عصري فياض - وأثق إغبارية

الحاج "أحمد الحسن "إبن قرية اللجون المدمرة، ذو اللحية البيضاء الكثيفة ،والذي لا يخلو مجلسة الكريم من ترداد الزائرين والضيوف من أقارب وجيران وأصدقاء ومعارف،يشعل سيجارته العربية بعد أن أعدها بإتقان وصبر بكلتا يديه،يستضيف اليوم جاره أبو خالد، وهما ينصتان إلى المذياع، يستمعان بإصغاء لنشرة الأخبار من محطة البي بي سي البريطانية، وغبار الدخان والقلق يعلو الوجوه،.. إنفجر الحديث بينهما،.. أبو خالد عبر عن سخطه من المواقف العربية الصامتة لما يجري للمقاومة الفلسطينية في لبنان على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي التي إجتاحت بلد الارز ووصلت إلى العاصمة بيروت... أخفض الحاج أحمد الحسن صوت المذياع وقال :-

علينا أن ندافع عن أنفسنا ، ولا ننتظر أحدا.. هكذا علمتنا التجارب ، كان علينا أخذ الدروس والعبر منذ النكبة... رحم الله الشHيد يوسف حمدان أحد الابطال الذين كانوا يدافعون عن اللجون أنذاك، وأحد رموز الثورة وقتها حين قال للمقاتلين الذين جاءوا ليخبروه عن تراجع جيش الإنقاذ من حول القرى والبلدات الفلسطينية : " لا تنتظروا أن يدافع عن أرضنا وشرفنا أحد... لنؤدي الواجب أولا ، ثم نلوم الآخرين .." .

في هذه الاثناء دخل إبنه أحمد ينادي بلهفة فرح : أبي .. أبي ..أبي

رد الحاج : ما بك ؟

قال الفتى : لقد رقنا بأخ، وأمي تسألك ماذا سنسميه؟؟

صمت الحاج احمد الحسن قليلا وقال : واثق....أسموه واثق...

***

شب واثق ذلك الفتى الرشيق الوسيم الذي ينضح بالحيوية والإنطلاق بين إخوته وأبناء حارته ومخيمه متميزا بذكاءه ،لا يسكن جوارحه إلا النوم،وإستطاعت شخصيته الذكية أن تاخذ مكانا بارزا في مؤسسات رعاية الطفل في المخيم،فكان أسرع من تعلم الدراما البدائية والتقليد حتى أتقن تلك الألعاب،وعندما تجاوز سن السادسة عشر من عمره، وجدت قدراته مكانا لها في إحدى مؤسسات الطفولة في الداخل المحتل، وتحديدا في بلدة عارة غير بعيد عن بلده الاصلي اللجون،... وهناك بدأ ينشد للأطفال... ويحرك الدمى .... ويلبس الملابس التنكرية ..كان يردد دائما اللكمات الملحة " النصر لنا والكسر لهم... الحق لنا والخزيّ لهم .."، حتى أن القناة العبرية الثانية بثت ذات مرة تقريرا عنه وعن المؤسسة التي يعمل بها ،فعلق المذيع قائلا : غنها ألعاب تحريضية !!

***

عاد واثق إلى المخيم،فإشتم ما يجري حلوه،فلم يتأخر في الإلتحق بركب المق اومة،...تحدثت الأنباء عن تقدم قوات واليات كبيرة لقوات الاحتلال لحصار وإقتحام بعض أحياء المخيم ... في نهاية شهر شباط من العام الفين واثنين، .. بدأ الاعداد للدفاع عن المخيم الذي أصبح عرينا للمقاتلين... كل شيء جاهز كان بالنسبة للمتحصنيين من المقاتلين والمق اومي ن، إلا واثق،فذكاءه لا يقف عند حدود،ولا يكتفي بالموجود،...لقد أخذ يجمع علب المشروبات الخفيفة المعدنية ويبثها في الازقة والطرقات حتى إذا ما حاول المحتلون التسلل ليلا يعثرون بها ويصدر عنها الصوت الذي سيفضح خططهم ويتيح للمق اتلين والمق اومين رصدهم والتمكن منهم......

إنقضى اليوم الأول بمواجهات في أطرف المخيم، كانت نتيجته ثمانية شhداء، معزمهم مدنيون، ومقتل جندي محتل وإصابة ثلاثة على الأقل...أما واثق فقد حمل على ظهره كيسا مليئا بـ "الاكواع"، وأخذ يشعل فتائل تلك " الاكواع" ويلقي على القوات التي تحاول التقدم من دبابات ومشاه، حتى لاحظته طائرة الاباتشي التي كانت تغطي سماء المخيم، فشرعت بإطلاق النار عليه من رشاشاتها الثقيلة،فإلتصق بالحائط المجاور لزقاق قرب بيتهم.... لحظات بين الحياة والموت... أهالي الحيّ الذين أفزعهم المنظر وهو يسترقون النظر خلسة من النوافذ، أدركوا أن غصابة وإستشهاد واثق ما هي الا لحظات...نادوه ... صرخوا به ... القي ما على ظهرك من حمل خطير .... أي رصاصة تصيب ما تحمل ستؤدي لانفجار يمزق جسدك .... وواثق يقف ملتصقا بالحائط مبتسما وهو يرى الرصاصات تحفر امام قدميه حفرة تكبر من وقع كثافة الاطلاق.. لكنه لم يقلي حمله... ولما توقفت النيران تحرك وتقدم للأمام يبحث عن فرصة جديدة له..

دخل زقاقا جانبيا آخر... توغلت دبابة مركفاة ضخمة حتى حاذته من الجانب الايمن،وأصبح جنزيرها الايمن على مرى يده، عندها ، إستل من على ظهره "كوعا" كبيرا بيده اليمنى ، وأشعل فتيله بولاعه كانت بيده اليسرى، ثم دسه بين جنازير الدبابة وفر مبتعدا،فدوى الإنجار الذي أدى إلى إعطاب جنزير الدبابة الايمن ، وعجزها عن الحركة، فأصبحت هدفا سهلا للأكواع من كل مكان ، ساعة وأكثر على هذا الموقف الذي اوقع الدبابة وطاقمها في فخ واثق.. حتى جاءت دبابة أخرى وتمكنت من سحبها من أرض المعركة .

***

جاء اليه عدد من المق اومين مساء ليبلغوه أن هناك أخبارا تفيد بوجود محاولات تسلل لفرق خاصة من قوات الإحتلال تريد إقتحام المخيم من الجهة الغربية،.... إستأذن والده في المبيت خارج المنزل، وتوجه الى الجهة الغربية من المخيم برفقة عدد من رفاقه حملة السلاح... قالوا له إن المسافة بين أعلى نقطة وأوطيء نقطة من الجهة الغربية في المخيم ،مساحة واسعة، ونحن بعددنا القليل لن نستطيع تغطية تلك المنطقة ..

فكر مليا وقال : اسمعو لا بديل من الحيلة والخدعة

قالوا : كيف ؟؟

قال : علينا مشغالتهم من اعلى نقطة بنيران كثيفة، ثم الانحدار سريعا الى المنطقة الوسطة ومشاغلتهم من هانك لبعض الوقت أيضا، والاندفاع للمنطقة السهلية المقابلة لهم .. هكذا نشاغلهم من اكثر من نقطة، فيظنوا أننا أكثر من مجموعة بإنتظارهم...فينكفئون...

فعلا ، أصبح خمستهم يطلقون النار ثم يركضون نزولا وصعودا ومن أكثر من مكان حتى حلت صلاة الفجر وقد بدى عليهم الانهاك والتعب، فإنسحبوا شرقا الى مسجد الانصار،وهناك صلوا الصبح، توجهوا لبيت في عمق المخيم ليناموا فيه.

ساعات من النوم العميق،إستغلها الجيش المحتل،فأرسل وحداته الخاصة، التي باغتتهم وهم نيام، فأطلقت على أجسادهم الطاهرة صليات من الرصاص فإرتقى منهم أربعة كان منهم واثق... .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى