رسائل الأدباء رسالتان من محمد عبده إلى الشيخ عبد المجيد الخاني

-١-

لك الحمد والشكر..

وفد علي كتاب السيد الأستاذ، والموئل الملاذ، ينبئ عن سعادة حاله، وسعود إقباله، فحمدت الله أن خطرت بباله، وإن لم أكن من ذوي باله، ودهشت من مفاجأة هذه النعمة، لقِصَر الهمة، عن شكر يستزيدها، وحمد يستعيدها، وإن سروري من السيد بتوجيه عنايته إلى أخلص الناس في محبته، بل أثبتهم قدمًا على أبواب خدمته، لأرقي من لذة الوصال، لمحبوب بعيد المنال، بل من حظ النفس عند بلوغ الآمال، والظفر بالإقبال.

يشير الأستاذ في خطابه إلى لطيف عتابه، وليس سروري بما أحسن به الأستاذ من مكاتبته بأوفر من سروري بما تحققته من كمال صحته، أدام الله سروري بتوارد أخباره، وشهود آثاره في أنصاره، وشهد الله أن غيبته عن ناظري لم تحجب مثاله الشريف عن خاطري، وأن تسليماتي متوالية في خلواتي، وجلواتي، وخواتيم صلواتي، لا يحيط بها لحظ اللاحظ، ولا حفظ الحافظ ولا يأتي على وصفها الشيخ حسين الحافظ، وإن بلغ في الفصاحة ما بلغ الجاحظ، أهديها مع الرائح والغادي، والحاضر والبادي، وما علي سوى أن أقول، وعلى الله الوصول.

يعلم مولاي أني من تبعة القارئين، وخدمة الكاتبين، وأظن -إن حسن الظن- أني من مواقع إحسانه، ومواضع امتنانه، وما كنت أجحد شيئًا من رعايته، ولا آلو جهدًا في شكر منته، ومع هذا لم يتفضل عليَّ بلامعة من درره، ولا بارقة من غرره، واختص السادة الفضلاء بالمراسلة، واكتفى لي بسلام المجاملة، فالتمست من حضراتهم أن يحيوه أحسن تحية، أو يردوها على أي كيفية، ولا أدري بعدُ ما كان منهم ، ورأيت من المخاطرة، والجرأة الجائرة، أن ابتدر الأستاذ بالكلام، وهو الإمام بن الإمام، فوقفت عند الحد، وقمت مقام العبد، إن سئل أجاب، أخطأ أو أصاب، أليس لمثلي العذر، أن يقصر به الفكر، عن مكاتبة عبد الحميد هذا العصر، وبديع الزمان في النظم والنثر؟ بل ولولا ثقتي بسعة كرمه، ما تمكن قلمي من إجابة قلمه، فليعفُ جناب السيد عما يراه فيما حُرِّر على عجل، سلطان الخوف والوجل.

شكرنا لمولانا سروره بما رأى في جريدة (الثمرات)، غير أن ما ذكر فيها إنما هو كلمات، قذفتها بمصر أغراض، فانقضت واستعقبت بالإعراض، على أننا إذا حسن التفاتكم إلينا في آل خير من آلنا، وأوطان أرحب من أوطاننا، فلا غرابة مع موجود الأحبة، ونسأل الله تخليد بقاكم، ودوام رضاكم.

نوهتم بما حظي به الشيخ أسعد إلا... من كتاب الصادق الأصدق، الناطق بالحق فيما دق ورق، ذكر السيد أن الشيخ لم يدر -عافاه الله- من أين أتى، وأرى له عذرًا في هذه الفعلة التي... فقد أُتِيَ من وراء حجاب، واحتبل بغير احتطاب، ودمر عليه من غير باب، فلا غرو إن غاب عنه الصواب، وخرم وانخرم معه الحساب، إبراهيم أفندي جظه، بعد المماحظة، ودلظه بلا معاكظة، لكن الشيخ جواظ، حجب بكماله عن... فضلًا عن اللحاظ، وإن كان في طبعه لظلاظًا، وفي هداه جلماظا، فتح سر الشيخ عَلَى القلم باب الظأظأة، ولولا أن تداركه لطف الله لجذبه للبأبأة والفأفأة، فلا تؤاخذ محدوبًا، ولا تعنت مغلوبًا، ثم إن القصيدة حائية لا جيميه، وكأن غموض معناها أعجم مبناها، سبحان الله العظيم، وفوق كل ذي علم عليم، كر كر كر كر كر، إنها لإحدى الكبر.

أرجو تقبيل أيدي حضرة والدكم، ثم إن حسن لديكم فبلغوا سلامي إلى حضرات أصحاب السعادة: محمد باشا، ومحي الدين باشا، نجلي سعادة المرحوم الأمير عبد القادر، أكرم الله جواره، وقدس أسراره، ويهدي حضرتكم التحيات المدهشات، والتسليمات المرعشات، حضرات الأساتذة الأفاضل: الشيخ محمد والشيخ أحمد عبد الجواد، وحضرة الحاج محي الدين أفندي حمادة، وإبراهيم أفندي اللقاني، والسيد محمود أفندي الخوجة، ومحمد علي أفندي، ومن ظني أني سأحضر إلى دمشق يوم الخميس ١٦ شعبان، لأرفع إلى الأستاذ ما أستطيع من شكره، على مبادأة (عبده)، بالإحسان رفع الله قدركم، وأعلى ذكركم، والسلام.

سبحانك اللهم وبحمدك...

يا مَجيد علمني ما أخاطب به عبدك المجيد، جَلْبَبْتَه مجدك، وأشعرته ودك، وأغزرت عليه في البيان نعمتك، وأنبعت من جنانه حكمتك، فبذ القائلين بفصاحته، وملك مشاعرنا ببلاغته، ثم يصفني وصف الأصفياء، ويوميء إليَّ بإشارة الأولياء، ولستُ مما قال في رطب ولا عنب، ولا كعوب ولا رُكَب، فاجزه اللهم عن حسن ظنه نورًا يواصل السعي بين يديه، وأثبه عن صدق ولائه صفاء يكشف من سبحات وجهك عليه.

أخي: الحمد لله ما أظن أن اثنين تواصلا على ما تواصلنا، تواصلنا على لحمة روحانية لم تخالطها أهواء حيوانية، وحكم الأرواح يتبعها في الدوام، لا تؤثر عليه عوارض الأجسام، اللهم إلا أن الحواس الظاهرة، يوحشها البعد عن طلعتكم الزاهرة، ويدهشها القرب من ذاتكم الطاهرة، فروحي من روحك في نعيم مقيم، وسرور بلذة الصفو مستديم، وحسي من حسك ما بين وحشة تكدره، ودهشة إن شاء الله تغمره، وكل يوم يمر علينا فيه خبر من ناحيتكم عيد، ولنا في كل سماع على صحتكم سرور جديد.
رسالة إلى أحد العلماء

حضرة الأستاذ..

كَأن القدر يريد أن يكون ما بيني وبينك سرًا مكتومًا، ومضمرًا يأبى أن يكون مرقومًا، فقد حاولت مئين من المرات أن أكتب إليك، وكانت تأتي العوائق تحول دون ذلك، كأنني كنت أحاول فتح قلعة، أو محو بدعة، وها أنا اليوم "الجمعة"، عقدت العزم على أن لا أقوم من مجلسي هذا حتى أكتب إليك، أشكر لك صنيعك على ما تدخله علي من السرور، بما تعلم من كثرة الشواغل، وأرجوك أن لا تحرمني من ذلك الفضل الذي بدأت به، وأن لا تجعل لفضل في ذلك نهاية، والسلام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى