أحماد بوتالوحت - الجمَل المجنّح

- لم تعُد تفصلنا عن التلّة إلا أمتاراً قليلة .
قال إبراهيم ، ثم تابع سيره ملتحقاً بأصدقائه الذين أصبحوا بعيدين عنه وعن عمران .
كان إبراهيم قد حكى لِرِفاقه عن الجمل المجنح الذي يُرى محلقاً من رأس إحدى التلال المحيطة بالقرية . وفي ليلة اليوم الذي سمع فيه عمران الحكاية ، رأى في المنام ذلك الجمل ، كان يبدو كطائر وليس كما تصوره هو في الحكاية ، وبالكاد وعلى هُدى سبَّابة إبراهيم النحيلة التي كادت أن تفقأ عين الأفق ، ميَّز عمران الجمل عن سرب من الطيور المحلقة في الفراغ .
أبدى الرفاق رغبة مُلِحَّة لمشاهدة المخلوق الغريب، وبعد أن أكل إبراهيم كُل التِّين الذي أحضره معه عمران ، ضرب لهم موعداً أمام مقبرة القرية و في يوم الموعد إستيقظ عمران باكراً وَدُون أن يتناول فطوره حشر جسمه الرَّخو والبَدين داخل جلباب صوفي فضفاض يتَّسع لجسوم كثيرة ، توجه نحو المقبرة ، وهناك ! وفي مكان تحت سورها الواطىء إتخد له مجلساً مُوَلِّيا وجهه شطر الزقاق الوحيد للقرية ليتسنى له مراقبة قدوم أصدقائه ، كانت الساعات الأولى من الصباح ساخنة ، منبئة بيوم حار ، وقد بدا أثرُها على عمران الذي بدأ ينضح عرقاً و يتنفس بصعوبة ، وفي لحظة ما فكَّر في العودة إلى البيت لتناول وجبة الفطور ثم الرجوع إلى المقبرة ، لكن ظهور إبراهيم من أعلى الزقاق جعل عمران يهُب من مكانه لإستقباله ونسي ما كان قد عزم عليه .لحظة وجيزة فصلت بين حضور إبراهيم و الآخرين ، ولِلتَّو إنطلقت المجموعة صوب "الكُدْيَة " التي منها يُرى الجمل المجنح محلقاً ،كانت الجماعة في عجلة من أمرها فسارت تَغُد السير ، عَدَا عمران الذي كان مثقلاً بجسمه البدين وبجلبابه الصوفي الذي يُصِر على إرتدائه صيفاً وشتاء لإخفاء بروز ثدييه اللذين يشبهان ثديي ممارس لعبة السومو . كان يكابد ويجاهد حتى يبقى قريباً من الجماعة لكن ذلك كان أمراً مستحيلاً فَبَقي يتدحرج بعيداً عنها حتى لم يعُد يَرى منها إلا كُفوفاً تشير لَه أن يُسرع، كانت المسافة التي قطعها كافية لإرهاقه وعلى وشك إزهاق روحه وهكذا اضطر إلى التباطؤ وندم على أنه قبل الدخول في تلك التجربة دون أن يقدر متاعبها ، وفي هذه الأثناء تَملَّكه حنين إلى الحي وإلى أمه التي قد تكون في هذه اللحظة دقَّت باب إحدى جاراتها لتسألها هل شاهدت عمران ، وقد تجيب هذه الأخيرة أنها رأته مع جماعة من رفاقه متجهين خارج القرية ، فتقول أمه .
ــــــــ لقد ساقوه ليسخروا منه ويضحكوا عليه ، يدفعون به أن يَعْدو من مكان لآخر ويلهث ككلب مسعور. ثم تضيف بحسرة
ــــــــــ عمرا ن !إنه ثعلب إختفى خلف تلك الخميلة حاول أن تقبض عليه ، ويجري عمران
ـــــــ عمران إنه سِنْجاب صغير ولج ذلك الجحر ، يدخل عمران المغفل يده في الجحر
فتمسك بأصابعه مصيدة فئران ....يا إلهي رأفة بي وبذلك السَّادج .
شرعت المجموعة في تسلُّق الرَّابية فيما هو ما زال بعيداً عنها ولما بعد لَأْي صارت مُتاخِمة
لحذائه ، كان الآخرون على قمتها ويومئون له بكفوفهم .
جاهد عمران كي يتسلق التلة التي بدا لَهُ رأسها يلامس السماء ، كانت رجلاه كالَّتان وعاجزتان عن الحركة ، إعتمد على يديه وشرع في الصعود كأنه يتسلق عمودا وَ من كفَّيه أكلت حجارة السفح وترابها وخشاشها وحَسَكها حتى أُدْمِيَتا وتمزق جلبابه من جهة الركبتين ، ولما كان على رأس " الكدية" التي تصورها كجبل شاهق ، وجد الريح وحدها تصفر على رأسها الأقرع ، ولم يكن هناك جمل مجنح ، طيور فقط تربِّت بأجنحتها الممدودة على ناصية الفراغ ، كانت المجموعة قد تابعت سيرها مترجِّلة عن الربوة وسَلَكت طريقاً يحفُّ بأسفل التلة متوجهة إلى القرية وقهقهاتها تملأ السفح.

ـــــــــــــــــــــــ
الكُدْية : التلة
احماد بوتالوحت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى