مصطفى الشليح - عن الأستاذ عبدالعالي ودغيري

لَمْ أعرفِ الأستاذ إلا أستاذًا.
ما برحتُ أقفُ توقيرًا لمن درسني إذا لم أقبل جبينه.
.. وَإِنْ تدرجتُ، أكاديميا، إلى أقصى رتبة علمية أجدني أصيخ، بالقلب، سمعا إلى أساتذتي.
هكذا تمت تنشئتنا على تجلة ذوي الأيادي البيض علينا يتصدرهم معلمونا.
هكذا كانت صلتي بمن درسني إكبارا واعتزازا وإعجابا ومحبة.

من المحبة ما حدث لفتى، قبل الباكلوريا بعام، كان يأخذ بالنجم قصيدة، وكان به وهمٌ أنه بلغ من العلم مبلغه، وكان به من الزهو ما به، وكان يعتقد بإمكانية مسامتته الأساتيذ في الحوار حول الدرس في الفصل؛ ولم يكن يتحرج من إبداء الرأي، ومن الخوض في سجال أعتقده، الآن، ما كان مؤهلا له، ولكنَّه كان في السابعة عشرة من عمره، وما كنت أملك له الهمس أن اتَّئِدْ قليلا فإنَّكَ لما تزلْ في مهاد الغرزمة.

وما حدث للفتى أن أستاذه كان شاعرا يقرأ له في " العلم الثقافي "، وقرأ له سجالا نقديا حول ديوان: " في انتظار موسم الرياح " للأستاذ الدكتور أحمد مفدي، ولم يكن باليسر ما اشتمل عليه من أسئلة جمالية وشعرية، وعرف، بعد ذلك، أنه يعد رسالة علمية حول أبي علي القالي؛ وكان سأل عنه خاله الأستاذ الشاعر أبا بكر المريني فأفضى إليه بما أسكنه فضاء هيبة ورهبة.

عندما يكتب الأستاذ عن تلميذ له ما يلي:
( شكرا لعزيزي الدكتور مصطفى الذي كلما قرأتُ له وجدتُ نفسي أمام نهر متدفق بشاعرية فريدة متميِّزة لا تنضبُ ينابيعها، وكلماتٍ لا يعرف غيرُه من أين تأتيه ويَأتيها، وكيف يجمع حَبّاتها في عناقيد لا تُعصَرُ سُلافَتَها إلا لمن كان قادراً على تَملُّك حاسة الذوق الرفيع، وغاصَ في بحر العربية حتى اجتنَى أحسنَ ما في لآلِئِها ، وساح في لِجاجِ الأدب حتى اقتطَف ألذَّ ثِمارها، وارتوَى بما فيها .)

فحُقَّ أن يزهو، وأنْ يتذكَّرَ زهوَ الفتى، وَإِنْ مختلفا.
الأستاذ الدكتور عبد العلي الودغيري حريٌّ بالمحبة وبالتكريم.

هذه إشاراتٌ، وإلا فإنَّ لحديثي عن الأستاذ فضاء ثانيا يكون فيه ما يضيق عنه هذا الحيّز.


مصطفى الشليح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى