محمد جازم - في وداع الصديق القاص محمد سعيد سيف.. رحلت في الليل الطويل

الكلمات المترعة بالحزن لا تجدي أمام وفاة أحد أعلام الأدب اليمني .. صديقي الأديب محمد سعيد سيف الناسك والمتبتل والزاهد في محراب الابداع .. المنعزل دوماً وأبداً .. بعيداً عن أضواء المدن الصدئة منذ ثلاثين عاماً .. خدعة الحرب الدامية في اليمن كبيرة تشبه انفجاراً كونيا غير معلن.. تتصاعد وتيرتها كل يوم .. يتغير شكلها كما لو أنها جلد حرباء.. تعيش معنا بكل ألوانها الغبارية .. تتقلب أشكلها مرة على هيئة صارخ برؤوس جرثومية ومرة على شكل طائرة مفخخة ومرة على شكل كيس قمح محرم دولياً وأخرى على شكل صديق وجار يسرب الديناميت والعبوات الناسفة مستغلا جنوح الليل.
جثامين المثقفين والمبدعين تملأ الأرض الجبلية الصلبة .. على رأس كل جبل مقبرة فارهة مسيجة بأنين الثكالى .. الأمهات والزوجات والابناء.. إنها حرب استنزاف تتقصد العقول المفكرة في هذا الوطن الحزين ..تتموضع مخالبها لتنهش الرؤوس اليانعة بالمحبة ... الحرب اليمنية جحيميه بكل ماتعني الكلمة.. حرب تم تسريح العقل من خلالها ليحل محله الجنون الناضج بالتوحش .. في اتصالي الأخير مع الفقيد قبل يومين أرسل لي رسوماً متحركة تصرخ بصوت ممدود أين الراااااتب؟ "
سنفتقدك كثيراً أخي محمد
فقد كنا نستضيئ بروحك الصابرة
نخطو على موسيقى بلاغتك
كان "عشمي" أن تبقى معنا طويلا
لكي نلقي بليل الحرب إلى الجحيم.
كم كنت يقضاً في هذا الليل الذي يلف بلادنا.
وكنا ندّخرك لمثل هذه المرحلة
لماذا رحلت
ألا ترى بأننا أمام ليل طويل ودامي؟
أعرف أن هذه الحرب لن تنطفي إلا وقد أجهزت على ما تبقي من العقول التي تفكر بثبات .. حرب لا تبحث عن انتصار؛ أو هزيمة وإنما عن إبادة جماعية للعقول الحرة المتنورة .. حرب مزعجة ضجيجها يصل المحيطات المتجمدة ولكن البشر الذي يصمون آذانهم لا يسمعون ضراوتها .. حرب تتمنى منها: لو أن اصدقاءك الموتى ممثلين بارعون وأن ما يجري ليس سوى خدع سينمائية صغيرة وان الموتى فيها ليس هنوداً حمر في غابة أمريكية، وانما دمى أو ممثلون بارعون يتحركون وراء الكواليس النشطة في أحراش هوليود.
عزائي للوطن ولابنائه واسرته والمشهد الثقافي ومحبيه
ليل طويل ودامي
في الوادي الممتد تحطم قلب منارة صغيرة
وهي ترى جحوظ عينية ينطفئ
على وقع أغنية حزينة
نام المهاتما غاندي ضجراً
في إحدى القرى اليمنية
كان يمر من هنا
بلباسه الأبيض المبتسم
يجر من أعالي التلال إلى قرية القحفة
آلاف الغيوم المتخمة بالماء
اشجار الوادي التي تفتحت
رأيتُ أعذاقها وهي تزهر
ثم رأيتها بأم عينيّ وهي تنبجس
حاملة معها ألواناً قرمزية
واحسرتاه على محمد العنيد
الذي آمن بالمقامة المتكررة
والسحب المكفهرة
والحقول الخضراء.
ذات مرة أراد الظلام
أن يفرش ملّاءآته
في الوادي
ولكن محمد صرخ في وجهه:
-يا أشجار الارض العذراء
اتحدي هذه الليلة
من أجل النجوم التي تموت من الجوع
مرت ثلاثون سنة
وهو يصنع الفطائر المجانية للطلاب الذي
يذهبون إلى المدرسة
ليل طويل ودامي
شيّده الإرهابيون حول صوت
محمد
ولكن الخطير تحدى ليل الوادي
خرج الى نار الملح
المختبئة في الكهوف عارياً
لايملك سوى بياض قلب غاندي
وورقة توت وحيدة لم تسقط مطلقاً




أعلى