د. عصام حسين عبد الرحمن - عبور.. قصة قصيرة

دعتني أمى وكانت عائدة من السماء ،معطرة ونضرة العينين لمجلسها ، قالت : خلاص روحك لن يكون فرديا ،لابد أن يمر بها كشرط. اعبر الجسر ، وأعلم أن الطيور الحذرة تسقط أكثر من غيرها.
كان يجب علينا أن نجتاز هذا الجسر المتهالك المصنوع من جذع شجرتين ،بالكاد يتسع لشخصين ، نما إلي علمي ،أن لا أحد بمفرده استطاع اجتيازه، رغم محاولات العشرات من الناس ،وفي كل مرة كانوا يتساقطون ويختفون. أصدق أمي وأؤمن برسالتها وأعرف ما الذي ينتظرنا بعد اجتيازنا وعبورنا له .
اتبعت النور الذي يشع من روحى في لحظات تشظى،والذي يعقب جلوسى في حضرة أمى. أعرفها جيدا ،متي تأتي وإلي أين تأخذنى?
أعلم أيضا الصعوبة التى سأواجهها مع رفيقتى في العبور ،فهي لا تتبع إلا انعكاس المرايا والصور علي روحها .
توقفنا أمام الجسر ،سألتنى ،أمتأكد أنه سيحملنا للبر الآخر?
قلت لا خيار آخر أمامنا ،علينا أن نسير.
قالت وماذا لو سرنا لجسر آخر أكثر تماسكا ..أخشى السقوط.
قلت الحركة يحكمها الزمن ،أخشى أن يخفت أو يذهب النور عنا ،ويبتلعنا الظلام
تلعثمت في كلماتها ،فبدأت أري فيما يري الحالم ،أننا نقف علي مسافة متساوية بين الماء والهواء ،علي آثرها تسارعت نبضات قلبى ،فخشيت الفقد.
لا أستطيع التحكم في الزمن ،لحظة التشظي سريعة وفجائية ،وهذه المناقشات البيزينطية ،لا طائل من ورائها غير مزيد من ضياع الوقت ،والعبور لن يكون فرديا ،فالفقد سيكون عندئذ حتميا.
لقد كانت دعوتها في لحظة استثنائية ،علينا أن نعبر معا لنصلى بعدها باخلاص وواقعية ،ثم نسير من المسجد إلي القوس الأخضر ،أمام البحيرة المقدسة لنستمع للحن الخلاص، وبعدها سنكون في بيتنا ،الذي قالت عنه أمي ،إنه قطعة من الجنة.
قالت: سأسير وحدي، أحب اكتشاف الأشياء بمفردي ?
اذا تشابهت الجسور سأعود إليك.
تركتها ،وعدت انتظر أمي ،وأفكر في حل ثان ،علّنا ننجح في عبور الجسر المتهالك.


L’image contient peut-être : une personne ou plus, personnes debout, arbre, chapeau, plante, plein air, eau et nature

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى