محمد عباس محمد عرابي - تطور صورة الحيوان في نثر العصر العباسي.. رسالة دكتوراه للباحث خالد عبد العزيز محسن الخفاجي

تطور صورة الحيوان في نثر العصـــر العبـــــــاسي أطروحة تقدّم بها الباحث/خالد عبد العزيز محسن الخفاجي إلى مجلس كلية التربية في الجامعة المستنصرية، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها إشراف الأستاذة الدكتورة/ نادية غازي العزاوي عام 1434ه‍/ 2013م،وفيما يلي نص مكونات الدراسة ونتائجها كما ذكرها للباحث خالد عبد العزيز محسن الخفاجي نص رسالته للدكتوراه (تطور صورة الحيوان في نثر العصـــر العبـــــــاسي )

مكونات الدراسة :



تكونت الدراسة من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول :

التمهيد :دار حول مصادر صورة الحيوان في المرجعيات الإنسانية ، في فجر التاريخ، وسلط الباحث الضوء فيه على أهمية الحيوان في أبرز حضارات العالم القديم ونصوصه المقدسة السماويّة وغيرها, كما عالج المرجعية الثقافية العربية التي أمدت الناثر العبّاسي بالمادة اللازمة ، وكان للحيوان فيها ظهور فاعل, ومنها : الموروث الجاهلي والإسلامي ( القرآن الكريم ، الحديث الشريف ، السيرة النبوية وأقوال الصحابة ) ، والأدب الأموي .

الفصل الأول:

تناول البعد الواقعي لصورة الحيوان في التآليف اللغوية , وكتب الأمثال , وكتب الاختيارات الأدبية , والنص الوعظي والنص الفلسفي

الفصل الثاني :

تناول البعد الفني : تشكيل صورة الحيوان ( المؤثرات والوسائل ) ،واشتمل على : المبحث الأول : التشبيه.

المبحث الثاني : الاستعارة وانقسمت إلى : أولاً : استعارة الغرض الذي يدخل الحيوان فيه فاعلاً ، ثانياً : الاستعارة البلاغية.

المبحث الثالث : الكناية. واشتمل على توطئة عن أثر النقد العباسيّ في تشكيل صورة الحيوان ، فالناقد موجه للأدب وهو قارئ ضمني لا شك في أن الأديب يحسب له حساباً وإن كان في لا وعيه.

الفصل الثالث :

تناول البعد العجائبي ، وتخللته مباحث عنيت بالحيوان العجائبي عند الجاحظ والمعري ، والحيوان العجائبي في كتب الرحلات والأخبار والحكايات.

الفصل الرابع:

فقد درس البعد الرمزي في صورة الحيوان وقد تضمن مباحث هي : الأول : الحكاية على لسان الحيوان وشملت : ( كليلة ودمنة ) ، والثاني ( النمر والثعلب ) ، والثالث ( الأسد والغواص ) ، والرابع ( السلوانات ) ، والخامس ( رسالة إخوان الصفا في تداعي الحيوان على الإنسان ) ، والسادس ( الجاحظ هدم الرموز ـ إقامة البدائل ) ، وقد أفرد البحث هذا المبحث لمؤلف الجاحظ ( الحيوان ) لما له من أهمية أولاً ؛ لأنه يؤسس إلى رؤية جديدة للحيوان في العصر العباسي وما تلاه ، إذ هو موسوعة عنيت بالحيوان عامة وبما هو نتاج ثقافي شعبي مائز لقوم من خلال تواضعهم على رموز بعينها رصدها الجاحظ أولاً ، وعارضها حين جاء بما يهدم تلك الرموز ثانياً على مستوى معارضة الرمز بين أكثر من قوم ، وإيراد أخبار الحيوان التي تخرجه من رمزيته المتواضع عليها. ثم كان المبحث السابع في البعد الرمزي لصورة الحيوان في رسائل المعري, وتخصص المبحث الثامن في البعد الرمزي لصورة الحيوان في النص الصوفي ، بينما انصرف المبحث التاسع إلى البعد الرمزي لصورة الحيوان في النص الوعظي في مخطوطة كتاب( إيقاظ الوسنان ) لابن الجوزي.وختم الباحث الدراسة بنتائج انتهت إليها.

نتائج الدراسة :

توصل الباحث من الدراسة لعدة نتائج ذكرها على النحو التالي :

التفت العباسي إلى حيوانه وأصّل له من خلال مؤلفات اختلفت موضوعاتها ، ودواعيها, وهي :

1ـ بيان طبيعة ثقافة المؤلف نفسه واستيعابه إرث العرب في أساليب حياتهم ، ولغتهم (الحيوان) وبخاصة ما يتعلق منها بالحيوان.

2ـ الحفاظ على هذا الإرث من الضياع ، ومواجهة الهجمة الشعوبية التي أزرت على العرب من خلال تعييرهم بحيوانهم ؛ لكونه رمزهم من حيث اعتمادهم عليه رعياً وتعاملاً، فكان أن تعددت المؤلفات في الحيوان الواحد لأكثر من مؤلف.

وبرزت بالموازاة من هذا في النثر العباسي مؤلفات اهتمت بالحيوان من جهة أخرى هي ملاحظة سيره في الأدب وملاحظة أهميته في النص الأدبي شعراً ونثراً ، إذ صار معياراً لاستجادة الشعر والنثر.

في حين رصد نقاد آخرون صوراً وسياقات تخص الحيوان فجمعوها من خلال استقراء صورة الحيوان عامة في أدب العرب ، فكانت التعليقات والآراء تطلق على تشبيهات الأدباء واستعاراتهم وكناياتهم وموضوعاتهم التي تعتمد على الحيوان وحقله الثقافي واللغوي بالدرجة الأساس. ولعل أبرزها على الإطلاق ( الحيوان ) للجاحظ و( الكناية والتعريض ) للثعالبي ، ومؤلفات المعري ( الغفران والصاهل والشاحج ).

واهتمت هذه المؤلفات أيضاً بنقد الخرافات التي قامت على الحيوان ، ، إذ ظهر نوعان من النقد : الأول : نقد علمي استخف بما يخرج عن الحيوان الواقعي إلى العجائبي وسخّف الآراء, متحرياً الواقعية والمحاكاة ، والآخر : إحصاء لأبرز نصوص العرب الخرافية وتوظيفها ومحاكاتها كالذي فعله المعري حين وظف أكثر نصوص العرب الخرافية في رسالتيه: الصاهل والشاحج والغفران.

في حين كان هناك اتجاه مختلف عالج خرافات الحيوان واكتفى بإيرادها بما يشبه التوثيق، وأحصى أكثر من مؤلف هذه القصص العجائبية للحيوان في مؤلفات كانت تسعى لجمع تراث العربي ، من ذلك كتب الأخبار مثل: أخبار الزمان ومروج الذهب للمسعودي، والاختيارات الأدبية مثل عيون الأخبار لابن قتيبة.

استمد الناثر العباسي صوره بوسائل بيانية : ( التشبيه ، الاستعارة ، الكناية ) من تراث جم غزير في الحيوان وأخذ يتوسّع في نصه ، وجدَّد فيه من خلال الإضافة على الأصل ، أو توكيد المعاني بصياغات جديدة في الحيوان خاصة.

واستعيرت موضوعة الرحلة وصورتها عامة لأمور معنوية أخرى تبتعد عن الرحلة التي يمكن تحقيقها على الواقع ، فإن كان الشاعر الجاهلي يرتحل على الحقيقة وينقل ذلك نقلاً فنياً فقد حاكاه الناثر العباسي ووظفها في سياقات جديدة وبتجارب جديدة.

وقد مزج الناثر العباسي معاني القدماء ومعانيه الجديدة الخاصة بالحيوان في الأمثال خاصة ، فظهر نص مواز لذلك القديم يستمد منه الشرعية أولاً ، ويبتغي إمتاع السامع ثانياً، إذ وجد في المثل الجاهلي المشروعية لدى المتلقي بوصفه لغة جماعية مشتركة رسخت في لا وعي العربي ، يختصر بها المسافات ( مسافات القول ) بقليل من اللفظ وزخم في المعاني, يلخص حالة من حالات الإنسان ربما طال شرحها واقعاً في غير هذا السياق الثقافي (المثل) وبهذا استثمر الناثر العباسي صورة جديدة للحيوان تسير موازية لحيوان الأمثال الجاهلي القديم فكان أن دخل الحيوان الجديد ميدان صفة كانت مقصورة على حيوان بعينه قديماً ، وأبرز من قام بذلك الحريري في مقاماته.

واستعيرت لوحة أخرى من لوحات الشعر الجاهلي واستثمرت في النثر بحيث اقترب الفنان من بعضهما كثيراً ، وهي لوحة الصيد والطرد ، فقد مطت اللوحة القديمة وتوسعت في النثر يصور فيها الناثر الوحش المصيد والكلاب والصياد والفهود والبزاة وطير الصيد عامة, وصيد السمك والنمور في رسائل مستقلة كرسالة الطرد للباخرزي التي تأثرت إلى حد كبير برسالة الطرد التي كتبها عبد الحميد الكاتب، وكذلك مقامات الهمذاني والحريري، ثم الجهد الكبير الذي سطره المعري في رسائله ( الغفران ، والصاهل والشاحج ـ في مقاربة للجاهلي ـ والفصول والغايات ، ورسالته في تعزية خاله في ولده ) بتوسع شمل أصناف الحيوان مما تصل إليها يد الإنسان الصائد = الموت.

وخطا الكاتب العباسي خطوات مهمة في التصوير الجمالي في نص تلاعب بالحيوان فصوره خارقاً شكلاً وأفعالاً وفضاءً ومكونات عجائبية كان الحيوان ركناً أساسيا فيها، بل هو ما تعتمد عليه في تحقيق الإدهاش ، فكان لابد أن يتسم بسمات أبرزها الخروج على العقلي وانفتاح على إمكانات جديدة تمنح صورة الحيوان علة التشكل العجائبي مثل المسخ ، التحوّل والسحر ، الحلم ، الرحلة إلى الجنة.

أما آليات الحلم والمسخ والسحر فقد كثرت في الحكايات العجائبية مثل الحكايات العجيبة وألف ليلة وليلة إذ أمدتها فنون نثرية سابقة عليها بهذه الآليات ، كان أبرزها النص الديني ( كتاب العظمة خاصة ) والرحلات العربية الجغرافية التي نقلت الأخبار كما هي من دون أن يكون نقدها حائلاً دون إيرادها ، وبهذا عدت هذه الرحلات المصدر الأساس في صورة الحيوان في حكايات الليالي وما سبقها. وقد استفاد المعري من إمكانات اللغة فخلّق ولفّق حيوانات بأفعال عجائبية وأشكال لا يمكن أن تكون واقعاً بحال من الأحوال ، حين يحيل اللفظ الواحد على أكثر من معنى.

أما أبرز منحى لتطور صورة الحيوان فهو المنحى الرمزي, ومخاطبة عاطفة المتلقي وعقله وفكره ، في بحث عن مدينة فاضلة من خلال الحيوان ومجتمعه ، وتفاوتت الطروحات في الفنون التي اعتمدت الرمز ، فكان منها الأصيل الذي عمد إلى الرمز والرمز الحيواني ومجتمعه يضمنه الأفكار والرؤى التي تبحث عن المجتمع المثالي وتنبذ الجور والتعسف السلطويين أينما كانت السلطة ، بينما كانت كتابات أخرى قد تراجعت بهذا الفن إلى المحاكاة والسطحية.

فتق هذا الفن ابن المقفع مدّعياً ترجمة كليلة ودمنة من أصل هندي عبر الفهلوية وتبعه من جاء بعده وسار على قالبه حيث لم يمنح هذا القالب هؤلاء المساحة للإبداع حيث كانت النصوص آنية محيلة على الواقع في رمزية مكشوفة لا تعالج الأعم الإنساني ، في حين تلقى رسالة ابن المقفع تلك ( رسالته إلى الفيلسوف خاصة ) متلق حاذق فأكملها وطورها ووضع طروحات اعقد من تلك التي في كليلة ودمنة حين لم يتحمل عصر ابن المقفع ذلك.

وكان بموازاة ذلك نتاجات نثرية تعاملت والرمز الخاص الذي يخص كل كاتب (رمز شخصي) تعامل الناثر العباسي مع رموز خاصة وتعامل مع الرموز بطريقة خاصة ، فكان لصاحب المقامة رموزه, وكان لصاحب الرسائل رموزه الخاصة ، وكان البحث قد حرص على جرد ذلك كله مع التأكيد على الرموز الجمعية وتطورها في المقام الأول.

ومن الصور الجمعية المطردة في النثر العباسي صورة الرعية يرمزون لها بمجتمع الحيوان حيث تداول الفكرة غير واحد من الناثرين العباسيين ولهذه الفكرة أصول ترجع إلى الديانات السماوية والحضارات العالمية رصدها غير باحث وأثبتها ، وظهرت هذه الرمزية في خطاب الزهاد أيضاً من المقاميين كالزمخشري حين تمنى الزاهد عيش الوحوش والانفراد والعزلة عامة ، ثم تطورت هذه الفكرة ( فكرة العيش في مجتمع الحيوان وهجر الإنسان ) لتظهر على شكل كتابات تضع من قدر الإنسان وتعلي من شأن الحيوان ، مثل كتاب ابن المرزبان.

وهدم الكاتب العباسي رموزاً وأقام أخرى وأبرز من اتجه هذا الاتجاه إطلاقاً الجاحظ ، إذ أسس ثقافة جديدة تتبعت الرمز الحيواني في المنقولات شعراً ونثراً ونصاً وارداً يصنفها ويرد رمزيتها بحسب كل شعب إلى ما ترمز إليه.

وهكذا أسس الناقد العباسي وقبله الشاعر والناثر الجاهلي والإسلامي ثقافة خاصة قامت على صورة الحيوان ، ارتكزت عليها فيما بعد صورة الحيوان في النثر العباسي ولم تخرج عليها إلاّ في النادر الجديد الذي توجه بها وجهة أخرى على مستوى الموضوع والصورة المفردة ، مما أنتج معجماً خاصاً بالحيوان ، وفناً جديداً غادر منطقة التعامل السطحي أو المباشر مع هذه الصورة, على أنه لم ينبتّ عن قديمه فكان يظهر بين سطوره من دون أن يفقد ملامحه الخاصة به وصوره الجديدة المبتدعة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى