د. سيد شعبان - الزول يصارع النهر!

ثمة أخبار تواتيني بها السموات المفتوحة وعبر أثير الإذاعات، أن النهر الذي كان منبع الحكايات صار غاضبا؛ أصابه هياج بل يقال إنه أخرج ماءه ليغرق الوادي من حوله، اختلط الجن بالبشر حتى صار الحجر بعيدا، رأيت طفلا يحمله أبوه خشية أن تغرق تلك العيون الغضة، أياد تتحرك طالبة النجاة، النهر ثائر والبشر تائهون، لم تعد ثمة عنزات ولا أبقار لقد ملأ الماء كل مكان، يبدو أن طوفان نوح على الأبواب، ينأى النوم بعيدا، تهتز السماء من فوقي، هل يجد الناس هناك كسرة خبز؟
ذلكم الزول الطيب القلب تفيض عيناه حبا، انقطعت مسامراته؛ افترقنا منذ ألقت السماء بذلك السيل، نداء من هناك أن أدركونا، ألف شوكة انغرست في جسدي، لم تعد تسحرني تلك العيون ذوات الوطف، أبحث في حافظة نقودي عن تلك الجنيهات فأجدها خاوية تشكو إلى الله لصوص المال، تمزقت ثيابي وتهرأت، أمعن في البحث عما أستر به سوءتي، أجدني عاريا والنهر يمسك بي؛ هربت كل الحكايات وتناثرت بنات الجن اللواتي كن يأتين بأخبار الذين سكنوا المغارة، لقد صار كل شيء باهتا تحوطه زرقة الموت.
أتساءل هل قامت القيامة وجاء النبأ العظيم؛ البيوت تخر ساكتة لم تعد من الطيب صالح نكهة السمر، ابتلع النهر في موسم هجرته إلى الشمال مصطفى سعيد وبنت مجذوب ومريود.
توسطت النخلة التي كانت عند حافته النهر، في تلك البلاد كل القلوب تمتليء طيبة ونقاوة وبياضا؛ هل تغسل السودان ذنوب القوم الذين دنسوا الأرض الطاهرة؟
قال لي جدي؛ إننا من تلك البلاد؛ أطالع صفحة وجهي فأجدها بسمرة الزول الأسد الذي قطع رأس الأفعى؛ وبنى هناك ألف خلوة يردد فيها الدراوبش أذكار الفجر القادم.
بلدة طيبة؛ يوما جئت الخرطوم؛ واد مدني؛ الإمام المهدي يتوعد كتشنر؛ الدراويش يبنون القلاع؛ كل بنات السودان يحلمن بأن يكن كنداكات؛
بحثت عن الزين قالوا إنه هناك يبكي شيخه الحنين؛ لم يعرس بعد.
ترى هل بقي أحد في كرمكول يتذكر بنت مجذوب ومشاغباتها؟
يبدو أنها الآن تنتظر حفنة من تمر في يوم مبارك على شاطيء أم باب.
يدور النهر ويجري ماؤه سيلا؛ ألف جنية تمثل كل واحدة منهن نداهة تقف عند ضفة النهر، ماعادت بحاجة لأن تخطف الفتيان، فكل القرى على مرمى البصر ماء؛ أحاول لملمة بقايا الذين سكنوا أم درمان، تومض عيون في ظلمة الليل؛ معاذ الله أن تكون مصابة بداء التسول.
فيما مضى كنت شغوفا بالحكي والسمر؛ يخايلني طيف الزين وابنة عمه، أدرى بأن الفتى ليس حجرا؟
أسافر وحيدا إلى بلاد تحب القمر؛ خيول تجري تسابق الريح، وجوه لفحتها شمس الحرية في القطار القادم مع عطبرة يحمل الحالمين بفجر جديد بعيدا عن إيبولا تكتب حكايتها بقلم زينب، تشاغب مع بركة ساكن في حكيه المختلط بالجنقو مسامير الأرض.
يجذبني الزول بعيدا حيث مسامراته؛ طيبة قلبه وصفاء نفسه؛ يفسر لي رؤيا عائشة حين كانت أنفاس صليحة تصحب المغربي في تشريقته، تسحره الحكاية وهزة المجذوب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى