سعيد العساسي - هَا أَنْتَ.. شعر

هَا أَنْتَ،
كُلَّمَا تَوَغَّلْتَ فِي مُرَبَّعِ الْحَيَاةِ
بَيْنَ حَرَكَةِِ وَسُكُونْ
وَأَنْ لاَ تَكُونْ
نَبَتَتْ تَحْتَ أَقْدَامِكَ الحَاجَاتُ، حَتَّى لَكَأَنَّكَ فِي غَمْرَتِهَا مَخْمُورُُ فِي حَانَةِِ لاَ تَفْتَحُ أَبْوَابَهَا أَمَامَ الْمِرْآةِ ، وَلاَ يَطُوفُ بِهَا المَارَّةُ
أَوْ تُعْوِزُهَا الإِسْتِجَابَةُ.
تَقَعُ يَدُكَ فِي الْحِنَّاءِ كَمَنْ يُلْقِي السَّلاَمَ
يَدُكَ الْمُخَضْرَمَةُ الْمَمْدُودَةُ بِالْمِرَاسِ، تَكْتَسِبُ جَاذِبِيّةَ الْمَعَادِنِ، يَصْعَدُ مِنْ أَصَابِعِهَا طَعَنَات الدَّهْرِ ، وصُرُوفُ مِيزَانِ الذَّهَبِ ، وَيتَلاَشَى فِي خُطُوطِ كَفِّهَا الكَنْزُ الكَامِنُ.
يَدٌ كَلَّمَها المِنْجَلُ والمِطْرَقَةُ، سَاوَرَتْهَا حِكَايَةُ الخَلْقِ وَأُسْطُورَةُ التَّكوين
آنَ لهَا أنْ تَكْتُبَ عَنْ شَجَرَةِ النِّسْيَانِ وَالدِّمَاءِ الَّتِي تَجْرِي فِي العَتْمَاتِ
يَدُكَ المُخَضْرَمَةُ المُحْضِنَةُ لِرُفْقَةِ الطَّرِيقِ الشَّاقِّ لِلأَبْعَادْ.
بِمَاذَا ستَخْرُجُ منْ صَحْرَاءِِ مُسْتَبَاحَةِِ
وضَبِِّ يَسْتلْقِي تَحْتَ ظِلِّ حَجْرَةِِ
وهَيْكَلِ نَاقَةِِ نَافِقَةََ بِلاَ أَطْرَافْ

هَا أنْتَ
يُذكِّرُونَكَ بِالْبَحْرِ المُتَوَسِّطِ، فتَنْسَى قَوارِبَ المَوْتِ
يَسْتَعْدُونَك بالرَّصَاصِ، فتُدْمَى الهُوِيَّةُ بِالمِيَاهِ الإِقْلِيمِيَّةِ

هَا أَنْتَ
يَسْتَفْتُونَكَ عَنِ الرَّحِيلِ ، فَتَأْبَى الكَلاَمَ
يُعجِّلُون بِالسَّرَابِ، فتُصَابُ بِالذُّهُولْ

هَا أنْتَ
يَدُكَ فِي فِتْنَةِ الأَسْمَاءِ
لَكنَّكَ تُغَلِّفُ الصِّفَات
بِعَدَدِ الصَّفحَاتِ
تَعَالَ إِلَى جَبْهَاتِ مَعَارِكَ وَفُتُوحَاتِِ تَتَبَادَلُ الأَسْرَى مِثْلَمَا يَحْدُثُ فِي الْحَرْبِ البَارِدَةِ
تَعَالَ إِلَى هَوْلِ ما تَحْمِلُ الكَلِمَات وَهِيَ تَهْوِي
فِي الأَمْكِنَةِ الْمَهْجُورَةِ وَالبِحَارِ الْمَسْجُورَةِ وَأَرْصِفَةِ النَّزِيفِ
تَعَالَ، دَوَائِرُ الزَّمَانَ مَوْصُولَة بفَجِيعَتِكَ
أَنْتَ الَّذِي

مَا مِنْ لَيْلَةِِ بَارِدَةِِ إلاَّ وَمَنَحَتْكَ جُوعَها وَيُتْمَها الأَبَوِيّ
مَا مِنْ حَرْفِِ إلاَّ وَنَفَثَ في سَبُّورَتِكَ أَصْوَاتاََ كَاسِيَاتِِ عَارِيَاتْ

هَا أَنْتَ، هَا أَنْتَ
لَمْ تزَلْ مَشْمُوما بَيْنَ نِثَارِ الأَزْهَارِ
وَانْتِفَاضَةِ الْغَابِ.

هَا أَنْتَ
جَحِيمُُ أُخْرَى تَتَّقِدُ مِنْ تَحْتِكَ
وَأَنْتَ تَتَمَرَّغُ فِي رَمَادِ النِّدَاءَاتِ
لَسْتَ فِي هَوَسِِ وَلاَ يَسْلُبُكَ التِّيهُ،
إنَّهُ هُوَ، إنَّهُ هُنَا،
جَسَدُُ يَخْتَزِلُ النَّارَ الزَّرْقَاءَ
بُخَارُ مَاءِِ صِنْدِيدِِ يَتَقَطَّرُ مِنْ أَنَامِلِهِ
يُؤَنِّثُ المَكَانَ بِخُرَافَاتِ الشَّهْوَةِ الفَاتِكَةِ.

هَا أَنْتَ
فِي حَضْرَةِ الْمَوَاكِبِ،شَمْعَةُُ، فِي احْتِرَاقِهَا يَعْبُرُ الآخَرُونْ.

نُصْغِي إِلَى مَرَاجِلِ دَمِكَ فِي فَوْرَةِ الأَدْخِنةِ
مِثْلَ فَحْمِِ يَرْتَوِي بِنَارِِ مَهِيلَةِِ

هَا أَنْتَ
تَرْنُو إِلَى الثُّقُوبِ السَّوْدَاءِ كَأَنَّهَا فِي الحُلمِ البَعِيدِ
وَكُلَّمَا ظَفِرَ عَرَقُ الجَبِينِ مِنْ ضَمِيرِِ
رَاحَ الطُّغاةُ يُهَجِّجُون زوجاتهم تحت قَصْفِ المتعة.

شبح يطيب له أن يسكنك بهواجسه
من طبيعة الآخر إلى عبق الولادة
وتسنح لك الصدفة أن تسأل: آخر أم جحيم
وتسنح للأقصى أن يفقد المناعة
ويموت.

يخطئ الخطة
كأنه وجه الخطيئة المربكة للخطى
كأنه صوت الذاكرة موشومة بملح الأعالي
وأنت
كأنه هو

ها أنت
كيف، ترى إلى كتائب الظلام تقود جوقة المبصرين إلى الكلام المريض بالنجم الشارد
وأنت
في شرك الهوية
لا منتمي
ويغيض الوطن من وجنتيك.

ها أنتَ
ذوبان أنساغ تتناسل، تتجاسر على شبح شاعر يكاد يكون شبحك، وصوتك يتقَطَّعُ مِنَ النَّفَسِ. ترى،
وتسمع
الخطوات تتهدَّل على أوهامك السكرى
ويحكى أنَّكَ جئت هل أنتَ؟
ويحكى عنك اللغة هل أنت؟

ها أنت في جبة البهلوان تستحضر
أرواح الأسئلة المبتلة برائحة الزعفران
تَسْتَدْعِي فَتَاتَكَ المُتَقَصِّدَة
مثل سمكة في قفص من زجاج
وترسم دائرة لبحر مفرغ من الأعشاب المرجانية
هل تسمع نداء مدويا يهدر بك:
تَشبَّتْ بوحدتكَ

تذكر؟!
قلت لي: أية قصيدة هذه التي تلج بنا إلى العوالم!
وكانت كل الأوتاد مشدودة بها.
وقلت: حين أصل سدرة المنتهى
سيكون الدم الهارب كفيلي.

ها أنتَ،
تَرَى مَا حَلَّ بِنَا بِسَبَبِ الكَارِثَةِ.
نُهَيِّئُ لكَ مَا اتَّخَذْتَ سَبَبَا لِتَكُونَ انْهِيَارََا لِسَدِّ الأَبجَدِيَّةِ
لِتَكُونَ ذِكْرَى رَحِيلِِ
وَزَوْبَعَة دَمْعِِ غَزِيرِِ
يَصُونُ سِرَّ مُصَاحَبَةِِ لِخَيْرِ جَلِيسِِ.

هَا أَنْتَ،
لاَ تَنْوِي الخُرُوجَ، فَكَيْفَ خَرَجْتَ؟
منْ جَسَدِكِ لِتَدْخُلَ في جَسَدِِ آخَرَ تُشَارِكُهُ النَّوْمَ مع صَدِيقَتِهِ التَّجْرِبَة.

كَأَنَّكَ فِي النَّزْعِ الأَخِيرِ مِنَ المَسْرَحِيَّةِ
مَنْ يَرَاكَ يُوقِنُ أَنَّهُ سَيُصَابُ بِالرَّحِيلِ
وأَنْتَ تَتَقّمَّصُ عَطَشَ العَاصِفَةِ.

هَا أنْتَ.. تُبحِرُ بلا خريطة هاربََا من خرائب تُسمَّى مدُناََ
تُمشِّط شَعْرَ اللَّيل وحيداََ، مكشوفا في العراء، لا صديق لكَ غير شعلة من نار يهدهدها النسيم. لماذا لا تهجع وتَذَرُ النُّجوم تلسع عقارب ساعتكَ؟

لا أحد عَرفَكَ أَوْ يَعْرِفُكَ قَبْلِي
أنتَ المفتون بالغياب ونَهارُكَ دوماََ بلا نافذة
جَمِّعِ الدَّمْع في أحداقكَ وكنْ رَجُلاََ من القريتين عظيمُُ
وتعال إليَّ
لا تخاف من الخيانة اليوم، فلا نَجَاةَ إلاَّ بالخيانة !
ولا تُسَمِّي مُدُنَكَ دَعْهَا تستريح وتستلقي في حَمْأَةِ اللَّيل
هذا القماش الذي يغطِّي أشلاء طفلِِ تَرْثِيهِ
هذا البيت الضَّاجُّ بالحكايات و الأشباه
هذا الفضاء الذي يكتب عن نجمة تَرْفُلُ في اليَقظَةِ المُمَوِّهَة
هيَّا
تَرجَّلْ عن فِرَاسَتِكَ الحَمْقَاءَ وكُنْ أنتَ التَّيَّارَ البارد بين الضُّلُوعِ والمسيرةَ الغَرَّاءَ بين شَهْقَةِ القَرْيَةِ والقُرْبَان.

هَا أََنْتَ،
تَتْرُكُ المَدِينَةَ فِي غَيِّهَا وَالسَّاحَةَ فِي بَهْرَجَتِهَا. وَتَجُوبُ مَمَرَّاتِ صَمْتِي حَتَّى انْهَمرَ التَّعَبُ مِنْ أَعْصَابِي، ثُمَّ تَقْعُدُ فِي سُمِّ الإِبْرَةِ وَلاَ تَبْرَحُ مَكَانِي.. تَنْتَظِرُ
وَأَسْتَسْلِمُ اَنَا لِسُبَاتِ النِّسْيَانِ.

هَا اَنْتَ،
كَشَاعِرِ الإِثْمِ اللَّيْلِيِّ..
كُلَّمَا صَحَوْتَ عَلَى قَدَرِِ عَاثِرِِ
قَبَضْتَ قَبْضَةََ مِنْ أَثَرِ أَنْفَاسِي
فَنَبَذْتَهَا فِي جَسَدِ النَّصِّ
وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لَكَ نَفْسِي.

هَا قَدْ صَارَ لأَنْفَاسِي زَفِيرُُ يَحْرُسُ الذَّاكِرَةَ
يَأْنَسُ لِغُرْبَتِكَ فِي غَفْلَةِ اللُّغَةِ

وَأَنْتَ٬
فِي شُرْفَةِ الرَّعْشَةِ الآسِرَةِ
تَمْنَحُ لِلصَّرْخَةِ تَاجَ الإِنْتِشَاءْ
وَتَهَبُ لِلأَنْفَاسِ حَرَائِقَ مِنْ كَلاَمِِ
لَا تَكْفِي لاَ لِي وَلاَ لِلَّيْلِ

هَا قَدْ صَارَ لأَنْفَاسِي شَغَفُ الْخُلْوَةِ
وَهِيَ تَنْعَطِفُ فِي جَاذِبِيَّةِ الإِخْتِبَارِ
تَتَشَدَّقُ أَنْتَ.. بِجُرْحِكَ الْمَغْرُورِ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى