خيرة جليل - البحث في مكنزمات برادايم التشكيل الكوني : من خلال تجربة التشكيلي الشاب :م/ إدريس صبيرة

كما سبقت الإشارة ترتبط عناصر العمل الفني ارتباطا وثيقا لا سبيل إلى انفصاله،نظرا لارتباط المادة بالصورة، وعند دراستنا للصورة أو الشكل لا نستطيع أن نجعلها منفصلة عن باقي العناصر المكونة "المادة، التعبير، المحتوى"، إلا في الذهن أو أثناء الدراسة والتحليل للإجابة على مجموعة من الإشكاليات. وفي دراستي لأعماله التشكيلي صبيرة إدريس و تتبع مساره الفني منذ بداية مساره إلى الآن أقف عند مجموعة من الإشكاليات بشكل مفصل كالتالي : ماهية المدرسة التشكيلية التي يمكن أن نصنف فيها أعماله ؟ من أين يستلهم مواضيع لوحاته وما هي الفلسفة الجمالية التي حركت إبداعه؟ كيف تعامل مع المنجز التشكيلي من حيث الفضاء والخلفية ؟ كيف تعامل مع الكتلة اللونية والضوء والتوزيع على منشئه الفني ؟ فما هي خصائص أعماله الفنية ؟ وكيف ينظر إلى المنجز الفني كلغة بصرية؟ وماهو الانزياح الفني الذي يعمل في إطاره ليستقطب اهتمام مجموعة من الفنانين وأصحاب الغالريهات بأمريكا وغيرها؟ وكيف ينظر للفن في افق المستقبل القادم؟
حين نتحدث عن تجربة التشكيلي الشاب والطالب الجامعي المغربي فإننا نتحدث عن تشكيلي مغربي صاعد قلب موازين المتعارف عليه عادة، نشأ وترعرع وسط وسط فني وأدبي له زونه مغربيا وعالميا، اكتشفته المؤسسة السعودية: أجنحة عربية من طرف مديرها التشكيلي والمهندس محمد البحراوي ورئيستها استاذة الفنون الجميلة التشكيلية نجلاء فلمبان منذ سن الثالثة عشر خلال مشاركته كأصغر فنان تشكيلي بأكبر لوحة الذي أقيم بمدينة مراكش سنة 2013، احتضنت المؤسسة لوحاته رغم صغر سنه إلى جانب العديد من الفنانين السعوديين الكبار مثل نهار مرزوق وسعيد العلاوي ومنى سنبل ....شارك بسن الخامسة عشر بغالري آرت كونكشن بنيويورك وعرضت له غالري ياربابروجا بلونغ ايلاند بامريكا أعماله وكان مفاجأة الدورة حيث حقق مبيعات واحترام فنانين مدينة باتشوغ بامريكا. انخرط بمنتدى أجنحة التشكيل وشارك بالعديد من الدول عالميا منها الإكوادور والشيلي وفنزويلا والباكستان، يتابع دراسته الجامعية ويشارك بالملتقيات الفنية والمعارض المحلية ويتلقى تكوينات بالمجال الفني لتعميق خبرته من طرف أستاذة الفنون الجميلة كالتشكيلية لمياء حدوش وآخرين، ليبقى السؤال المطروح:
حين نعود لدراسة أعماله بالملاحظة والتحليل والتركيب نجد أنه يفضل العمل داخل المدرسة التجريدية الغنائية مع انزياح لادخال مجموعة من الرموز التي يعتبرها مكنزمات تتحكم في علاقة اللون والكتلة اللونية بتوزيعها بالمجال مما يحدد قوة كثافتها وتشعبها في نفس الوقت. يحاول تكسير المتعارف عليه في مزج الألوان من حيث التدرج لكنه يحقق انساجما تكامليا بينها. يعمل في إطار الحدود الفاصلة بين ما يُصنف ضمن وعي جمالي يضع الفن خارج كل الدوائر سوى دائرة المتعة ذاتها، وبين النظر إليه باعتباره مصدرا من مصادر التواصل مع العالم الخارجي عن ذاته للوصول إلى حقيقة هو متعطش إليها، بحيث يعمل بمرجعية فكرية تستمد خلفيتها بمرد الفن إلى الفن ذاته خارج كل الوظائف، لأنه لا يهدف من إنجازه الفني البيع والشهرة بل جعله أداة لإنتاج الحقائق وتداولها في حدود تجريبه العمري. فكما يقول العديد من المفكرين ليس هناك سبيلا واحدا إلى الحقيقة، هناك سبل متعدد تقود إليها، لكن سبيل الفن ذاته يكون واضحا ومختصرا للمسافات؛ بل إن ما يأتي من الفن قد يكون أعمق بكثير مما يمكن أن تفرزه أبحاث متعدد بميادين مختلفة. حيث يبرز من خلال لوحاته أن الفن تجربة حياتية يومية تلخص علاقته بالآخر وعلاقته بمحيطه بتعدد وتشعب علاقاته، لأن كل لوحة بالنسبة لهذا التشكيلي الشاب تلخص خبرة إنسانية عامة يمكن تجلي مفهومها في وجودها في كل ما ينتجه الفرد ككائن مبدع ومتفاعل مع الكائنات الأخرى بمجال مفتوح أو مغلق أويتقاسمه مع غيره خارج قواعد الإبلاغ النفعي وإكراهاته.
سيميائية اللون عنده تتعدى نطاق اللغة البصرية الجمالية لتصل لمستوى المحسوس والملموس، فاللون يعتبره التشكيلي طاقة يستمد منها الإلهام ليبدع في نطاق المدارس المتعارف عليها أو يكسر قواعدها ويتطلع بأن يبحر بعوالم المنشأ الفني، تعامله مع الكتلة اللونية وتوزيعها يأتي دون تخطيط مسبق لأنه يعتبر التخطيط لتوزيع اللون هو تقيد بأكادميات قد تغتال الإبداع . كل لوحة هي تجربة قد لا يتنبا بما ستفضي إليه ، حتى أن الإنتهاء من لوحة معينة يعتبره هو مجرد اشباع نفسي خلال لحظة معينة لتبقى مفتوحة على اللازمن للانجاز وقد يعود إليها بعد مدة لاتمام شيء يرى أن التأمل أفصح عنه.
حين توجه إليه السؤال ما هو الفن بالنسبة إليك؟
يبتسم ليقول: إن الفن بالنسبة إليه ليس فقط هو تلك اللوحة التي تعلق على الجدار بغالري معين ليقف المتأمل لمساءلتها، بل الفن يمتد من لحظة دخول الورشة والطقوس التي تسبق الإنجاز وسيرورته إلى أن تعلق اللوحة وتنتهي مهمة التشكيلي ليبدأ زمن المتلقي وزوايا قراءة عمله ولتصبح القراءة قراءات متعددة بتعدد أصحابها وزواياها وأزمنتها ومدى توفرهم على لغة ووسائل القراءة لنص بصري معين دون الدخول في المجاملات الزائدة لصاحب المنجز، ومن هنا يجب أن تكون اللوحة ذلك الطفل الذي يحمل جينات والده حتى وإن ابتعد عنه.
ومن خلال تحليل لوحاته الأولى والثاني والأخير وي لمراحل عمرية مختلفة نلاحظ أن التشكيلي إدريس لامس إشكالية مهمة أرهقت العديد من التشكيلين في التعامل معها كقضية فنية رئيسية في المنجز التشكيلي، ألا وهي إشكالية الشكل الفني كمنجز قائم بحد ذاته. حيث أن القاموس في رأي "هربرت ريد"- يقدّم معنى الشكل على أنه الهيئـة أو ترتيب الأشياء، جانب مرئي، وليس شكل عمل فني بأكثر من هيئته وترتيب أجزائه أو جانبه المرئي. فنجد شيئا حالما كأن هناك جزءان أو أكثر مجتمعين مع بعضهما لكي يصنعوا نسقاً مرئيا كما لامس المفهوم لدى "كانط" الذي رأى أن الشكل هو الذي يحدد الأثر الفني ويعينه. كما أن للأثر الفني وحدة طبيعية نهائية داخلية، وهى تؤلف كلا واحدا، وهذه الخاصية تميزها عن كل شيء آخر وتستثير الانفعال الجمالي، وهذه الخاصية مستقلة عن المحتوى. فنجد أن أعماله الفنية اختلفت وتنوعت بتنوع السند الذي اختار والمادة التي تفاعل معا بمنجزه فهي تتدرج من مادة الأكريليك بمختلف الوانها إلى المادة الترابية المحضة ويصبح تعامله الفني مع اللوحة كتعامله مع حائط قديم بمواد تقليدية ليعبر على افكار معاصرة، ومن هنا كان تميزه الفني .
عموما إن تنظيم عناصر الوسيط المادي الذي تتضمنه اللوحة لديه حققت الارتباط المتبادل بينها، بما في ذلك من عناصر الوسيط : الألوان والخطوط والنقط والتعرجات البسيطة والمعقدة والمُركبة .. مما يجعلني أتنبا له بمستقبل تشكيلي مائز ينفتح على التجارب العالمية بأمريكا وأوربا واسيا وفي نفس الوقت يستمد مشروعيته من الإرث الحضاري المغربي بتعدد روافده التراثية والفنية.



بعض المراجع المعتمدة:
هنرى لوفافر" : في علم الجمال - ترجمة محمد عيتاني - دار المعجم العربي - الطبعة الأولى - بيروت 1954 .ا.
*9 Croce, Bendetto: The Essence of Aesthetic - Translated by Douglas Ainslie - The Arden Liberary, 1978.
لدُّكتور بلقَاسم حُسَيْنيّ منتدى الدُّكتور بلقَاسم حُسَيْنيّ موضوع: مفهوم الفيلولوجيا
"عبد الرحمن بدوي": فلسفة الجمال والفن عند هيجل - دار الشروق - الطبعة الأولى - القاهرة - 1996 .
*1 " جون ديوى": الفن خبرة - ترجمة زكريا إبراهيم - مراجعة زكى نجيب محمود - ( دار النهضة العربية - بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين) - (القاهرة - بيروت ) سبتمبر 1963.
*5 "هريرت ريد" معنى الفن - ترجمة سامي خشبة - مراجعة مصطفى حبيب - الهيئة - المصرية العامة للكتاب القاهرة - 1998 -
*6 "هنرى لوفافر" : في علم الجمال - ترجمة محمد عيتاني - دار المعجم العربي - الطبعة الأولى - بيروت 1954 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى