نزار حسين راشد - نعيشُ ونذكر

الخلاف الفكري هو أشدّ الخلافات حدّة، وجانب الصواب من قال: خلاف الراي لا يفسد للودّ قضية، لأنه ينتهي عادةً ب: هذا فراق بيني وبينك، ثم تأتي البقية: سأنبؤك أين أنت مخطيء وأين أنا على حق!
تجربتي الشخصية تقول ذلك، فقد فككت حبال الود مع اليساريين أولاً ثم مع الإسلاميين ثانياً، واتهمتهم بالانتهازية.
بعضهم تلقى ذلك بلطف ولين ولم يعترض على خياري بل التمس لي عذراً، وشفع ذلك بالدّعابة: فصديقي أمجد ناصر علّق ببساطة: الإيمان يشعرك بالأمان، وحقّك أن تلتمسه أينما كان!بينما علّق صديقنا عدنان خليل: لقد اخترت الطريق السهل، فلن تقلق بعد الآن!
وجاء صديق من الإخوان ليطمئن على أن هذا الهجران هو هجر للأشخاص لا للدين والإيمان، وانتظر حتى ُ رفع المؤذن الآذان، ليرى هل سأقيم الصلاة أم عفا عليها النسيان!
هذه نصف الحكاية أمّا النصف الآخر فهو أنني لم أُطلّقهم،بل طاردتهم بالمقالات والمراسلات،فاصطدت حديثاً لأمجد في سجال بينه وبين الشاعر الفلسطيني زكريا محمد صرّح فيه أمجد أن الناس لا تعيش بالأفكار المجرّدة بل حتى بالأساطير والأديان وهي زادٌ روحي لا يستغني عنه الإنسان،مما أثار حفيظة زكريا فقال له:والله كنت أعلم أنك تخفي في داخلك التدين وتظهر الماركسية.
انتهزتُ هذه الفرصة وكتبتُ له مقالاً ضمّنته أبياتاً للسياب حين ابتلاه الله بالمرض يقول فيها:
لك الخمد مهما استطال البلاء ومهما استبدّ الألم
لك الحمد إن الرزايا عطاء وإن المصيبات بعض الكرم.
فردّ علي بمقال على صفحات العربي الجديد فيه الكثير من الدعابة وعنونه على ما أذكر"حمد والريلُ" أو شيء من هذا القبيل!
لم أرفع الرهان كثيراً أن اجذب هؤلاء الأصدقاء إلى دائرتي الفكرية ولكني قلت في نفسي:وذكّرهم بأيام الله.
فحتى أقرب الأصدقاء،قلت في نفسي ،لن ينفذ إلى أعماقك،مهما بلغ قربك منه!
إلى أن زارني صديقٌ شيخ بعد طول غياب،وكان من الطبيعي أن نفتح دفاتر الماضي ،وفّر علي الشيخ مشقّة التفسير والتعليل وحسم الأمر بالقول:أنا أعرف ما حصل لك:لقد استيقظ ذلك الصوفي النائم في قلبك،وحين يستيقظ الصوفي في قلب شاعر فلن يسعه إلا جنب الله!
أذهلني كشفه هذا،ولم أحر جواباً فقد قرأني الرجل وكأنني كتاب مفتوح،شجّعه صمتي على الإسترسال وكأنه تيقّن من صحّة ما يقول فأخرج من جيبه كتيّباً هو ديوان شعرٍ لي وشرع يقرأ إحدى قصائده:
قريب من حمى داري جوارك يا سنا الدارِ
وناءٍ عن شفوف العين لو رامتك أنظاري
قريرٌ في نوى قلبٍ
غريرٍ في الهوى عاري
فأَعلَمُ انني آتٍ بأثقالي وأوزاري
وما أبطأت عن عجزٍ وتقصيرٍ وإهدارِ!
طوى الكتاب وأردف مهنّئا ومباركاً:
هذا هو العود الميمون!
أنت ذاهبٌ إلى الحج أليس كذلك!
لم يكن هناك داعٍ أن أسأل كيف عرف،فحين تُكشف البصائر تصبح الأسئلة زائداً عن الحاجة!
ولقصّة حجي حكاية أبلغ وأعجب، فقد حلمت حلماً احترت في تفسيره أيّما حيرة،حلمت أنني زرت الملك في بيته،ولكنّ البيت عتيق وقديم واستيقظت متعجّباً من هذا الحلم وأعياني تأويله كيفما قلّبته،وكان لي جارٌ صوفي جذبني إليه حفظه للقرآن وترتيله له،فرويت له حلمي وبعفوية وبساطة قال لي:ستحجّ عما قريب إلى بيت الله الحرام، فالملك هو الله والبيت العتيق هو بيت الله!
وتعجبت كيف لم يخطر لي هذا المعنى على بال
وبالفعل تهيّأت الأمور وتيسرت وحصلت على فيزا الحج كمحرم لزوجتي الواعظة التي قرروا اختيارها في البعثة النسوية!
صديقي أمجد توفي إلى رحمة الله وتوفي صديقي الصوفي أيضاً!
أمّا أنا فامضي على الطريق الذي اخترته أو اختاره الله لي بعزيمة ماضية لا يثنيني عنه شيء والحمد لله ربّ العالمين!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى