محمد عارف مشّه - قرية العُميان.. قصة قصيرة

امرأة بيضاء البشرة ، ممتلئة الجسم بغير سمنة ، لها شعر أسود ينسدل على كتفيها ، سكنت البيت الاسمنتي الوحيد المبني من الطوب ، بين بيوت طينية واطئة . أثار وجودها شهوة الرجال وغيرة النساء ، فبعثن أولادهن الصغار لاستطلاع أمر المرأة ، التي سكنت البيت الاسمنتي وحيدة ، تنتظر قدوم زوجها .
لم تقتنع النسوة بمبررات وجود امرأة غريبة جميلة لوحدها ، تأتي لتسكن في بيت كبير وجميل كهذا ، بناه غريب منذ زمن ، ولم يسكنه . فقيلت الشائعات أن الغريب سافر ، ولا أحد يعرف موعد عودته ، فبقي البيت مهجورا ، ونسي أهل الحي صاحب البيت ، وظل كأي شيء لا فائدة منه ، يشاهدونه كما يرون حجرا أو صخرة .
في صباح يوم شتوي ، نقل الأولاد عن سيدة البيت ، أن زوج السيدة سيأتي بعد يومين ، فانتشر الخبر ، كما تنتشر النار في القش . ارتاحت أعصاب النساء لهذا الخبر الذي سيمنع أزواجهن من مغازلة المرأة ، او الهذيان باسم المرأة في احلام نوم أزواجهن والهذيان باسم المرأة سّرا .
ازداد قهر الرجال وحسدهم للزوج الذي ينعم بكل هذا الجمال . أما الصبايا ، فقد صرن يرسمن ملامح الزوج ، الذي نال موافقة سيدة البيت الاسمنتي للزواج منه .
ــ لابدّ أن يكون طويل القامة ، ممشوق القوام ، له شاربان رفيعان كمثل الذين يظهرون في الروايات . هكذا قالت سميرة الطالبة في المدرسة لرفيقتها .
  • لابدّ أن يكون ثريا .. قالت رفيقتها باقتضاب ، ثم سرحت بخيالها ، ترسمه فتى أحلامها ، بعيدا عن أحلام سميرة الزواج به .
قبل الغروب ، توقفت سيارة صغيرة أمام بيت السيدة ، تجمّع أولاد الحي ، النساء ، بعض الشباب ، والرجال يرقبون السيارة . لحظات نزل منها رجل يرتدي نظارة سوداء ، ويحمل بيده حقيبة جلدية ، أسرعت السيدة نحوه بلهفة ، عانقته ، قبّلته أمام رجال الحي بلا خجل ، سحبته من يده ، وسارا نحو مدخل البيت .
البعض قال أنه ضرير . البعض الاخر قال أنه زوجها ، البعض الكثير قال أنه زوجها وضرير . رفضت ام سعيد ثم قالت : كيف تقبل امرأة بهذا الجمال زوجا ضريرا مثله ؟
غمزت جارة أم السعيد بعينها مكرا وإثارة ، ثم قالت : ربما يمتلك شيئا أكبر وأكثر نفعا من البصر ، ضحكت النسوة بمكر وأنوثة .
دخلت سيدة البيت والرجل ، خلع الرجل نظارته . مازحته قائلة : يا أعمى . ضحك ضحكة صغيرة ، قاطعها قائلا : يجب أن لا يشك أحد بأني ضرير . ثم أخرج من الحقيبة الجلدية عددا من علب حلوى صغيرة ملفوفة بورق لامع بلون أبيض وأزرق ، وضعها على الطاولة أمامه .
ضحكت السيدة ضحكة باهتة ثم سألت : هل أصبحت منهم ؟
ــ ممَن ؟
  • من أبيض وأزرق ؟ــ تقريبا .نهضت من مكانها ، سكبت له كأس خمر ، ثم قالت : أنا لن أتخلى عن البيبي .
تناول الكأس ، دلقه بفمه دفعة واحدة ، ثم قال : كلانا متفقان يا عزيزتي بنفس الهدف . الأسماء ليست مهمة ... تعالي وافهمي ما سأخبرك به بخصوص هذه ، وأشار إلى الحلوى على الطاولة ، البيضاء للأطفال والشباب

ــ واللون الأزرق ؟ سألت السيدة

  • للرجال والنساء
ـ لا تخطئي وانتبهي ، منذ الصباح قومي بدعوة عدد من الأطفال وقومي بتوزيع الحلوى عليهم
في الصباح قامت السيدة بدعوة بعض أطفال الحي ،وقامت بتوزيع الحلوى بسبب عودة زوجها ، عاد الأطفال فرحين إلى بيوتهم ، تذّوقت أم السعيد قطعة الحلوى ، وأعطت ما تبقى لابنها . جارة أم السعيد صادرت الحلوى من ابنتها ، وأخفتها لها ولزوجها ليلا ، علّه يستيقظ ما به من برود .
مضى نهار الحي وليله بشكل طبيعي . عاد بعض الرجال بالحلوى الزرقاء ، ونالت بعض النساء نصيبهن من حلوى الأزرق . نال غالبية الأطفال والشباب وصبايا الحي من حلوى الأبيض . ونامت القرية سعيدة ، وقد نالت جارة أم سعيد أكثر مما حلمت من زوجها تلك الليلة ، ولربما حلمت بشكل المولود الذي ستنجبه ، من صولات الزوج وجولاته معها . لكنه لم ينجح بإكمال ما بدأه ، فحزنت ونامت مقهورة .
استيقظت ام السعيد على صوت ابنها صارخا بفزع ، عيناها مغلقتان . عجزت عن فتح عينيها . صرخت . استيقظ زوجها . حاول فتح عينيه . فشل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى