محمد عارف مشّه / من الذكريات / صديقي يروي قصة طريفة

من الذكريات

• محمد عارف مشّة


( 4 )

صديقي يروي قصة طريفة

جاء ليعمل مديرا لمدرسة في قرية قريبة من قرية الحيمة ، ويسكن في القرية عازبا ، يأتي أحيانا ليسهر مع معلمي قرية الحيمة ، فارتبطنا بصداقة حميمة نقية ، لغاية كتابة هذه السطور ، أنا من الأردن ، وعلي من السعودية ، ونصر حمدي من مصر الشقيقة ، ولا زالت تربطنا معا صداقة حميمة دافئة ، لغاية كتابة هذه السطور.
يروي علي عن الخلوية قصته ، والخلوية هم ( جماعة من الصعاليك المتسولين قطاع الطرق ، حسب أكثر من تصنيف لهم ) ، كانوا عادة يتعمدون السكن في الخلاء ، والمناطق المنقطعة من السكان ، وما أن تمر سيارة ، حتى ينقضوا عليها ، ويسلبوا ما فيها ، ولربما يقومون بالقتل ، إن اضطروا إلى ذلك ، وإذا كان في السيارة نساء ، لن يمتنعوا عن سلبهن وقتل الرجال ، أو ربما يتظاهرون بأنهم متسولون في المناطق المسكونة ، لكنهم يطرقون البيوت البعيدة عن سكان القرية ، أو في الأوقات الذي يكون فيها الأزواج في أعمالهم ، ولا يوجد في البيوت ، إلا الأطفال والنساء ، في الظاهر التسول ، والمخفي مخطط مسيق لدى الخلوي .
كان علي قد عاد برواتب المعلمين في قريته التي يعمل فيها ، في حقيبة جلدية ، ولمّا كان معلوما على الأغلب حامل الحقيبة الجلدية من السعوديين ، فهو محاسب مالي ، وفي الحقيبة الجلدية أموال .
رغب علي الاستراحة وشرب الشاي في قرية الحيمة ، قبل أن يتابع مشاوره إلى قريته . يروي علي فيقول : ــ
شعرتُ بحركة غريبة ، وبغرباء في المقهى ، فتعجلتُ الأمر قبل أن يهبط الليل علي ، خرجتُ بحذر وركبتُ سيارتي إلى القرية . وصلت البيت بأمان بحمد الله ، تفقدت رواتب المعلمين فكانت سليمة ، ( المسدس ) فيه رصاص . تأكدتُ من إغلاق الأبواب . نمتُ . وفي حوالي منتصف الليل استيقظت على سماع أصوات غريبة ، تأكدت ُ مما أسمع ، تأكدت من حشو ( المسدس ) ، نهضتُ متسللا نحو الباب ، أصوات الحركة تزداد . هل أفتح الباب ؟ ماذا لو لم يكن اللصوص في ساحة البيت ، وكانوا على السطح مثلا ، وقاموا بإلقاء صخرة أو حجرا فوق رأسي ؟ كيف أغطي المساحة الآمنة من غرفتي إلى ساحة البيت حتى الباب الخارجي ، ماذا لو خرجت لمنتصف ساحة البيت فغافلني أحدهم وتدخل واستولى على الحقيبة ؟ ...
أن تموت شجاعا ، خيرا من أن تعيش جبانا ... تسللت بحذر إلى الساحة ، اقتربتُ من منتصف الساحة ، صوت الحركة يزداد . تابعتُ بحذر أكثر ، وصلت الباب الخارجي ، فتحت الباب ، نظرتُ ، وجدته قطا يعبث بالقمامة ، ركلته بكل خوفي وقهري بقدمي . ماء القط ثم طار في الهواء ، عدتُ لغرفتي ، وجدت الحقيبة الجلدية التي فيها رواتب المعلمين مفتوحة ، فارغة بلا نقود . صرختُ ، بحثت عنها في دولاب الدولاب البلاستيكي ، تحت سريري الحديدي . النافذة الخشبية مفتوحة ، هل قفزوا منها حين كنت خارج الغرفة ؟
حاولت السيطرة على عقلي ، إعادة ذاكرتي إلى الوراء منذ دخلت الغرفة .. صليت المغرب ، هل عندما دخلت الحمام قفز الخلوية اللصوص من النافذة ؟ ... سأحاول التركيز أكثر . في البدء بعد دخولي الغرفة ، وضعت الحقيبة أسفل السرير ، فمن رفعها إذن فوق السرير سواهم ؟ هل أتصل بالشرطة وأخبرهم بالسرقة ؟ هل أخبر أمير المنطقة ؟ ما دليلي على ذلك ؟ ومَن هم الذين قاموا بالسرقة ؟ لن أتعجل الأمر ، سأنتظر للصباح ، فقد تجاوزت الساعة الثانية فجرا ، ولا سبيل للذهاب إلى أحد الآن لتقديم شكواي ، وإن لم يتم العثور على اللصوص ، فلتقم وزارة المعارف اقتطاع المبلغ المالي كاملا ، من راتبي بالتقسيط ، بدل فصلي من وظيفتي وسجني .
احتسبت الأمر عند ربي ، ودعوته سبحانه ، وضعت رأسي على الوسادة ، فوجدت أن الوسادة مرتفعة قليلة صلبة ، رفعت المخدة ، فكانت النقود في كيس أسود تحت المخدة . حمدت الله . أغلقت النافذة . احتضنت النقود ونمتُ .
( يتبع )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى