عبدالله عبدالرحيم - الغدير.. قصة قصيرة

توقَّفَ عند غدير يقع بين قريتين، شَيَّدَ حوله سوراً متيناً وأتى بأعواد عتيقة، صنع منها منبراً ووضعه وسط المكان، وعندما بدأ بتصنيع باب صار يبكي بحزن شديد وكأنَّ الباب كان يحمل سرّاً عظيماً، أكمله وأوصد به السور. ثمَّ التفتَ نحو الحق وأشار إليْه أن اعتلي المنبر، فأنتشر نور الحق في كل مكان وتبددّت الظلمة. حينها بدا عليه الارتياح لأنَّه أنجز كلَّ ما طُلِبَ منه. أقترب من الباب ووضع روحه الّتي بين جنبيه خلفه ورحل.
عندما تبدَّد الظلام في الخارج، تكوّر الباطل على نفسه وخيّم عليه الحزن والقنوط، بيد أنَّه ما لبث أن استبشر من جديد وهو يرى سُرَبٌ من الحسد تنتشر بسرعة بين النور كخيوط ظلام، فَتَراءتْ أمامه في لحظة صورُ صخرة قابيل القديمة وغياهب الجب والعجل والخوار وصور أُخرى كثيرة.
شَعَرَ لحظتها أنَّه قد استعاد قواه؛ فقام وأخرج من جعبته أعمدة وأعواداً معكوفة وبنى منها سقيفة لكي يحجب بعض النور المنتشر وأشار إلى خيوط الظلام:
- انتظروا، سأدخلكم السور لأطفئ بكم نور الحق.
تجمّعوا تحت السقيفة، استغلوا الغفلة والركون إلى الدنيا؛ فاستلّوا الفتنة واقتحموا الباب وداسوا الروح وسالت أوّل الدماء، وربحوا المعركة وأزاحوا الحقَّ وصعدوا المنبر. وهنا تنفّسوا الصعداء لأنَّهم ظنّوا أنَّ النور قد أنطفأ، بيد أنَّ الباطل ظلّ قلقا لأنَّه كان على يقين من أنَّ النور قد يُحْجَب لكنَّه لن ينطفئ إلّا أذا حُطِّمَ المنبر وطُمِرَ الحق. لذلك عاد وأخذ شيئاً من أعمدة سقيفته وبدأ بتصنيع سيف.
بعدما اشتدَّ الظلام أكثر وأكثر حتّى اختَنَقَتْ به الأرواح والجمادات؛ وانفَجَرَتْ وأصْعَدَت الحقَّ على منبره القديم، كان تصنيع السيف قد أكتمل. شَهَرَه الباطلُ وحطّم به المنبرَ والبابَ وأحالها إلى كومة أعواد وألقاها خارج السور، ثم مزّقَ أشلاء الحق وسالت دماء أخرى كثيرة وتوهّمَ أنَّه أطفأ النور لكنَّه سرعان ما أكتشف وهمه. توقَّف فجأة ثمَّ خرَّ مندهشاً إلى الارض لا يلوي على شيء وهو ينظر إلى النور الذي عاد وملأ المكان من جديد رغم أنَّ السقيفة قد توسَّعَتْ ومازالت تتوسع في الخارج لتغطّي مساحات شاسعة.
ظلَّ حائراً مستغرباً برهة من الزمن لا يجد تفسيراً لما يحصل، لكنَّه عرف بعد ذلك أنَّ كومة الأعواد التي ألقاها خارج السور سقتها الدماء التي سالت فنبَتَتْ؛ وأخَذَتْ تنمو وتنتشر أغصان لها في كل مكان ويُصْنَع منها ملايين المنابر الّتي تنشر نور الحق. وعاد الباطل يقطع تلك الاغصان بذات السيف لكنَّها استمرت تنمو بسرعة كبيرة حتَّى دَخَلَت السور تنتظر من يعيد بناء المنبر القديم.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى