محمد عكاشة - الإسفنج..

حين خلق الله الإسفنج
عرف الإنسان
الناحية الأخرى للحياة
وعرف كيف يكون مطاطيا إلى أبعد مدى
وكيف يمتص الطلقات المتجهة نحوه
ومتى يكسر الصلابة بليونة واحتواء
وعرف أن الماء معبأ بكائنات لاتراها العين
ولكن يراها الإسفنج الراقد في عمق البحر
تماما كما يرى اللصوص المختبئة في الغابات المرجانية الملونة
وهم يتربصون لذبحه
رغم علمهم أنه سرعان مايندمل الجرح وينمو جسده ويتمدد
لأنه كأسفنجي لا تغتاله الخيانات هكذا ببساطة
ولأنه طري وناعم
تعلم أيضا كيف يمتص فريسته بسرعة خاطفة
الإسفنج هذا الكائن الرخو الذي يتناسل ليعرف المستضعفين كيفية صد هجمات الغدر
ويعرف الإنسان أن الليونة أقوى من الحديد
وأن للإنسان جسدا أخر من الإسفنج
قادر على أن يشكل العالم كيفما شاء
لهذا كنت أود أن أكون قطعة إسفنج مبتورة من حيوان رخو في عمق البحر
اقتطعها صياد يعرف ماهية الإسفنج
وألقى بي في بركة ملوثة كي يقتل خلايايا الحية كتمرين على مواجهة الحياة خارج الدائرة
كي يستخدمني كمقعد تجلس عليه فتاته العذراء
فأنعم بحراراتها وأمدها بدفئي
أو يشكلني كدمية على هيئة دب ملون
يلعب بي الأولاد في مخيم للاجئين
وأراوغهم بطراوتي
أو يجعلني كلوحة إعلانات يعلق عليها الأوراق بدبابيس يغرسها في جسدي
أو يستخدمني كمساحة تمتص الماء وتعصرني زوجته بيديها البضتين
وأنا أتأوه من الألم
أو كأرضية في ملهى يتقافز عليها الأطفال بمرح وسعادة من فرط ليونتي
أو كأرضية أسفل لاعب سيرك يمشي على استقامة خيط رفيع بشجاعة
لأنه يعلم تماما أنني مفروش على الأرض لحمايته
لهذا كنت أتمنى أن يخلقني الله حيوانا إسفنجيا يدرك تماما كيف يعيش الحياة

محمد عكاشة
مصر
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى