عامر الطيب - ما نكتبه عن النساء..

ما نكتبه عن النساء يأتي أولاً
ثم يأتي بعده ما نكتبه عن الريح أو عن تطاير
البذور بضياعٍ عظيم .
عن ملابسنا و أبوابنا
و عن شجر اللبلاب حيث
ترقد العصافير في الضوء .
ما نكتبه عن النساء يصير
أشد ما نأسف عليه
عندما نجدهن في زحمة حياتنا
نحبهن و نبكي بجفاف نادر
إلى أن نؤلف كتاباً فارغاً
من الدموع .
عندما نتفقدهن فلا نعثر على أثر
إلا في أماكن لا نستطيع تلمّسها جيداً :-
انظروا باتجاه صدري
من وراء قميصي
ها هو اثر إحداهن يتلاشى قليلا
فيكبر قلبي !

توهمين الآخرين بأن حبكِ صافٍ
كعَينٍ صغيرة و لعلي ممن غامر من أجل
اللعبة أيضاً.
فتحتِ عينيكِ و تطلعتُ
فوجدتُ جثثاً من الملامح هناك ،
عيون و أنوف و ألسنة
و أقدام.
إنهم عشاق يسهرون كأطفال رضع
و عطاشى
أرجو أن تبكي دفعة واحدة
ليرتووا
أو تغلقي
عينيك ليناموا !

الأوراق المبللة تغمرني
بالنواح كأنها تقع لتناسب مسألتي.
هي تولول
مثلي و عندما تبلغ الأرض ترتاح أيضاً
و هي مثلي تعتاد اليأس
وقد وجدتْ البقعة التي
لا يمكنها أن تزهر فيها !

نعم ثمة مَن يموت بكمية كافية
و مَن يموت بكمية
تضطره لإستكمال موته مراراً
هذا ما حدث مع أحد أجدادي
لقد طلب أن نضعه على فراشه
ليموت
فقام لأن الجرعة لم تكفه
و في اليوم الثاني
فعل الأمر ذاته
و عاش أيضاً
لأن الجرعة كانت زائدة .
مضت على هذا الأمر أيامٌ
وهو يتذكر حياته بعينين مغمضتين
و يئنُّ:-
إلهي،
الجرعة اللازمة لأموت!

من سيحميني هذه الليلة؟
لقد رحل أبي بعجالة غير مفهومة
نحو مدينة دون أقفال ،
ظلت أمي تبكي بعلوٍ كساعة البرج.
أما أحبتي فها هم ينامون
ونحن نسافر في قطار يطير ثقيلاً
على الأرض .
يهاجمني من زجاج النافذة
شبح يمكنني أن أسميه وحشاً،
أوقظ حبيبتي
فترد بتململ:
نم جيداً إنك تتخيل فقط.
يقول أصدقائي الكلام نفسه أيضاً.
ما رأيكم يا رفاقي وأنتم تهزأون بي
ها لقد وصلتُ البيت
وحيداً و أكلني الوحش؟!

" لقد عاش بأعجوبة"
كانت تلك العبارة مكتوبة على قبرِ غريبٍ .
مسحتُ الشاهدة بيدي
و ظللتُ أتطلع لإسمه
فلم يكن الخط واضحاً.
رحتُ أستطرد و أدور بتردد مثل كرة مثقوبة
قيل لي فيما بعد
إنه ولد لأبوين مهاجرين
لم يجدا له بلداً دافئاً إلا كفوهة بندقية،
و قيل إنه أحب و طارد خيطاً من ظله
في ليلة ما.
كانت الأشجار تتمايل
مثل ذراعيّ الآن
وأنا أجري.
ثمّ ابتعدتُ وصار القبر صغيراً
كقشة في عيني.
"لقد عاش باعجوبة"
و مات كمن يشرح شاهدته الصغيرة
للغرباء !

أهبكم كل ما هو زائف
أما حقيقتي فعلي أن أخفيها
إلى أن أجد حبيبة الأمس الهادر
أيام ما كنا أطفالاً نلعب حول بركة
عريضة معتقدين إنها البحر
ثم مرت الحياة
مغلفة بالأزهار،
ملطخة بالهواء و البرد ،
ساخرة و شبيهة بمداعبة أليمة
بالفعل لقد كانت
حياتنا عالية للغاية
وها قد صرنا عجوزين منحنيين
لنقبض على شيءٍ منها !

العالم يتسع بالمطر
فيصير دروب طويلة و موحلة
نمشي و نسقط
مثل حشرات مصصمة
لتطير
غير أن أجنحتها تخذلها
الآن.
العالم يتسع بالظلام
نصير أخوة عندما لا يبصر
أحدنا الآخر
و ذات لحظة مفعمة بالإغواء
قال المبتكر معترفاً :
لقد اخترعتُ النور لأعرف أعدائي!

أنا طفل عظيم و لي الحق بأن أنوح
وحدي لأستنشق وحدتي
دون تعجل،
أنوح لمحبتي السابقة
التي حاولتُ إصلاحها ففشلتُ
أنوح لأنني لم أجرب
المزاح مع أخطائي.
أنوح لأنني من دون أقرأني
حلمتُ مرة واحدة فشعرت بالفزع
قلتُ لأمي و هي تسقي الزرع :-
أماه ،
ليست للأشجار نهاية آمنة،
لقد كانت الجنة مليئة بالنجارين !
عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى