حاميد اليوسفي - نية الأعمى*.. قصة قصيرة

غسلت الأم وجه طفلها ، وفحصت عينه اليسرى ، فلاحظت انتفاخا طفيفا في لحمة إحدى العينين . كان عليها أن تأخذ يوما كاملا كعطلة ، ولا بد أن تركب الحمار ، وتًعطّل عبد الله عن الحرث ، لتذهب إلى المستشفى الذي يبعد عن الخيمة بأكثر من عشرة كيلومترات . ولا بد أن تكون محظوظة ، إذا وجدت الممرض الذي تعتقد بأنه هو الطبيب في المستوصف ذلك اليوم ، ويفحص ابنها ، ويقدم له المرهم الأصفر ، ويطلب منها أن تنظف يدها قبل أن تضع قليلا منه بداخل الجفنين ، وإلا عليها العودة في الغد .
لم يحدث شيء من ذلك . لأن الحمار لابد أن يعمل ، وهي لا بد أن تعجن ، وتنتظر أن يخمر الخبز ، وترميه في الفرن وتخرجه عندما ينضج . ثم تهيئ برادا من الشاي وتلفه داخل قطعة من قماش حتى لا يبرد ، وتأخذ معها قنينة زيت الزيتون وصينية من البلاستيك و (الزلافة)* والحصير الذي يتسع لشخصين أو ثلاثة ، وتضع كل ذلك في قفة . ولا بد في منتصف الطريق أن تشد الطفل خلف ظهرها بالركاب ، ثم تقطع ما تبقى من الخمسة كيلومترات مشيا على الأقدام ، حتى تصل إلى قطعة الأرض التي يحرثها عبد الله . وهو عمل تقوم به كل يوم لمدة أسبوع قد تزيد بيوم أو يومين . ويتناولان طعام الغذاء معا ويعودان في المساء قبل غروب الشمس .
في الحقيقة لم تفكر كثيرا في الأمر . نصحته بعدم حك عينه بيده ، ووعدته بأنها ستعطيه حبة شعير وتطلب منه أن يضعها بين حجرتين بعد أن ينصب سبعة أحجار بالقرب من الطريق المحاذي للأرض التي يفلحها والده ، عسى أن يمر شخص ما ، ويبعثر اصطفاف الأحجار السبع وتسقط حبة الشعير ، ويتعافى الطفل من المرض .
لسوء الحظ وهم عائدون في المساء وقبل تعثر والده بالأحجار السبع صرخ الطفل :
ـ (بّا لاّ لاّ لاّ) .
كان قد فات الأوان فتهاوت الأحجار السبع على الأرض وسقطت حبة الشعير .
المعجم :
ـ نية الأعمى : أصل العبارة : نية الأعمى تجيء في عكازه : مثل مغربي يقال لمن يريد الشر لغيره ، فيحيق به . لأن عصا الأعمى هي مرشدته ، وإذا أصيبت بعطب فقد يلحق به الأذى .
ـ (الزلافة) : آنية مشهورة لشرب الحريرة بالمغرب ولها استعمالات أخرى كأن يفرغ فيها الزيت وغمس قطع الخبز فيه قبل تناوله مع الشاي .

مراكش 03 يناير 2021


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى