محمد عباس محمد عرابي - (مفهوم الجملة عند سيبويه) للباحث / حسن عبد الغني الأسدي

( مفهوم الجملة عند سيبويه ) رسالة دكتوراه فلسفه في اللغة العربية وآدابها مقدمة من الباحث / حسن عبد الغني محمد جواد الأسدي لكلية التربية – الجامعة المستنصرية، لعام 1999م
وفيما يلي عرض لمقدمة الدراسة ،ومكوناتها ،ونتائجها ،وتوصياتها كما ذكرها من الباحث / حسن عبد الغني محمد جواد الأسدي ،وهي على النحو التالي :
المقدمة:
تعدّ هذه الدراسة محاولة لقراءة جديدة للكتاب الأوّل في النحو العربيّ، الأرقى مكانةً فيه(أعني كتاب سيبويه)إذ إخال أنّه كان قد كتب بمنهجيّة لم تتأتَ لأيٍّ من النحويين الخالفين. وفي الحق إنّ صاحب الكتاب(المتوفى180هـ) كان قد نزل منزلة خاصّة عند عملاق النحو العربيّ الأوّل وعبقريّ لغته(الخليل بن أحمد الفراهيديّ ت175هـ) لم يصل غيره إليهما فقد رُوي عنه قوله حين يرى سيبويه مقبلاً عليه:(مرحباً بزائرٍ لا يملّ)و ما سُمع أنّه قالها لغيره وكان أن يحدث بينهما في طائفة من محاوراتهما-ما يعجز غيرهما عن فهمه، كما حصل للأخفش فيبنا هو عند الخليل إذ جاء سيبويه فسأل الخليل عن مسألة ففسّرها له؛ يقول الأخفش((فلم أفهم ما قالا، فقمت وجلست له(يعني: لسيبويه)في الطريق. فقلت له: جعلني الله فداءك، سألتَ الخليلَ عن مسألة، فلم أفهم ما ردّ عليك ففهِّمنيه. فأخبرني بها، فلم تقع لي ولا فهمتهما. فقلت له: لا تتوهم أنّي أسالك اعناتاً فإنيّ لم أفهمها ولم تقع لي. فقال لي: ويلك، ومتى توهمت أننّي أتوهّمُ أنّكَ تعنتني. ثم زجرني وتركني ومضى)) ونقل السيرافيّ عن الزجاج وصفه لأحد أبواب الكتاب بقوله:((هذا باب لم يفهمه إلاّ الخليل وسيبويه)) وغير ذلك من المواقف والأقوال التي تصوّر عملاقاً آخر للنحو العربيّ. تتلمذ على يد العملاق الأوّل(الخليل).
وحسبنا من كل هذا أنّ علماء العربيّة قاطبة على كثرتهم وعبقريّة كثير منهم لم يستطيعوا أن يتجاوزوه على الرغم من أنهم-كما سنرى فيما بعد-تبنوا نظريّة للنحو العربي تختلف عن نظريته إلاّ أنهم لم يجدوا بدّاً من أن يوظفوا كلامه فيها؛ وقد عملوا على إعادة صياغة كتابه الصياغة التي يرغبون فيها وتمّ ذلك لهم في كتاب أبي بكر ابن السراج(ت 316هـ)(الأصول في النحو).لقد تبنّى ابن السراج في كتابه منهجاً يقوم في إطاره العام على الاصناف بدأ فيه((بمرفوعات الاسماء ثم المنصوبات والمجرورات، وانتقل بعد ذلك إلى التوابع...ثم أشار إلى نواصب الأفعال وجوازمها، وزاد باب التقديم والتأخير وباب الأخبار بالذي وبالألف واللام، وانتهى إلى مسائل الصرف)) ووصف بعض القدماء عمله هذا فقال:((...وأخذ مسائل سيبويه ورتّبها أحسن ترتيب)) ومن ثمّ رأى محقق كتاب الاصول(رحمه الله)أن موضوعاته غير متداخلة كموضوعات سيبويه( ).؟!!بل ذكر أنّ القدماء رأوا فيه ما يجنبهم عناء البحث في الكتاب فأصبح الأصول عندهم((..غاية في الشرف والفائدة))؟!!.
وكان المبرد(ت285هـ)قد ألمح في مقولته المشهورة-في هذا السياق-التي كان يقولها لمن يريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه وهي(هل ركبت البحر؟!)إلى الصعوبة التي كانوا يعانونها في إدراك نظريّة سيبويه ورأت الاستاذة الدكتورة خديجة الحديثي في هذه المقولة((تعظيماً له(تعني للكتاب) واستصعاباً لما فيه، فكأنّه لن يستطيع تحمل مشاق قراءته والصبر على استخراج دقائقه وعويصه إلا من ركب البحر وتحمّل أهواله، وإلاّ من غاص فيه واستطاع استخراج درره وجواهره)) ولعل تأليف المبرد المقتضب كان انعكاساً للغربة تجاه الكتاب ومنهجه وفي محاولة فهمه الذي شاع وصفهم إياه بـ(قرآن النحو).
إنّ هذه الدراسة-كما يظهر-تحاول أن تتجاوز تلك التراكمات التأريخية والعلميّة التي كونت غلافاً حول الكتاب امتلك سلطة قويّة على الدراسات النحويّة كافّة إلى عصرنا هذا. فإذا ما أراد بعض الباحثين النظر في الكتاب قدّم بين يديْ حاجته تلك تصورات عن الكتاب كان قد تعلّمها في أغلب الأحيان من ألفية ابن مالك وشروحها أو كتب ابن هشام ونحوها. ولم يمكّن سيبويه من قياده فكانت النتيجة الخروج بالموجود. بيد أنه ما ينبغي أن يفهم من كلامنا ههنا أننا نسعى إلى أن نعيب على أحد ما عملاً، بل جرى القلم إلى هذا الموضع من الكلام لما نرجوه من أن يتم فهم سيبويه وغير سيبويه من علمائنا الأجلاء من خلال ما كتبوا أو ما نُقل عنهم نقلاً حرفيّا. (1)
مكونات الدراسة :
تكونت الدراسة من :
• المقدّمة
• التوطئة المنهجية للدراسة
• الفصل الاول: منهج سيبويه في التحليل النحويّ
• المبحث الأول: منهج سيبويه في دراسة الظاهرة النحوية.
• المبحث الثاني: منهج سيبويه في التدوين النحويّ.
• الفصل الثاني: مفهومات عناصر الجملة العربيّة
• المبحث الأول: مفهوم الفعلية عند سيبويه.
• المبحث الثاني: مفهوم الاسميّة عند سيبويه.
• المبحث الثالث: مفهوم الظرفية عند سيبويه.
• الفصل الثالث: بناء الجملة العربيّة
• المبحث الاول: مصطلحات أركان الجملة عند سيبويه
• المبحث الثاني: التكوين الخطي للجملة عند سيبويه
• الفصل الرابع: فهم الجملة عند سيبويه
• المبحث الأوّل: المحتوى الدلالي للجملة
• المبحث الثاني: معيار حسن السكوت.
• الفصل الخامس: المستوى القبلي عند سيبويه.
• المبحث الأول: نظرية الأصول عند سيبويه
• المبحث الثاني: مفهوم(تمثيل ولم يتكلم به)عند سيبويه
• المبحث الثالث: الجملة الأصل في العربية عند سيبويه.
• الخاتمة(نتائج الدراسة وتوصياتها)
• ثبت المظان (2)
نتائج الدراسة
توصل الباحث إلى النتائج التالية :
  1. لقد تبنّى سيبويه في كتابه منهج المفسرين في نظرهم إلى كتاب الله إذ عمل على وظيفة المفسّر فوظيفة اللغوي عند سيبويه هي تفسير كلام العرب وتعليله للوصول الى مقاصدهم منه ولهذا فقد وظّف طائفة من الآليات في هذا التفسير وظهرت آلية المحتوى الدلالي فعّالة في هذا المنهج وتمثل المنهج التفسيري ههنا بمناظرته لبحث المفسرين عن أسباب النزول. وقد سعينا إلى تأكيد هذا المنهج عبر استقراء كلمة(تفسير)ونحوها إذ استعملها سيبويه في(150)مرة.
  2. يعدّ عنصر الحدث العنصر الاكثر أهمية في المقولات الفعلية لا عنصر الزمان أو البناء(الصيغة)وذلك لامتلاكه القدرة التوليدية في إنشاء المجالات.
  3. كشفت الدراسة كون الزمان عند سيبويه زماناً نحوياً يخضع للحدث بكل كيفياته من وقوعه فيما مضى أو استمراره أو كونه متوقعاً حدوثه أو يطلب أو يستفهم عنه وغير ذلك من كيفيات الأحداث. وتم في هذا السياق الكشف عن تقسيم جديد للأفعال تبنّاه سيبويه أساساً لتقسيم الأفعال وذلك هو كون الافعال تنقسم على:
أ.أفعال واقعة(أو واجبة)
ب.أفعال غير واقعة(أو غير واجبة)
4.وضعت الدراسة ما اصطلح عليه(بالبنية المجردة للفعل)في إطار البحث عن مفهوم الفعليّة. وكان مخطط هذه البنية على الصورة التالية:
البنية المجردة للفعل=[حدث+ زمان+ بناء]+[محل المسند إلى الفعل(أو محل الفاعل)]
وتأكّد هذه البنية-فضلاً على كشفها على البنى الفعلية-كيفية التلازم بن الفعل والفاعل ومن ثمَّ فإن هذا المحل سيبقى ملاحظاً في التحولات كافّة التي تجري على الجملة الفعليّة. كما أن هذا التلازم سيفسّر حالة الرفع في الفاعل بكونها قريبة من الحالة القبليّة(حالة الابتداء).وهو ما يعطي أولية للنمط الاسمي على النمط الفعلي.
5- تجاوز مفهوم الظرفية عند سيبويه ظرفية الزمان والمكان الى معانٍ ظرفية أُخرى هي: الحاليّة والمصاحبة والمشابهة والبدلية، إذ تشترك جميعها في قيامها على ملاحظة الشيء بالنسبة الى شيء أخر بحيث يكون الأخير مجالاً يتحرّك الأول في حدوده.
  1. لقد بينت الدراسة أن النداء يعمل مقيّداً دائماً للجملة، يختفي عندما يكون المخاطب متوجهاً إلى المتكلم .أما سلوكها النحوي فقد يكون قريباً إلى حالة الابتداء خاصة في المنادى المرفوع.
  2. أثبتت الدراسة أن كتاب سيبويه كان قد كتب في ضوء تصورات امتازت عن عصرها كثيراً فالدرس اللساني عند الخليل وسيبويه-على ما بينه مبحث المحتوى الدلالي للجملة-درس تفسيريّ تعليلي يعتمد تقويم التركيب وبيان وجه الصحة والخطأ بوساطة معايير خلفية(نسبة الى مصطلح الخُلْف)،متجاوزاً بذلك طائفة النحويين المعاصرين الذين تبنوا منهجاً شكلياً غايته معرفة الاعراب.
  3. اعتمد سيبويه معيار(حسن السكوت)داخل مجال المحتوى الدلالي للإشارة إلى تمام هذا المحتوى من وجهة نظر المتكلم منعكسة على المخاطب. وكان هذا المعيار مهماً في صحة بعض التركيبات لاسيما النمط الثالث من انماط الجملة الذي تبناه سيبويه.
  4. تعامل سيبويه مع اللغة العربية بوصفها لغة خطابية قائمة في المجتمع وهي سمة قد افتقدتها المؤلفات النحوية اللاحقة. وهذا شيء يدعو إلى إعادة النظر في رأى المستشرقين في أنّ العربية الفصحى لم تكن لغة خطاب.
  5. لقد تبنى سيبويه-في إطار المستوى القبلي-وجود نمط محوّل عن الأصل يعدّ في نظرنا نمطاً ثالثاً للجملة العربية وذلك النمط من نحو: فيها عبدالله وأين زيد. وهو أمر لم يشر إليه واحد من القدماء أو المحدثين.
  6. في مجال التأصيل الفكري كان الكتاب معبّراً عن فكر لغوي عميق ومتأمّل قام في عقليتين هما عقليتا الخليل وسيبويه رحمهما الله وهما منسجمان معاً إلى الدرجة التي لا يمكن الحكم بصواب محاولة الفصل بينهما، بل تعدّ هذه المحاولة فاشلة بأبعد حدودها.
  7. لقد أظهرت الدراسة نتيجة خطيرة في الدرس النحويّ العربي تمثلت في وجود مغايرة كبيرة بين نظرية الكتاب ونظرية النحويين الخالفين. وقد مثّل كتاب ان السراج(الاصول في النحو)واعادة صياغة نظرية سيبويه لتخرج نظرية نحوية جديدة هي أقرب إلى النزعة المنطقية في فهم الجملة وعلاقة الربط بين مكوناتها أو نظرية العامل منها إلى النزعة اللغوية. ولعل أبرز مظهر في هذا السياق المغايرة الاصطلاحية في استعمال مصطلحات المسند والمسند إليه فقد خالفوا سيبويه في الاصطلاح على المبتدأ بالمسند إليه وعلى المبنى عليه بالمسند نزوعاً منهم إلى التعبير عن القضية الحملية في المنطق. (3)
توصيات الدراسة:
  1. يوصي الباحث بتبني(نظرية الكتاب)في التحليل النحويّ، بوصفها منهجاً تكامليّاً حديثاً للدراسات اللغوية، إذ يمكّن منهج النظرية من تلافي العيوب التي اشتملت عليها المناهج الاخرى القديمة والحديثة وهو ما يقود إلى محاولة إعادة تقويم البحوث اللغوية السابقة ولاسيما تلك البحوث التي اقتصرت على الكتاب.
  2. وتفسح هذه الدراسة مجالاً لدراسة موّسعة تحاول بيان درجة الانحراف الذي حصل فيما بين نظرية الكتاب ونظرية كتاب الاصول لابن السراج.
  3. توصي الدراسة أيضاً بالوقوف عند المقتضب للمبرد ومحاولة دراسته على وفق منهج هذه الدراسة الخاصة بالنظرة الفيلولوجية في دراسة النصوص ثم عقد موازنة بينه وبين الكتاب. (4)









(1) الباحث / حسن عبد الغني محمد جواد الأسدي ،( مفهوم الجملة عند سيبويه ) رسالة دكتوراه فلسفه في اللغة العربية وآدابها، ص1 -2
(2) الباحث / حسن عبد الغني محمد جواد الأسدي ،( مفهوم الجملة عند سيبويه ) رسالة دكتوراه فلسفه في اللغة العربية وآدابها، ص3
(3) الباحث / حسن عبد الغني محمد جواد الأسدي ،( مفهوم الجملة عند سيبويه ) رسالة دكتوراه فلسفه في اللغة العربية وآدابها، ص225-226
(4) الباحث / حسن عبد الغني محمد جواد الأسدي ،( مفهوم الجملة عند سيبويه ) رسالة دكتوراه فلسفه في اللغة العربية وآدابها، ص227

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى