عبدالجبار العلمي - بَعْضٌ مِنْ كَلِماتٍ في كِتاب "أَوْرَاق النَّرْجِس" للْكاتِبِ الإِعْلامي ذ. ع.القادر الإدريسي عَاشِقٌ في بَلاطِ صَاحِبَةِ الجلالة

صدر حديثاً عن منشورات « باب الحكمة » بتطوان ، كتابٌ جديد للصديق الكاتب الصحافي المرموق الأستاذ عبدالقادر الإدريسي بعنوان شاعري هو « أَوْرَاقُ النَّرْجِس » ، طبع بدار النجاح الجديدة بالدار البيضاء ( 2020 ) . وهذا هو الكتاب الرابع الذي وسمه بأسماء الزهور ، فقد سبقته الكتب التالية : « أَوْراقُ الْبَنفْسَج » (2010 ) - « أَوْرَاقُ اليَاسَمين » ( 2014 ) - « أَوْرَاقُ الْوَرْد » ( 2017 ) . أَمَّا سيرتُه الذَّاتية أو ( بَعْضٌ مِنْ سِيرَتِه ) كما أراد أن يجنسها، فقد اختار لها اسما دالا على عشقه الأبدي للصحافة وكفاحه المرير في مجالها الصعب المراس هو : « أوراق عاشق في بلاط صاحبة الجلالة / بعض من سيرة ». كتاب "أوراق النرجس " يضم مجموعة من المقالات المتنوعة، فهو يقوم على المقال الأدبي، والمقال الثقافي والمقال السياسي والمقال الفكري العام. وقد كُتِبتْ في مناسباتٍ مُختلفة، وَنُشِرَ أَغلبُها في جريدة "العَلَم " التي يعتبرها المؤلِّف جامعتَه التي تخرج فيها. والجدير بالذكر أَنَّ المؤلفَ رجلٌ عصامي كَوَّن نفسَه بنفسه. بدأ عمله في بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة) مُصحِّحاً بقسم التصحيح في جريدة العَلَم سنة 1968 م. وسافر إلى القاهرة وتدرب مدة100 يوم في أشهر قلاع الصحافة المصرية آنذاك هي « أخبار اليوم » التي أنشأها التوأم علي أمين ومصطفى أمين سنة 1945م ، واتصل بفرسان الصحافة المصرية في أرض الكنانة، وقرأ لمشاهيرها في ذلك العصر : هيكل وأحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وعلي أمين وأنيس منصور وإحسان عبدالقدوس وغيرهم ، كما عني بقراءة الصحافة المغربية منذ بداية الستينيات ، وأفاد من رموزها من عدة أجيال ابتداء من : التهامي الوزاني ( جريدة الريف ) وعبدالله كنون والمكي الناصري ثم بعد ذلك ، من عبدالكريم غلاب وعبدالمجيد بن جلون وأحمد عبدالسلام البقالي ومحمد العربي المساري ومحمد الطنجاوي ، كما أفاد من أستاذه وأستاذ العديد من حاملي القلم في عالم الصحافة والإبداع في المغرب هو الأستاذ عبدالجبار السحيمي رحمه الله ـ وقد كان من المعجبين بأسلوبه الرشيق المركَّز في مقالاته وأعمدته الذائعة الصيت ، ومنها عموده الموسوم بـ ( الأيام والليالي ) . وهكذا نرى أن ذاك العاشق المدنف في بلاط صاحبة الجلالة، قد جمعَ بين الحسنيين ، ونهلَ من المنبعين : المشرقِ والمغرب ، كما أفادَ من كلِّ الصحافيين على اختلاف مشاربِهم وإيديولوجياتِهم، فما كان يهمه إلا تجويدُ أسلوبِه وإتقانُ مِهنتِه. للأستاذ عبدالقادر الإدريسي تجربةُ نصف قرن في بلاط صاحبة الجلالة، وقد تقلَّد خلالهُ عدةَ مناصبَ صحافيةٍ وثقافيةٍ هامَّة من بينها رئاستُه تحرير مجلة « دعوة الحق » وعملُه مكلفاً بالإعلام في منظمة الإسيسكو . الصديق الأستاذ عبدالقادر الإدريسي معروف لدى أصدقائه ومجايليه بالوفاء والحفاظ على العهد والتواضع ودماثة الخلق. وقمين بي هنا ، أن أذكر بكل محبة وتقدير وعرفان، أنه كان كلما أصدر كتاباً جديدا إلا ويحرص على تمكيني من نسختي هدية منه يرسلها إلي عبر البريد إلى عنواني مهما تغير . إنه من الذين لا ينسون أصدقاءهم مهما بعدت الشقة بينهم ، ومهما حالت الظروف بينهم وبين اللقاء. فقد توصلت بكتابه « أوراق الياسمين » ، وسعدت به كما سعدت بصنوه « أوراق البنفسج » الذي وصلني حال صدوره هدية كريمة منه. استمتعت أيما استمتاع بقراءة مقدمة الكتاب التي وسمها المؤلف بعنوان « أما قبل » ، وكنت أتمنى لو يسترسل في حديثه الطلي عن سيرتِه وتجربةِ حياتِه الغنية، والمراحلِ التي قطعها في تكوين الذات بكفاح وعصامية نادرتين ، وذكرِ تفاصيل رحلته التي قام بها إلى المشرق العربي طلباً للعلم ، وسعياً لاستكمال معارفه في المجال الذي عشقه دوماً وهو الصحافة. فتجربته الحياتية وكفاحه في تكوين ذاته، خليقة بأن تسجل بكل تفاصيلها في كتاب سيرة ذاتية من شأنه أن ينتفع به الناس، ولأن يكون صاحبُه قدوة تقتدي به أجيالنا الصاعدة. في هذا الكتاب قرأت مقالات انصب اهتمامها على قضية هامة هي الدفاع عن اللغة العربية التي تتعرض في بلادنا للتهميش على حساب اللغة الفرنسية ، الأمر الذي يعد انتهاكاً سافراً لمقتضيات الدستور المغربي . فهي المستعملة غالباً في الإدارة الرسمية وفي المؤسسات غير الحكومية المختلفة. والأدهى والأمر أن بعض الخواص من أصحاب المتاجر والمقاهي والعمارات والإقامات السكنية وبعض المدارس الخصوصية، يستبعدون اللغة العربية ، ويطلقون عليها أسماء أجنبية بالحرف اللاتيني ، لاعتبارهم ، ربما ، أن هذه الأسماء الأجنبية مظهر رقي ، وأن المحلات الراقية هي التي تحمل تلك الأسماء ، وهي التي في نظرهم تجلب إليها الزبائن .. وهي ظاهرة ملاحظة في سائر مدننا للأسف. كان المؤلف دائما يعبر عن غيرته على لغتنا الجميلة ، عاشقاً حروفها منذ صباه الغض. ولا أنسى أن أذكر هنا أن أمنيتنا بتسجيل حياته في سيرة ذاتية ، تحققت بإصداره كتابه المذكور أعلاه « أوراق عاشق في بلاط صاحبة الجلالة » إلا أنه بالنظر إلى إحساسه بأنه لم يأت على ذِكر مراحلَ وأحداثاً كثيرة غنية أخرى من حياته، اعتبرَ ما كتبهُ ضمنَ هذه الأوراق « بعضاً من سيرة » . والحقيقة أنه لو أطلق لقلمه العنان ، ولذاكرته الإبحار في يم الذكريات البعيدة الغائرة، لجاءت سيرته الذاتية في عدة أسفار. آخر ما وصلني من يديه الكريمتين من كتبه ، هذه الأوراق المُضَمَّخة بعطرِ المحبَّة، ونسائمِ النَّرجِس المنبعث من أوراقه المتسربلة بغلائل فَنِّ المقالة بمختلف ألوانها وصنوفها. إنَّها كُلَّها باقاتٌ عَطِرَة، قُطِفتْ أزْهارُها المتنوعةُ من ( بنَفْسَجٍ وياسَمينٍ ووَردٍ ونَرْجِسٍ ) من حديقةِ ثقافتهِ الشَّاسعة




1607119509357.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى