتمع المصري التقسيم الطبقي الذي عرفت به الهند والصين. ويمكن أن نميز أربع طبقات في المجتمع الفرعوني القديم.

1- طبقة الحكام: وتشمل الفرعون والعائلة الفرعونية، وتحتل هذه الطبقة أعلى السلم الطبقي في مصر. والفرعون كان يؤله في بعض مراحل الحياة السياسية في مصر. وفي كل الأحوال فإنه كان مخولا من قبل الآلهة (بحسب الأساطير) لإدارة دفة السياسة والحكم في وادي النيل.
2- طبقة الكهان ورجال الدين والنبلاء: وتشكل هذه الطبقة الارستقراطية المصرية القديمة. وتضم هذه الطبقة القادة العسكريين ولاسيما في عصر الانتصارات العسكرية التي حققتها مصر في بعض مراحل تاريخها.
3- طبقة كبار التجار والمقاولين والأثرياء وهم يشكلون الطبقة الوسطى في المجتمع المصري.
4- طبقة الرعاة والفلاحين والعبيد وهيالطبقة الدنيا في المجتمع المصري القديم([15]).

فالملوك الفراعنة وكهنتهم كانوا يمثلون صفوة المجتمع المصري ونخبته باعتبارهم نوابا موفدين من قبل الملوك للمحافظة على الآلهة في المعابد.

ويكمن رصد هذه الوضعية الطبقية في بلاد الإغريق القديمة، وقد عرف الإغريق التقسيم الطبقي كغيرهم من الشعوب في العصور القديمة. وكانت كل إمارة تتبنى شكلا من أشكال التقسيم الطبقي يختلف بقليل أو بكثير عن الأشكال الأخرى المنتشرة في أصقاع الجزر المتناثرة في أعماق البحر المتوسط. وما هو معروف أن التقسيم الطبقي يأخذ صورة عامة غالبة: حيث كانت هناك طبقة الحكام ثم طبقة الفرسان ثم طبقة التجار ثم طبقة الصناع فطبقة العبيد التي كانت تشكل أحيانا ما يربو على نصف السكان في بعض الجزر. وقد تميزت اسبرطة بدرجة كبيرة من الوضوح الطبقي حيث نجد من ثلاثة طبقات أساسية:

1- طبقة الاسبرطيين الأحرار: وهم المواطنون أصحاب الحقوق السياسية والمدنية وهم الذين يكونون الجيش. ووظيفتهم الانصراف إلى الأعمال الحربية. وكان لكل منهم قطعة من الأرض تشرف عليها جماعة من الأقنان والعبيد. وهذه الطبقة تنتمي إلى القبائل الدورية التي قامت بغزو اسبرطة والهيمنة عليها. وقد بلغ عدد الإسبرطيين 45000 من المواطنين الأحرار أي بنسبة 11.3% من عدد السكان.

2- طبقة البيريوكي Perioekoi: وهي طبقة السكان الأصليين وهم محرومون من حقوقهم السياسيةوتعمل هذه الطبقة في التجارة والصناعة والمال. وتعني كلمة البيريوكي طبقة السكان المتجولين في المناطق المجاورة. ويصل عدد أفراد هذه الطبقة إلى 130 ألف نسمة أي بنسبة 32.5% من السكان ([16]).

3- طبقة الأقنان أو العبيد: وكان يطلق عليهم هيلوتز Helots، وكان هؤلاء يعملون في الزراعة حيث يعملون في أراضي الأسبرطيين الأحرار ويأخذون نصف المحاصيل أجورا لهم. وكانوا يقومون بخدمة الأسياد والسهر على راحتهم([17]). ويصل عدد أفراد هذه الطبقة إلى 56.25% من عدد السكان.
وقد تبنى إفلاطون نظرية محددة في التصنيف الطبقي في كتابه الجمهورية، فالنخبة عند أفلاطون لا تقوم على معيار الثروة وإن على مبدأ الاستعدادات والكفاءات العقلية. ويتحدث عن ثلاث طبقات اساسية:

1- طبقة الحكام الفلاسفة وهي القوة العاقلة وفضيلتها الحكمة.
2- طبقة الحراس الجند وتماثل القوة الغضبية وفضيلتها الشجاعة.
3- طبقة الصناع ويقابلها القوة الشهوانية وفضيلتها العفة.

وكما أنه يماثل بين الطبقات والقوى الطبيعية في الجسد فإنه أيضا يقابل بين هذه الطبقات والمعادنى فطبقة الحكام الفلاسفة تقابل معدن الذهب والطبقة العسكرية طبقة الجند يقابلها معدن الفضة أما طبقة الصناع فيقابلها معدن النحاس. والعدالة تكون بتحقيق الانسجام وهيمنة الفلاسفة في المدينة. وهيمنة العقل على الجسد في سائر الأحوال. وكان أفلاطون يرى أن مهمة التربية بناء طبقة الصفوة من الفلاسفة الحكام القادرين على إدارة المجتمع وتوجيهه أخلاقيا نحو غاياته السامية. ومن الواضخ "أن النُّخبة عند أفلاطون هي النُّخبة السياسية التي تمتلك معرفة العلم السياسي الذي لا علم بعده عنده أنه علم الحق والخير أي أنه العقل المستنير تماماً "[18].

وقد عرف المجتمع الروماني أيضا هذا التمييز الطبقي حيث شَغلت النُّخب - من طبقة الحكام ورجال البرلمان وطبقة الفرسان- المكان الأعلى في هرم التكوين الاجتماعي، ومن ثم ظهرت طبقة النبلاء في المجتمعات الإقطاعية في أوروبا وغيرها، ولاحقا ظهرت الطبقة البرجوازية بوصفها الشريحة الاجتماعية العليا في المجتمعات الحديثة.

وفي الجزيرة العربية في العصر الجاهلي تحديدا، كان لكل قبيلة مجلس حُكْم يرأسه شيخ يتم اختياره من قبل المجلس ، ومن ألقابه الشيخ أو الأمير أو سيد القبلية. وكان أساس اختياره أن يكون من أشراف رجال القبيلة، وأكبرهم سناً، وأقواهم عصبية، وأكثرهم مالاً، وإضافة إلى ذلك كان لابد أن تتوافر فيه بعض الخصال الحميدة التي تتناسب وهذا المنصب الخطير، كالشجاعة والكرم والحكمة والحلم. وكان حكمه نافذا على جميع أفراد القبيلة، وكان يحظى بعدد كبير من من الامتيازات بحكم منصبه، كحقه في المرباع ( أي ربع الغنيمة)، والصفايا ( أي ما يصطفيه شيخ القبيلة لنفسه من الغنائم قبل قسمتها)، والحكم ( أي إمارة الجند ). وكان للشاعر شأن كبير في حياة القبيلة، فكان إذا نبغ في إحدى القبائل شاعر أتت القبائل فهنأتها به. وفي غالب الأحيان لم ينفرد شيخ القبيلة بالحكم بل كان يستعين بما يعرف بمجلس الملأ، الذي هو بمثابة مجلس أعيان القبيلة، ومن خلاله كانت تتخذ القرارات التي تنظم حكم القبيلة وتضبط مسارات علاقة افرادها بعضهم ببعض وأيضا علاقتها مع باقي القبائل. وفي القبائل اليمنية القديمة عرف "مجلس الأقيال" أو مجلس الكبار الذي يتالف من النُّخبة الممثلة لقبائل اليمن ولفظة ( الأقيال ) جمع لمفردة ( القيل ) والتي تعني شيوخ القبائل اليمنية الذين هم بمثابة أهل الحل والعقد الذين يعتمد عليهم الملك باتخاذ القرارات في السلم والحرب.

وفي الإسلام تشكلت التكوينات الطبقية في العصر العباسي والأموي بعد تشكل الدولة وأخذ هذا التقسيم صورته التالية:

1- طبقة الحكام:تشمل الخليفة، الأمراء، الوزراء، الولاة، وكانوا في البداية من العرب ، ثم انضم إليهم غير العرب.
2- طبقة رجال الدين: القائمين على المساجد ،والقرّاء والفقهاء والخطباء .
3- طبقة أرباب السيوف: تكونت في البداية من العرب وفيما بعد من أصل غير عربي (الموالي)، سيطرت هذه الطبقة في حالة ضعف الطبقة الحاكمة.
4- طبقة أرباب الأقلام: وهم الكتاب من فئات مختلفة الأصل تأثرت مكانتهم تبعا لموقف الخليفة.
5- طبقة ذوي المهن من سكان المدن: معظمهم من أهالي البلاد المفتوحة أو حتى الرقيق لان العرب احتقروا أصحاب المدن.
6- طبقة الفلاحين أو الزرّاع: من غالبية سكان البلاد المفتوحة،سكان القرى،عملوا في الأرض بالسخرة أو باجر قليل عند أصحاب الأراضي والحكام،وفي العصر العباسي ظهرت طبقة كبار المزارعين نتيجة لنظام الالتزام وعلى اثر ذلك ساء وضع الفلاحين وتحولوا إلى أقنان.
7-طبقة الرق: وهي الطبقة الأخيرة في سلم الطبقات،اغلبهم من غير العرب. تمتعوا بحقوق أساسية حددها الشرع الإسلامي،مثل: حق الحياة والحصانة الجسدية[19].

فالخاصة أو النُّخبة في المجتمع العباسي كانت تتشكل من أصحاب الخليفة رجالات الدولة البارزين كالوزراء والقواد والأشراف والقضاة والشهود علاوة على بعض المقربين من أهل الفن الموهوبين والعلماء وأهل الأدب.

أما طبقة العامة فهم يشكلون السواد الأعظم من سكان المدينة بغداد، وكانوا من أصول بشرية متعددة فهم خليط من العرب والفرس والأتراك والأكراد والبربر وغيرهم، وقد أطلق عليهم لفظة ( عامة الناس) وهم أهل المهن والصناع والتجار والخدم والفلاحون والجند واللصوص والشطار والعيارون[20] .

فالنُّخب كانت موجودة في المجتمعات القديمة شأنها ما نراه في المجتمعات الحديثة حيث كان الملوك والحكام ورجال الدين والفرسان يمثلون نخبة هذه المجتمعات القديمة وصفوتها، وقد ارتبطت هذه الظاهرة بالوجود الإنساني منذ بدء التكوين حيث اتخذت لها مظاهر دينامية وثيقة الصلة بزمانها ومكانها مع المحافظة على جوهرها الذي يرمز إلى الهيمنة والسيطرة والتأثير في الحياة الاجتماعية.
5-منظرو النُّخبة :

يعد المفكر الفرنسي الطوباوي سان سيمون Saint Simon (1760-1825) من الرواد الأوائل لعلم الاجتماع السياسي وهو أول من وضع الخطوط العامة لتحليل النُّخبة بمنهجية سوسيولوجية مكنته من النظر إلى المجتمع كهرم واسع تتمركز في قمته نخبة توجهه وترسم مساره. ويقرّ سان سيمون في نظريته النخبوية أن وجود النُّخبة أمر ضروري لا بد منه للحياة الاجتماعية مؤكدا في الوقت ذاته على دورها الكبير في إصلاح المجتمعوالنهوض بالحياة السياسية فيه، وذهب إلى الاعتقاد بأنه لا يمكن تحقيق الإصلاح السياسي إلا بتغيير النُّخبة أو تثويرها، ولذا ينبغي أن تسند مهمة الحكم إلى النُّخب الذكية مثل العلماء والفنانين وكبار رجال الصناعة، وضمن هذه الرؤية يؤكدسيمون أهمية المؤهلات العلمية والفكرية وليس الانتماء الأسري والانتماءات التقليدية الأخرى في تشكيل النُّخب وتأهيلها.وفي نص شهير له سمي " أمثولة سان سيمون" وهي مقالة نشرها عام 1819 يرى سيمون: أن فرنسا لن تعاني من فقدان ملوكها ونبلائها وكل أنواع سياسييها، ولكنها ستصاب بكارثة عمياء إذا ما فقدت علماءها وصناعييها وأفضل حرفييها، فالنُّخب كما يراها تشكل روح الأمة وقوتها الخفية. يقول سيمون في وصفه لحالة فقدان النخب: "لنفترض أن فرنسا فقدت بصورة مفاجئة أهم خمسين فيزيائيا لديها، وأهم خمسين من الكيميائيين والأطباء والعلماء والشعراء والرسامين والمهندسين والجراحين والصيادلة، الذين يعدون مع غيرهم من الحرفيين والمهنيين الأكثر إنتاجا، فإن الأمة ستصبح جسدا لا روح فيه، وستحتاج فرنسا إلي جيل كامل لتعوض هذه الخسارة الهائلة "[21]. ويستطرد سيمون بالقول:"لو حدثت في ليلة صماء فاجعة مفاجئة ذهبت بأكثر الشخصيات الكبرى من الأسرة المالكة والوزراء وكبار القضاة... وسواهم ممن في هذه الطبقة، فإن الشعب الفرنسي سيبكيهم حتما لأنه شعب حساس، لكن هذه الفاجعة لا تبدل شيئا مهماً أو تغير تغييراً ذا أثر في أعماق الشعب، أما لو ذهبت هذه الفاجعة برؤوس العلماء والصناعيين وأرباب المصارف والبنوك... فإن خسارة المجتمع فيهم ستكون كبيرة جدا، لأن مثل هؤلاء لا يمكن تعويضهم بسهولة"[22].

وهذا التحليل للمجتمع الفرنسي يجعل سان سيمون من رواد نظرية النُّخبة حيث تكون الأهمية للنخب من رجال الصناعة والمفكرين والمثقفين والعلماء حيث يركزسيمون بصورة قطعية على أهمية هذه النُّخب العلمية والمهنية والفكرية في المجتمع.

وما يبديه سان سيمون نجد ينابيعه الأصيلة لدى مارن لوثر ـ المصلح الألماني الكبير، و زعيم الإصلاح الديني في القرن السادس عشر الذي سبق له القول " إنّ سعادة الأمم لا تتوقف على كثرة دخلها، و لا على قوة حصونها، أو جمال مبانيها العامة، و لكنها تتوقف على عدد المثقّفين من أبنائها و على رجال التربية والعلم والأخلاق فيها "فهنا تكون سعادتها و قوتها العظيمة و مقدرتها الحقّة".

وقد شكل موضوع النُّخب أحد المرتكزات الأساسية لعلم الاجتماع السياسي، وأحد عوامل تطوره في الآن الواحد، وهذا ما أشار إليه رانسمان Runciman في كتابه "العلوم الاجتماعية والنظرية السياسية» حيث سلط الأضواء على نظرية النخبة، موضحا دور منظري النُّخبة في تأسيس علم الاجتماع السياسي، إذا يقول: «إذا كنا ندين لماركس وفيبر باعتبارهم أسهما في تأسيس علم الاجتماع السياسي، فإنه لا يزال هناك مجال هام من مجالات الدراسة ندين به إلى أربعة مفكرين آخرين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأسهموا في تأسيس جانب هام من هذا الميدان يرتبط أساسا ببحوث القوة والمجتمع والسياسة، هم: موسكا، باريتو، مشيلز وميلز، والاهتمام الأساسي الذي اشتركوا فيه هو دراسة الصفوة، وعلى الرغم من أن هؤلاء المفكرين كانوا يعترفون بأن هناك تبادلا بينهم في المفاهيم والأفكار إلا أنه بالرغم من ذلك فقد كان لكل منهم موقفه المتميز"[23].

وقد برز مفهوم هذا المفهوم بقوة كبيرة في ثلاثينات القرن العشرين في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واتخذ هيئته العلمية في أعمال الإيطالي فلفريدو باريتو vilfredo Pareto (1848-1923)في كتابه «العقل والمجتمع» The Mind and Society عام 1916، ومن ثم في أعمال الإيطالي غيتانو موسكا MoscaGaetano (1858-1941) في كتابه «الطبقة الحاكمة» The Ruling Class[24].

وقد تأثر ميتشل روبرتو (Robert Michels) (1876- 1936)[25]بكل من سابقيه باريتو وموسكا وسار على نهجهما في تناوله لمفهوم النُّخبة وقد أودع نظريته النخبوية في كتابه الشهير "الأحزاب السياسية" Political Parties[26] الذي أصدره عام 1911، وفي هذا الكتاب يقدم رؤية جديدة حول مفهوم النخبوية والقانون الحديدي الذي يحكم تطور النُّخبة وتفردها في السلطة.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أعمال تشارلز رايت ميلزMills C. W. الذى أصدر كتاباً عام 1956 عنونه «نخبةالقوة» L'élite du pouvoir انتهى فيه إلى أن النُّخبة تتكون من قادة مجالات الأعمال والحكومة والقوات المسلحة، الذين تربط بينهم مصالح وأصول اجتماعية وقيم متماثلة ضمن دائرة القطاعات التى يهيمنون عليها[27]. وتفيض الساحة الفكرية اليوم بأفكار وآراء عدد من المفكرين الآخرين في هذا المجال مثل: هارولد لازويل، وبوتومور، ورالف داهند روف، وسوزان كيلر، وجيمس بوتنام، ورالف ميليباند. ومن المناسب في هذا السياق الاطلاع على بعض المحاولات التي قدمها بعض المفكرين في مجال تعريف النُّخبة وتحديد معالمها السوسيولوجية.
6- تعريف النُّخبة :

يعرف المفكر الأمريكي روبرت داهيلRobert Alan Dahl (1915-2014) النُّخبة بأنها " مجموعة من الأفراد الذين يشـكلون أقليـة وتسـود تفضيلاتهم عند حدوث اختلاف التفضيلات المتعلقة بالقضـايا الأساسـية فـي المجتمع"[28]. وجاء في معجم علم الاجتماع بأن النخبة: " جماعة من الأشخاص يتم الاعتراف بعظمة تأثيرهم وسيطرتهم في شؤون المجتمع حيث تشكل هذه الجماعة" أقلية حاكمة" يمكن تمييزها عن الطبقة المحكومة، وفقاً لمعيار القوة والسلطة بدلالة تمتعها بسلطان القوة والنفوذ والتأثير في المجتمع أكثر مما تتمتع به الطبقة المحكومة فيه، وذلك بسبب ما تمتلكه هذه الأقلية من مميزات القوة والخبرة في ممارسة السلطة والتنظيم داخل المجتمع الأمر الذي يؤهلها لقيادته"([29]) .

وينظر معظم علماء الاجتماع السياسي إلى ا"لنخبة " على أنها صفوة أو طليعة، تمتلك مؤهلات فكرية وادارية ومالية، وتهيمن على مصادر النفوذ والقوة والسلطة والثروة، مثل: الخبرة، والمهارة، والمعرفة، فضلاً عن المؤهلات التكنوقراطية والبيروقراطية التي تؤهلها لادارة مفاصل معينة من الدول الحديثة" [30]. ويعرف عبد الجبار محسن النُّخبة بأنها" "الطليعة المثقفة التي نالت نصيبا جيداً من المعارف العلمية والتقنية كالأطباء، والمهندسين، وأساتذة الجامعة، وكبار الضباط، وذوي المعارف المكتسبة بجهد خاص، أو تلك الفئة برزت في مجالات الثقافة والأدب والفنون، أو تلك الشريحة السياسية المتنورة التي تجاوزت ما هو تقليدي في العمل السياسي لتلتقي مع العصر في معطياته... واستناداً الى خزينها المعرفي وتحصيلها العلمي وتجاربها العملية فان النُّخبة بمختلف عناصرها تكون متقدمة على محيطها الاجتماعي"[31].

والنخبة، وفقا لأغلب التعريفات التي أوردناها، هي طبقة من أفراد المجتمع تتمتع بخصائص ثقافية وفكرية واجتماعية، تمكنها من التأثير في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في مختلف حقول المجتمع وأنساقه، وتقوم هذه النُّخب بتسيير وتوجيه المجتمع، وتخضعه لتوجيهاتها وقيادتها بطريقة تبدو بمظهرها شرعية وفي جوهرها قسرية أو تعسفية. وغالبا لا يقتصر تكوين النُّخبة على امتياز واحد دون غيره، فالنخبة تتكون من السياسيين، ورجالات العلم، وحملة الشهادات العليا، ورجال الدين، وقد تكون النُّخبة مزيجا من كل هذه الشرائح الاجتماعية مجتمعة. ويمكن القول أيضا :أن النُّخبة جماعة (أو جماعات) من الأفراد الذين لهم خصائص مميزة تجعلهم يقومون بأدوار أكثر تميزا في حياة مجتمعاتهم، ومؤشر هذا التمييز في الأدوار تأثيرهم البالغ في مجريات الأمور وتوجيهها كما ينعكس في تأثيرهم علي عمليات صنع القرار المهمة في مختلف مجالات الحياة[32]. ويمكن بالاستناد إلى مختلف التعريفات التي أوردناها تحديد مميزات النُّخبة بقلة العدد وعلة المكانة الاجتماعية والقدرة على التأثير والمشاركة في صنع القرارات الهامة في المجتمع.
7- نظريات النخبة :

ومن أجل تقديم تصور أفضل لمفهوم النُّخبة يتوجب علينا أن نستعرض الاتجاهات الثلاثة الأساسية التي عالجت المفهوم وهي الاتجاه السيكولوجي ويمثلة باريتو والاتجاه التنظيمي الذي يمثله موسكا وميتشل والاتجاه الاقتصادي الاجتماعي الذي يمثله رايت ميلز.
7-1- الاتجاه السيكولوجي فلفريدو باريتو(1848-1923) :

يمثل باريتو vilfredo Pareto (1848-1923) الاتجاه السيكولوجي في تحليله لمفهوم النُّخبة حيث يعرف النُّخبة بخصائصها ومميزاتها السيكولوجية. وفي المستوى السوسيولوجي يرى باريتو أن المجتمع – أي مجتمع كان – ينقسم إلى قسمين هما: النُّخبة التي تحكم، والمحكومون الذين يخضعون لهيمنة النُّخبة هذه التي تشكل الأقلية المتميزة والمتفوقة في المجتمع في مختلف تشكيلاته الاجتماعية. وضمن التوجه السيكولوجي الذي ينطلق منه باريتو في نظريته عن النُّخب، يرى باريتو: أن النُّخبة تتميز بخصائص سيكولوجية تمنحها نوعا من التفوق في فرض سيادتها وهيمنتها وهي النخبة الحاكمة التي تمارس سلطتها وهيمنتها السياسية.

فالنخبة لدى باريتو ليست نتاجا لفعالية تاريخية اقتصادية كما يرى ماركس، ولا تستند في قوتها إلى قدراتها التنظيمية على نحو ما ذهب موسكا وميتشل، بل هي نتاج لما يسميه باريتو بالرواسب Residues وهي نوع من الخصائص السيكولوجية التي يتمايز من خلالها أفراد المجتمع، وقد دأب باريتو على استخدام مفهومه السيكولوجي عن الرواسب لوصف الميول السيكولوجية الفطرية القيادية في الإنسان[33].

يصنف باريتو الرواسب إلى مجموعتين: تتمثل المجموعة الأولى في رواسب التأمل والتفكير، وتتمثل الثانية برواسب البقاء والنظام والاستقرار. ويوضح باريتو في هذا السياق أن هذه الرواسب تؤهل بعض أفراد المجتمع للوصول إلى مرتبة النُّخبة وممارسة السلطة بينما يفتقد إلى ذلك الأكثرية الكبيرة من أفراد المجتمع، ويتوسع باريتو في رؤيته هذه إذ يرى أن نمط الحكم وصورته يتحددان على أساس نوعية هذه الرواسب التي يتمثل أفضلها في النخب. فرواسب التأمل والتفكير تمكّن النُّخبة من الحكم عن طريق الاقناع والترغيب، وترتكز على بناء التصورات والأيديولوجيات للسيطرة على الجماهير واستلابها، ولكن عندما تهيمن رواسب البقاء والنظام فإن النُّخبة تحكم بالقوة والهيمنة وتعمل استخدام أساليب القمع والتسلط والترهيب[34].

وقد جاءت نظرية النُّخبة عند باريتو تعبيرا عن قناعته باستحالة تطبيق الديموقراطية الليبرالية السائدة في الغرب بوصفها تعبيرا عن الشعار المعروف "حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه"، كما أنها جاءت نقضا للنظرية الماركسية في تأكيدها على مبدأ الصراع الطبقي وحتميات التطور التاريخي. فباريتو في كتابه "العقل والمجتمع" يعرف النُّخبة بأنها "مجموعة من الأفراد الذين حققوا نجاحات مميزة في مختلف أنشطتهم ووظائفهم ضمن "مباراة الحياة"، وذلك "بطريقة تجعلهم قادرين على احتلال مناصب قيادية للقيام بأدوار سياسية واجتماعية محورية داخل المجتمع؛ وتظل هذه القيادة غير مشروطة بالضرورة بموافقة أفراد هذا الأخير"[35].

ويختلف مفهوم النُّخبة عند باريتو عن مفهوم "الطبقة" عند ماركس بصورة جذرية، فمهوم النخبة- على خلاف مفهوم الطبقة- يتميز بمرونته السيكولوجية وانفتاحه أمام المتفوقين والنابهين علميا واجتماعيا وفكريا. وعلى خلاف ذلك فإن مفهوم الطبقة الماركسي يتميز بانغلاقه على معايير اقتصادية وسياسية تقليدية للمحافظة على هيمنتها وترابط مصالحها. فماركس "يؤكد دوما بأن الحياة السياسية لا يمكن أن تفهم أو تفسر إلا بواسطة الاقتصاد، فالاقتصاد محدد للسياسة، وعليه فالدولة - كبنية فوقية - ما هي في نهاية الأمر إلا عنصرا تابعا في عملية اجتماعية شاملة تحركها قوى الانتاج وعلاقاته[36]. فالطبقة البرجوازية في النظرية الماركسية هي التي تحكم، وهي التي تمتلك أدوات الانتاج ووسائله في الوقت نفسه، وهذه الطبقة البرجوازية تشمل تضم عادة كبار الأثرياء والأغنياء ( اصحاب الملكية) في المجتمع كما كانت الحال في المجتمعات القديمة حيث نجد: الطبقة الاقطاعية أو طبقة الأسياد، وغالبا ما كانت الطبقات المالكة تنفرد بالحكم والسيطرة والهيمنة لاعتبارات اقتصادية تفرضها معايير الملكية لوسائل الانتاج. ويمكن القول في هذا السياق: أن مفهوم النُّخبة عند باريتو وغيره من المنظرين لا يرتكز على العوامل الاقتصادية والملكية كما هو الحال في النظرية الماركسية، فالعامل الاقتصادي – كما يرى باريتو- لا يكفي وحده لشكيل النُّخب، فهناك عوامل أخرى مسؤولة عن توليد التخب وهي تتعلق بالسمات السيكولوجية والثقافية التي تشكل عوامل متجددة في تكوين النُّخب .

وبعبارة أخرى هناك تعارض جوهري بين التحليل النخبوي لباريتو، وبين التحليل الماركسي لمفهوم المصالح والسلطة والنفوذ، فالماركسية ترى – كما اسلفنا - أن النظام السياسي في المجتمع يجسد مصالح الطبقة السائدة في المجتمع، أي: الطبقة التي تمتلك وسائل الانتاج والقوى المادية فيه. ويرى كارل ماركس في هذا الخصوص "أنه توجد في السلطة، في كل سلطة، نخبة حاكمة واحدة تتمثل في مالكي وسائل الإنتاج، التي - وإن قدمت نفسها للمحكومين على أنها مختلفة في ما بينها ومقسمة الى جماعات - إلا أنها في الحقيقة واحدة"[37]. ولكن باريتو يرفض هذه الرؤية الاقتصادية للماركسية ويؤسس لرؤية جديدة تقوم على أسس سيكولوجية لتفسير النظام السياسي الاجتماعي، فالسلطة والهيمنة السياسية عند باريتو تقوم على"سيكولوجيا" البشر وليس على المعطيات التاريخية للوجود الإنساني كما يرى الماركسيون[38]. فالنخبة التي تسيطر سياسيا كما يرى باريتو تمتلك في ذاتها خصائص التفوق والهيمنة والسيطرة، سواء أكانت تعبر عن مصالح الأغلبية، أو عن مصالح الأقلية. وهو هنا أيضا يقدم وجهة نظر متناقضة مع النظرية الماركسية، وذلك لأن الماركسية - كما نوهنا أعلاه - تنطلق في نظرتها للنخبة من اعتبارات اقتصادية اجتماعية تحكمها قوى الانتاج وعلاقات الانتاج في المجتمع. وعلى خلاف هذه الرؤية الماركسية يرى باريتو - ونكرر مرة أخرى لمزيد من التوضيح - أن النُّخبة - التي تسيطر - تهيمن بوصفها طبقة تمتلك خصائص التفوق والتنظيم والنجاح، وهي ترتكز على خصائص نفسيها غالبا ما يسميها باريتو: بالرواسب التي هي - كما أشرنا سابقا- اعتبارات ومزايا سيكولوجية وعاطفية ترتكز إلى الذكاء والقدرة والعقلانية والتنظيم.

ففي تحليل باريتو (لدورة النخبة) تحولات السلطة في داخل النُّخب لا نجد أي اهتمام بدور الجماهير في هذه العملية التي يقتصر دورها على رفد النُّخبة الحاكمة بالعناصر المتفوقة والمؤهلة للممارسة السلطة. والجماهير عند باريتو تتصف بخاصية العجز والضعف وعدم القدرة على التنظيم وهذا يمكّن النُّخبة الحاكمة من تحقيق أهدافها بفاعلية وقوة حيث تبقى الجماهير خارج دائرة الفعل السياسي الذي يشكل ممارسة نخبوية واضحة المعالم .

ومن جديد يحاول باريتو في مؤلفه الشهير "العقل والمجتمع The mind and society"[39] أن يعرف مفهوم النُّخبة بمحك المقارنة أي بين هؤلاء الذين يملكون مقاليد السلطة وأولئك الذين لا يملكون شيئا أي الجماهير [40].وضمن جهوده لبناء مفهوم النخبة، يرى باريتو أن المجتمع ينقسم إلى طبقتين، الأولى: الطبقة أو النُّخبة العليا التي تنقسم بدورها إلى نخب حاكمة Governing Elite ونخب غير حاكمةNon-governing Elite، والثانية: الطبقة السُّلفى أو غير النخبوية. وهذا يعني أن باريتو يميز بين طبقيتين في المجتمع طبقة تَحكم هي طبقة النخبة، وطبقة محكومة وهي طبقة الجماهير الواسعة في المجتمع.

ويعتمد باريتو في تحديده للنخبة على معيار النجاح الذي يؤديه الفاعلون الاجتماعيون في مختلف مستويات نشاطاتهم من منطلق مزاياهم السيكولوجية. على هذا الأساس ينطلق باريتو ليعرف النُّخبة بأنها تكوين اجتماعي يشمل هؤلاء الذين يتفوقون في اختصاصاتهم ومجالات عملهم في (مباراة الحياة) ويتمرسون بنجاح في ممارسة وظائف سياسية أو اجتماعية تخلق منهم طبقة حاكمة ليست بحاجة إلى دعم وتأييد جماهيري، لأنها تقتصر في حكمها على مواصفات ذاتية تتمتع بها، الأمر الذي يميزها ويؤهلها لاحتكار المناصب العليا في المجتمع. وهذا يعني أن باريتو ينظر إلى الأفضل في كل اختصاص وممارسة اجتماعية على أنهم النخبة، وضمن تصوره هذا تتشكل نخبة في كل نسق اجتماعية فهناك على سبيل المثال: نخبة بين المثقفين وتدل على هؤلاء الذين حققو أعلى درجة ممكنة من النجاح ضمن طائفة المثقفين في المجتمع وهم المبدعين في مجال الانتاج الفكري والثقافي، وهذا الأمر ينسحب على القطاعات الاجتماعية الأخرى، ففي مجال الطب هناك نخبة الأطباء، وفي قطاع المهندسين هناك نخبة متميزة من كبار المهندسين، وهكذا دوليك في مختلف القطاعات الاجتماعية.

وضمن نظريته السيكولوجية عن النخبة، يرى باريتو: أن النُّخبة تحافظ على على استقرارها واستمرارها ضمن فعالية دينامية يطلق عليها مفهوم "دوران النخبة"، وهي آلية تعتمدها النُّخبة للمحافظة على ديمومة وجودها واستمراريتها. ويميز باريتو في هذا السياق بين فعاليتين في عملية "دوران النخبة": تتمثل الأولى فيما يطلق عليه " الدوران الداخلي" التي تتجلى في قدرة النُّخبة على امتصاص الأفكار والأشخاص من خارج النُّخبة وإدخالهم في دائرة وجودها حفاظا على وحدتها، ومنعا لتشكيل نخبة مضادة؛ وتتمثل العملية الثانية فيما يسميه " الدوران الخارجي" وهي العملية التي تؤول إليها أوضاع النُّخبة الحاكمة التي عندما لا تستطيع تحقيق غايتها في "الدوران الداخلي"، - أي:عندما تفشل النُّخبة القائمة في عملية امتصاص الأفكار والأشخاص من خارج النخبة- تتراجع تاركة مكانها لنخبة جديدة قادرة على أداء الوظيفة الأساسية للنخبة الحاكمة في المجتمع. ويفسر باريتو (دورة النخبة)، أي: إحلال نخبة محل أخرى أو صعود أفراد من الطبقات الدنيا إلى النُّخبة الحاكمة، بالتحولات التي تطرأ على الخصائص النفسية لأعضاء النُّخبة حيث يفقد هؤلاء بعض (الرواسب) التي كانت تمنحهم الحماس والفعالية، وفقدان هذه (الرواسب) يؤدي إلى فساد النخبة، في المقابل تتراكم (رواسب) التفوق والفعالية لدى أفراد من الطبقة الدنيا مما يؤهلها للوصول إلى السلطة. وهكذا فإن ما يطرأ على النُّخبة ليس فقط تغيراً في الأفراد بل تغيراً على مستوى النوع، فالمجتمع يفرز في كل مرحلة نخبة تعبر عن المصالح المهيمنة أو الغالبة في المجتمع[41].

ومن الطبيعي أن تثير نظرية باريتو موجة كبيرة من النقد لأنه لا يمكن اليوم تجاهل العوامل التاريخية والاجتماعية في تشكيل النُّخب وفي دورة بناء السلطة. فلا يستطيع أحد أن ينكر اليوم بأن القوى الاقتصادية تلعب دورا تاريخيا في توجيه الحياة الاجتماعية. وعلى الرغم من أهمية نظرية باريتو ولكن لا يمكن الوثوق اليوم بقدرة السيكولوجيا وحدها على تفسير التاريخ والأحداث التاريخية. فالسيكولوجيا في النهاية نتاج لسلسلة من الفعاليات التاريخية. إذ كيف نستطيع اليوم أن نفسر وجود هذه النُّخب التي تقوم على معطيات الولاء للعائلة، والحاكم العسكري، والعرق والمحاصصة. وكيف نفسر وصول بعض الفراد إلى الحكم وهم لا يملكون أي خبرة سياسية أو فكرية ولكن الظروف الاجتماعية والتكوينات التقليدية للمجتمع هي التي قادتهم إلى هذه المراكز العليا في الدولة والمجتمع. وهنا علينا أن نأخذ برأي عبد الرحمن الكواكبي الذي يصف هذه النُّخب في المجتمعات الاستبدادية حيث يقول: "يكون أسفلهم طباعا أعلاهم وظيفة وقربا". فالنُّخب في البلدان التقليدية لا يمكن أن تعتمد على سماتها السيكولوجية، بل على معايير القرب من الحاكم، وعلى نسق علاقات الدم والقبيلة والطائفة، وعلى قيم الانتهازية والوصولية. أما الأذكياء والقادة الحقيقيين فهم في غمرة من التلاشي والعدمية في هذه المجتمعات حيث لا تنفع مواهبهم ولا قدراتهم السيكولوجية في الوصول إلى أي نقطة من نقاط التمركز النُّخبوي في المجتمع.
7-2- الاتجاه التنظيمي عند موسكا و ميتشل :

يتزعم كل من موسكا و ميتشل الاتجاه التنظيمي في مفهوم النخبة، فكلاهما يعتمد على مفهوم التنظيم في تحليل مفهوم النُّخبة وقوتها. فالقدرة على التنظيم في داخل النُّخبة ومرونة التفاعل بين أفرادها يجعل النُّخبة قادرة على امتلاك زمام الأمور والسيطرة على مختلف جوانب الحياة في المجتمع. ومع ذلك يمكن الكشف عن بعض التباين في تفاصيل رؤيتهما لمفهوم النُّخبة، ولذا آثرنا أن نستعرض رأي كل منهما على حدة ضمن حدود الاتجاه التظيمي في نظرية النخبة[42].
7-2-1- غيتانو موسكا (1858-1941):

تعد نظرية غيتانو موسكا MoscaGaetano (1858-1941) في النُّخب من أهم النظريات وأكثرها أهمية في مجال تفسير الحركة السياسية للسلطة والإدارة النخبوية في المجتمع، وقد أودع نظريته النخبوية في كتابه المشهور "الطبقة الحاكمة"[43]. وضمن هذا الكتاب يعرف موسكا النُّخبة بقوله: "هي الأقليـة المنظمـة نسبيا التي تحكم الأكثرية غير المنظمة بفضل قـدراتها التنظيمية المتفوقـة المؤزرة برصيدها الثقافي، وتتمتع هذه النُّخبة بالامتيازات الاقتصـادية والسياسـية التي تؤهلها لارتقاء مكانة عالية في المجتمع"[44]. وفي هذا التعريف يُلاحظ أن موسكا يركز على القوة التنظيمية للنخب، ويرى أن من أهم أسباب تميّز الطبقة الحاكمة عن الطبقة المحكومة، هو قوة تنظيم الأولى، ووجود دافع وهدف معين تسعى إليه في مواجهة أغلبية غير منظمة[45].

ويرى موسكا، في هذا السياق، أنه كلما كبرت الجماعة ضعف تنظيمها وتضاءل تماسكها، وكلما قلت عدديا ازدادت تماسكا واشتد تنظيمها، ولذا فإن المقارنة بين الطبقتين – الحاكمة والمحكومة- في نظر موسكا، يجب ألا تؤسس على أساس قلة مقابل كثرة، بل من منظور قلة منظمة تعرف ما تريد، في كثرة غير منظمة لا تعرف ما تريد[46]. ويرى موسكا في هذا السياق أن صغر حجم النخبة، وبساطة وسائل الاتصال المتوافرة لديها، يمنحانها القدرة التنظيمية العالية، وهذا بدوره يمكّنها من وضع السياسات واتخاذ القرارات بسرعة ونجاعة وفاعلية، ويتيح لها الاستجابة الفورية للظروف المتغيرة على أساس من وحدة التضامن في أقوالها وأفعالها، وعلى خلاف ذلك فإن الأغلبية الغير منظمة تضم جماعات واسعة جدا ليس لهم هدف مشترك او نظام اتصال معروف او سياسات متفق عليها[47].

وعلى خلاف باريتو، يرى موسكا أن النُّخبة الحاكمة تعتمد على تأييد الجماهير ورضاها، وهذا يعني الأخذ بأهمية الاعتبارات الديمقراطية للنخبة السياسية على خلاف وهذا ما رفضه باريتو الذي أكد على القطيعة الواضحة بين النُّخبة والجماهير[48]. فالنخبة عند باريتو – كما اسلفنا - تتكون بتأثير القدرة السيكولوجية الفائقة على استخدام رواسب المحافظة أو التجديد؛ وهى عند موسكا القدرة التنظيمية، وهذا بالطبع لا يتعارض مع اشارته الدائمة إلى أهمية الثروة أو القوة العسكرية[49]. ومن جديد النُّخبة – كما يرى موسكا - مجموعة قليلة من الأشخاص يميّزها التماسك وتملك القوة والإمكانية في مواجهة الأصوات المعارضة لها، وهي بذلك تملك قدرة فائقة على تنظيم أغلبية اجتماعية غير منظمة دون أن تتجاهل أهمية الجماهير وقوتها[50].

وعلى الرغم من التباين الذي أشرنا إليه بين موسكا Moska وباريتو Pareto فإنهما يؤكدان معا على أن المجتمعات تنقسم عادة إلى طبقتين أو جماعتين: الأولى حاكمة، والثانية محكومة؛ وإذا كان موسكا قد فضل استعمال مصطلح "الطبقة السياسية" ليعبر به عن الفئة الأولى، فإن باريتو فضل مصطلح "الطبقة الحاكمة" للتعبير عن الأمر نفسه، والنخبة من منظورهما كلاهما مجموعة قليلة من الأشخاص الذين توافرت لديهم شروط موضوعية (الثروة والقدرة..) وأخرى ذاتية (المواهب..) تجعلهم مميزين عن بقية أفراد المجتمع[51]. ومن أوجه الاتفاق أيضا أن موسكا يقرّ - كما هي الحال عند باريتو – بوجود نسقين متمايزين في "الطبقة الحاكمة" طبقة عليا تهيمن، وتحكم وطبقة أخرى لا تمارس دورا في الحكم أو في السلطة، ويعزو موسكا إلى الأخيرة دورا اتصاليا تقوم به لتحقيق التواصل بين الجماهير والنخبة الحاكمة[52].

وتجدر الإشارة في هذا السياق - من أجل مزيد من التوضيح لبنية النُّخبة السياسية - إلى بوتومور الذي ميّز بدره بين ثلاث درجات في التكوين البنيوي للنخبة: تتمثل الأولى في الجماعات الوظيفية والمهنية التي تحظى بمكانة عالية في المجتمع، وتتمثل الثانية في الطبقة السياسية والتي تضم كافة الجماعات التي تمارس القوة والنفوذ السياسي وتنشغل بشكل مباشر بالصراعات من أجل الزعامة السياسية، أما الثالثة النُّخبة السياسية، وهي جماعة أقل حجما داخل الطبقة السياسية، تستوعب الأفراد الذين يمارسون بالفعل القوة السياسية في المجتمع[53].
7-2-2- روبرت ميتشل (1876- 1939)

أودع روبيرتو ميتشل (Robert Michels) (1876- 1936)[54] نظريته في النُّخبة في كتابه الشهير "الأحزاب السياسية" Political Parties[55] الذي أصدره عام 1911، وكان ميتشل تلميذا لكل من باريتو وموسكا، وقد انطلق من أعمالهما لتطوير نظريته الجديدة في النخبة ويرى على منوالهما أن النُّخبة أقلية تحكم الأكثرية في أي مجتمع، ويرى كما يريان أيضا أن وجود النُّخبة نتاح طبيعي لبناء القوة في أي مجتمع.

يتفق روبرت ميتشل مع موسكا على أن قوة النُّخبة تكمن في قدرتها العالية علي التماسك والتنظيم. ولكنه اختلف معه حول بعض القضايا التي تتصل ببنية النُّخبة وتوجهاتها. لقد أعطى موسكا لمفهوم النُّخبة قوة تفسيرية هائلة ووسع استخدامه كمنهجية لفهم وتفسير التاريخ الاجتماعي برمته. ولكن ميتشل قلص من دور النُّخبة وحصر دورها في إمكانية دراسة خصائص التنظيمات الاجتماعية الواسعة مثل الاحزاب والنقابات.

وضمن هذه الرؤية، يرى ميتشل أن التنظيمات الاجتماعية تتطلب وجود نخبة او قيادة لعدة أسباب، أهمها: ضرورة تقسيم العمل، وتعقد الأعمال الإدارية، والحاجة الي المعرفة المتخصصة. وأخذ بعين الاعتبار أسبابا بيئية مثل حجم التنظيم، وصعوبة الاتصال بين الرؤساء والمرؤوسين، والحاجة الي سرعة اتخاذ القرار. وأشار أيضا إلى حاجة المرؤوسين لزعامة قوية وثابتة وقادرة على قيادتهم. وهذه العوامل بمختلف تجلياتها أدت إلى تمركز القوة تنظيميا في أيدي نخبة من القادة والمنظمين والإداريين بوصفهم يمتلكون صفات ذاتية استثنائية تعزز سلطتهم داخل التنظيم[56].

ينطلق ميتشل جوهريا في بناء تصوره للنخبة من فكرة استحالة تحقيق الديمقراطية في المجتمع، وهو يستخدم مصطلح "وهم الديمقراطية" للتعبير عن هذه الاستحالة. فالديمقراطية كما يراها تقوم في جوهرها تقوم على المساواة بين أعضاء الجماعة والمشاركة في مختلف مراحل صوغ القرار لتحقيق العدل والحرية والتقدم في المجتمع. وضمن مختلف فعاليات العمل السياسي في داخل المجتمع أو الجماعة تستطيع نخبة أو أقلية منظمة جدا أن تخطف السلطة وتنفرد بها وتحافظ عليها، وتستطيع هذه النُّخبة أن تحافظ على وجودها واستمرارها وهيمنتها ضمن مظاهر ديمقراطية شكلية تخدع فيها المجتمع بمختلف فئاته وتكويناته. ومن هذه الزاوية يرى ميتشل أن الديمقراطية "وهم" لا أساس لها، وأن مختلف المظاهر الديمقراطية من انتخابات واقتراع وتمثيل نيابي هي مظاهر خادعة في جوهرها وهي تخفي في طياتها حكم نخبة أو أقلية تنفرد بالسلطة وتهيمن على مقادير الحياة السياسية والاجتماعية.

يتناول ميتشل في كتابه " الأحزاب السياسية " Les Partis politiques[57]مفهوم النُّخبة ويقوم بتحليل معطياته من خلال واقع عمل الأحزاب السياسية في ألمانيا ليكتشف العوامل المختلفة المؤثرة في عملية تشكل النُّخب وتطور آليات عملها على نحو سياسي. وقد بيّن ميتشل - عبر نظريته النخبوبة- أن النشأة الديمقراطية للأحزاب تتحول بمرور الزمن إلى تنظيمات خاضعة إلى حكم قلة من الأفراد أو نخبة مميزة، وذلك لأن التنظيم يحتاج إلى أقلية نخبوية منظمة تمتلك المهارات الضرورية لممارسة الحكم، وينتهي الأمر أن تقوم هذه النُّخبة لاحقا بالاستحواذ على السلطة والانفراد بالهيمنة السياسية من خلال موقعها السياسي في مركز اتخاذ القرار.

ومن أجل مزيد من الدقة والموضوعية في تحديد مقولاته النخبوية، أجرى ميتشل دراسة أمبيريقية شاملة للنزعات الأوليغارشية L’oligarchie[58] (حكم الأقلية) ضمن فعاليات الأحزاب السياسية في أوروبا وألمانيا، ولاسيما الحزب الألماني الديمقراطي الاشتراكي الذي كان يعد أوسع أحزاب الطبقة العاملة في ألمانيا، وهو حزب ما زال يزعم أن ملتزم بالديمقراطية منذ بداية تشكله في مطلع القرن العشرين، وانتهى ميتشل من دراسته الواسعة هذه إلى وجود ثلاثة أسباب رئيسة أدت إلى ظهور النزعة الأوليغارشية الفردية داخل الأحزاب والمنظمات السياسية، وهي: خصائص التنظيم ذاته،سمات القادة، سمات الجماهير .

وفي تناوله لموضوع النُّخبة يرفض ميتشل - كما رفض موسكا من قبل - التفسير الماركسي للتاريخ، ولكنه يقرّ في الوقت نفسه بأهمية العوامل الاقتصادية في إحداث التغير الاجتماعي.

يرى ميتشل، في نظريته النخبوية، أن الأحزاب السياسية - مهما يكن أمرها وتوجهاتها وأيديولوجياتها - تنطوي في داخلها على بذور الاتجاهات الفردية الأوليغارشية، وهذه النزعة تلازم مختلف التنظيمات والتشكيلات السياسية أيا كان نوعها ومنهجها، وهذا يعني أن هذه الأحزاب تنزع نزعا طبيعيا إلى توليد أقلية نخبوية تعمل على مصادرة القرار السياسي، والانفراد بالسلطة، وتحول في جوهر الأمر دون تحقيق الديمقراطية الحقيقية لهذه الأحزاب.

يرى ميتشل - وهو يجاري في ذلك أستاذيه موسكو وباريتو - بأنه لا بد من وجود أقلية حاكمة وأكثريـة محكومة في المجتمعـات الإنسـانية، ولكنه يستخدم على خلافهما يستخدم مصطلح "الأوليغارشيـة" (أي الأقليـة ) (Oligarchy) بدلاً من كلمة (Elite)، وهو في معالجاته لقضية الأحزاب والحياة السياسية في المجتمع يؤكد حتمية وجود نخبة أو أقلية حاكمة في أي مجتمع، واعتبرها ضرورية من أجل الاستمرار في الوجود الاجتماعي والسياسي للأحزاب والدولة والمجتمع. فالنُّخب تمتلك مختلف القدرات والكفاءات والقدرات والمعارف الضرورية لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية وتوجيهها، وهذه القدرات التي تتمتع بها النُّخبة ضرورية للحياة الاجتماعية التي لا تتم بغيرها، ومن هنا تبرز أهمية وضرورة هذه النُّخب بالنسبة للمجتمعات والأحزاب السياسية، وهذا يعني أن النُّخبة تفرض نفسها بما تمتلكه من قدرات ضرورية للحياة السياسية والاجتماعية في المجتمع.

وقد تمخضت نظرية ميتشل عن "القانون الحديـدي للاوليغارشيـة" (The Iron of Oligarchy) الذي عرضه في كتابه الشهير " الأحزاب السياسية" وهو القانون الذي يعممه في مستوى المجتمع وفي مختلف التنظيمات الاجتماعية والسياسية الصغرى والكبرى. يرى ميتشل وفقا لهذا القانون أن التنظيمات السياسية، في رأيه، قد تنشأ نشأة ديمقراطية قائمة على المساواة، لكنها تتحول بمرور الوقت ووفقا لقانونه الحديدي إلى تنظيمات خاضعة لحكم قلة من الأفراد يتحكمون في مواردها لخدمة مصالحهم الشخصية أو الطبقية. وبحسب هذا القانون يرى ميتشل أن أي قيادة - ولو كانت ديمقراطية- لابد أن تتحول في نهاية الأمر إلى قيادة أوليغارشية تتمثل في نخبة قلة من الأفراد الذين يحكمون ويهيمنون ويوجهون السلطة إلى خدمة مآربهم الخاصة.

يرى ميتشل أن مشاركة الفرد في حكم نفسه ديمقراطيا لا يتم اليوم بواسطة الاقتراع المباشر الذي عرفته أثينا في العصر الإغريقي القديم، فالعملية الديمقراطية تتم اليوم عبر الممثلين النيابيين أو البرلمانيين، وفي أثناء الممارسة الديمقراطية للحكم تظهر أقلية نخبة في داخل المجالس البرلمانية لتنفرد بالسلطة وتمارس ضربا من الهيمنة على عموم أعضاء المجلي وهي تستمر بممارسة هذا التفرد بالسلطة تحت عنوان سلطة الشعب والديمقراطية السياسية. ولكن هذه النُّخبة تستمر أيضا في المحافظة على سلطتها وهيمنتها وإعادة إنتاج نفسها بطرق مختلفة ولاسيما طريقة التداول في السلطة. ويبدو هذا الأمر واضحا في الممارسة السياسية لبلدين مهمين في روسيا وفي تركيا اليوم، ففي روسيا تم تواتر السلطة بين بوتين دميتري ميدفيديف لمرتين أو أكثر، ففي الوقت الذي يكون أحدهما رئيسا يكون الآخر رئيسا لمجلس الوزراء. وهذه هي الحالة بين عبد الله جول وأردوغان في تركيا اليوم. وهذا يعني فعليا أن السلطة تبقى في يد نخبة مع أنها تجري وفق معايير ديمقراطية شكلية في جوهرها.

وعلى هذا الأساس ووفقا للقانون الحديد يرى ميتشل أن الديمقراطية -بالمعنى الدقيق للكلمة - "مستحيلة"، وقد استغرق ميتشل في تصوراته النخبوية هذه ليتحدث بصورة مستمرة عن "سمو النخبة" و"تفوق الصفوة"، مبرزا إذعان الجماهير وميلها إلى الاستسلام، من الناحية السيكولوجية، والسير في اتجاه معاد للديمقراطية والانتصار في النهاية للفاشية التي عرفتها كل من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية[59].

لا يقف ميتشل عند حدود وصف الظاهرة النخبوية، في المجتمع بل اجتهد في تفسير وضعيات التحول إلى النخبوية. وفي هذا المسار يبين ميتشل أن التنظيمات السياسية المعاصرة تبلغ درجة كبيرة من التعقيد وترتسم حاجاتها إلى وظائف متخصصة مثل الخطابة والتخطيط والتنظيم والقدرة على التحليل السياسي وعدد كبير من المهارات السياسية والإدارية، ويبدو أنه من الصعوبة بمكان توفر هذه الكفاءات والخبرات لدى الأعضاء العاديين، أو أفراد الشعب "في حالة الديمقراطية" وهنا تبرز هذه النُّخبة من السياسيين الذي يمتلكون القدرة على تأدية هذه الوظائف المتخصصة والمعقدة أيضا.

ومن ثم فإن النُّخبة – أي نخبة كانت -تنزع إلى التفرد بالسلطة وتسعى إلى امتلاكها ومن أجل هذه الغاية تستخدم هذه النُّخبة دهاءها السياسي من أجل الاستمرار في الحكم والسيطرة على مقاليد الحياة السياسية والاجتماعية بوسائل مختلفة ظاهرها ديمقراطي ولكنها أوليغارشية في جوهرها وبينتها. وفي هذا الصدد يرى ميتشل: "أن الناس لديهم حاجة سيكولوجية داخلية تدفعهم إلى أن يصبحوا منقادين بواسطة قائد، وهكذا نراه ينظر إلى جماهير الشعب على أنها ذرات غير منتظمة، عاجزة عن الفعل الجمعي ما لم تقدها الأقلية النشطة. وهو بذلك لا يصف جماهير الناس بالفتور واللا مبالاة فحسب، بل أيضا بالميل إلى الانضواء تحت لواء قائد قوي وتوقيره بل إضفاء القدسية عليه أحيانا"[60]. وهكذا تصبح الأوليغارشية "محصنة ومنيعة بل و"حديدية"! والتغيرات التي تحدث في القيادة عن طريق إزاحة النُّخبة أو الصفوة واستبدالها، تصبح أقل من التغيرات التي تحدث نتيجة لامتصاص أعضاء جدد في الأوليغارشية القائمة"[61].
7-3- الاتجاه الاجتماعي الاقتصادي عند ميلز:

يركز ميلز Mills C. W. في تحليله لمفهوم "النخبة" على العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وذلك على خلاف ما رأيناه عند باريتو ومسوكو، ويقرن ميلز بين بين مفهوم النُّخبة ومفهوم القوة، وهو أول من ابدع مفهوم "نخبة القوة" Power elite عام 1956 للدلالة على العلاقة الصميمية بين النُّخبة ومختلف أشكال القوة في السياسية والاقتصاد والعسكرة، فالنخبة كما يراها تعني في جوهرها "حيازة القوة"[62].

ومن هذا المنظور يرى ميلز في النُّخبة : أنها تشكيل اجتماعي من هؤلاء الذين يحتلون مواقع القوة والنفوذ في الدوائر العليا من النظم الرئيسية في المجتمع مثل: كبار قادة الجيش، وكبار رجال رأس المال، وكبار رجال السياسة والاقتصاد[63]. وهذا يعني أن ميلز يرفض الاتجاه السيكولوجي في تفسير النُّخبة، ويركز على أهمية العوامل الموضوعية والاقتصادية التي تؤثر في بناء النخب .

ويطلق ميلز على الطبقة التي تحكم تسمية " نخبة القوة " وهي التي تستحوذ على معظم ثروة ونفوذ المجتمع، وتتكون "نخبة القوة" بصورة عامة من كبار الأغنياء، وهم كبار الموظفين التنفيذيين في الشركات المتحدة، أو الشركات المندمجة وأصحاب الأسهم، وكبار المسؤولين في الحكومة الفدرالية والحكومة المحلية، وكبار رجالات الجيش على مستويات الولايات. ويلاحظ ميلز في هذا السياق أن هذه النُّخب لا تتخلى عن مراكز قوتها وتعمل على تدوير ذاتها، فهي في دينامياتها تتحرك من مركز قوة إلى آخر دون أن تفقد هيبتها وسلطتها، فهي دائمة الحركة من مراكز السياسية إلى مراكز الاقتصاد، ومن الاقتصاد إلى الحكومة، ومن الحكومة إلى المعرفة، ومن الجيش إلى الاقتصاد وهكذا دواليك.

ويرى ميلز أن النُّخب تقوم بعملية الحراك ضمن دائرة التعاون والتنسيق المستمر فيما بينها، كما تقوم ، ضمن دائرة هذا التنسيق، بعقد التحالفات ، وتشكيل التكتلات ،وبناء العلاقات الاجتماعية غير الرسمية: كالصداقة والزواج وما إليها ، ومن ثم تعمل على توظيف هذه القوى في عملية اصطفاء ذاتها وتعزيز قوتها. وفي أحد دراساته يستكشف ميلز أن من أصل ( 13) عضوا" في المجلس الرئاسي المصغر لحكومة الرئيس الأمريكيب يل كلينتون كان بينهم10 من كبار الأغنياء في أمريكا، وعند انتهاء فترة رئاسة كلينتون عاد معظم هؤلاء الرجال إلى ممارسة عملهم في مجال الاقتصاد .

ومن الواضح أن ميلز اعتمد المنهجية الأمبيريقية في دراسته للنخب في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شكلت هذه الدراسات معينه في الكشف عن الآليات والكيفيات التي تتحد فيه النُّخبة مع القوة للتحكم في اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية في المجتمع، وقد وجد عبر دراساته أن مؤسسات ثلاثة فقط هي التي تحكم أمريكا، وهي: المؤسسات العسكرية، والسياسية، والشركات الاقتصادية الكبرى، ويدلل - في دائرة التحليل السوسيولوجي الذي أجراه - أن النُّخبة تتشكل من أولئك الذين يشغلون مواقع القوة لقيادة المجتمع وتوجيهه.

ويقدم ميلز لنا تحليلا سوسيولوجيا معمقا عن الكيفية التي تتداخل فيها مصالح الأفراد على نحو متكامل في دائرة النُّخبة التي ينتسبون إليها ويشكلون عناصر وجودها. فالنخبة وفقا لميلز تشكل مركباً معقداً من العلاقات والمصالح الاقتصادية والاجتماعية المعقدة وتشكل هذه النُّخبة في جوهرها قوة تتفرد بالسلطة وتحتكر عناصر القوة وتمنعهـا عن الآخرين[64].
8- خصائص النخبة:

تتحدد كل نخبة بسمات تميّزها عن غيرها، فأعضاء النُّخبة يمتلكون خصائص وسمات فكرية وعقلية ومهارات تؤهلهم لدورهم النخبوي في المجتمع. وتختلف السمات المطلوبة لارتقاء الأفراد إلى مستوى النُّخب بين مجتمع وآخر عبر التطور التاريخي. ففي بعض المجتمعات القديمة كان عنصر القوة الجسدية والشجاعة والقدرة على امتلاك فنون القتال والحرب هي السمات التي كانت تتميز بها الخاصة والنخب. ومن الطبيعي أن نجد الكهنة ورجال الدين الذين احتلوا دائما مكان الحظوة والاهتمام في هذه المجتمعات نظرا لقدرتهم المزعومة على مواجهة الأرواح الشريرة والتواصل مع الآلهة. ففي القبائل العربية القديمة كانت النُّخبة تتكون من الشعراء والفرسان ولك قبيلة شاعرها وفارسها. ومن الطبيعي أن يتميز رجال النُّخبة بسمات جسدية كالشجاعة والقوة أو بخصائص معرفية مثل الكهانة والعرافة والقيافة، وفي المجتمعات الحديثة ومع تطور أوجه الحياة فيها ظهرت السمات والخصائص المعرفية والعلمية والثقافية والإدارية.

ولاحقا بدأت تظهر أهمية المعرفة والذكاء والقدرات النفسية والإمكانيات الاقتصادية كالثراء والغنى وغير ذلك من السمات والخصائص التي تجعل الفرد قادرا على تسنم مواقع نخبوية في المجتمع.

ويمكن القول بأن النُّخبة - وفقا لهذا التصور - مجموعات من الأفراد الذين يتميزون بقدراتهم العلمية وتميزهم الثقافي، أو بما يمتلكون عليه من ثراء اقتصادي وثروات طائلة، أو خبرات إدارية، أو مرتبة دينية، وقد تمتلك هذه المجموعة بعض هذه السمات أو كلها في وقت واحد.

وهناك بعض الباحثين الذين يركزون على مجموعة من الاعتبارات العقلية السيكولوجية مثل الذكاء والدهاء والإبداع والإرادة والطموح والاجتهاد والإمكانيات المالية أو القيمة الأخلاقية أو السمعة الطيبة أو الشهرة أو الخبرات الوظيفية في مختلف الميادين وهذه السمات والخصائص النفسية والاجتماعية تمكن أصحابها من التأثير على الآخرين والهيمنة عليهم. وهذا كله يعني أن النُّخب تمتلك ثراء فكريا وأخلاقيا وإنسانيا واجتماعيا يمكنها من أن تمارس دورها الفعال في الحياة الاجتماعية للمجتمع ومن هنا وصفت غالبا بأن النُّخب تشكل روح الأمة وقوتها الأخلاقية والإنسانية.

9- من النُّخبة إلى النُّخب

ركز الرواد الأوائل مثل موسكا وباريتو و ميتشل على مفهوم النُّخبة الواحدة التي تأخذ مكانها في قمة البناء الاجتماعي، والتي تلعب دورا استراتيجيا في الحياة السياسية والفكرية. ولكن التطورات الحادثة في علم الاجتماع السياسي أكدت على وجود أنساق متعددة من النُّخب في كل حقل من حقول الحياة الاجتماعية في مجال السياسة والثقافة والفكر والاقتصاد والتقانة، ووفقا لهذه الرؤية يجري الحديث غالبا عن عدة نخب مثل: النُّخبة السياسية، والنخبة الدينية، والنخبة الاجتماعية، والنخبة الثقافية.

لقد أكد كل من سان سيمون وكارل مانهايم وريمون آرون ورايت ميلز على وجود أشكال متعددة من النُّخب، وبيّنو أن هذه النُّخب تعمل بشكل مشترك، وضمن تصور متجانس على توجيه الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع[65]. وفي عمق هذا المسار يرى المفكر الفرنسي ريمون آرون في كتابه المعروف " مراحل التفكير السوسيولوجي " ضرورة وجود مجموعة من النُّخب في كل مجتمع وليس فقط نخبة واحدة، ويرى " أن وجود نخبة واحدة موحّدة يعني نهاية الحرية، ووجود نخب متعددة متنوعة مشتتة يعني نهاية الدولة" [66].

ومثل هذا التأكيد على تعددية النُّخب نجده لدى عالم الاجتماع روبرت دال R.Dahl الذي رفض فكرة النُّخبة الواحدة، ورفض أيضا المعادلة الصفرية التي يقوم عليها مفهوم النُّخبة الواحدة ومفادها: أن القوة تتوزع في المجتمع توزعاً صفرياً ، حيث تمتلك نخبة واحدة كل القوة في المجتمع في الوقت الذي لا تملك فيه بقيته أيا منها. وعلى خلاف هذه الرؤية التي يرفضها يبيّن "روبرت دال" أن المجتمعات الإنسانية تولّد منظومة متعددة من النُّخب التي تناسب مختلف مستويات التطور الاجتماعي الحادثة فيه [67]. ومن هذا المنطلق دأب دال على استخدام مفهوم " النُّخب المتعددة" Plural Elite التي تتوزع أفقيا في وتتعدد بتعدد مجالات الحياة، كما تتعدد مصادر التأثير فيها. وفي ضوء هذه الرؤية لا يمكن الحديث عن نخبة تستحوذ على السلطة بكاملها في المجتمع، فثمّة نخب عديدة يمارس كل منها تأثيره في نطاق محدد[68].

وقد اتضح مفهوم تعدد النُّخب وتبلور في دراسة سوزان كيلر Killer المنشورة عام 1963 والتى افترضت فيها وجود نخب استراتيجية strategic elites في ميادين الحياة المختلفة (في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع المدني). ولكل واحدة من هذه النُّخب وظيفة في ميدان وجودها. وضمن هذه الرؤية اصبح الحديث ممكنا عن نخب ثقافية واجتماعية وسياسية تعمل في نطاق المجتمع المدنى وفى الميدان الثقافى دون أن تصل بالضرورة إلى سدة الحكم. لقد بينت سوزان كيلر في دراستها هذه أن وجود نخب في كل حقل من حقول المجتمع في مجالات الثقافة وحقوق الإنسان والاقتصاد والإعلام والتعيلم، وبينت في الوقت ذاته أن جهود هذه النخب تتكامل سياسيا لتوجيه المجتمع، وتدبير مختلف أوجه النشاط القائمة فيه نحو غاياتها المرسومة[69].

وتحت تأثير هذه التصورات الجديدة حول تعددية النُّخب عمل عالم الاجتماع البريطانى الماركسي رالف ميلياند Miliband على تطوير الرؤية الماركسية في مجال العلاقة بين النُّخبة والطبقة، وضمن هذه الرؤية الجديدة، يرى ميلياند أن الطبقة الحاكمة تتكون من مجموعة من النُّخب الثقافية والاقتصادية والفكرية، وأوضح أن هذه النُّخب تتكامل في عملية إدارة الدولة وتوجيهها. وقد أعطى ميلياند للنخبة السياسية دورا أكثر أهمية من حيث قدرتها على توجه الحياة السياسية للمجتمع برمتها،وأطلق على هذه النُّخبة "نخبة الدولة" state elite وهى تتكون بدورها من نخب فرعية تعكس المؤسسات الرئيسية للدولـة: الحكومة والإدارة والجيش والبوليس والمؤسسات القضائية والحكومات المحلية والهيئات البرلمانية[70].

ويعد بوتومور T.B Bottomore صاحب كتاب " الصفوة والمجتمع"[71] من أبرز المفكرين الذين تحدثوا عن تعدد النُّخب في المجتمع الأمريكي، ويؤكد في هذا المسار أهمية ثلاثة أنماط من النُّخب، ويعزو إليها الدور الحيوي في لإدارة المجتمع وتوجيهه حيث يقول: "من بين الفئات الإجتماعية التي ارتفعت إلـى مراتب الأهمية في التغيرات الإجتماعية والسياسية الهائلة في القرن العشـرين ثلاثة نخب: المفكرون، مديرو الصناعات، وكبـار المـوظفين الحكـوميين"[72].

ويمكن الاستنتاج منطقيا أن النُّخب تتوزع الى عدة أنواع، أهمها: النُّخب الدينية، النُّخب العسكرية، النُّخب الإعلامية والإقتصادية، النُّخب المالية، والعائلية… وهي تختلف بقوتها، وقدرة تأثيرها، ومكانتها الاجتماعية حسب الأنظمة السياسية وأشكالها ومدى تطورها، في علاقة جدلية بين النُّخب وشكل الانظمة القائمة [73].
10-نماذج نخبوية :

في كل ميدان اجتماعي أو قطاع انتاجي في المجتمع تنهض نخبة تعبر عنه وترسم حركته وتحدد مساره. وتشكل هذه النخب مجتمعة ما يمكن أن نسميه مجتمع النخبة حيث تتضافر جهود هذه النخب في تحقيق التوازن الاجتماعي والحضاري في المجتمع وتعمل على تجديد حركته ونشاطه في أفضل الأحوال. ولا يمكن لدراسة واحدة أن تشمل مجتمع النخبة بمختلف تجلياته . ولكننا في هذه الدراسة سنعمل على تقديم ثلاثة نماذج لثلاثة أنواع من النخب ذات الأهمية الكبرى في توجيهه ولاسيما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية . وسنعمل على تقديم إضاءات سريعة لثلاثة أنماط من النُّخب،هي : النخية السياسية، والنخبة الثقافية، والنخبة الدينية.
10-1- النخبة السياسية ( Les élites politique):

يشكل موضوع النُّخبة السياسية واحدا من أكثر موضوعات علم الاجتماع السياسي المعاصر أهمية وحضورا، وذلك لأن هذه النُّخبة غالبا ما تكون أقلية حاكمة،تحتكر مواقع النفوذ وتهيمن على أهم المناصب السياسية ومراكز القوة والإدارة في المجتمع، وبعبارة بسيطة: النُّخبة السياسية تتمثل في الجماعة التي تسيطر على مقاليد الحكم.

ومن الواضح أن مفهوم النخبة السياسية يعبر عن تمركز السلطة والقوة والنفوذ داخل المجتمع بيد مجموعة من السياسيين الذين يحمكون المجتمع ويوجهون حركته السياسية [74]، وذلك هو التعريف الذي ورده جينكن ميتشل في قاموس علم الاجتماع معرفا إياها بأنها " جماعة من الأشخاص يتم الاعتراف بعظمة تأثيرها وسيطرتها في شؤون المجتمع حيث تؤلف فيه هذه الجماعة أقلية حاكمة يمكن تمييزها عن الطبقة المحكومة وفقاً لمعيار القوة والسلطة والنفوذ والتأثير في المجتمع (...) وذلك لما تمتلكه هذه الأقلية من مميزات القوة والخبرة في ممارسة السلطة والتنظيم داخل المجتمع الأمر الذي يؤهلها لقيادته ([75]) .

وتشكل النُّخبة السياسية النواة الأساسية لمختلف التجليات النخبوية في المجتمعات الإنسانية، وتأخذ مكانة الدور المركزي والحيوي في توجيه الحياة الاجتماعية وإدارتها. وضمن هذا التصور يرى كثير من المفكرين منذ أفلاطون حتى اليوم أن الحكام يشكلون العقل المدبر لمختلف مظاهر الحياة الاجتماعية.

وتختلف وضعية النُّخبة السياسية بين مجتمع وآخر، وبين مرحلة تاريخية وأخرى، فالنُّخب السياسية في المجتمعات القديمة كانت مطلقة النفوذ وعلاقتها ب النُّخب الأخرى هي علاقة هيمنة وتبعية،وأحيانا قليلة تأخذ علاقة مشاركة في السلطة والحكم. ومن الطبيعي أيضا أن تتغاير التعرفات المتعلقة بالنسبة السياسية وفقا لعدد كبير من المتغيرات الاجتماعية والتاريخية. فعلى سبيل المثال يقصربنتام Puntam مفهوم النُّخبة فقط على "أولئك الذين لهم سلطة أكبر على الآخرين"، فالنخبة السياسية في هذا المقام تقتصر فقط على البرلمانيين، الوزراء ورؤساء الدولة بالإضافة إلى كبار الموظفين[76].

وهناك من الباحثين من يميز اليوم بين مفهوم ''النُّخبة السياسية'' وبين ومفهوم ''الطبقة السياسية''. ويرون أن النخبة السياسية تضم: أعضاء الحكومة، وأعضاء الإدارة العليا، والقادة العسكريين، وفي بعض الحالات الأُسر ذات النفوذ السياسي؛ من أرستقراطية أو من البيت المالك، وقادة المؤسسات الاقتصادية القوية. أما الثانية أي الطبقة السياسية فتضم: النُّخبة السياسية، لكنها تضم أيضاً النخبات المضادَّة المؤلفة من قادة أحزاب سياسية ليست في الحكم، وممثلي مصالح أو طبقات اجتماعية جديدة، كالنقابات مثلاً، وفئات من رجال الأعمال، ورجال الفكر ممن هم فاعلون في الحقل السياسي.

وفي هذا الصدد، يرى بوتمور: أن النُّخبة السياسية هي تلك المجموعة التي تضم أفرادا يمارسون السلطة السياسية داخل المجتمع خلال فترة زمنية محددة. وضمن هذا الإطار تضم هذه النخبة أعضاء الحكومة، ووكبار الموظفون الإداريين والقادة العسكريون والمستثمرون الاقتصاديون الكبار وبعض العائلات النافذة سياسيا[77].

ويشمل مفهوم النُّخبة السياسية عند موسكا وباريتو مجموعة من الناس تمارس السلطة السياسية مباشرة؛ وتكون في وضع تؤثر فيه بشدة في عملية ممارسة هذه السلطة[78]. وذهب عدد كبير من الباحثين إلى أن النُّخبة السياسية تشكل فئة اجتماعية متقاربة، رغم بعض اختلافاتها الإيديولوجية والسياسية، كما أكدوا أيضا أنها تأتي عبر سبل مختلفة ومتعددة؛ تتأرجح بين بالوراثة والقوة والتعيين والتزكية تارة وبين الانتخاب تارة أخرى[79].

ويكمن الفرق الأساسي بين النُّخبة السياسية وباقي النُّخب في كون الأولى تتمتع بالصلاحيات التي تمكّنها من تحديد مسار توجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية غالبا، مما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها كبيرا جدا؛أما النُّخب الأخرى؛ فإنها تمارس نفوذها وسلطتها ضمن مجالاتها الخاصة، دون أن تكون قادرة على التأثير مباشرة في التوجهات السياسية للمجتمع بشكل مباشر[80]. ومن هذا المنطلق تأخذ النُّخبة السياسية مركزا متميزا بين النُّخب الأخرى، باعتبارها تملك القوة والقدرة داخل النظام السياسي للدولة، وتسهم بشكل محوري في صناعة القرارات[81].

وهناك بعض الباحثين الذين يحددون النُّخبة بأشخاص سياسية كبيرة مثل رؤساء الجمهوريات، ورؤساء الوزارات، والأحزاب والمجالس البرلمانية، ويرون أن هذه النُّخبة تستطيع أن تحدث الإصلاحات والتغير داخل المجتمع والدولة، ذلك أن استمرارية الديموقراطية على امتداد فترات زمنية طويلة يتطلب العديد من التغييرات والتعديلات، تستطيع النُّخبة من خلالها – النُّخبة التي تقدر الديموقراطية وتستجيب للاهتمامات المختلفة وتعمل على دمجها – أن تقوم باستمرار بإصلاح الديموقراطية وإعادة تشكيلها[82].

من خلال المعطيات السابقة يمكن القول: إن النُّخبة السياسية هي أقلية داخل المجتمع، تتوفر على خصائص وقدرات ذاتية وإمكانيات أخرى موضوعية؛ تمكنها من قيادة المجتمع والتأثير في مساره من خلال قدرتها على صناعة القرارات السياسية[83]. ومن المفروض أن تحتل النُّخبة السياسية - باعتبارها الفئة التي تستأثر باتخاذ القرارات الأساسية في الدولة أو تؤثر فيها- مكانة متميزة داخل المجتمعات باعتبارها القاطرة التي ينبغي أن تقود حركة التطور والتنمية، غير أن نجاح هذا الدور الحيوي والهام يظل مرتبطا بمدى قوتها ومصداقيتها وتجددها.
10 -2- النُّخبة الدينية:

تتشكل النُّخب الدينية غالبا من العاملين في الحقل الديني في مجال التشريع والخطابة والإمامة والتفسير والفقه والعلوم الدينية، أي: العلماء والمراجع الدينية، وأرباب المساجد، ووعاظ الكنائس والمعابد، والعاملون في مجال المقدس انتاجا لرموزه وتأصيلا لحركته الروحية في نفوس البشر.
وتعرف النُّخبة الدينية بأنها " فئة تتمتع بقسط متميز من المعرفة الدينية، تؤهلها للقيام بعدد كبير من الوظائف الدينية كالإفتاء والقضاء والتعليم، ولها سلطتها العلمية والدينية ولها نفوذها على باقي الفئات الأخرى كما لها مصالحها المشتركة وأدوارها[84].

ويرى "جورج ليند برج" أن رجال الدين في كل الديانات يمثلون طبقة اجتماعية كاملة، وأهم وظائفها تربية الشباب وتوجيههم وتعليمهم، والحرص على المحافظة على تقاليد المجتمع، والإشراف على ممارستها، وتدعيم القيم والأعراف[85]. ومن المعايير التي تُعتمد في تعريف النخبة الدينية درجة التعليم والتحصيل العلمي المعرفي لهذه، إضافة إلى الفعاليات الدينية والممارسات الوظيفية الدينية التي تقوم بها هذه النُّخب الدينية[86].

فالمقدس نسق رمزي – ممثلا بنخبته الدينية- يعبر عن علاقة الإنسان بالقوى الروحية المتعالية التي تضفي على حياة الإنسان معنى ودلالة وأهمية، وفي القطب الآخر فإن السياسة – ممثلة بنخبتها الزمنية – تشكل نسقا من علاقات القوة التي تضع الإنسان في مسار المزامنة التاريخية الملموسة للوجود الإنساني. وفي دائرة هذه العلاقة الجدلية بين المقدس الديني والسياسي الزمني، تنتظم الحياة الإنسانية وترتسم جدليتها التاريخية في دورة من الوحدة والانفصام في توجيه الحياة السياسية للمجتمعات الإنسانية.
ولطالما كانت النُّخبة الدينية شديدة الصلة جدليا بالنخبة السياسية تاريخيا. وقد لعب المقدس الديني دائما دورا استراتيجيا في تعزيز الأنظمة السياسية وتبرير وجودها تاريخيا وانتاجها في كثير من الأحيان، إذ لا يمكن لنا أن نتصور سلطة زمنية مفارقة لسلطة روحية ذات طابع قدسي، وقلما نجد في التاريخ سلطة زمنية مستقلة بدورها عن المقدس الديني. وعلى الأغلب فإن السلطة الدينية كانت تلعب تاريخيا دور الشريك الاستراتيجي للسلطة السياسية في الحكم والامتيازات، وكانت هذه المشاركة تأخذ دورا ملموسا أو رمزيا في أغلب الحيان. ومن يتأمل في التاريخ الإنساني سيجد دائما عمق العلاقة بين طبقة الكهنوت و النُّخب السياسية. وهذه العلاقة تحكمها دائما الضرورة التاريخي للمقدس في الممارسة السياسية للسلطة والحكم. ويعلمنا التاريخ أن المقدس كان في كثير من الحالات ينتج ما هو زمني في الحياة السياسية، وما السياسي في جوهره إلا تعبير عن تجسد المقدس في تعينات زمنية سياسية تفقد صلتها مع الروحي والديني مع دورة الزمن.
فالتداخُل والتشاكل بين الديني والسياسي صبغ تجربة البشرية السياسية منذ القدم، وقد أكد جورج بالاندييه على هذا التداخل الوجودي في أبحاثه حول العلاقة بين الدين والسلطة، وبيّن أن المقدّس كان حاضرا دائما في صلب السلطة ومتأصلا في جوهرها ومتماهيا في ممارساتها، وهذا المقدس نفسه كان جوهريا في تأكيد وحدة المجتمع وديمومته وهويته الواحدة.

وفي عمق الجدل الدائر بين الديني والسياسي لم يقتصر المقدس دائما على وظيفة الدوران في فلك السياسي وتبرير ممارساته بل كان في كثير من الأحيان يلعب دورا حيويا في لجمه والحدّ من غلوائه وتجاوزاته، وكان المقدس دائما يمتلك استراتيجيته الخاصة للحدّ من غلواء السلطة ومجازفاتها، وضمن هذه الرؤية كان الدين يمتلك في كثير من الأحيان وسائله المقدّسّة لكبح تجاوزات السلطة السياسية وإنتاج التجديد الديني أو المعارضة[87]. ومن الطبيعي أن جدل التماهي والتناقض بين السياسي والديني كان مرهونا بعوامل تاريخية ومجتمعية متعددة. ففي كثير من مراحل التاريخ كان المقدس يختطف السياسي ويضعه ضمن دورته وفي مدار جاذبيته المطلقة، كما كان هو الحال في العصور الوسطى الغربية حيث كان للمقدس الديني دور الهيمنة المطلقة على السياسي، وذلك في زمن كان الأساقفة يخلعون تيجان الملوك وينصبونهم على عروشهم.
وهناك في الثقافة العربية نماذج للتماهي بين أهل السياسة وبين أهل القداسة، إذا كان الحاكم دائما يبحث عن علاقة جوهرية مع المقدس يضفيها على سلطته ليزداد قوة ومنعة. وقد بدأ الحكام منذ العهد الأموي يستميلون رجال الدين ليضعوهم في خدمة أغراضهم السياسية عبر تزييف الدلالات واستنباط الأحكام الديني لتبرير الفتاوى السلطانية، وابتداع الأحاديث التي تخدم هيمنة الحاكم وسلطته المطلقة. وقد وجد الحكام في رجال الدين دعاتهم المفضلين لتأكيد وجوب إطاعة ولي الأمر حتى لو كان ظالما لأنه خليفة رسول الله وأمير المؤمنين[88]. وظل العلماء ينافحون عن الحكام، بل ظهر فكر جديد منذ القدم، تولته السلطة السياسية الأموية، وهي كما يقول الذهبي، أن أهل الشام كانوا يظنون بأن الحكام والولاة معصومون، وقام غيرهم يدعي بأن الحكام يغفر الله لهم ما لايغفره لغيرهم[89].
ومن الواضح أن رجال السياسة استطاعوا تسييس الدين ورجالاته لمصالحهم في أكثر مراحل التاريخ. وغالبا ما يشار إلى رجال الدين، الذين ينافحون عن السلطان، بأنهم فقهاء السلطان. وكثير ما يُوضع هؤلاء الفقهاء في قفص الاتهام من قبل المفكرين ويُتهمون بالفساد، وتحضرنا في هذا المقالم مقولة طريفة لأحد الأمة يقول فيها: "اذا التقيت بمعمم فاسد، لا تقل: هذا المعمم فاسد، بل قل: هذا الفاسد تعمم، وهذا يعني الدين لا يصاب بالفساد بل هو حامله الذي يعتريه الفساد".

ومن الواضح أن الغرب استطاع في نهاية الأمر أن يفصل بين الدين والسياسة وتراجع دور النُّخبة من رجال الدين في القرن الثامن عشر حيث انتصرت السلطة الزمنية وأزاحت المقدس عن مركزية السلطة.

10-3- النُّخبة الثقافية:

عندما نأخذ بمفهوم فيلفريدو باريتو للنخبة، بوصفهم الأفراد الأكثر تميزا وحضورا وتأثيرا في في مجال اختصاصتهم، عندها نستطيع أن نبني على هذه الرؤية لتحديد مفهوم النخبةالثقافية. وضمن هذا التصور بمكن القول بأن مفهوم النُّخب الثقافية يدل في أبسط تعريفاته على هؤلاء الذين يمارسون تأثيرا أكبر في مجال الانتاج الثقافي والرمزي في مجتمعاتهم وحقول تخصصاتهم الفكرية، ولاسيما الكتاب والمنظرون والأدباء والشعراء والمفكرون والمنظرون والإعلاميون. ويتميز هؤلاء بطاقتهم الانتاجية في مجال الفكر والثقافة كما يتميزون بتأثيرهم الكبير في الروح المعنوية والثقافية لشعوبهم. وغالبا ما يميز الباحثون بين النخبة الثقافية والمثقفين، فالمثقفون يشكلون طبقة واسعة من العاملين في حقل الثقافة ولكن النخبة منهم ترمز إلى أكثرهم تميّزا وتأثيرا وحضورا في الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع. وهذا يعني أن النخبة الثقافية تتشكل من كبار الأدباء والكتاب والمؤرخين والشعراء والفنانين الذي يلعبوم دورا مميزا وحيويا في مجال اختصاصاتهم الفكرية والمعرفية.
وللتعبير عن النخبة الثقافية استخدم المفكرون عادة عددا من المصطلحات أبرزها: مصطلح "الأنتلجنسيا" بصبغته الماركسية، ومصطلح " المثقف العضوي" وفقا لنظرية غرامشي، ومصطلح "المفكر الرسولي" صاحب الرسالة وفقا لمصطلح إدوارد سعيد، ومصطلح "المفكر النقدي" وفقا لمنظور نيتشة وسارتر. ومن هذه الزاوية ينظر جوليان بندا إلى النخبة من المثقفين "باعتبارهم نخبة ضئيلة من الملوك الفلاسفة من ذوي المواهب الفائقة والأخلاق الرفيعة الذين يشكلون ضمير البشرية (...) إن المثقفين الحقيقيين يشكلون طبقة العلماء والمتعلمين بالغي الندرة لأن ما ينادون به هو المعايير الخالدة للحق والعدل"[90]. والمثقفون الحقيقيون، كما يقول بيندا، هم الذين يجدون متعتهم في ممارسة الفن أو العلم أو التأمل الميتافيزيقي، وليس في السعي وراء الغايات المادية العملية. وهذا الأمر لا يعني بالضرورة أن هؤلاء المثقفين منعزلون عن العالم في أبراج عاجية؛ فالمثقف لا يكون مثقفًا حقيقيًا إلا حين يعارض الفساد ويدافع عن المستضعفين ويقف في وجه السلطة القامعة والفاسدة، وفي هذا الجانب الأخلاقي من الثقافة يقول جوليان بندا عن المثقفين الحقيقيين بأنهم "أقرب ما يكونون إلى الصدق مع أنفسهم حين تدفعهم المشاعر الميتافيزيقية الجياشة والمبادئ السامية، أي مبادئ العدل والحق، إلى فضح الفساد والدفاع عن الضعفاء وتحدي السلطة المعيبة الغاشمة"[91]. وهذا الأمر عينه الذي يعلنه تشومسكي عندما يقول: "إن من مسؤولية المثقفين أن يقولوا الحقيقة ويفضحوا أكاذيب وأن المثقف هو من يحمل الحقيقة في وجه القوة".
وكما أوضحنا في مختلف تعريفات النُّخب فإن الذين يشكلون نخبة ما غالبا ما يكونون الأفضل بين أقرانهم والأكثر تأثيرا في مجال اختصاصهم، ومن هذا المنطلق فإن نخبة المثقفين تتمثل في أكثرهم انتاجا وفعلا وتأثيرا وحضورا وممارسة وإبداعا في مجال الفكر والثقافة والإبداع الثقافي. وهذا يشمل مختلف القطاعات الثقافية في الأدب والشعر والفن والموسيقى والرسم والنحت والتصوير وفي شتى العلوم الإنسانية.
يعرف طارق مخنان النخبة المثقفة بقوله: "هي مجموعة من الأشخاص المتجانسين، يمتلكون رصيدا معرفيا ولهم تكوين عالي، ويتمتعون بسلطة رمزية تخولهم التفكير في قضايا المجتمع، كماأن مفردة النخبة تحيل إلى نوع من الانتخاب الاجتماعي بمجرد امتلاكه كفاءات نظرية وفكرية في المعارف والعلوم والتقنيات،ومفردة الثقافةتشمل قطاعات واسعة الأدب والفلسفة والعلوم الاجتماعية وحتى التقنية والبحثية، فالمثقف هو من يتعدى حدود اختصاصه للتكلم في قضايا تشمله كعضو في مجتمع يرتبط مصيريا بالانتماء إليه "[92].

ويعرف الجابري نخبة المثقفين بأنهم يشكلون الفئة الواعية التي أكتسبت، بحكم ثقافتها، موضوعية التفكير ووضوح الرؤية، والقدرة على التحليل والمحاكمة المنطقية، مما يجعلهم في حصن من أن تنطلي عليهم أساليب البرجوازية ومن أن يخيفهم تحكم المتسلطين، إن المثقفين هؤلاء، هم وحدهم القادرون على تصحيح تلك الصورة في الوعي الجماهيري، ورسم الطريق الصحيح لتحقيقها في حيز الواقع الملموس[93].

ويشمل تعريف النُّخب الثقافية هؤلاء الأكثر تأثيرا في مجال الانتاج الثقافي والرمزي في المجتمع، ولاسيما الكتاب والمنظرون وأساتذة الجامعات والأدباء والشعراء والمفكرون والمنظرون والإعلاميون. ويتميز هؤلاء بطاقتهم الانتاجية في مجال الفكر والثقافة كما يتميزون بتأثيرهم الكبير في الروح المعنوية والثقافية لشعوبهم. وغالبا ما يميز الباحثون بين النخبة الثقافية والمثقفين، فالمثقفون يشكلون طبقة واسعة من العاملين في حقل الثقافة ولكن النخبة منهم ترمز إلى أكثرهم تميّزا وتأثيرا وحضورا في الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع. وهذا يعني أن النخبة الثقافية تتشكل من كبار الأدباء والكتاب والمؤرخين والشعراء والفنانين الذي يلعبوم دورا مميزا وحيويا في مجال اختصاصاتهم الفكرية والمعرفية.

وجلّ ما نعنيه بالنخبة يتمثل في طبقة "المثقفين المحترفين" حسب تعبير كارل مانهايم، أي: هؤلاء الذين يكرسون كل وقتهم لمهنة الكتابة والتأليف والانتاج المعرفي. وللتعبير عن النخبة الثقافية غالبا ما يستخدم المفكرون عددا من المصطلحات أبرزها مصطلح "الأنتلجنسيا" بصبغته الماركسية، ومصطلح "المفكر العضوي" وفقا لنظرية غرامشي، ومصطلح "المفكر الرسولي" أي صاحب الرسالة وفقا إدوارد سعيد، ومصطلح "المفكر النقدي" وفقا لمنظور نيتشة وسارتر.
11- خاتمة:
ويبقى مفهوم "النخبة" واحدا من المفاهيم الدينامية التي تتميز بطابع الانفتاح الشامل والدائم على مختلف المحاولات العلمية التي كرست وتكرس لرصده. ومثل هذا المفهوم يأخذ مكانه في دائرة التحولات الاجتماعية والسياسية فمفهوم النخبة يعبر عن واقع سياسي شديد التغير وبالتالي فإن عملية ضبط المفهوم تحتاج إلى يقظة علمية مستمرة ودائمة للكشف عن معطياته ومستجداته.
لقد حاولنا عبر هذه الدراسة أن نكشف اللثام عن ابعد مفهوم النخبة بمفرده وجمعة وقدمنا رؤية لهذا المفهوم عبر التاريخ الإنساني، وقد رسمنا حدود وابعاد التعريفات اللغوية للمفهوم. ومن ثم عملنا على استجلاء أهم النظريات الفكرية الكبرى في هذا المجال عند ماركس وباريتو وميلز وسان سيمون وغيرهم من المنظرين. وقد حرصنا في هذه المقالة على تقديم رؤية مقارنة بين منظري النخبة فتم لنا الكشف عن أوجه التباين والاتفاق بين رؤاهم الفكرية ونظرياتهم النخبوية. وفي ظل هذه المقاربة توخينا أن نقدم رؤية بنائية لمفهوم النخبة منطلقين من الاعتبارات التاريخية السياسية والاجتماعية لولادة المفهوم وتطوره ونمائه في ظل الحياة السياسية للمجتمعات الإنسانية القديمة والمعاصرة. وقد توخينا أن نبرز أهمية العوامل الاجتماعية والسيكولوجية ضمن دائرة التفاعل والتكامل في مفهوم النخبة.

ومن منطلق النظريات حول مفهوم النخبة التي أوردناها، استطعنا أن نسقط دلالات هذا المفهوم على ثلاثة نماذج للنخب في مجالات الثقافة والسياسة والدين وهي النخب الأكثر أهمية ربما في توجيه الحياة السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية المعاصرة.
وبالعودة إلى الأسئلة التي طرحناها في إشكالية الدراسة حول مفهوم النخب وماهيته ونظرياته وتجلياته السياسية والثقافية نرى بأن الدراسة استطاعت أن تقدم الإجابات المناسبة عن هذه الأسئلة الحيوية التي تشكل محور هذا العمل وإطاره العام. وفي النهاية نتمنى أن تكون هذه الدراسة قد ألقت الضوء على مفهوم النخبة بصورة علمية بنائية وافية، ونأمل أن يجد فيها الباحث العربي منطلقا لفهم الدور التاريخي والمجتمعي الذي تمارسه النخب في مجال الحياة السياسية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.


[1]- ابن منظور ، لسان العرب، ج4، دار المعارف، القـاهرة، ص. 2468.
[2]- بن منظور، لسان العرب، م1 المجلد الأول، دار صادر، بيروت، 1955، ص ص، 751 ، 752 .
[3]- أحمد زكي بدوي، معجم المصطلحات السياسية والدولية، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1989، ص ص، 53 ، 52.
[4]- الأفوه الأودي شاعر جاهلي عُرف بالحكمة والقول السديد.. اسمه صلاةُ بن عمرو بن مالك.. والأفوه من كبار قدماء الشعراء في العهد الجاهلي، وكان سيد قومه… يعملون برأيه ولا يخرجون عن مشورته وهو أحد حكماء العرب المعدودين.
[5]- محمود محمد الناكوع: أزمة النُّخبة في الوطن العربي، الطبعة الأولى 1989، ص 15 .
[6]- The Oxford English Dictionary, Vol.111, Great Britain, Oxford University Press, 1969. P: 90.
[7] - Akoun André et autres. Le Robert, seuil, dictionnaire de sociologie, France, Editions: les presses de Mama, Octobre1999, p 175.
[8] - بوتومور، الصفوة والمجتمع: دراسة في علم الاجتماع السياسي، ترجمة محمد جوهري وعلياء شكري ومحمد علي محمد والسيد محمد الحسيني، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988، ص 25.
[9] - بوتومور، الصفوة والمجتمع: دراسة في علم الاجتماع السياسي، المرجع السابق، ص 25.
[10]- شاكر النابلسي، السياسة بين الجماهير "الدهماء" والنخبة!، الوطن، 8/11/2013:
[11]- عبد علي السعيدي، صناعة الجهل المقدس وأوهام النخبة، الراصد التنويري، 22 مارس 2014.
[12]- حامد رويد، تاريخ بلاد النهرين، وبذور الديمقراطية الأولى!، ميزوبوتاميا بلاد النهرين، دورية موسوعية تعني بإحياء الهوية الوطنية تصدر عن مركز دراسات الأمة العراقية:
[13]- حامد رويد، تاريخ بلاد النهرين، وبذور الديمقراطية الأولى، المرجع السابق.
[14]- أحمد عزت، الثورة الفرنسية العظمى ملحمة قلبت وجه التاريخ: (الجزء الأول)، مركز الدراسات الاشتراكية، نوفمبر، 2009.
[15]- عبد الله عبد الدايم، التربية عبر التاريخ، دار العلم للملايين، بيروت، 1984، ص 47.
[16]- سامي محمد نصار، وجمان عبد المنعم أحمد، مدخل إلى تطور الفكر التربوي، ذات السلاسل، الكويت، 2000، ص 28، 29.
[17]- لطفي عبد الوهاب يحي، اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1991، ص 139.
[18]- محمد نبيل الشيمي، النُّخبة في العالم العربي دراسة وصفية نقدية ..محمد نبيل الشيمي، ديوان اصدقاء المغرب، 8‏/9‏/2010
[19]- سليمان أبو خضر، طبقات المجتمع الإسلامي: موقع شخصي.
[20]- سليمان أبو خضر، طبقات المجتمع الإسلامي:، المرجع السابق.
[21]- ابراهيم العريس، «أمثولة سان سيمون»: بناء المستقبل مشروط بازدهار الفنون والحرف، الحياة – 17 آذار -
[22]- إبراهيم خليل أبراش، علم الاجتماع السياسي، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، الأربعاء، 16 مايو، 2012:
[23]- إبراهيم خليل أبراش، علم الاجتماع السياسي،، المرجع السابق.
[24]- GaetanoMosca، The Ruling Class (Elementi di Scienza Politica).Translated by Hannah D. Kahn. (New York: McGraw-Hill Book Company. 1939.
[25]- فيلسوف وعالم اقتصاد ألماني- إيطالي. ولد في مدينة " كولون Cologne" في شمال غرب ألمانيا على نهر الرين، وقضى معظم حياته في إيطاليا، تعلم في جامعة تورين Turin في شمال غرب إيطاليا، ثم أصبح معلما طوال حياته بالجامعات الإيطالية.
[26]- Robert Michels، Political Parties: A sociological Study of the oligarchical tendencies of modern democracy، Translated by Eden and Cedar Paul, Batoche Books، Kitchene, Ontario Canada، 2001.
[27] - Mills C. Right, 1969 [1956], L'élite du pouvoir، Paris, Maspero.
[28]- مولود سعادة، النُّخبة والمجتمع، تجدد الرهانات الباحث الاجتماعي عدد 10 سبتمبر العدد 95، 2010.
[29] - انظر: دينكن ميشيل، معجم علم الاجتماع، ترجمة د. إحسان محمد الحسن، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980، ص117-118
[30]- فاضل ثامر، جريدة تاتوو، النُّخبة الثقافية العراقية، السبت 19-01-2013:
[31]- عبدالجبار محسن: النُّخبة ودورها، موقع الحقيقة
[32]- أحمد زايد، نخب ما بعد الاستعمار، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، العدد 25، يناير2007، ص93.
[33]- محمد بن حينيتان، النُّخب السعودية: دراسة في التحولات والإخفاقات، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (48) يروت، ص 37..
[34]- كمال المنوفي، أصول النظم السياسية المقارنة، (الكويت: شركة الربيعان للنشر والتوزيع، 1987)، ص 77.
[35]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية، مجلة الديموقراطية، مؤسسة الأهرام بمصر، العدد 25 يناير2007.
[36]- إبراهيم خليل أبراش، علم الاجتماع السياسي، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، الأربعاء، 16 مايو، 2012:
[37]- Jean-Louis Bergez، “Elites ou élite?”، CAPES de SES، 2005-2006.
[38] - أحمد زايد، النُّخب السياسية والاجتماعية - مدخل نظرى: مع إشارة خاصة إلى تشكلها في المجتمع المصرى، ضمن مجموعة مؤلفين، النُّخب الاجتماعية، عن مركز البحوث العربية والإفريقية القاهرة، 2005.
[39] - Pareto، Vilfredo، The Mind and Society (4 vol. London، Jonathan Cape 1933) .
[40] - بوتومور، الصفوة والمجتمع: دراسة في علم الاجتماع السياسي، ترجمة محمد جوهري وعلياء شكري ومحمد علي محمد والسيد محمد الحسيني، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988، ص 25.
[41]- إبراهيم خليل أبراش، علم الاجتماع السياسي، مرجع سابق.
[42]- محمد بن حينيتان، النُّخب السعودية، مرجع سابق، ص73.
[43]- GaetanoMosca، The Ruling Class (Elementi di Scienza Politica).Translated by Hannah D. Kahn. (New York: McGraw-Hill Book Company. 1939.
[44]- مولود سعادة، النُّخبة والمجتمع، تجدد الرهانات الباحث الاجتماعي عدد 10 سبتمبر العدد 95، 2010.
[45]-Look: Albertoni، Ettore، Mosca and the Theory of Elitism. Oxford: Basil Blackwell (1987).
[46]- إبراهيم خليل أبراش، علم الاجتماع السياسي،، مرجع سابق.
[47]- كمال المنوفي، أصول النظم السياسية المقارنة، (الكويت: شركة الربيعان للنشر والتوزيع، 1987)، ص75.
[48]- Puppo Alberto، « Gaetano Mosca et la théorie de la classe politique »، Revue Française d'Histoire des Idées Politiques 2/ 2005 (n°22)، p. 17-31.
[49] - أحمد زايد، النُّخب السياسية والاجتماعية – مرجع سابق .
[50]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية، مجلة الديموقراطية، مؤسسة الأهرام بمصر، العدد 25 يناير2007.
[51]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية،، المرجع السابق.
[52]- Puppo Alberto، « Gaetano Mosca et la théorie de la classe politique، Ov. cite.
[53] -T.B Bottomore، Elites and Society، (New York: Basic Books، 1964)، pp. 8- 9.
[54]- فيلسوف الاجتماع والسياسة، وعالم الاقتصاد الألماني- الإيطالي. فقد ولد فى مدينة " كولون Cologne" في شمال غرب ألمانيا على نهر الرين، فإنه قضى معظم حياته في إيطاليا، تعلم فى جامعة تورين Turin في شمال غرب إيطاليا، ثم أصبح معلما طوال حياته بالجامعات الإيطالية.
[55]- Robert Michels، Political Parties: A sociological Study of the oligarchical tendencies of modern democracy، Translated by Eden and Cedar Paul، Batoche Books، Kitchene، Ontario Canada، 2001. `
[56]- وفاء سعد الشربيني، تكوين النُّخبة السياسية الحاكمة في مصر (1970-1986)، رسالة دكتوراه، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1996، ص 25.
[57]- Robert MICHELS. Les partis politiques. ibid.
[58]- الأوليجاركية : كلمة ذات أصل يوناني من كلمة oligos وتعني "قليل"، وكلمةarchoوتعني السلطة أو الحكم، أي أن الأوليجاركية تعني حكم الأقلية أو سلطة الأقلية .
[59]- إمام عبد الفتاح إمام، القانون الحديدي للأوليجاركية، مجلة العربي، العدد 482- يناير 1999.
[60]- إمام عبد الفتاح إمام، القانون الحديدي للأوليجاركية، المرجع السابق .
[61]- إمام عبد الفتاح إمام، القانون الحديدي للأوليجاركية،، المرجع السابق .
[62] - Mills C. Right، 1969 [1956]، L'élite du pouvoir، Paris، Maspero.
[63] - C.W. Mills، Power Elite، Oxford University Press، London، 1956.
[64] - أحمد زايد، النُّخب السياسية والاجتماعية ، مرجع سابق .
[65]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية ، مرجع سابق.
[66]- Raymond Aron، “Les étapes de la pensée sociologique”، Edition Gallimard، Paris، 1967.
[67]- R. Dahl، “A Critique of the Ruling Elite Model” A.P.S.R.، Vol. LII، No.2 June، 1958
[68] - أحمد زايد، النُّخب السياسية والاجتماعية – مرجع سابق.
[69] - S. Keller، Beyond the Ruling Class: Strategic Elites in Modern Society، Random House، New York، 1963، p. 25.
[70]- انظر الأعمال الآتية لملباند:
- R. Miliband، “The capitalist state: A Relpy to Nicos Poulantzas” N.L.R.، No.59، Jan-Feb.، 1970.
[71]- T.B Bottomore، Elites and Society، (New York: Basic Books، 1964).
[72]- بوتومو، النُّخبة والمجتمع، ترجمة جورج جحا، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، ط1، بيروت لبنان 1972، ص 72.
[73]- جو حمورة، النُّخب السياسية: تحالفها وتصادمها، موقع: نقد بناء، 13/05/2013:
[74]- محمد شطب عيدان المجمعي، النُّخبة السياسية وأثرها في التنمية السياسية، مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية والسياسية، السنة 1، المجلد 1، العدد 4، 2009، صص 132-157. ص 133.
[75]- دينكن ميشيل، معجم علم الاجتماع، ترجمة د.إحسان محمد الحسن، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980، ص117-118 .
[76]- كوليت أسمال، مظاهر خصوصية النُّخب السياسية، المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، العدد 9 - 10 / 1989، ص 5.
[77]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية، مجلة الديموقراطية، مؤسسة الأهرام بمصر، العدد 25 يناير2007.
[78]- ت. بوتومور، النُّخبة والمجتمع، ترجمة جورج جحا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، ص 8.
[79]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية، مرجع سابق .
[80]- حسن قرنفل، المجتمع المدني والنخبة السياسية، إفريقيا الشرق، المغرب، الطبعة الأولى 2000، ص 154.
[81]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية، مرجع سابق .
[82]- مجموعة من الباحثين، مصادر الديموقراطية: ثقافة المجموع أم دور النخبة، إعداد: لاري دايموند، ترجمة: سمية فلوعبود، دار الساقي، لبنان، الطبعة العربية الأولى 1994؛ ص 222.
[83]- إدريس لكريني، النُّخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية، مرجع سابق .
[84]- فضيل حضري، تشكّل النُّخبة الدينية في الجزائر: دراسة ميدانية بمنطقة تلمسان، جامعة أبوبكر بلقايد، تلمسان، اطروحة دكتوراه، كلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية– السنة الجامعية 2012- 2013، ص 56.
[85]- حسين عبد الحميد رشوانا، الدين والمجتمع دراسات في علم الاجتماع الديني، مركز الإسكندرية للكتاب، مصر، 2004 ص 146
[86]- فضيل حضري، تشكّل النُّخبة الدينية في الجزائر: مرجع سابق، ص 103.
[87]- حسن أبوهنيّة، استلاب الإسلام: جدل الديني والسياسي، التقرير، السبت 30 أغسطس 2014:
[88]- حسين فوزي النجار، الإسلام والسياسة. مطبوعات الشعب "نسخة الكترونية" ص 7
[89]- عبدالرحمن الجميعان، طبقة رجال الدين! (2)، النهار، العدد 1846، الأربعاء 5 سبتمبر 2012:
[90]- إدوارد سعيد، المثقف والسلطة، ترجمة، محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006، ص ص 34، 35.
[91]-Regard: Julien Benda، La trahison des clercs، Editions Grasset، Paris، 2003.
[92] طارق مخنان، أزمة غياب دور النخبة المثقفة الجزائرية في التغيير، طروحة لنيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع، جامعة قاصدي مرباح ورقلة – كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية، مدرسة الدكتوراه، العام الجامعي 2011-2012، ص 20.
[93]- محمد عابد الجابري، مفهوم الثقافة... وقاموس الخطاب العربي المعاصر! - 2007-12-11: مركز دمشق للدراسات النظرية وحقوق الإنسان:



أ.د. علي أسعد وطفة




علي أسعد وطفة
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى