ناصر سالم الجاسم - أغنية الحطاب الأحدب

القمر بدر وطيور الليل تصلي في أعالي الجبال وفوق الغمام وفي الصحاري المتربة الشاسعة وعلى سطح البحر وفي الأودية، والجنيات مشطن شعورهن الطويلة وطيبنها وفررن من بيوتهن ومن أجساد النسوة المسحورات إلى ساحات الرقص والغناء يحملن الدفوف، وذكور الجن من المردة والعفاريت تركوا حراسة الأموال والكنوز ونقضوا عهود السحرة وتمردوا عليهم وتعطروا بالبخور الأسود الصلب الذي يغرق في المياه وتزعموا في أماكن الاحتفال باكتمال القمر..

والحطاب الأحدب بعد أن أعانته زوجته في مغادرة الفراش اعتد بعدة الاحتطاب، فأسه وحباله، ليغنم أجود الحطب قبل زملائه ويبيعه في السوق قبل أن يصفوا حطبهم إلى جانب حطبه، لم تعنه حدبته الشديدة في أن يقف منتصباً في الصحراء القريبة ليحدد بعينيه مواقع جديدة للاحتطاب فسار بفأسه وحباله كيفما اتفق وبلا هدى، وتباشير الفجر الأولى تزيد طيور الليل صلاة، وتزيد الجن هيجاناً في الغناء وفي الرقص وكأنهم في خوف من أن يحل مغرب الجن ويتنفسن صبح الإنس، ويخلص الزمن الذي ينتظرونه كل شهر..

لم تكن الحطبات الأولى التي جناها بمرضية له فتوغل أكثر في الصحراء ونور القمر الكثيف يطمئنه بأن عينيه ستبصران هوام الأرض قبل أن تنال منه في يديه أو قدميه، ضوء على ضوء وأغصان الشجر اليابسة وجذوعها تتكسر على يديه وغناء الجن يقصد أذنيه: الأربعا والخميسه، الأربعا والخميسه، الأربعا والخميسه، الأربعا والخميسه، الأربعا والخميسه، الاربعا والخميسه ...

حزم ما قطع من حطب بحباله وهو يغني ويرقص، يغني الأربعا والخميسه ويرقص، تارة بفأسه، وتارة بحبل من حباله، وتارة بغصن ميت، لم يقاوم كثيراً لذة الغناء الجماعي للجن وحيداً فسيره الطرب إلى مكان الاحتفال ودخل ساحة الرقص وشعور الجنيات تسوطه من كل مكان في جسده وأكثر سطوها على حدبته، دخل مغنياً: الأربعا والخميسه والجمعة الأنيسة فرددت الجن خلفه من فورها: الأربعا والخميسه و الجمعة الأنيسة، الأربعا والخميسه و الجمعة الأنيسة، وكأنها كانت تنتظر وصوله لتعثر على ضالة الغناء والرقص ليكون الاحتفال طرباً على طرب، وغناءً على غناء، وطيور الليل بدأت تنهي صلاتها وتنفض ريشها..

ابتهج زعماء الجن بأغنية الحطاب الأحدب: الجمعة الأنيسة، فتهامسوا بينهم وقد قرروا مكافأته، فأخذوه عندهم بعدما اختفوا من المكان تاركين فيه أثار أقدامهم ورائحة بخورهم وطيبهم!


حلّ الضحى في بيت زوجة الحطاب الأحدب، وحلت جاراتها حولها، وحلّ فوق حجرها قماش جديد ابتاعته من بائع الأقمشة الجوال على حماره، وحلّت في يدها الإبرة والخيوط.

خيط على خيط في ثقب الإبرة لتخيط لنفسها سروالاً تهنأ به مع زوجها، وتطلب من جاراتها أن يؤمنَّ على دعائها:" قولوا آمين إن شاء الله أتهنى فيه مع أبو عيالي" ، كان بودها أن تفخر به، وأن تزين لهن صورته، وتطمس من ذاكراتهن حدبته الشوهاء، وتحكي لهن عن سلاحه الليلي الذي يشبه الهلال طولاً وعرضاً إذا هم بها وهمّت به، ولكنها خشيت أن يخطفنه منها، أو أن يأتي لها بضرة تكون واحدة منهن فسكتت، وواصلت تجريب سبل القماش على فخذيها وساقيها وهي واقفة لتتأكد من سلامة المقاسات، ووقفت معها إحدى جاراتها والمقص واقف في يدها وزوائد القماش تتساقط على الأرض، لتستخدم فيما بعد لغسل الصحون والقدور القليلة!!

انصرفت الجارات بعد أن انتهت خياطة السروال، وتم تعليقه على المسمار المثبت في جدار الطين، دخل الحطاب بيته وكيس ذهب فوقه كيس فضة فوق رأسه، ولم يكن فأسه فوق ظهره، وقد اختفت حدبته وهو يغني ويرقص: الأربعا والخميسه والجمعة الأنيسة الأربعا والخميسه والجمعة الأنيسة، فهبت زوجته قائمة وارتدت سروالها الجديد بسرعة وصارت ترقص وتغني معه: الأربعا والخميسه والجمعة الأنيسة، الأربعا والخميسه والجمعة الأنيسة!!

2008

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى