عبد الحفيظ بولزرق - العلاقة بين الرجل والمرأة بين الضبابية والتهديدات

مقدمة:
إن المجتمع الإسلامي اليوم يعاني ما يعاني من تفككات وإرهاصات قد تنبيء بانهيار بنيوي يكون متبوعا في الغالب بانهيارات على مستوى النظم التعليمية والثقافية والأسرية والاجتماعية في شكلها العام والأخلاقية والقيمية.
لذلك وجب البحث عن هذه المهددات للبنى الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة، والتي تشكل العقدة
يمكن تبويب هذه المهددات ضمن قسمين كلاسيكيين هما: التهديدات الخارجية والتهديدات الداخلية،


المهددات الخارجية:
والمقصود بها تلك الرياح التي تهب على الأسرة المسلمة من تجهيل ومحاولة لصرف مركبات الأسرة عن الأدوار الحقيقية لها من خلال إشاعة الكثير من المفاهيم والتصورات من ويلات الفقه المستورد للحياة من قبيل مفهوم الجندر ( توضيح للمفهوم).
بالإضافة إلى ما تلقاه الأسرة المسلمة من رسائل تذهل بالمقاصد العليا من وراء البناء الأسري ( العفة – التناسل – إكثار امة محمد عليه الصلاة والسلام- ... ) وتقدح في التشريعات الربانية التي ينبغي أن تنضبط بها مؤسسة الزواج ( مفهوم التعدد – مفهوم القوامة – ثقافة الحق والواجب في العلاقة الأسرية ...) و؟أغلب هذه الرسائل تروج على شكل صور إعلامية ضمن مسلسلات أو حصص هابطة أو تحقيقات صحفية مقدمة في إطار إشاعة الاستثناء وترويجه لمزاحمة الأصل.
من التهديدات ايضا تلك البيئة الاجتماعية المحيطة بالأسرة المسلمة المحافظة ولو حتى عند مستوى العائلة الممتدة او الموسعة أو الكبيرة والثقل الذي تلقيه والتقويمات التي في الأصل تكون مرفوضة بالنسبة لأسرة تمتلك المناعة.
ومن التهديدات رياح التنصير والتمسيح والتهويد والتشييع والتغريب التي تهب على قيم المجتمع وتضربه في مقوماته ومقدساته.
وفي نهاية هذا التعريض البسيط وما نريد قوله هو أن : الأسرة المسلمة مستهدفة وهو معلم من معالم الأزمة.


المهددات الداخلية:
وفي هذا المبحث نريد أن نضع ايدينا على أصل انسياق الأسرة المسلمة وراء كل تلك التهديدات الخارجية والتجاوب معها، مما يزيد من خطورة واتساع دائرة الأزمة.
ولعلنا نرجع المسألة إلى ثلاث محاور أساسية :

أولا: عدم وضوح التصور:
وذلك لفقدان المرجعية الشرعية التي نستلهم منها دستور الحياة، فالإسلام جاء عقيدة في الضمير ومنهجا للحياة وتفسيرا للوجود.
فالزوج الذي تصوره للزواج غير واضح وكذلك زوجته وقد التقى كل منهما من بيئة مختلفة وبعادات مختلفة وبخلفيات متنوعة، هذا من شانه أن يطرح مشكل عدم التناغم والانسجام وبالتالي تحدث الفرقة والطلاق.
كما ان الزوجين غير المتسلحين بالأحكام الشرعية التي تضبط العلاقة من جهة وتمنحها البركة والتوفيق من جهة أخرى، وعلى رأسها الفقهيات المتعلقة بالأحوال الشخصية ( خطبة – زواج – طلاق – أحكام العلاقة الخاصة – وغيرها ... ) من شأنه ان يهدد استقرار الأسرة وثباتها.
فمسألة عدم وضوح التصور مسألة مهمة جدا لأنها تزيل الغطاء عن الكثير من الضبابيات كفلسفة الحق والواجب في العلاقة الزوجية والبناء الأسري، ذلك ان من أبرز الإشكالات التي تطرح التهديد هي عدم الاتفاق على النموذج التربوي للتنشئة الاجتماعية للأبناء وواجب كل واحد ودوره في العملية التأديبية.
إذن فالتهديد الأول متعلق بمجانبة مصادر التلقي، بمعنى الهوة والقطيعة أو الفطام الذي نعيشه مع القرآن الكريم والسنة النبوية هو ما يسبب هذه الأزمة ويعبر عن معلم من معالمها.
ولو التزمنا بالقرآن لاهتدينا، قال الله تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " [الحديد: 25 ].
فالبيت غير القرآني الذي لا يستوضح بانوه غايتهم من بنائه ولا فلسفتهم في تسييره هو بيت خرب.

ثانيا : سوء الفهم والتبصر:
ولعلنا في التعريج على وضوح التصور قد اقتربنا من المعلم الثاني كثيرا بيد أننا لابد من التركيز على هذه الجزئية، فكثير من بيوتات المسلمين تتغنى بالقرآن والسنة وتلتزم بها وتربي أبناءها عليها بل ويعملون بالتعاليم .. ولكن !
التزام من غير بصيرة، ومن غير فهم، فالنصوص موجودة وصحيحة ومتواترة ودقيقة ولكن الفهم متفاوت ولا يعكس في كثير من الأحيان مراد النص كما يلاحظ في مقتضى التطبيق.
ولذلك الرهان المعقود هو حول إعادة صياغة الفهم بما يتوافق مع الواقع ويرتبط بفحوى النص مع مراعاة المرحلة والأولويات والموازنات.
فآية القوامة نصها موجود ولكن الفهوم تتعدد ونص تأديب المراة بالضرب موقوف على شروط ولكنه في واقع الحياة متروك على المزاج والاجتهاد غير المنضبط، والذمة لكل واحد فهمه سواء كانت مالية أو معنوية .

ثالثا: وهو سوء التطبيق والممارسة:
ولا شك أن من يدين في حياته بغير الإسلام شرعة يتمثل تعاليمها وتوجيهاتها وأحكامها ونصوصها بفهمه القاصر غير المستبصر سينم علمه وفهمه هذا عن مآلات الخسران والخوار.
فإذن التهديدات الداخلية منبعها البناء الأسري في حد ذاته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى