حمزة باشر - مدن الخراب.. شعر

أتأمل نافذة رسمت فيها "الأَرَضَة" حبالا طينية تتحرك
تحت جلد "الناموسية" الممتد، إلى أقصى جسدي
تصحو ضفدعة تتجول كي تحرس رهافة المنام
وأنا... وسط هجين الرؤية المكلل بالغموض
أتأمل في اللا شيء الملتبس بالظلام غيابي
أطيل نظري المرتد نحوي ببطء
لا أرى شيئا غير الفراغ...

في هاتيك المدن المطلية بالخراب النتن المزور...
يخرج كل شيء عن بكارة المعنى، أسير خطى تتصيد
ينتمي لعائلة الموج المسافرة في درب الكلام، قلبي اللدود
عشب يعصي أمه الأرض
رمل يتنكر للريح، فيصير أخضر
صخر يسافر في فوهة الوقت
غيمة تعبت فاستراحت على أجنحة الطيور
حلّقت عاليا في مسافات المدى المبعثر
فيما أبدت الكلاب تعاطفها
مع قط استفاق على وقع وزغ
يمشي في أرجاء المدينة

يطوف بصري بالشارع
في هاتيك المدن المطلية بالخراب النتن...
ثمة عراة يستترون بالخبال المقدس
يلبسون أقمشة الجسد الداكن
الذي لونته الأرض بأنينها الممتد
يهتفون بعويل لا يتجاوز حنجرتهم المكسورة
تبكي من وقعه الرياح، وتنهار السحب

في هاتيك المدن المطلية بالخراب...
شرذمة قليلة تتغنى بقديد المدافع
ألف يد، نشأت على ثمالة المكان
تصفق...
ألف يد، عهدت تعرية الشجر
تصفق...
ألف يد... تصحو لتصفق
ألف يد...

في هاتيك المدن المطلية...
مدن تكبر في المدن المنسية
مدن تعشق من يفض بكارتها، تحت أضواء الكاميرا
في التلفاز الذي يدرب الصورة على التغطرس
مدن تصطف على قبر الأشياء المتهالكة
تعلن توبتها بأزيز الرصاص
وقتما يتكلم صوت الأشباح الليلة
تنام على الأرفف، وأدراج مرايا الأوجه البالية

في هاتيك المدن...
تصحو الأقلام لتنام على وقع الكلمات المريحة
تلوّن صفحات الأرض بزيف الأسماء
تنسى، لتخط أوجاع حبر الغراب، بدم السماء الأسود يُنسى...
قلب دنسته أيادي الزناد
وجه تربى على أزقة الصحف المهجورة
تتنكر على صورتها المرآة
تكذب... على رهافة الضوء المشرق الشمس

في هاتيك...
صلوات السكارى تبشر بالصدق
تبتل الحانات أمام جسد يذهب ويجيء
سجدة سهو لظل تمشّى وحيدا... فأعلن تعاقده للضوء
خشوع الجدار الذي استقال عن الكلام
عهر يمتد في البيوت المقدسة
فحش يطل من أفواه تربّت على الزيف، لِتربت على الأكتاف
وجوه لوّنها الرمل فاقتات لها أسماء من سراب
عجز الحرباء من كذب فصول السنة المستمر
اختارت لها لونا يخالف المدن، والألوان
تعب من خياله الصمت
انكسرت فتيلة المعنى
وانحسر الضوء بين التلال

في...
هاتيك المدن المطلية بالخراب النتن المزور... أشقاء ثلاثة
أسراب الطيور التي أحبت أجنحتها فقلدت الدجاج
غيمة تشكو وقوفها الطويل للهب الشمس
بيت فضّل احتضان الأرض فانهد
في... قلب أولئك الثلاثة...
طيور تمشي، معا
في الطريق
ورمل


حمزة باشر
أنجمينا / تشاد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى