محمد عارف مشّة - حين سقطتُ أرضا كنتُ سمكة.. قصة قصيرة

أتبعه . اواصل ركضي اللاهث خلفه ، أقمع خوفي ، أقمع تعبي ، سقوطي ، جوعي الذي يعتصر معدتي ، عطشي ، رغبتي في الصراخ الخائف ، أقمع خوفي ، أقمعّني وأتبعه ، يصلُ الجدار ، أقفز الجدار ، يسقط في الحفرة ، أتبعه في سقوطه الغبي ، أساعده ، أُنهضني . أتابع ركضي .
أتوقفُ في شارع يلوك المشاة ، سيارات كثيرة ، محلات كثيرة ، ملابس نسائية ملونة ، ذقون ملساء لامعة . وجوه كادحة فقيرة . يُتعبني ركضي . أتوقف لاهثا أمام محل يبيع الأسماك ، أقف مقابل حوض فيه أسماك ملونة كثيرة ، قوية وضعيفة خائفة ، بعضها يطفو على السطح ، بعضها يعوم في القعر . السمكة السوداء الصغيرة تخرج لسانها ، تلعق الحجارة ، تنقل الرمل بجد واجتهاد .
صاحب المحل في حوض السمك حبيبات صغيرة ، الأسماك الكبيرة تلتهم كافة الحبيبات ، السمكة السوداء تواصل لعق الحجارة الملوثة ببراز الأسماك الملونة . يدّ تلامس كتفي ، يصيبني ذعر .

أنت السمكة السوداء .... جاء لي صوت اليد التي لامست كتفي . نظرت نحو اليد ، خفتُ ، خرجتُ من حوض السمك ، ركضتُ ، لحق بي ، كنتُ اطارده ، كان أمامي . صرت أمامه ، وصار يطاردني . يشاركني في خوفي ، أشاركه في ذعري .
انفاسنا لاهثة ، قدمانا تصطك خوفا منّا . جريمتنا واحدة ... جريمتنا ؟ هل فعلا قمتُ بقتله ، أم أني قمتُ بقتلي ؟ كلانا مجرم ... مجرم ؟ هل نحن مجرم ؟ مجرم ؟ مجرمان ؟ ثلاثة مجرمون ... خمسون ... مائة ... ملايين

كنتُ سجينا في حوض السمك ، صرتُ سجينا خارج حوض السمك .. همستُ بهذا لنفسي . اقتربتُ مني ، زاد خوفي ، واصلتُ ركضي ، واصل لهاثه خلفي .
ليس مهما مَن يركض خلف مَن ، ليس مهما مَن يطاردني أو أطارده . كلانا يلهث . السمكة السوداء داخل حوض السمك ، السمكة خارج سجن حوض السمك ، تلهث . كلانا يلهث . سمكتي تلهث . أنا ألهث .. يكاد نبض قلبي يتوقف . أنفاسي تخنقني ، تعبي يخنقني ، خوفي . قهري . أنا يخنقني .

وصلت حيث أوقفت سيارتي ، بحثتُ عنها ، لم أجدها ، بحثتُ عن مفتاح في جيبي يدُلني على مكان سيارتي ، لم أجده ز تذكرتُ أني لا أملك سيارة . كتمت خوفي . تابعت سيري على قدمي نحو بيتي . وصلت المكان ، وصلتُ باب بيتي ، طرقتُ الباب بخوف ، خرجت لي امرأة كنت أعرفها ، نظرت لي بدهشة ، صرخت متلعثمة ، جاء رجل يشبهني ، سألني من أنا ... تلعثمتُ خائفا . سألته : مَن أنا ؟ .. بكى الرجل . ابتسم . قهقه . سألني متى عدت ؟
ــ عدتُ ؟ سألتني وأضفت : عدتُ من أين ؟
  • وهل يعود الموتى ؟ ... سقطت المرأة أرضا . سقط الرجل الذي كان يقف خلف المرأة . سقطتُ أنا . نظرتُ خلفي . لا زالتُ أطاردني .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى