مدحت ثروت - غزوة الذرة

أفاق من غيبوبته، لم يدرك كم من الأعوام قد مرت عليه، خوذته الصدأة من تعري العروبة أمام أهوية العولمة مالت بجوار راسه طويل الشعر الممتلئ بهموم عروبته، صدرته المتبطنة على صدره جاثمة كجبل الأحزان، حذاءه الجلدي مزقته سنوات التعدي والعدوان، ملابسه اكتست بأتربة الخزي والتخلف الحضاري مقارنة باليوم، فرسه البني العربي ذو الشعر الطويل الناعم بات هيكلا عظميا لم يبق منه إلا صهيل مخنوق يسمع صداه في أذنيه فقط لكن لا وجود حقيقي له، جال بناظريه يمينا وشمالا وهو ملقى على الأرض التي لم تعد كما كانت؛ كان بتذكرها والخير بين ذراتها ورائحة الطيبة تفوح من ثراها، فما بالها الآن وقد فاحت منها روائح الدم ورائحة غريبة كالجحيم دخانه او كسعير الآخرة، هل ذهب فوارس العروبة الاتقياء إلى النار؟! هل مات صلاح الدين وواراه الثرى إلى ابدية محترقة؟! ارتعب لدهشته لكن سرعان ما ان أدرك حقيقة الأمر، فهو حي يرزق لكنه في أرض غريبة او هكذا ظنها، هذه مأذن المساجد ومنارات الكنائس شامخات كما تركها فأين صوت الآذان الممتزج بأجراس الكنائس؟
وهؤلاء البشر ماذا يرتدون؟ هل انا في بلاد الفرنجة؟ تعرى الفتى والفتاة اطالوا شعر رأسهم ارتدى الفتى بنطالا قصيرا والفتاة لم ترتد؟ ملابسهم كشفت عوراتهم، ماذا يركبون؟ هل أصبح هذا حال الخيل كيف تغير صوت صهيلها؟ واين لجامها؟ ولماذا يخرج منها دخان؟ لماذا امتلأت الحياة حولي دخانا؟ ظل يسأل في دهشة؟
وقف مترنحا من سنوات لم يعرف كيف مضت واين ألقت به،
أين محمد وعيسى وباقي جنده وغنائم الحروب؟ هل تحرر بيت المقدس؟ هل اتحد العرب؟ هل كنت احلم؟ ام اني قد فقد صوابي وذاكرة زماني؟ ظل يخطو خطوات سلحفاة شارفت على الموت لا يستطيع أن يفتح عينيه لكنه لا يعرف السبب، انتابه سعال ادركه ان السبب أيضا دخانا، نعم لقد تذكرت قول السيدة العجوز التي كانت ترتدي جلبابا أسودا وعينيها تاكلت من قهر سنوات القحط وهي تقول له بعامية مصرية" تبات نار تصبح رماد" لكن يبقى السؤال أين النار؟ ماذا حدث؟ أشرق في صباح جديد على أرض أيضا غريبة تشبه تلك السابقة.
هاله منظر الرجل الأربعيني الملقى على الأرض وقد تغيرت كل ملامح وجهه وجسده المهترئ، يصرخ بألم لا يكاد يخرج من حنجرة متحشرجة الصوت، آهاته كاحتضار رضيع قتله الصقيع، رق لحاله واقترب منه متحفظا ما بك يا رجل؟ سأله والخوف بدا يسرع من نبضات قلبه،
اجابه الرجل: منصور، فبادره بالسؤال
وما كل هذا الخراب؟
منصور: القنبلة الذرية
صلاح الدين: ماذا تقصد؟
منصور :سلاح اخترعته الدول العظمى لتهديد العالم والهيمنة عليه.
صلاح الدين: ولماذا تركتم هذه الدول تفعل هذا هل هم الصليبيون؟
منصور: لقد صلبوا العالم على صليب قسوتهم
صلاح الدين: واين العرب؟
منصور : باتوا اغرابا يقتلون بعضهم بعضا
صلاح الدين: واين المسلمون؟
منصور : تفرنجوا.
صلاح الدين : واين القبط؟
منصور: هاجروا
إذن لم يبق هنا سوانا طاطا صلاح الدين راسه سائلا
صاح الرجل انقذني بدلا من الأسئلة فدمي يكاد يتجمد على الأرض
حمله بين ذراعيه وخطواته الثقيلة تتعثر بين أشلاء القتلى وروائح الجيف المحترقة وصوت الدم الصارخ إلى السماء يصرخ في صفحات القرآن الكريم محترق من أعلى واسفل دون فناء ادخلوها إن شاء الله آمنين وصفحة ممزقة من الكتاب المقدس بها مبارك شعبي مصر.
الأديب المصري مدحت ثروت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى