نزار حسين راشد - ملامح للرواية المعاصرة:البطل والبطل المضاد

الحبكة ،العقدة،والحل هل، لا تزال هذه العناصر الثلاث سائدة ومصدراً للتشويق في البناء الروائي،لا بل إن السؤال الأكثر جدارة هو:هل لا تزال الرواية الحديثة تعول على البناء الدرامي كمصدر لتشويق القاريء،ودفعه لمتابعة الصفحات وصولاً إلى النهاية؟
لا شكّ أن رواية جيمس جويس"عوليسس"أحدثت انقلاباً في هذه المفاهيم،فالمشاهد تتابع وكأنها شريط عرض لصور من الحياة على القاريء نفسه استنتاج الروابط فيما بينها،واشتقاق الحبكة! لا بل إن الزمن يتداخل في ثنايا الرواية وعلى القاريء أيضاً تتبع مساراته واقتفاء آثاره.
وهذا تقريباً ما فعله هاروكي موراكامي في روايته الطويلة على غرار عوليس تماماً"كافكا على الشاطيء"!
وإذن فلماذا يقبل القاريء أن يبذل جهداً إذا كان يسعى للمتعة والتسلية!
وهل فعلاً تبدلت سيكولوجية العلاقة بين القاريء والكاتب المعاصرين؟
ربما لا تزال الكلاسيكيات العالمية تغري بالقراءة مثل البؤساء وأحدب نوتردام وحرب وسلام والإخوة كارامازوف،والسبب أن مستقبلات المتعة حتى في الذهن المعاصر لا تزال حية ونشطة،إلا انها التحمت بمستقبلات جديدة هُيئت لاستقبال الأعمال المعاصرة المختلفة شكلاً ونوعاً ومع ذلك فقد بنت عناصر التشويق الخاصة بها،ولكن كإضافة وليس كبديل إحلالي عن العناصر التقليدية.
فهل هي طفرة ذهنية أم تبدل في البيئة الثقافية،ام ان الرواية الحديثة تصدّت للإجابة عن الأسئلة الجديدة التي لم تكن مطروحة أصلاً،كالشعور بالعزلة،ورهاب المستقبل،والارتهان للّحظة،ولذا فقد تبدلّت حتى طبيعة الشخصية الروائية فنحن لسنا أمام بطل يقاتل من أجل الفضيلة أو شرير يخون قيمها،فقد تساوى الإثنان في المعاناة بعد أن هدم المجتمع الصناعي منظومة العلاقات وابتلع الآمال الكبيرة وكرّس الفردية، فنحن هنا لسن أمام فرسان ألكسندر دوماس،وإنما أمام بطل يبحث عن خلاص فردي،وسجين في شراك نضال فردي ربما يكون ميؤوساً منه وربما هذا ما أراد فرانز كافكا قوله حين شبهه بالصرصور المقلوب على ظهره،فهو نضال عبثي لا يفضي إلى أي خلاص!
إنه البطل النقيص او البطل المضاد الanti hero.
وإذن فهي ليست التقنيات الموظفة كالتجريد والاسترجاع وتيار الوعي ولا حتى السخرية المريرة،ولكنه المضمون ذاته الذي استدعى توظيف تلك التقنيات للتعبير عن الأزمة.
فالشكل في البناء الروائي لا ينفصل أبداً عن المضمون.
ولنلقي ضوءاً أكثر على ملامح البطل في الرواية الحديثة،دعنا نعرض ملامح شخصية ليوبولد بلووم بطل عوليس جيمس جويس،إنهه شخصية لا أبالية مستسلمة لقدرها،متقبلة للاضطهاد والإهانة من قبل الآخرين ،لقد ساهمت أحداث حياته في بناء شخصيته،موت ابنه وانتحار أبيه وخيانة زوجته،وتصل وضاعته وتقبله لواقعه إلى أنه متقبل لخيانات زوجته حتى أنه يلتمس لها الأعذار! فهو ليس بطلاً بمواصفات الشجاعة والفروسية ولا حتى الدونكيشوتية،ومع ذلك فقد رأى النقاد في سلبيته هذه أبعاداً بطولية فاستسلامه وماسوشيته هي رفض للعنف والشوفينية والتعصب والقسوة،سمات المجتمع المعاصر.
ورحلته العوليسية هي أحداث يوم واحد فقط من حياته يستغرق كل هذه التفاصيل،ومصدر الإحباط والعبث في حياة بلووم، وهو أن هذا اليوم يتكرر بنفس النمط إلى ما لا نهاية،وأخيراً يعثر بلووم على صديق هو ستيفن ديدالوس مدرس التاريخ المتمرد على المجتمع والمتنكر للقيم،ويخوضان معاً معركتهما للخروج من دائرة العبث المُحكمة دون جدوى،ويتوج فشلهما بخاتمة الرواية حيث تظهر مولي زوجة بلووم مستلقية إلى جانبه وهي تستعرض مغامراتها الجنسية مع عشاقها الكثر،في حين يفكر بلووم أنه ربما تفعل ذلك للتغلب على شعورها بالإحباط من حياتها!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى