رسالة من محمد عبده إلى حفني ناصف

عزيزي..

تسجع لي في كتابك، وتطمع أن أسجع لك في جوابك، كأنك لم تسمع أني تبت عن السجع، حتى لو ساق إليه الطبع، فماذا أصنع بك، وقد نقضت توبتي بأدبك؟

أعاد إلي كتابك وجدانًا طالما وجدته في نفسي أيام الصوم، والقضايا كوم على كوم، مع لَدَد القوم وسماحة إلى النوم، كأن تَعَبَك صُبَّ عليّ، وكأنما انتقل ظمأك إليّ، لكن لما تذكرت قصر النهار، وقرب وقت الإفطار، والنجاة إلى الدار من مقاضاة أهل النار وحملة الذنوب والأوزار، قلت لقلقي قَرْقار، فكأني بالماء وقد حضر، والطعام يتبعه على الأثر. فابتلت العروق، ونقعت الحلوق، وامتلأت البطون، وقرت العيون، وثاب السكون، فحمدت الله لك على الشبع، وسألته أن يجنبك البدع في إطالة السهر وقتل الليل بالسمر إلى وقت السحر، فذلك تهلكه للبدن، مجلبة للوهن، مضيعة لنفيس الزمن، مطفئ لنور الفطَن، وقاك الله هذه المحن.

ثم قد وصل التحويل، وقبض مبلغ الثلاثمائة قرش، وسيرسل إليك سند الاستلام. وسلامي عليك وعلى السيد أحمد رافع والسلام.

ليلة ٩ رمضان (٥) ١٣١

محمد عبده

كلمات

"رأس البر لا عقل فيه، ولا عمل، وذلك لا يمنع من إرسال ملازم التفسير، فكلام الله يرد الفارّ من العقول ويعمر الخرب منها.

ما رأيت مكانًا يشغل النفس عن كل شاغل مثل رأس البر، لا أشتهي فيه أن أمد يدي إلى قلم، وإنما أطالع في أوراق متنوعة، في أوقات متقطعة، ولذلك أراه أفضل مكان للراحة، وتبديل الهواء، بعد شدة التعب وطول العناء.

كنت أنتظر أن يصل إلي (المنار) هنا ليكون مما ألقي عليه نظري إذا أرجعته عن أمواج البحر الأبيض، ولم أطلقه إلى بساط النيل الأحمر، فأنا جالس طول يومي بين البحرين".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى