د. محمد سعيد شحاتة - التشكيل السيرذاتي في شعر البهاء حسين.. قراءة في قصيدة (كاتب الخطابات)

تمتاز تجربة البهاء حسين الشعرية بالخصوبة الشديدة؛ فهو شاعر يمتلك تجربة شعرية خاصة، وصوتا شعريا شديد التميُّز بين أبناء جيله من ناحية، وبين أقرانه من الشعراء من ناحية أخرى، بحيث تستطيع العين الناقدة التقاط قصيدته من بين عشرات القصائد لشعراء مختلفين، واستطاعت قصيدته أن تعمِّق المجرى الشعرى لقصيدة النثر بما يمتلكه من إطار فكري محدَّد يتحرك فيه، وتناور قصيدته ملتقطة ما يبرز هذا الإطار الفكري، ويرسم ملامحه، وبما يمتلكه كذلك من انحياز جمالي شديد الخصوصية يميزه عن غيره من الشعراء، فهو لا يقف عند تلك الموانئ التي احتوت شعراء آخرين، ولا يلوِّح لتلك الأشرعة التي لوَّح لها غيره، ولا يسير على الأرصفة نفسها التي حفظت أقدام غيره من المبدعين، وقصيدته مسكونة بالحزن والأسى، ومشحونة بتاريخ الأرامل والفقراء في لغة تتصف بالشظف والتكثيف الشديد رغم طول القصيدة في كثير من الأحيان.
تنتمي قصيدة (كاتب الخطابات) للشاعر البهاء حسين إلى التشكيل السيرذاتي؛ فهي قصيدة ذات نزعة سردية اعتمد الشاعر فيها على تسجيل جزء من سيرته الذاتية، بيد أن الذات في القصيدة ليست متمركزة حول ضمير الأنا، ولكنها متمركزة حول ضمير الهو، كما أنها تعبر عن حوادث الذات الشاعرة وحكاياتها في أزمنة وأمكنة ذات حضور واقعي خارج ميدان المتخيل الشعري، كذلك فإن القصيدة تعكس طبيعة الترتيب التصاعدي على مستويات الحدث والسرد والفضاء، ويمكن بطريقة أو بأخرى تأكيدُ المرجعيات الزمانية والمكانية والشخصية للحوادث والحكايات التي تتضمنها القصيدة، فالشاعر صحفي والكتابة هي مهنته التي يمتهنها، كما أنه ينتمي إلى قرية من قرى صعيد مصر، مما يرشِّح انتماء الأحداث في القصيدة إلى التشكيل الواقعي المسكون بالتجربة الحياتية، مما جعلنا نقول بإمكانية تأكيد المرجعيات الزمانية والمكانية والشخصية للأحداث. أما بالنسبة للتشكيل السيرذاتي فهو (تشكيل مزدوج يجمع بين رؤيتين وسياقين ومجالين وفضاءين، رؤية وسياق ومجال وفضاء السيرة الذاتية وهي تحيل على واقع وتجربة في الحياة، ورؤية وسياق ومجال وفضاء الكتابة الإبداعية وهي تنهل من معين الصنعة الكتابية التي تنهض على الموهبة والمعرفة وضبط آليات الكتابة وتقاناتها، وهذا الازدواج التشكيلي ينعكس انعكاسا إيجابيا على تخصيب الكتابة وخروجها إلى فضاء آخر جامع ومختلف وغني وثري وقابل للإدهاش، ومشحون بكثافة الجنسين) (محمد صابر عبيد، التشكيل السيرذاتي – التجربة والكتابة، ص5) فالجانب الأول وهو رؤية وسياق ومجال وفضاء السيرة الذاتية ينتمي إلى التشكيل الواقعي من حيث كونه منظورا محدَّدا من خلال الطبيعة المحيطة بالواقع، وهو مسكون بالتجربة الحياتية المختزنة في الذاكرة، والتي تكتسب أهمية وعمقا لدى المبدع، مع الوضع في الاعتبار التغيير الذي يمكن أن يحدث في الفضاء المكاني والزماني بحكم التحول الحادث في الزمن الشخصي والعام والذي يمكن أن يؤثر على احتفاظ الحادثة الواقعية بنقائها ومحمولاتها، ولكنها تظل محتفظة ببؤرتها المركزية التي تنبني عليها تجربة التشكيل السيرذاتي، وأما الجانب الثاني وهو رؤية وسياق ومجال وفضاء الكتابة الإبداعية فإنه ينتمي إلى التشكيل التخييلي من حيث كونه محدَّدا من خلال البلاغة وأطرها الفنية والجمالية، وهو الذي يساهم في نقل التجربة الذاتية الواقعية المنتمية للسيرة الذاتية إلى المجال الفني الجمالي، ومعنى ذلك أن التشكيل السيرذاتي حين يتداخل في تكوينه التشكيلان السابقان في تفاعل حيٍّ وديناميكيٍّ سوف يتنازل كل تشكيل عن جزء من ملامحه من أجل التوافق والاندماج الذي يؤدي بالضرورة إلى تشكيل موحَّد يحمل سمات وملامح الجانبين معا، وهو التشكيل السيرذاتي.
إن دوافع استعادة الذكريات والبوح بها قد تكون دوافع عقلانية، كالرغبة في التبرير، أو الإدلاء بشهادة، أو دوافع عاطفية كالرغبة في التباري مع الزمن، وفي عثور المرء على معنى لوجوده، وهذا ما أبرزه جورج ماي في كتابه السيرة الذاتية إذ يقول (الدوافع المتنوعة التي يمكن أن تنشأ عنها كتابة السيرة الذاتية يسهل تقسيمها طائفتين يمكن أن نميز في كل منهما بين أضرب من المقاصد، أما الطائفة الأولى فتضم المقاصد العقلانية المنطقية الرصينة إلى أبعد الحدود، وبإمكاننا أن نصنف هذه المقاصد صنفين اصطلحنا عليهما بكلمتي التسويغ والشهادة، وأما الطائفة الثانية التي تضم دوافع أقرب إلى الانفعالات والعواطف واللاعقلانية وأبعد عن الإدراك أيضا في بعض الأحيان فلنا أن نميز فيها أيضا صنفين: صنفا يتصل بشعور المؤلف بمرور الزمن، وقوامه التلذذ بالتذكار أو الجزع من المستقبل، وصنفا يتصل بالحاجة إلى العثور على معنى الحياة المنقضية أو استعادته، ونقصد بذلك اتجاه الحياة ودلالتها معا) (جورج ماي، السيرة الذاتية، ص 69، 70) فهل كان الشاعر/كاتب الخطابات يستند في استعادة ذكرياته إلى دوافع عقلانية منطقية راغبا في التبرير لهذه الذكريات، أو مبديا شهادته على أحداث مختارة من حياته، أو أنه كان يستند إلى دوافع عاطفية قوامها التلذذ بالتذكار، أو الجزع من المستقبل، أو محاولة العثور على معنى الحياة المنقضية، وفهم دلالتها؟ إننا سوف نسير مع القصيدة عبر ملمحيْها الواقعي/السيرة الذاتية، والإبداعي/التخييلي محاولين اكتشاف جوانبها السردية وملامحها الإبداعية.
- 1 -
كان يربّى الكلمات فى فمه
كما تربى أمه الكتاكيت فى باحة البيت
تلك التربية التى لا يمكن أن تعرف
كم من السنوات استغرقت ولا كم من التجاعيد
لكنها تظهر فى اليدين
يرصد الشاعر في هذا المقطع أولى الملامح المؤسِّسة لسيرته الذاتية من الناحيتين الاجتماعية والفكرية، فهو يربي الكلمات في فمه، أي يحاول تكوين نفسه فكريا وثقافيا، ويربي وعيه، وفي الزاوية الأخرى من المشهد نجد أمه تربي الكتاكيت في باحة البيت في إشارة إلى البيئة الفقيرة التي ينتمي إليها كاتب الخطابات، إن هذه التربية في الاتجاهين تستغرق وقتا وتراكما على المستويين الاجتماعي/الكتاكيت، والفكري/الكلمات، وسوف تظهر نتائج هذه التربية في المراحل التالية، وكلما كانت التربية متقنة كانت النتائج إيجابية، وهي تربية مستمرة، فإن الأسرة تتوقف حياتها على تربية الكتاكيت التي ستكون فيما بعد طعاما لأبنائها، وزادا يساعدهم على مواصلة الحياة، وكذلك تربية الكلمات ومراكمة حالات القراءة ستكون الزاد الذي يعتمد عليه الشاعر/كاتب الخطابات في مواصلة حياته الفكرية، واستغراق السنوات في هذه التربية دليل على قدرتها وفاعليتها، فلا يمكن إحصاء السنوات التي تستغرقها هذه التربية، وهذا يعني أن القراءة ومراكمة البنى الفكرية والجمالية لا يمكن أن تكون لها سنوات محددة، ولكنها مستمرة على مدار العمر، وهو ما عبَّر عنه الشاعر بقوله (تلك التربية التى لا يمكن أن تعرف كم من السنوات استغرقت .. ولا كم من التجاعيد .. لكنها تظهر فى اليدين) ومن الملاحظ أن الشاعر أقام المقطع على ثنائية ليست بالضرورة ضدية؛ لأن كلا الطرفين ليسا متناقضين، وإن كانا ينتميان إلى دائرتين دلاليتين مختلفتين، ولكن يكشف أحدهما الآخر، ويحدد أبعاده وملامحه، فإذا تخيلنا تربية الكتاكيت، وما تحتاج إليه من صبر وأناة، ورعاية مستمرة، وإدراك تام للغذاء اللازم، والتحصين المستمر ضد الأمراض المفترضة، والملاحظة الدائمة لحالة هذه الكتاكيت، إذا تخيلنا ذلك أدركنا ملامح تربية الكلمات/الفكر وما يحتاجه من صبر وأناة ومراقبة مستمرة لحالة الفكر وتناميه، وتراكم المعارف، وقدرة الوعي على الإدراك التام لما يحتاجه الفكر من مراقبة دائمة؛ حتى لا تختلط به الرؤى المتناقضة التي تربكه، وتخرجه عن إطاره العام، ومن الملاحظ كذلك أن الشاعر/ كاتب الخطابات قد أبان في هذا المقطع أن البيئة الفقيرة/القرية لا يملك أبناؤها خلاصًا إلا من خلال العلم، فالفكرة المترسخة في أذهان شرائح القرية كلها أن العلم هو الخلاص الوحيد للإنسان، فهو الحياة للعقل كما أن الكتاكيت تمثل طعاما للجسد، ومن هنا قلنا إن هذا المقطع يمثِّل أولى الملامح المؤسِّسة للسيرة الذاتية للشاعر/كاتب الخطابات، أما المقطع الثاني فإنه ينفتح على الواقع وتشعباته وسراديبه واحتياجاته.
- 2 -
كان يتصرف فى حصة القرية من الكلمات
كأنه وريثها الوحيد
بحيث يجد لكل قلب ما يناسبه
يعرف من انتصاب الحلمات
أن إحداهن تريد أن ترسل خطابًا إلى زوجها المغترب
من شحوب الوجه
من اللوعة
من اشتياق الملامح ليد تلمسها
من العين حين تلمع وتصبح سريرًا
يعرف أن السيدة بحاجة لأن تتقمص دور ملاءة تتلوى
وحين لا تتوفر الكلمات التى تلبى الحب
يلجأ إلى تذكيرها بأحزانها
ربما أرادت أن ترسل خطابًا إلى أخيها الذى مات فى الحرب ولم يجدوا جثته
فأرسلوا أشياءه بدلاً منه
الجورب الغليظ وبقايا جرة المشّ
وصورة مكرمشة لحبيبته
ولأن كاتب الخطابات لا يجد عند السيدة دموعاً تكفى لنصب مأتم
يستلف من الرصيد الحىّ كلمات مؤثرة
تقبّل المرسل إليه والعنوان
وعندما ينتهى
تلزق السيدة الخطاب بلسانها
لتطمئن على أنها أحكمت المظروف على الوحشة
ينفتح المقطع الثاني انفتاحًا كبيرًا على مشهد سيرذاتي (زمكاني) إذ يجمع فيه الشاعر بين زمان ومكان مرتبطين ارتباطا وثيقا بسيرته الذاتية وذاكرته التي تختزن تلك السيرة، أما المكان فهو القرية بكل ما تستدعيه من أطر اجتماعية وفكرية وثقافية، وأما الزمان فمن الواضح أنه مرحلة التكوين الفكري للشاعر، وهي مرحلة الشباب التي يكون فيها مندمجا إلى حد كبير في مجتمع القرية بكل تفاصيله، وبؤرة اهتمام نساء القرية الراغبات في المساعدة بحكم كونه متعلما، ومن ثم قادرا على كتابة الخطابات إلى الأزواج في الغربة (كان يتصرف فى حصة القرية من الكلمات .. كأنه وريثها الوحيد) إن المتعلم في القرية هو الوريث الشرعي والوحيد للكلمات/الفكر؛ فهو الذي تقدمه القرية للحديث باسمها مفتخرة به رمزا لها، ومباهية بما يمتلك من قدرة علمية وفكرية قادرة على إفهام الأهالي ما يدور حولهم، وتقديم الخدمات لهم، والحديث باسمهم، وقد جعل الشاعر العلاقة بين الزمان والمكان مع الأحداث الحياتية للقرية في سيرته متبادلة، وكل ذلك يختزل شحنات إيحائية ودلالية ورمزية مرتبطة بحياة الشاعر وسيرته الذاتية، وهو ما يعبر عن وعيه التام بما يحققانه من حيوية وتأثير في توثيق سيرته الذاتية، ومن ثم إضفاء المشروعية الفكرية على تجربته الحياتية، ومدى قابليتها للتأمل، وفاعليتها في نفس المتلقي. إن المتأمل للمقطع الثاني من القصيدة يجده منطلقا من عتبة المكان الواقعي والزمان الحقيقي، وإن كان مستندا على رؤية إبداعية وفضاء تخييلي؛ فالشاعر يرصد قدرة صاحب السيرة الذاتية على رصد احتياجات أفراد المجتمع من خلال الملامح، أو حركات الجسد، أو نظرة العينين، وهو ما عبَّر عنه بقوله (بحيث يجد لكل قلب ما يناسبه) وترصد القصيدة مجموعة من آليات الإدراك داخل المجتمع القروي، وبخاصة للنساء اللاتي يلجأن للمتعلم/الشاعر لتلبية احتياجاتهن (يعرف من انتصاب الحلمات أن إحداهن تريد أن ترسل خطابًا إلى زوجها المغترب .. من شحوب الوجه .. من اللوعة .. من اشتياق الملامح ليد تلمسها .. من العين حين تلمع وتصبح سريرًا .. يعرف أن السيدة بحاجة لأن تتقمص دور ملاءة تتلوى) إن الربط بين الجانبين النفسي والجسدي وبين الإدراك مهم لدى صاحب الخطابات؛ لأنه ستكون عليه مهمة اختيار الجمل والألفاظ الدالة على الرغبة المطلوبة، فانتصاب الحلمات وشحوب الوجه واللوعة كلها علامات دالة على رغبة الزوجة في زوجها، وملامحها دالة على اشتياقها إلى يده لتعانقها، فترتمي بين أحضانه مطفئة ظمأها إليه، وشوقها إل جواره، ولكن إذا غابت تلك العلامات الدالة على الحب والرغبة فإن على صاحب الخطابات أن يبحث عن سبب آخر لكتابة الخطاب (وحين لا تتوفر الكلمات التى تلبى الحب .. يلجأ إلى تذكيرها بأحزانها .. ربما أرادت أن ترسل خطابًا إلى أخيها الذى مات فى الحرب ولم يجدوا جثته .. فأرسلوا أشياءه بدلاً منه .. الجورب الغليظ وبقايا جرة المشّ .. وصورة مكرمشة لحبيبته) وهنا إشارة إلى ما تقدمه القرية من تضحيات للوطن الكبير، فالذاكرة تختزن صورة الجندي الذي استشهد في المعركة دفاعا عن وطنه، وقد عاد زملاؤه حاملين أغراضه البسيطة التي تعبر عن بساطة أهل القرية وفقرهم المدقع، فالزملاء يحملون مع أغراض الجندي الشهيد جوربه الغليظ وبقايا جرة المشِّ، وهما صورتان معبرتان عمَّا يعانيه أهل القرى من فقر واحتياج، ولكنهم في الوقت نفسه يحملون الوطن في صدورهم، ويدافعون عنه بدمائهم متخلين عن حياتهم وحبيباتهم في سبيله؛ إذ يعود زملاء الجندي الشهيد بصورة حبيبته المكرمشة التي كان يحتفظ بها، وهذا المشهد من المشاهد التي تكررت كثيرا في الروايات والأفلام التي تحدثت عن الحروب التي خاضها الوطن ضد أعدائه بحيث أصبحت علامة مميزة، وهنا يبحث كاتب الخطابات في رصيده الذي ادخره عبر قراءاته المتعددة والمتنوعة عن الكلمات المؤثرة بعد أن لمح عجزالسيدة عن تقديم الدموع اللازمة لنصب مأتم (ولأن كاتب الخطابات لا يجد عند السيدة دموعاً تكفى لنصب مأتم .. يستلف من الرصيد الحىّ كلمات مؤثرة) ثم تقدِّم القصيدة اللفتة الواقعية المتوارثة والمعبرة عن طبيعة المرأة الريفية الساذجة، وهي تقبيل الخطاب والعنوان في إشارة إلى حبها وشوقها إلى أخيها المرسل إليه، ولزق الخطاب بلسانها لتطمئن على أنها أحكمت الخطاب (تقبّل المرسل إليه والعنوان .. وعندما ينتهى .. تلزق السيدة الخطاب بلسانها .. لتطمئن على أنها أحكمت المظروف على الوحشة) من الواضح أن المقطع الثاني من القصيدة قد انفتح انفتاحا كبيرا على مجتمع القرية وملامح أبنائها ونسائها وملامح حياتهم، وبناهم الفكرية والاجتماعية التي تحكم حياتهم وتتحكم في تصرفاتهم، فقدَّم الشاعر صورة تفصيلية مختلطة بسيرته الذاتية، ورصد سمات أهل القرية، وطبائعهم، وهي بالضرورة سماته من حيث كونه واحدا منهم.
- 3 –
ياما كتب عن نفسه
وهو يكتب للأرامل خطابات يستنجدن فيها بالحظ
كان يقول إن طرقات القرية أكثر حظــًّا منهن
حيث تمشى فيها البغال والحمير عارية
لا شىء يستر رغباتها
كان يكتب أن الأرامل أولى من الطرقات بهذه التلقائية
لكن لم يعرف أبداً لمن يوجه الخطابات !
ويأتي المقطع الثالث لينفتح على زاوية أخرى من زوايا السيرة الذاتية مختلطة بسيرة القرية وأهلها وأنماط حياتهم، وهي زاوية الأرامل، وهنا يعود الشاعر للربط بينه وبين الأرامل من حيث سوء حظ كل منهما (ياما كتب عن نفسه وهو يكتب للأرامل خطابات يستنجدن فيها بالحظ) لقد كان يكتب عن نفسه، ومن ثم كانت لغته وعباراته نابعة من القلب، وفي ذلك إشارة واضحة إلى اختلاط سيرته الذاتية بسيرة قريته، كما أن في ذلك إشارة إلى أن الشرائح الاجتماعية في القرى تكاد تتشابه؛ فاستخدام لفظ (الأرامل) جمعا يشير إلى شريحة اجتماعية محددة وليس واحدة فقط من هؤلاء الأرامل، بمعنى أن الشاعر لا يتحدث عن تجربة فردية لأرملة من الأرامل، ولكنه يتحدث عن الأرامل في القرية بصفة عامة، وهو ما يجعل سيرته الذاتية تكتسب أهمية؛ إذ ترصد في هذا المقطع ملامح شريحة عامة من شرائح المجتمع القروي، فالأرامل تستنجدن بالحظ الذي ينفر منهن، وكذلك الشاعر (كان يقول إن طرقات القرية أكثر حظــًّا منهن) ولم يرد في الحديث ما يدل على شيء محدد تبحث عنه الأرامل مما يشير إلى أن معاناتهن متعددة الجوانب، ومتنوعة الأشكال، ومشاكلهن كثيرة، بيد أن الرؤية تخونه هذه المرة؛ إذ لا يعرف لمن يتوجه بخطاباته حين يكتب للأرامل تلك الخطابات (لكن لم يعرف أبداً لمن يوجه الخطابات !) وفي ذلك إشارة إلى أن المشاكل التي تتعرض لها الأرامل في القرى هي جزء من نسيج الحياة الاجتماعية للقرية، وهو نسيج متوارث، ومن ثم فإن الشاعر لا يعرف بالتحديد من الذين يستطيعون تغيير هذا الواقع الاجتماعي للأرامل، أو من الممكن أن يكون في ذلك إشارة إلى أن الحلول متشابكة ومتداخلة بين جهات عديدة: ثقافية واجتماعية ودينية، وغير ذلك من الجهات التي تعمل على الأرض في القرية، ولديها القدرة على التغيير، ومن الملاحظ أن الشاعر يقيم هذه المقطع على ثنائية طرفاها الأرامل اللاتي يكتب لهن الخطابات يستنجدن بالحظ، أما الطرف الثاني فهو الشاعر/كاتب الخطابات، وهنا يحيلنا مرة أخرى إلى أنه جزء من القرية بكل تفاصيلها، والمفردات المشكلة لهذا المقطع هي مفردات ريفية بامتياز (الأرامل – طرقات القرية – البغال – الحمير) وإذا كانت الأرامل لم تصرحن عن مضمون الخطابات فإن الشاعر يكشف عن ذلك ضمنيا في قوله (حيث تمشى فيها البغال والحمير عارية لا شىء يستر رغباتها ) وفي ذلك إشارة إلى أن كون المرأة أرملة لايحق لها الحلم أو الرغبة أيا كانت، ومن ثم فإنهن يسترن رغباتهن ويستنجدن بالحظ الذي لا يأتي في غالب الأحيان فتظل الأرملة تعاني.
- 4 –
حتى القرية
كان يكتب بالنيابة عنها خطابات إلى الله
عن انتظارها المزمن
عن البلهارسيا قبل أن تتقوض سلطتها
عن الأقفال الصدئة التى ملَّت دورها
عن البيوت الواطئة التى لم تكن قادرة يومًا على تبرير فقرها
كان يكتب أحياناً فى الهواء
دون أن ينسى وضع النقاط على الحروف
غير أن الله لم يكن يحفل بالرد على ولد
يستخدم الدموع على أنها حبر أو كلمات
يأتي المقطع الرابع لتتسع زاوية الرؤية أكثر على قضايا القرية ومشاكلها المزمنة، فكاتب الخطابات/الشاعر يتجه في هذا المقطع إلى رصد أكثر تفصيلا عن القضايا المصيرية للقرية، فيتحدث عن القضايا الدينية والأمراض المزمنة التي تحاصر أبناء القرية، وعن الفقر الذي يتحكم في حياتهم ويحكم مصائرهم، وفي كل حديث عن قضية من القضايا كان يصف الحلول اللازمة والناجعة التي تخلص القرية من مأساتها المتوارثة منذ عقود طويلة (كان يكتب أحياناً فى الهواء دون أن ينسى وضع النقاط على الحروف) ورغم التشخيص الدقيق للداء والوصف الناجع للدواء فلا شيء يتغير؛ إذ لا يهتم أحد، ولا يلين قلب لهذا الاستجداء المستمر والدموع النازفة (غير أن الله لم يكن يحفل بالرد على ولد يستخدم الدموع على أنها حبر أو كلمات) إذ لم يكن من أهل القرية أحد له سلطة القرار، فهم فقراء بسطاء وليس من بينهم ذو سلطة أو جاه يمكن أن يتحدث باسمهم، ولكن المتحدث باسمهم واحد منهم ينتمي إلى البيئة نفسها، ويعاني من المشاكل نفسها التي تعاني منها القرية، ولا يملك الجميع سوى الاستجداء والدموع لعل أحدا يرى أحوالهم البائسة وفقرهم المدقع فيتعطف عليهم بقرار ينتشلهم من مآسيهم المتعددة ومعاناتهم المتنوعة. لقد استطاع كاتب الخطابات بحكم موقعه المعرفي في القرية أن يعبر عن أوجاعها ومآسي أبنائها، ولكنه لا يملك غير ذلك، وهنا لابد من الإشارة إلى جوانب الرؤية في هذا المقطع التي رصدها كاتب الخطابات، فالقرية تعاني من الجمود الديني الذي يجعل معظم أبنائها يسيرون في دوائر التقليد التي تحرم القرية وأبناءها من أي شكل من أشكال التغيير في أنماط الحياة الدينية ومن ثم تغيير النظرة المتوارثة لشرائح المجتمع القروي (كان يكتب بالنيابة عنها خطابات إلى الله/عن انتظارها المزمن) إن الله وحده هو المنقذ للقرية وأهلها بعد أن يئسوا من قرار ينتشلهم من واقعهم المأساوي، ثم يأتي الحديث عن الفقر (عن البيوت الواطئة التى لم تكن قادرة يومًا على تبرير فقرها) فالإشارة واضحة إلى أن الإهمال للقرية هو السبب وراء هذه المآسي، ولكن أهل القرية لم يكونوا قادرين على فهم الأسباب الحقيقية وراء هذا الإهمال، وتبرير الفقر المدقع الذي يعيشون فيه،ثم ينتقل كاتب الخطابات إلى جانب آخر مظلم في حياة القرية وأهلها (عن البلهارسيا قبل أن تتقوض سلطتها) وهو المرض الذي حصد أرواح الآلاف من أبناء القرى قبل أن تتقوض سلطته بإيجاد علاج ناجع له. إن حديث كاتب الخطابات يحكمه كله قوله (عن انتظارها المزمن – الأقفال الصدئة التى ملَّت دورها) فالانتظار المزمن للحلول، والأقفال الصدئة التي لم يستطع أحد أن يكسرها هما الإطاران اللذان يكبِّلان القرى ويتحكمان في مصير أبنائها؛ ليظلوا جميعا يدورون في دوائر الفقر والجهل والمرض، تلك الدوائر الجهنمية التي حصدت الأرواح، وقضت على مظاهر الجمال والحياة في القرية.
- 5 –
يا الله
الأرامل ما زلن ينتظرننى
وشوارع القرية أخذت منى خطواتى على سبيل الرهن
لحين الوفاء بالدين
فلا تحرج أصابعى
أقلامى الجافة التى كتبت إليك
أن تسمح لـ " أبى " بزيارة أمى
حتى فى أحلامها
أن يستأذن من قبره ساعة كل ليلة ويترك لها
ما يكفيها من المصاريف والقبلات
كى تكفّ عن البكاء
لقد انتقل الشاعر/كاتب الخطابات إلى زاوية أخرى متجاوزا الزمان الماضي لينتقل إلى الزمن الحاضر؛ فلقد غادر القرية التي شكَّلت وجدانه، ورسمت ملامحه، وسيطرت قضاياها على تفكيره، (كان يتصرف فى حصة القرية من الكلمات كأنه وريثها الوحيد بحيث يجد لكل قلب ما يناسبه ) غادر الشاعر إلى عالمه الفسيح متجهًا صوب المدينة، ولكن القرية وأراملها ما زلن ينتظرنه للتعبير عن معاناتهن (الأرامل ما زلن ينتظرننى وشوارع القرية أخذت منى خطواتى على سبيل الرهن لحين الوفاء بالدين) فهل يُعَدُّ ذلك إدانة من كاتب الخطابات/الشاعر لنفسه أن وقع فيما انتقد فيه غيره فيما مضى؟ أو كان اعترافا بتقصيره في حق بيئته التي نشأ فيها وتحدث باسمها في بداياته، وعبَّر عن معاناة أهلها؟ يبدأ الشاعر/كاتب الخطابات المقطع بالنداء التعجبي (يا الله) ليسجل أن القرية ما زالت على حالها من الإهمال رغم مرور الزمن، وما زالت الأرامل في انتظار من يعبِّر عنهن (الأرامل ما زلن ينتظرننى ) وقد أخذت منه شوارع القرية خطواته رهنًا إلى حين يسدد دينه الذي عليه، وهو الوفاء لقريته التي نشأ فيها وعلم مأساتها، ومعاناة أهلها، وهذا يعني أنه لم يعد يسير في شوارع القرية، فهل حرمته القرية من السير في شوارعها أو أنه تاه عنها في المدينة التي استحوذت عليه؟ وازداد الإحساس بالابتعاد عن القرية وقضاياها، فكانت أمنيته أن تمنح القرية والده الذي توفي أن يزور أمه في أحلامها، فكأن والد الشاعر/كاتب الخطابات قد امتنع عن زيارة والدة الشاعرة تلبية لرغبة القرية إلى حين عودة الابن/كاتب الخطابات إلى قضايا القرية، والتعبير عنها وعن مشاكلها، وإن كانت الأم لا تكفُّ عن البكاء لفراق والده الذي توقف عن زيارتها في المنام تضامنا مع القرية التي أخذت خطوات الشاعر/كاتب الخطابات على سبيل الرهن إلى حين الوفاء بالدين، لقد نجح الشاعر في تصوير الانتقال عن القرية، وارتباط القرية وأهلها به، وحرصها على أبنائها حتى وإن ابتعدوا عنها، وأخذتهم الحياة بشواغلها، كما عبَّر الشاعر عن أن مشاكل القرى لم تنتهِ، وقضاياها مازالت تحتاج إلى الاهتمام اللازم.
- 6 -
أنا كاتب الخطابات يا رب
كانت السطور تجرى تحت يدى كما تجرى السنوات دون أمجاد
بالعكس
كم من حياة ترملتْ فى صناديق البريد بسببى
عاد الأزواج فوجدوا زوجاتهم فى حضن التراب
وأحياناً كانت خطاباتى تذهب إلى العناوين الخطأ
ومرات كثيرة لم تستطع اجتياز الحدود
أنا كاتب الخطابات
عشت عالقاً
أتجول فى المسافة بين كل قلبين
حتى تحولتُ إلى خطاب أرسل منذ زمن بعيد
لكن لم يصل عليه جواب .
ثم يأتي المقطع السادس والأخير من القصيدة ليغلق الدلالة فيما يشبه مناجاة اليائس، ولجوء العاجز إلى الله داعيا إياه، وطالبا عونه، معترفا بعجزه، في لوحة بالغة العمق والدلالة، تبدأ بالتعريف عن النفس (أنا كاتب الخطابات يا رب) إنها بداية تشبه الإقرار بالعجز التام، ومحاولة الاستغفار عن شيء ما سيتضح فيما بعد (كانت السطور تجري تحت يدي كما تجرى السنوات دون أمجاد) هل كان كاتب الخطابات مسؤولا بشكل أو آخر عن المأساة؟! فهو لم يكتسب أية أمجاد خلال فترات كتابته للخطابات، ولكنه كان سببا في الضياع بما يشبه إقرارا بذنب ما (كم من حياة ترملتْ فى صناديق البريد بسببى/عاد الأزواج فوجدوا زوجاتهم فى حضن التراب/وأحياناً كانت خطاباتى تذهب إلى العناوين الخطأ/ومرات كثيرة لم تستطع اجتياز الحدود) لقد فشل في أداء مهمته باعتباره مسؤولا عن القرية من حيث كونه المتعلم الذي ينبغي أن يقود مجتمع القرية إلى حياة أفضل، ولكنه فشل في ذلك؛ فقد ضاعت حيوات كثيرة بسببه، فالأزواج الذين خرجوا باحثين عن الحياة الكريمة عادوا فوجدوا زوجاتهم في حضن التراب، فقد ضاعت حيواتهم بسبب فشل ذلك المتعلم/كاتب الخطابات في الحفاظ على هذه الحيوات، فهل كان مجرد كاتب خطابات؟! أم أن القصيدة إدانة للمثقفين الذين فشلوا في انتشال المجتمع من مآسيه؟! وهل كان كاتب الخطابات رمزًا للمثقفين، والمتعلمين الذين كان ينبغي أن يأخذوا على عاتقهم تطوير المجتمع؟ ومن ثم تصبح القصيدة إدانة للفكر والثقافة وأهلهما الذين اكتفوا بالكلام دون الفعل وفشلوا في تطوير المجتمع فتركوه نهبا للجهل والفقر والمرض، ومن ثم تصبح القصيدة سيرة ذاتية للمجتمع إلى جانب كونها سيرة ذاتية للشاعر/كاتب الخطابات، ذلك المجتمع الذي أفنى حياته في تعليم أبنائه ليكونوا فاعلين، ولكنهم لم يستطيعوا الحفاظ على بنية المجتمع متماسكة، ولا الحفاظ على حيوات أهله، وقد سجَّل كاتب الخطابات ذلك صراحة (كم من حيوات ترمَّلت في صناديق البريد بسببي) ولفظ (كم) هنا دال على الكثرة، وفي إشارة أخرى دالة على الفشل يسجلها الشاعر/كاتب الخطابات قائلا (وأحياناً كانت خطاباتى تذهب إلى العناوين الخطأ) فما المقصود بالعناوين الخطأ؟ هل يقصد بها فشل الحلول المصروحة للخروج بالقرية من أزماتها؟ فلا يمكن اعتباره مجرد تعبير عادي، ثم يصل الإقرار بالفشل مداه في قوله (حتى تحولتُ إلى خطاب أرسل منذ زمن بعيد لكن لم يصل عليه جواب) فكاتب الخطابات لم يستطع انتشال مجتمعه من مآسيه، وتحول هو الآخر إلى نسيج ضائع من أنسجة هذا المجتمع، لم يعد المثقف/كاتب الخطابات هو السيف القاصم لظلام العقول والقلوب، ولا مؤرخ الشعوب وأمجادها ومحررها من مآسيها وأمراضها المزمنة، بل أصبح جزءا من مأساتها، وعلامة بارزة على فشله وفشلها، وقبل أن ننتقل إلى الجانب الثاني من جوانب التشكيل السيرذاتي وهو الجانب الإبداعي التخييلي لابد من العودة إلى ما أشار إليه جورج ماي في كتابه السيرة الذاتية عن دوافع استعادة الذكريات والبوح بها لنقرر أن الدوافع لدى الشاعر/كاتب الخطابات كانت مختلطة بين دوافع عقلانية تمثلت في الإدلاء بشهادة على أحداث اختزلتها الذاكرة الحياتية للشاعر، ودوافع عاطفية تمثلت في محاولة لعثور المرء على معنى لوجوده.
كاتب الخطابات
شعر : البهاء حسين
كان يربّى الكلمات فى فمه
كما تربى أمه الكتاكيت فى باحة البيت
تلك التربية التى لا يمكن أن تعرف
كم من السنوات استغرقت ولا كم من التجاعيد
لكنها تظهر فى اليدين
*
كان يتصرف فى حصة القرية من الكلمات
كأنه وريثها الوحيد
بحيث يجد لكل قلب ما يناسبه
يعرف من انتصاب الحلمات
أن إحداهن تريد أن ترسل خطابًا إلى زوجها المغترب
من شحوب الوجه
من اللوعة
من اشتياق الملامح ليد تلمسها
من العين حين تلمع وتصبح سريرًا
يعرف أن السيدة بحاجة لأن تتقمص دور ملاءة تتلوى
وحين لا تتوفر الكلمات التى تلبى الحب
يلجأ إلى تذكيرها بأحزانها
ربما أرادت أن ترسل خطابًا إلى أخيها الذى مات فى الحرب ولم يجدوا جثته
فأرسلوا أشياءه بدلاً منه
الجورب الغليظ وبقايا جرة المشّ
وصورة مكرمشة لحبيبته
ولأن كاتب الخطابات لا يجد عند السيدة دموعاً تكفى لنصب مأتم
يستلف من الرصيد الحىّ كلمات مؤثرة
تقبّل المرسل إليه والعنوان
وعندما ينتهى
تلزق السيدة الخطاب بلسانها
لتطمئن على أنها أحكمت المظروف على الوحشة
*
ياما كتب عن نفسه
وهو يكتب للأرامل خطابات يستنجدن فيها بالحظ
كان يقول إن طرقات القرية أكثر حظاً منهن
حيث تمشى فيها البغال والحمير عارية
لا شىء يستر رغباتها
كان يكتب أن الأرامل أولى من الطرقات بهذه التلقائية
لكن لم يعرف أبداً لمن يوجه الخطابات !
*
حتى القرية
كان يكتب بالنيابة عنها خطابات إلى الله
عن انتظارها المزمن
عن البلهارسيا قبل أن تتقوض سلطتها
عن الأقفال الصدئة التى ملَّت دورها
عن البيوت الواطئة التى لم تكن قادرة يومًا على تبرير فقرها
كان يكتب أحياناً فى الهواء
دون أن ينسى وضع النقاط على الحروف
غير أن الله لم يكن يحفل بالرد على ولد
يستخدم الدموع على أنها حبر أو كلمات
*
يا الله
الأرامل ما زلن ينتظرننى
وشوارع القرية أخذت منى خطواتى على سبيل الرهن
لحين الوفاء بالدين
فلا تحرج أصابعى
أقلامى الجافة التى كتبت إليك
أن تسمح لـ " أبى " بزيارة أمى
حتى فى أحلامها
أن يستأذن من قبره ساعة كل ليلة ويترك لها
ما يكفيها من المصاريف والقبلات
كى تكفّ عن البكاء
*
أنا كاتب الخطابات يا رب
كانت السطور تجرى تحت يدى كما تجرى السنوات دون أمجاد
بالعكس
كم من حياة ترملتْ فى صناديق البريد بسببى
عاد الأزواج فوجدوا زوجاتهم فى حضن التراب
وأحياناً كانت خطاباتى تذهب إلى العناوين الخطأ
ومرات كثيرة لم تستطع اجتياز الحدود
أنا كاتب الخطابات
عشت عالقاً
أتجول فى المسافة بين كل قلبين
حتى تحولتُ إلى خطاب أرسل منذ زمن بعيد
لكن لم يصل عليه جواب .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى